"تحوّل تاريخي" في ألمانيا.. ما الذي يعنيه "اتفاق الديون"؟
12:44 - 07 مارس 2025
وسط مخاوف من فقدان الولايات المتحدة للاهتمام بأوروبا وحلف شمال الأطلسي، أعلن المستشار الألماني المقبل المحتمل فريدريش ميرز، عن خطط لجمع مئات المليارات من اليورو لتعزيز الدفاع والبنية التحتية، وذلك وسط محادثات استكشافية بين الحزب الديمقراطي المسيحي بزعامة ميرز، إلى جانب شقيقه البافاري حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي ، والحزب الديمقراطي الاجتماعي.
وأعلن ميرز عن هذا القرار برفقة ماركوس سودر من الحزب المسيحي الاجتماعي وزعيمي الحزب الاشتراكي الديمقراطي لارس كلينجبيل وساسكيا إسكين.
يأتي ذلك بعد أسبوع واحد فقط من فوز حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بالانتخابات الفيدرالية في ألمانيا. وقال ميرز إنه يهدف إلى تشكيل ائتلاف حكومي مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي.
وقال الزعماء إنهم اتفقوا على تقديم اقتراح إلى البرلمان لتعديل الدستور الألماني من أجل تخفيف الضوابط المفروضة على الإنفاق الدفاعي الذي يتجاوز 1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا من حدود كبح الديون .
وبناءً على الناتج المحلي الإجمالي الألماني في العام 2024، فإن ذلك سيشمل جميع النفقات التي تزيد عن 45 مليار يورو (43 مليار دولار أميركي)، بحسب تقرير لـ "دويتشه فيله"
وعلاوة على ذلك، سيتم السماح للولايات الفيدرالية الست عشرة في البلاد بالحصول على قروض تصل إلى ما يعادل 0.35 بالمئة من ناتجها الاقتصادي من أجل تعزيز الأداء بشكل أكبر.
وقال ميرز: "نحن ندرك حجم المهام التي تنتظرنا، ونريد أن نتخذ الخطوات والقرارات الضرورية الأولى"، مضيفا: "نظرا للتهديد الذي تتعرض له حريتنا والسلام في قارتنا، فإن شعار دفاعنا يجب أن يكون: مهما كلف الأمر".
وبحسب ميرز، فإن مثل هذه الزيادات في الإنفاق الدفاعي لا يمكن أن يستمر تمويلها إلا إذا عاد الاقتصاد الألماني "إلى مسار النمو المستقر" في أسرع وقت ممكن.
وأضاف أن "هذا لا يتطلب فقط تحسين الظروف التنافسية، بل يتطلب أيضا استثمارا سريعا ومستداما في بنيتنا التحتية".
وبما أن مثل هذه الاستثمارات "لا يمكن تمويلها من الميزانية الفيدرالية وحدها"، فقد اتفقت الأحزاب أيضاً على إنشاء صندوق خاص جديد بقيمة 500 مليار يورو للاستثمارات الصناعية والبنية الأساسية، والتي تأمل أن تساعد في تحفيز الاقتصاد الألماني المريض على مدى العقد المقبل.
ومن المقرر طرح كلا الاقتراحين - بشأن نفقات الدفاع وصندوق البنية التحتية الخاص - قبل انتهاء فترة البرلمان الحالي، حيث يأمل الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي في الاعتماد على دعم حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر من أجل تحقيق أغلبية الثلثين المطلوبة للتعديل الدستوري.
تحول جذري
من برلين، يقول الخبير الاقتصادي ناجح العبيدي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- اعتماد صناديق خاصة لتمويل الإنفاق العسكري وتطوير البنية التحتية يعد تحولاً جذرياً في السياسة المالية الألمانية التي طالما كانت تتمسك بمبدأ الانضباط المالي والتقشف.
- التوجه الجديد سيعني عمليا التخلي عن كابح الديون المثبت دستورياً وفتح الباب على مصراعيه أمام الاقتراض لتمويل الإنفاق العام.
- يبرر الساسة الألمان وخاصة من حزب الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي هذا الانعطاف غير المسبوق بالأوضاع الطارئة على المستوى الدولي والتهديدات الأمنية التي تواجه أوروبا، لا سيما بعد التقارب بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي بوتين وتخلي ترامب عمليا عن أوكرانيا.
ويشير إلى ردود الأفعال المختلفة؛ إذ يرى المؤيدون لهذا التوجه أن التخلي عن كابح الديون لصالح الإنفاق العسكري ضروري لتحديث الجيش الألماني وجعله قادرا على الدفاع عن ألمانيا. لكن هناك أيضاً منتقدين لهذا الاتفاق الذين يحذرون من العواقب السلبية للإفراط في الديون وفي مقدمتها تقويض الاستقرار المالي واهتزاز الثقة باليورو وتصاعد مخاطر التضخم. وقد ظهرت بالفعل بعض النتائج السلبية حيث سجل العائد على السندات الحكومية الألمانية ارتفاعا مفاجئا.
كما يرى خبراء قانونيون أن هذا الاتفاق ينتهك الدستور ولهذا لا استبعد رفع شكوى إلى المحكمة الدستورية في حال تمرير مشروع القانون في البرلمان الألماني.
خطوة تاريخية
ويُنظر إلى تلك الصفقة بشأن إعفاء الإنفاق الدفاعي الذي يتجاوز 1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي من حد الاقتراض الدستوري الصارم في ألمانيا ، وإنشاء أداة خارج الميزانية بقيمة 500 مليار يورو للاستثمار في البنية التحتية الممولة بالديون وتخفيف قواعد الديون للولايات، تحولاً وُصف بـ "التاريخي" في البلاد.
- يصف خبراء الاقتصاد في دويتشه بنك الصفقة بأنها "واحدة من أهم التحولات النموذجية التاريخية في تاريخ ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية".
- وقال محللون في غولدمان ساكس إن الحزمة قد تعزز النمو الاقتصادي الألماني إلى ما يصل إلى 2 بالمئة العام المقبل ــ ارتفاعا من توقعات البنك الحالية البالغة 0.8 بالمئة ــ إذا تمت الموافقة عليها وتنفيذها بسرعة.
ويخطط ميرز لدفع التعديلات عبر البرلمان هذا الشهر قبل أن يتولى المشرعون الجدد مقاعدهم.
ويشار إلى أن أحزاب اليمين المتطرف واليسار المتطرف فازت بالأقلية المعيقة في الانتخابات التي جرت في الثالث والعشرين من فبراير، ويمكنها منع أي تغيير دستوري في الفترة التشريعية المقبلة.
ولا تزال الصفقة بين مجموعة ميرز من الحزب الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي تتطلب دعم حزب الخضر للوصول إلى أغلبية الثلثين اللازمة لتغيير الدستور.
ولطالما دعا حزب الخضر إلى إصلاح ما يسمى "كبح الديون"، لكن كبار الشخصيات في الحزب قالوا إنهم بحاجة أولاً إلى استيعاب تفاصيل الخطة. ويتوقع المحللون أن يستسلم الحزب في النهاية، بحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.
وقال مدير الأبحاث في معهد السياسة الاقتصادية الكلية في دوسلدورف، سيباستيان دوليان: "يمكن توقع تسارع كبير في النمو في وقت مبكر من النصف الثاني من العام". كما توقع أن "تعود معدلات النمو الطبيعية البالغة 2 بالمئة سنويا إلى الظهور".
كان خبراء الاقتصاد قد توقعوا في السابق استمرار الركود الاقتصادي. فقد انكمش الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا لمدة عامين متتاليين في ظل صراعها مع ارتفاع تكاليف الطاقة، وضعف الاستثمار المؤسسي، وضعف الطلب الاستهلاكي.
وقال كبير خبراء الاقتصاد الأوروبي في شركة إدارة الأصول تي رو برايس، توماس ويلديك: "إن هذا التغيير المالي الهائل من شأنه أن يغير بشكل دائم الطريقة التي يتم بها تداول السندات الألمانية".
مكابح الديون
من برلين، يقول خبير العلاقات الاقتصادية الدولية، محمد الخفاجي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- تحتاج الحكومة (الألمانية) القادمة إلى إنجازات كبيرة في مجال الاقتصاد، وإلا سيكون مصيرها الفشل وحتى الانهيار كما حدث مع حكومة المستشار شولتس والتي اضطرت إلى إجراء انتخابات مبكرة وتحمل هزيمة انتخابية كبيرة.
- بناء على ذلك يسعى الائتلاف الجديد في ألمانيا إلى تعديل "مكابح الديون" الدستورية للسماح بزيادة الاقتراض بهدف تمويل استثمارات ضخمة في الدفاع والبنية التحتية.. وإنشاء صندوق بقيمة 500 مليار يورو يُخصص لتحسين البنية التحتية تعزيز القدرات العسكرية وتحفيز النمو الاقتصادي.
- وكذلك زيادة نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي: والتي من المتوقع أن ترتفع نسبة الدين من 63 بالمئة في العام 2024 إلى 72 بالمئة بحلول عام 2029، مع بقاء هذه النسبة أقل من الذروة التي وصلت إليها في عام 2010 (80%) بعد الأزمة المالية العالمية.
ويضيف: هناك اقتراحات إضافية ما زالت قيد المناقشة، من بينها إصلاحات مصرف ألمانيا المركزي، فقد اقترح البوندسبنك إصلاحاً قد يتيح للحكومة اقتراض ما يصل إلى 220 مليار يورو إضافية خلال هذا العقد، مع توجيه جزء كبير من هذه الأموال نحو الاستثمارات. وتهدف هذه الخطوات إلى تعزيز الاقتصاد الألماني، الذي شهد ركوداً في السنوات الأخيرة، ومعالجة التحديات المتعلقة بالبنية التحتية والدفاع.
الإنفاق الدفاعي
من برلين أيضاً، يشير الكاتب والمحلل المتخصص في الشؤون الأوروبية، الدكتور عبد الرحمن عمار، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى تأكيد وزيرة الخارجية الألمانية على ضرورة تحمّل بلادها لمسؤوليتها في أوروبا من خلال زيادة ميزانية الدفاع يأتي استجابة لتوصيات معهد الاقتصاد العالمي، الذي يدعو إلى تعزيز الاقتراض في ألمانيا وأوروبا لتمويل التكاليف الدفاعية المتزايدة.
ويشدد على أن هذا التوجه يثير مخاوف من احتمال خفض الإنفاق في قطاعات حيوية مثل الرعاية الاجتماعية، الصحة، والتعليم، مما قد يؤدي إلى تداعيات اجتماعية واقتصادية كبيرة.
كما انتقد وزير المالية الألماني، كريستيان ليندنر، النقاش المالي العام في ألمانيا خلال الأسابيع الأخيرة، معتبرًا أنه كان يركّز بشكل أساسي على الشأن الداخلي، في ظل تصورات بأن الاقتراض الجديد هو الحل، بينما تُعد إدارة النفقات مسألة تتعلق بوجهات النظر المختلفة.
ويضيف الدكتور عمار أن هذه الخطوة الألمانية الأخيرة ستسهم في دعم السياسة المالية الأوروبية وتعزيز الانضباط المالي الأوروبي، لا سيما في مجال الدفاع، وهو ما يعكس توجهاً أوسع نحو تكثيف الجهود لضمان الاستقرار الاستراتيجي في القارة.