تحوّل غير مسبوق.. لماذا يزداد الإقبال على الملابس المستعملة؟
19:30 - 13 مارس 2025في تحول يعكس تغييرات ملحوظة في اتجاهات المستهلكين على صعيد عالمي، شهدت تجارة "الملابس المستعملة" نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، حيث إن خيار شراء هذا النوع من الملابس لم يعد يقتصر فقط على ذوي الدخل المنخفض. فتجارة "الملابس المستعملة" أصبحت قطاعاً مزدهراً يجذب مختلف فئات المستهلكين، من الباحثين عن التوفير، إلى عشاق الموضة وحتى المهتمين بالاستدامة البيئية.
وبحسب تقرير أعدته "ذي إيكونوميست" واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فقد أظهرت دراسة أجراها بنك لومبارد أوديير السويسري أن السوق العالمية للملابس والإكسسوارات المستعملة تبلغ قيمتها الآن نحو 100 مليار دولار، ارتفاعاً من ما بين 30 و40 مليار دولار في عام 2020، في حين تقدر شركة ماكينزي الاستشارية أن مبيعات "السلع المستعملة" ستشكل نحو 10 في المئة من سوق الملابس العالمية في 2025.
كما يرى محللو بنك ويلز فارغو أن هناك الكثير من النمو الذي يمكن تحقيقه في سوق "الملابس المستعملة"، مع وجود سلع فاخرة بقيمة 200 مليار دولار في خزائن ملابس المستهلكين، وهذه الملابس جاهزة للبيع مرة أخرى، ولا يصل منها إلى السوق سوى 3 في المئة كل عام.
نسبة الفرق بالأسعار
ويكشف ماكسيميليان بيتنر الرئيس التنفيذي لشركة Vestiaire لبيع الملابس الجديدة والمستعملة، أن "الملابس المستعملة" تكون عموماً أرخص بنسبة 33 في المئة في المتوسط من الأزياء السريعة من شركات مثل H&M، لترتفع هذه النسبة إلى 64 في المئة بالنسبة للمعاطف و72 في المئة بالنسبة للفساتين، في حين تُظهر الأرقام أنه يتم إدراج حوالي 30 ألف سلعة يومياً على موقع شركة Vestiaire لإعادة بيعها.
تحفيز سوق الملابس المستعملة
ولتحفيز شراء "الملابس المستعملة"، تتبنى منصات التسوق الخاصة بهذه المنتجات استراتيجيات مبتكرة لتشجيع المستهلكين، فهي تقوم مثلاً بإلغاء الرسوم المفروضة على البائعين عند إدراج منتجاتهم، مما يتيح لهم عرض منتجاتهم بدون عبء مالي. أما بالنسبة للمشترين، فتقوم المنصات بفرض رسوم صغيرة على مشترياتهم. كما استثمرت العديد من منصات إعادة بيع الملابس في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لتسهيل عملية إدراج المنتجات، حيث تساعد هذه التكنولوجيا البائعين في كتابة أوصاف منتجاتهم، إضافة إلى تقديمها لهم نصائح حول التسعير، مما يقلل من الوقت والجهد المبذولين في عملية البيع.
علاوة على ذلك، تهتم هذه المنصات بضمان أصالة المنتجات، خاصة للسلع الفاخرة، من خلال استخدام أدوات متقدمة مثل أجهزة التحقق الرقمي. كما توفر بعض المنصات خيارات دفع آمنة وطرق شحن سريعة، مما يعزز ثقة العملاء في تجربة التسوق.
مخاطر تواجه السوق
ورغم الازدهار الكبير الذي تشهده تجارة "الملابس المستعملة"، إلا أن العديد من منصات إعادة بيع الملابس تعاني من عدم قدرتها على تحقيق أرباح. فنمو تجارة "الملابس المستعملة" شيء، وتحقيق أرباح شيء آخر، حيث إن سعي المنصات إلى جذب المزيد من البائعين والمشترين من خلال إلغاء الرسوم يساهم في زيادة حجم المعاملات دون تحقيق أرباح.
في حين أن تزايد أعداد منصات إعادة بيع الملابس يخلق بيئة تنافسية شديدة تضغط على الهوامش الربحية وتجعل من الصعب على الشركات تحقيق استدامة مالية.
أسباب ازدهار الملابس المستعملة
تقول خبيرة التسويق ساندرا ملحم، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن ازدهار مبيعات "الملابس المستعملة" يأتي في وقت تعاني فيه العلامات التجارية الكبرى من تراجع في مبيعاتها، مشيرة إلى أن هذا الأمر ليس وليد الصدفة، بل هو انعكاس مباشر لتغيرات جوهرية في سلوك المستهلكين والاقتصاد العالمي. فأحد العوامل الرئيسية لهذا النمو هو تغيير أولويات الإنفاق مع ارتفاع تكاليف المعيشة، حيث بات المستهلكون يبحثون عن بدائل أقل تكلفة دون التضحية بالجودة، وهنا تأتي الملابس المستعملة كخيار مثالي إذ تتيح الحصول على قطع أنيقة وأحياناً فاخرة بأسعار معقولة.
وبحسب ملحم، فإن العامل الثاني الذي ساهم في ازدهار مبيعات "الملابس المستعملة" هو دخول بعض العلامات التجارية الفاخرة إلى هذا المجال، وذلك عبر منصات إعادة البيع الخاصة بها. فسوق "الملابس المستعملة" لم تعد كما كانت، والمنافسة لم تعد بين الماركات الشعبية، بل باتت هناك ماركات تجمع بين الأناقة والفخامة، وهو ما يجعل سوق "الملابس المستعملة" في موقع قوة غير مسبوق. مشيرةً إلى أن نسبة كبيرة من المستهلكين في سوق "الملابس المستعملة" هم من جيل الألفية والجيل زد، إذ يفضل هؤلاء الحصول على ملابس ذات قيمة عالية بميزانية محدودة.
وتكشف ملحم أن هناك عاملاً بارزاً آخر أعطى دفعة قوية لسوق "الملابس المستعملة" وهو التكنولوجيا، فانتشار المنصات الرقمية المتخصصة في إعادة بيع الملابس ساهم بشكل كبير في تسهيل عمليات الشراء والبيع، مما جعل الوصول إلى هذه السوق أكثر سهولة وأماناً. إلى جانب ذلك، ساهم تصاعد الاهتمام بالاستدامة والحفاظ على البيئة في دفع الكثير من الأشخاص إلى تبني خيارات أكثر صداقة للبيئة مثل شراء "الملابس المستعملة" كوسيلة فعالة لتقليل التلوث الناتج عن صناعة الأزياء المسؤولة عن حوالي 10 في المئة من الانبعاثات الكربونية العالمية.
وسائل التواصل الاجتماعي تُعقد المشهد
من جهته، يقول محمد فرحات وهو مستورد وتاجر ملبوسات بالجملة، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه رغم النمو السريع الذي تحققه سوق "الملابس المستعملة"، إلا أنها في الوقت عينه تواجه مجموعة من التحديات التي قد تعيق استدامتها على المدى الطويل. وأحد أبرز تلك التحديات هو تشبع السوق واشتداد المنافسة، فتزايد أعداد المنصات الرقمية والمتاجر المتخصصة في إعادة البيع يؤدي إلى ضغط على الأسعار وتقليص هوامش الأرباح. وما يزيد من تعقيد المشهد هو دور وسائل التواصل الاجتماعي التي تحولت إلى ساحات بيع رئيسية تنافس المنصات التقليدية. فعلى تيك توك وإنستغرام على سبيل المثال، نشهد صعود متاجر صغيرة يقودها أفراد يبيعون الملابس المستعملة مباشرة لمتابعيهم، مما يخلق تجربة شراء تفاعلية وشخصية يصعب على المتاجر الكبرى أو حتى المنصات الرقمية محاكاتها. ومع هذا الاتجاه، يصبح كل شخص تقريباً تاجراً محتملاً دون الحاجة إلى منصات وسيطة.
وبحسب فرحات، فإن سوق "الملابس المستعملة" وتحديداً الأونلاين منها تواجه مشكلة ضمان الجودة والمصداقية، إذ قد يكون من الصعب على المستهلكين التحقق من حالة المنتجات ومدى جودتها قبل شرائها، حيث تزداد هذه التحديات مع تزايد المنتجات المزيفة أو الملابس التي لا تتطابق مع أوصافها، مما قد يؤثر على ثقة المستهلكين. ولذلك هناك حاجة ملحة لوضع آليات تحقق أكثر صرامة وسياسات إرجاع مرنة، ما يعزز الموثوقية ويحفز المزيد من المشترين على الإقبال بثقة على هذا النوع من التسوق.