هل يمثل مؤتمر المانحين نقطة تحول اقتصادي حقيقي لسوريا؟
12:34 - 19 مارس 2025
مع استمرار الأزمة الاقتصادية في سوريا، يواجه السوريون تحديات متفاقمة في تأمين احتياجاتهم الأساسية، وسط بيئة معقدة من العقوبات الدولية وانخفاض المساعدات الخارجية. وفي ظل هذه الظروف، تعهدت الدول المانحة خلال مؤتمر استضافه الاتحاد الأوروبي بتقديم 5.8 مليار يورو لمساندة السوريين.
لكن هذه المساعدات تأتي في وقت تراجع فيه الدعم الدولي، لا سيما مع تقليص الولايات المتحدة لمساهماتها الإنسانية. وبينما تُوجه هذه التعهدات لدعم اللاجئين والنازحين، يظل السؤال الأبرز: هل يمكن أن تُحدث هذه المساعدات فرقاً حقيقياً في تخفيف معاناة السوريين؟ وهل تسهم في تحريك عجلة الاقتصاد المتعثر؟
وعلى الرغم من أهمية هذه المساعدات في سد جزء من الفجوة التمويلية، فإنها لا تشكل، بحسب خبراء اقتصاد، خطوة نحو إعادة الإعمار أو تحفيز النمو الاقتصادي.
فالمستشار الاقتصادي الدكتور أسامة القاضي يؤكد في حديث خاص لموقع "اقتصادي سكاي نيوز عربية" أن تعهدات المانحين تُخفف بشكل طفيف من الاحتياجات الملحّة للسوريين، ولن تحدث تحولاً في الاقتصاد، مشيراً إلى أن العقوبات المالية والحظر المفروض على البنك المركزي السوري من أبرز العقبات أمام التعافي الاقتصادي.
في حين يرى الباحث الاقتصادي عصام تيزيني أن المؤتمر لا يتعدى كونه حدثاً إعلامياً سنوياً، لافتاً إلى أن تأثيره الاقتصادي كان محدوداً في نسخه السابقة، رغم بعض المؤشرات على انفتاح سياسي قد يمهد لانفراج اقتصادي مستقبلي.
وتعهدت الدول المانحة، المشاركة في مؤتمر استضافه الاتحاد الأوروبي، الإثنين، بتقديم مساعدات إلى سوريا بقيمة 5.8 مليار يورو (6.3 مليار دولار)، منها 4.2 مليار يورو على شكل هبات و1.6 مليار يورو على شكل قروض، حيث يعد هذا المبلغ أدنى من التزامها السابق بسبب تقليص المساعدات الأميركية الإنسانية والتنموية بشكل أساسي وفقاً لمسؤولين أوروبيين.
وسيقدّم الاتحاد الأوروبي نحو 2.5 مليار يورو (2.7 مليار دولار) من المساعدات إلى سوريا، في سياق جهوده الرامية إلى إعادة إعمار البلد بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، خلال مؤتمر المانحين في بروكسل، إن "السوريين في حاجة إلى مزيد من الدعم، سواء إذا كانوا لا يزالون في الخارج أو قرّروا العودة إلى ديارهم. لذا نزيد تعهداتنا إزاء السوريين في البلد والمنطقة إلى نحو 2.5 مليار يورو لعامي 2025 و2026".
بدورها، تعهدت المملكة المتحدة تقديم ما يصل إلى 160 مليون جنيه إسترليني (200 مليون دولار) هذا العام لدعم تعافي سوريا، بما يساعد في توفير الاحتياجات الأساسية للسوريين من الماء والغذاء والرعاية الصحية والتعليم خلال 2025، بحسب وزارة الخارجية البريطانية.
ويستضيف الاتحاد الأوروبي المؤتمر في بروكسل منذ عام 2017، لكنه كان ينعقد من دون مشاركة حكومة الأسد، التي تم استبعادها بسبب سياساته خلال الحرب الأهلية التي اندلعت في 2011، لكن هذا العام شهد أول حضور لمسؤول سوري رفيع المستوى، حيث شارك وزير الخارجية، أسعد حسن الشيباني، إلى جانب عشرات الوزراء الأوروبيين والعرب وممثلي المنظمات الدولية.
تخفيف طفيف للاحتياجات الملحّة للسوريين
وأكد المستشار الاقتصادي الدكتور أسامة القاضي في حديث خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن تعهدات المانحين تُخفف بشكل طفيف من الاحتياجات الملحّة للسوريين، خاصة اللاجئين الذين لم يتمكنوا بعد من الاستقرار في منازلهم بسوريا.
وأضاف: "إن هذه التعهدات تسهم في تلبية بعض احتياجات السوريين، على الرغم من أنها ليست بالحجم الكبير، لأن الولايات المتحدة لم تساهم بشكل فعّال في مؤتمر المانحين هذه المرة بسبب سياسات الرئيس دونالد ترامب التي تركز على تقليص الإغاثات والمساعدات على مستوى العالم، حيث أوقف العديد من المنح في مختلف البلدان، وليس فقط في سوريا".
وأشار الدكتور القاضي إلى أن هذا المؤتمر لا يمكن أن يشكل نقطة تحول اقتصادي، إذ أنه ليس مؤتمراً لإعادة إعمار سوريا، بل هو مؤتمر يهدف بشكل رئيسي إلى مساندة سوريا، وخاصة فيما يتعلق باللاجئين والنازحين الذين لم يتمكنوا بعد من العودة إلى بلادهم.
وذكر المستشار الاقتصادي أن التحدي الأكبر يكمن في آليات توزيع الإغاثات وضرورة توفير آليات شفافة للتعامل مع هذه الإغاثات، بالإضافة إلى تقليل التكاليف الإدارية لضمان وصول المبالغ المخصصة بأكبر قدر ممكن إلى السوريين.
كما أشار إلى تحدي آخر يتمثل في وفاء الدول بتعهداتها، حيث عادة ما يتم جمع 60 إلى 70 بالمئة من تعهدات الدول المانحة، ولا يكون من الممكن في كثير من الأحيان الحصول على كامل ما تعهدوا به، وهو ما ينطبق أيضاً على الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي.
رفع الحظر عن البنك المركزي السوري أولوية
وأكد الدكتور القاضي أن سوريا بحاجة ماسة إلى رفع الحظر عن البنك المركزي السوري وتمكينه من الانضمام إلى منظومة "سويفت" المالية العالمية، مما سيسمح للجميع بالمشاركة في عملية إعادة الإعمار والاستثمار في سوريا، وبالتالي لا نكون بحاجة إلى المساعدات الإنسانية، إذ ستوفر الاستثمارات فرص عمل للسوريين وستساعدهم في تلبية احتياجاتهم بأنفسهم.
كما أشار القاضي إلى أنه كان يأمل أن يستغل وزير الخارجية السوري، أسعد حسن الشيباني، فرصة حضوره مؤتمر المانحين في بروكسل يوم الإثنين الماضي، ليطلب من الأوروبيين الانضمام إلى منظومة "سيبا" المالية، وهي منصة موازية لمنظومة "سويفت" التي تعتمدها 38 دولة أوروبية، حيث تعد أقل تكلفة من "سويفت".
وأوضح تعامل سوريا مع هذه المنظومة باليورو بشكل مؤقت قد يساعد في تجاوز بعض التحديات المتعلقة بالتحويلات المالية إلى سوريا، خاصة في ظل استمرار العقوبات الأميركية على البنك المركزي السوري.
مهرجان إعلامي سنوي
بدوره، قال الباحث الاقتصادي المختص بالشأن السوري عصام تيزيني في حديث خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "لا يمكن أن نربط بين مؤتمر المانحين الذي عقد أخيراً في بروكسل وبين مساعدة اقتصاد سوريا ووضعه على سكة التعافي، كما لا يمكن أن نعتبره نقطة تحول مهمة للاقتصاد السوري خصوصاً إذا ما علمنا أن النسخ الثمانية السابقة لهذا المؤتمر لم تكن ذات تأثير باقتصاد سوريا إيجابياً أو سلبياً وما النسخة الحالية إلا تكرار لسابقاتها التي لم تؤثر أو تحرك أي عصب من أعصاب الاقتصاد السوري فلا الزراعة تطورت ولا الصناعة تعافت ولا الطاقة توفرت".
إن مؤتمر المانحين هو عباره عن مهرجان إعلامي سنوي يطلقه الاتحاد الأوربي ويفتح خلاله مزاداً علنيا لتدفق الأموال بغاية إنسانية بحتة جوهرها مساعدة منكوبي سوريا بإغاثة غذائية أو طبية، أو إصلاح محطات ضخ مياه، أو إطلاق حملات توعية وتثقيف أو دعم حكومات الجوار السوري التي تأوي لاجئين سوريين وسوى ذلك من أعمال إنسانية تلمع صورة الغرب أمام الضحايا بحسب تعبيره.
العقوبات تقف أمام تعافي الاقتصاد وعودة حيويته
وأوضح تيزيني أن ميزة المؤتمر هذا العام هي التقدم ولو ببطء نحو جني مزيد من الاعتراف بالإدارة السورية الجديدة وهذا من شأنه أن يؤسس نوعاً ما لبدء حوارات ونقاشات منفردة مع أعضاء هذا المؤتمر لإقناعهم بضرورة رفع العقوبات الاقتصادية الأوروبية عن سوريا تلك العقوبات التي حقا تشكل جزءاً من العثرات التي تقف أمام تعافي اقتصاد سوريا وعودة حيويته.
وأضاف الباحث الاقتصادي تيزيني: "لأول مره منذ النسخة الأولى يتم جمع تعهدات بدفع حوالي خمسة مليارات يورو رغم غياب الولايات المتحدة عن المساهمة هذا العام، وعلى الرغم من أن هذه الأموال لن يتم التصرف بها عن طريق الحكومة السورية كالعادة، بل عن طريق منظمات وهيئات دولية محددة ومع ذلك فالجو العام يوحي بأن سوريا بإدارتها الجديدة قابله للاعتراف والاستمرار ولا يوجد قرار بعرقلتها ولكن هناك حذر وهذا شيء طبيعي".
واختتم بقوله: "إن حضور وزير الخارجية السوري أسعد حسن الشيباني المؤتمر كممثل وحيد عن سوريا وشعبها ولأول مرة في تاريخ هذا المؤتمر يعد مؤشراً إيجابياً مؤداه انفتاحاً سياسياً سيعقبه حتماً انفراجاً اقتصادياً".