كيف تتجنب الأسر الوقوع في فخ "الإنفاق المفرط" خلال رمضان؟
11:01 - 03 مارس 2025يشهد الاقتصاد الاستهلاكي خلال شهر رمضان تحولاً لافتاً يدفع الأسر إلى إعادة ترتيب أولوياتها المالية، حيث تمتلئ الأسواق بعروض ترويجية جذابة، ويرتفع الإقبال على السلع الأساسية والكماليات بوتيرة قياسية، مما يجعل الإنفاق خلال هذا الشهر أكثر اندفاعاُ من المعتاد.
ووسط هذا الحماس الاستهلاكي، تقف ميزانيات الأسر خلال شهر رمضان أمام اختبار حقيقي، حيث يؤدي الإنفاق غير المخطط له والعشوائي، إلى اختلال في الأولويات المالية، مما ينعكس سلباً على الاستقرار الاقتصادي للأسرة حتى بعد انتهاء الشهر الفضيل، فمعظم الدراسات تجمع على أن الإنفاق الاستهلاكي في الدول الإسلامية، يميل إلى الارتفاع بنسبة تتراوح بين 30 و50 بالمئة خلال شهر رمضان، مقارنة ببقية أشهر السنة، وذلك نتيجة الإقبال المتزايد على إعداد وجبات الإفطار والسحور، بالإضافة إلى شراء الملابس والهدايا والكماليات.
وفي ظل هذا الواقع، يصبح التخطيط المالي المسبق أداة أساسية لحماية ميزانيات الأسر من الضغوط غير المتوقعة خلال شهر رمضان، فوضع ميزانية واضحة يمكن أن يساعد في تحقيق توازن مالي، يضمن تلبية المتطلبات دون إرهاق الموارد، إلا أن هذا الأمر ليس سهلاً دائماً، خصوصاً في ظل استغلال بعض التجار للعاطفة الاستهلاكية المتزايدة خلال شهر رمضان، إذ تعتمد العديد من المتاجر على استراتيجيات تسويقية مدروسة، مثل العروض المحدودة، والتخفيضات الحصرية، والإعلانات العاطفية التي توحي بأن الإنفاق بسخاء خلال الشهر الفضيل هو جزء من روح المناسبة.
وهذا الأسلوب يجعل المستهلكين أكثر اندفاعاً في قراراتهم الشرائية، ما قد يؤدي إلى تجاوز الميزانية المحددة ويحملهم أعباء مالية غير ضرورية.
ديناميكيات سوقية مختلفة
يقول الخبير في التسويق وخدمة المستهلكين وليد جبارة، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه مع ارتفاع الطلب على السلع خلال شهر رمضان، تشهد السوق موجة من التضخم في الأسعار، وهذا أمر طبيعي نتيجة زيادة الاستهلاك، حيث يتسبب شهر رمضان بارتفاع حاد في الطلب على السلع الغذائية والاستهلاكية، مما يخلق ديناميكيات سوقية مختلفة، فعندما يزداد الطلب بوتيرة متسارعة، تتأثر الأسعار نتيجة قوانين العرض والطلب، وهنا يستغل بعض التجار هذه الفرصة لرفع الأسعار بشكل غير مبرر، خاصةً للمواد الأساسية مثل الزيوت، اللحوم، والحبوب، لافتاً إلى أن الدراسات تُظهر أن التضخم الموسمي في بعض الدول الإسلامية خلال شهر رمضان، يمكن أن يصل إلى 10 في المئة أو أكثر، في قطاعات معينة، لذا فإن المستهلك الذكي هو الذي يضع خطة شراء استراتيجية خلال هذا الشهر.
خطة استراتيجية
وكشف جبارة أن خطة الشراء الاستراتيجية خلال شهر رمضان تعتمد على التخطيط المسبق والانضباط المالي، وهي تبدأ بإعداد قائمة مفصلة بالاحتياجات الأساسية من المواد الغذائية واللوازم المنزلية، مع التركيز على شراء الكميات المناسبة لتجنب الهدر، حيث يُفضل عدم الانجراف وراء التخفيضات التي تدفع المستهلك إلى شراء منتجات غير ضرورية، في حين يُفضَّل تأجيل شراء الكماليات والهدايا حتى نهاية الشهر للاستفادة من العروض المخفّضة، مشدداً على ضرورة أن تشمل الخطة تجنب التسوق أثناء الجوع أو الإرهاق، فالدراسات تؤكد أن المستهلك يكون أكثر عرضة لاتخاذ قرارات شراء غير عقلانية في هذه الحالات.
اللعب على مشاعر
اعتبر جبارة أن الجانب النفسي يلعب دوراً حاسماً في قرارات الإنفاق خلال رمضان، حيث تعتمد الحملات التسويقية على تحفيز المشاعر أكثر من الحاجة الفعلية، وذلك من خلال اللعب على مشاعر "الخوف من تفويت الفرص" الذي يعدّ من أكثر العوامل التي تدفع المستهلكين إلى شراء سلع قد لا يكونون بحاجة لها، وبالتالي فإنه من الضروري أن يكون المستهلك واعياً باستراتيجيات التجار، وأن يعتمد على أساليب مثل تأجيل الشراء لمدة 24 ساعة قبل اتخاذ القرار لتجنب الاندفاع غير المدروس في الإنفاق، مشدداً على أن الحفاظ على التوازن المالي خلال رمضان لا يعني التقشف، بل هو فن إدارة الموارد بحكمة لضمان عدم الدخول في أزمات مالية لاحقة.
نصائح لتحقيق التوازن المالي
من جهته يقول خبير المحاسبة والإدارة المالية حسني الخطيب، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن ضبط المصاريف خلال شهر رمضان لا يعني التخلي عن الأجواء الاحتفالية، بل هو أسلوب ذكي لضمان تحقيق التوازن المالي وتجنب أي أعباء مالية غير محسوبة، فالدراسات الاقتصادية تشير إلى أن الكثير من العائلات تجد نفسها في مأزق مالي بعد انتهاء الشهر الفضيل، خاصةً إذا لجأت إلى الاستدانة لتمويل مصاريفها، لذا من الضروري تحقيق التوازن في الإنفاق، من خلال اتباع النصائح الآتية:
- وضع ميزانية واضحة
الخطوة الأولى لضمان استقرار الميزانية، هي إعداد خطة مالية تحدد إجمالي الدخل المتوقع خلال الشهر الفضيل مقابل المصاريف الأساسية، مثل المواد الغذائية والفواتير، ومن المهم أيضاً تخصيص مبلغ محدد للنفقات الإضافية، مثل الهدايا أو الأنشطة الاجتماعية، وذلك حتى لا تؤثر هذه المصاريف على الاحتياجات الأساسية.
- تجنب الشراء العشوائي
تمتلئ الأسواق خلال رمضان بالعروض الترويجية والتخفيضات، التي قد تدفع المستهلكين إلى شراء سلع غير ضرورية، لذلك، من الضروري على المستهلكين التحقق من الأسعار الفعلية قبل الشراء، وعدم الانجراف وراء العروض الوهمية التي قد تؤدي إلى إنفاق غير محسوب.
- تجنب إهدار الطعام
من أكثر العوامل التي تؤدي إلى ارتفاع النفقات خلال رمضان، هو تحضير كميات كبيرة من الطعام تفوق الحاجة الفعلية للأسرة، ما يؤدي إلى التبذير، لذلك من الأفضل إعداد قائمة بالوجبات اليومية مسبقاً، والالتزام بكميات مناسبة لتجنب الهدر غير الضروري.
- التخطيط لما بعد رمضان
تواجه الكثير من الأسر ضغوطاً مالية بعد انتهاء رمضان بسبب الإفراط في الإنفاق خلال الشهر، لذلك يُفضل تخصيص جزء من الدخل الشهري الذي يتم تحقيقه خلال رمضان للادخار من أجل تغطية نفقات العيد والالتزامات المالية الأخرى التي تلي رمضان مباشرة، مثل دفع الفواتير والالتزامات الشهرية.
- اعتماد مبدأ "التحديات المالية"
يمكن للأفراد إدارة ميزانيتهم خلال شهر رمضان، بطريقة أكثر متعة من خلال تطبيق مبدأ "التحديات المالية"، مثل:
- "أسبوع بدون شراء كماليات": يلتزم الفرد خلال هذا الأسبوع بعدم شراء أي منتج غير ضروري.
- "تحدي الإنفاق النقدي فقط": يلتزم الفرد خلال هذا الأسبوع، باستخدم المال النقدي، بدلاً من البطاقات الائتمانية، ليشعر بقيمة المبالغ التي ينفقها.
- "تحدي الطهي المنزلي": يلتزم الفرد خلال هذا الأسبوع بتجنب طلب الطعام الجاهز ويقوم بتحضير وجباته من مكونات موجودة لديه مسبقاً.