الاقتصاد السوري.. نهوض مرتقب أم أزمات متجددة؟
07:34 - 26 فبراير 2025
في خطوة تهدف إلى تلبية الطلب المحلي على الطاقة، تم تعديل اتفاق توريد النفط والغاز بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ليشمل نقل 15,000 برميل من النفط يوميًا ومليون متر مكعب من الغاز إلى دمشق. ووفقًا لمصادر رسمية، فإن الاتفاق الذي تم تعديله حديثًا يتماشى مع الواقع الاقتصادي الجديد في سوريا، وهو ساري المفعول لمدة ثلاثة أشهر، مستفيدًا من الإعفاءات المؤقتة من العقوبات الأميركية.
وزارة النفط السورية أكدت أن هذه الاتفاقية ستساعد في الحد من أزمة الطاقة التي تعاني منها البلاد، وتقليل الانقطاعات الكهربائية، مما يسهم في استقرار اقتصادي نسبي. كما يمكن أن يمثل هذا التعاون الاقتصادي خطوة أولى نحو تحسين العلاقات بين الأطراف السورية المختلفة وتعزيز فرص الحوار الوطني بشأن مستقبل البلاد.
رفع العقوبات عن بعض القطاعات وتأثيرها على التعافي
قرر الاتحاد الأوروبي مؤخرًا تعليق العقوبات عن قطاعات حيوية تشمل الطاقة والنقل والبنوك، مما يسمح بتدفق الاستثمارات والأموال لإعادة الإعمار. ويتوقع الخبراء أن يسهم هذا القرار في تسريع إنتاج النفط والغاز وجذب الاستثمارات إلى قطاعات السياحة، والزراعة، والصناعة.
بحسب التقديرات، تحتاج سوريا إلى 36 مليار دولار خلال العقد المقبل لتعزيز التعافي الاقتصادي، بينما تصل تكلفة إعادة الإعمار إلى أكثر من 350 مليار دولار. ولكن، رغم رفع العقوبات الأوروبية عن بعض البنوك السورية، لا يزال تأثيرها محدودًا بسبب استمرار العقوبات الأميركية، وخاصة تلك المتعلقة بنظام "سويفت"، مما يمنع المصارف السورية من تلقي أو إرسال التحويلات المالية.
الإصلاحات المطلوبة لإنعاش الاقتصاد السوري
أكد الأكاديمي والمستشار لدى البنك المركزي السوري، الدكتور مخلص الناظر، خلال حديثه لبرنامج "بزنس مع لبنى" على قناة سكاي نيوز عربية أن الوضع الاقتصادي في سوريا يتطلب تنفيذ إصلاحات عاجلة على عدة مستويات، مشيرًا إلى أن "السياسة النقدية تحتاج إلى إعادة هيكلة جذرية، تشمل التحكم في السيولة، وتحقيق التوازن النقدي، وتقليص الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والسوق السوداء".
الناظر أوضح أن أحد أكبر التحديات التي تواجه الاقتصاد السوري هو ندرة الليرة السورية في السوق بسبب تهريب كميات كبيرة منها إلى الخارج، مما أدى إلى زيادة الطلب عليها وارتفاع سعرها بنسبة 60 بالمئة، رغم أن الأسعار في الأسواق المحلية لم تنخفض سوى بنسبة 10 بالمئة. "هذا يعني أن ارتفاع قيمة الليرة لا يعكس تحسنًا حقيقيًا في الاقتصاد، وإنما هو نتيجة عوامل نقدية ظرفية"، وفقًا للناظر.
ضرورة تعزيز الطلب الاستهلاكي وزيادة الأجور
من وجهة نظر المستشار مخلص الناظر، فإن أحد الحلول الرئيسية لإنعاش الاقتصاد السوري يكمن في تعزيز الطلب الاستهلاكي، وهو ما يستلزم زيادة الأجور بشكل منطقي ومدروس. "الاقتصاد بحاجة إلى دورة مالية نشطة، وزيادة الأجور ستدفع عجلة النمو، خاصة في بلد يتمتع بقدرات صناعية وخبرات بشرية متميزة"، يوضح الناظر.
كما أشار إلى أهمية الحد من الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والسوق السوداء، وإعادة تفعيل دور المصارف الخاصة وشركات الصرافة المرخصة.
وأضاف: "يجب أن يكون المصرف المركزي هو اللاعب الرئيسي في تحديد توقعات السوق بدلاً من المضاربين في السوق السوداء".
التحديات النقدية والسيولة: خيارات الطباعة والدولرة
فيما يخص أزمة السيولة، يرى الناظر أن طباعة العملة ليست حلًا مستدامًا، قائلًا: "إعادة طباعة العملة بالطريقة التي كان يتبعها النظام السابق قد تؤدي إلى تضخم هائل، الحل يكمن في ضبط السيولة المتاحة وتحفيز التداول النقدي عبر قنوات مصرفية فعالة".
وحول فكرة "الدولرة" الجزئية، أشار إلى أن هناك تجارب دولية لم تكن ناجحة في هذا المجال، لكن في الحالة السورية، يمكن أن تكون "الدولرة الجزئية" مفيدة على المدى القصير في استقطاب الاستثمارات، مؤكدًا أن "الهدف الأساسي يجب أن يكون استعادة الثقة في الليرة السورية وتعزيز دور المصارف الرسمية".
إجراءات مالية ونقدية ضرورية لإنعاش الاقتصاد
يرى الناظر أن السياسات النقدية تحتاج إلى إصلاح جذري، مشيرًا إلى ضرورة إعادة النظر في أسعار الفائدة، حيث أن معدل التضخم في سوريا يبلغ حوالي 56 بالمئة، في حين أن الفائدة المصرفية لا تتجاوز 11 بالمئة، مما يخلق فجوة نقدية كبيرة تؤثر سلبًا على الاقتصاد.
كما شدد على أهمية تطوير أنظمة الدفع الإلكتروني في سوريا، حيث "يمكن لهذا التطوير أن يخفف الضغط على السيولة النقدية ويحسن كفاءة المعاملات المالية، مما يسهم في تحقيق استقرار اقتصادي مستدام".
هل سوريا على طريق التعافي؟
رغم الخطوات الإيجابية، مثل رفع بعض العقوبات وتعزيز التعاون النفطي، لا يزال أمام سوريا طريق طويل نحو التعافي الاقتصادي. يرى مخلص الناظر أن "التحدي الرئيسي يتمثل في إعادة بناء الثقة في النظام المصرفي، وتحقيق استقرار نقدي حقيقي، وتحفيز النمو عبر زيادة الأجور وتعزيز الطلب الداخلي".
الإصلاحات المطلوبة اليوم يجب أن تركز على استعادة دور المصرف المركزي، وإغلاق الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والسوق السوداء، إضافة إلى تطوير السياسات المالية والنقدية بما ينسجم مع الواقع الاقتصادي الجديد. هذه الإجراءات، إلى جانب تدفق الاستثمارات، قد تضع سوريا على طريق التعافي التدريجي، لكن النجاح يتطلب استقرارًا سياسيًا وبيئة استثمارية مشجعة.