هجرة إسبانية للمغرب.. والدافع اقتصادي
17:24 - 07 مارس 2012تظهر الإسبانية الشابة "ليا" سعادتها حين تتحدث عن عملها كمربية لطفلين لدى عائلة مغربية تعيش في شمال البلاد، ورغم الأجر الزهيد الذي تتقاضاه إلا أنها تعتبر أن حبها للبلد وأهله، وقرب المغرب من إسبانيا دافعان رئيسيان لقبولها بهذا الحال.
ولا تنكر "ليا" التي عرّفت نفسها باسمها الأول فقط أن أحد الأسباب الرئيسية التي دفعتها إلى الهجرة للعمل في المغرب هي الأزمة الاقتصادية التي تعصف بإسبانيا.
وتقول: "صحيح إنني أحب المغرب وأهله جدا، وأجد نفسي مرتاحة هنا، لكنني لو عثرت على عمل بأجر مرتفع في بلدي لفضلت البقاء هناك."
ووفدت "ليا" (24 عاما) قبل ستة أشهر من جنوب إسبانيا إلى مدينة مارتيل الشمالية، القريبة من مدينة سبتة التابعة للنفوذ الإسباني، للعمل كمربية مقابل أجر يبلغ 1500 درهم مغربي (نحو 177 دولار أميركي).
وكشفت أنها لا تواجه مشكلة بسبب أجرها كونها لا تتحمل مصاريف المسكن والمأكل، ولأنها حصلت أيضا على وظيفة بإحدى مستشفيات سبتة أيام السبت والأحد، يومي عطلتها من العمل كمربية.
وتثير ظاهرة ليا ومواطنين إسبانيين مثلها اختاروا طريق الهجرة العكسية استغراب كثير من المغاربة الذين تعودوا على العكس، وهو هجرة أبناء وطنهم للعمل في دول أوروبية، خاصة في فرنسا وإسبانيا.
ويصل عدد المهاجرين المغاربة إلى إسبانيا إلى 1.6 % من سكانها، ويعدون من أقدم المهاجرين بها.
ومع اشتداد الأزمة الاقتصادية في عدد من الدول الأوربية ، وعلى رأسها إسبانيا عاد آلاف العمال المغاربة المهاجرون إلى بلدهم عند بدء الحديث عن هجرة مضادة.
وفي المقابل وفد في السنتين الأخيرتين عدد من الإسبان إلى مدن المغرب الشمالية من أجل عرض خدماتهم كأصحاب خبرة أو كمستثمرين صغار خاصة في قطاع الفندقة والفلاحة والبناء.
ويتقاضى هؤلاء أجورا ضعيفة أو متوسطة بالمقارنة مع المعايير الأوروبية بيد أنها تكفيهم للعيش في مدن المغرب الشمالية الصغيرة.
ويقول مانويل باكارو، وهو فنان ومصمم ديكور، إنه قدم إلى مارتيل ليعطي دروسا في الفن التشكيلي، وخاصة فن الديكور في المركز الثقافي الاسباني هناك، مضيفا أن الأزمة الاقتصادية كانت بين دوافعه للقدوم إلى المغرب.
وقال: "ما يحدث حاليا في إسبانيا غريب تماما.. كثير من العائلات تقاسي من غلاء المعيشة خاصة في العاصمة مدريد."
وأشار إلى أن الأجر الذي كان يتقاضاه في مدريد كأستاذ لعلوم الأحياء وللفن لم يعد يكفيه لتسديد إيجار المسكن وفواتير الماء والكهرباء والهاتف.
وقال باكو خمينيث، وهو إسباني يعمل بالكنيسة الكاثوليكية في مارتيل: "كثير من الذين يأتون للعيش هنا أصحاب دخول متوسطة أو ضعيفة."
وأضاف أن عدد منهم فضّل القدوم إلى المغرب بسبب موقعه القريب من إسبانيا، وبسبب انتشار اللغة الإسبانية في الشمال، وكذلك العوامل التاريخية، بينما تفضل نسبة كبيرة منهم الهجرة إلى كندا وأميركا الشمالية وأوروبا الغربية.
وقال خمينيث إن المهاجرين الإسبان الفارين من الأزمة ينتشرون في مدن مثل تطوان ومارتيل وطنجة وشفشاون والعرائش والقصر الكبير ويشتغلون في السياحة والزراعة والبناء.
وأوضح أن الكنسية تقدم لهم مساعدات في إطار خدماتها "الاجتماعية".
ورغم ذلك تظل هناك حساسيات تاريخية وثقافية بين المغرب وإسبانيا تعود إلى زمن فتح العرب للأندلس ثم خروجهم منه، وكذلك بسبب استعمار إسبانيا للمغرب في بداية القرن العشرين، كما لا تزال إسبانيا تحتفظ بجيبي سبتة ومليلة الواقعين في التراب المغربي، ويعتبرهما المغرب جزء لا يتجزأ من أراضيه.
ويوافق المحلل الاقتصادي محمد شيكر على تزايد ظاهرة الهجرة الإسبانية إلى المغرب خلال السنتين الأخريين مؤكدا أنها تكشف عن مصلحة مشتركة لإسبانيا مع المغرب في العمل سويا من أجل الاندماج اقتصاديا.
لكن وزير الداخلية المغربي محند العنصر قلل من جهته من حجم الهجرة الإسبانية واعتبرها "مبالغة صحيفة" لكنه لم يكشف عن أرقام تتعلق برأيه هذا.
بينما علق نظيره وزير الداخلية الاسباني خورخي فرنانديث دياث على الأمر قائلا "الأزمة الإسبانية أمر واقع، ونحن مستعدون للتعاون مع الحكومة المغربية."