لماذا انهار وهج DeepSeek بهذه السرعة؟
13:21 - 25 فبراير 2025قبل شهر واحد فقط، بدا أن شركة DeepSeek الصينية الناشئة قد أحدثت زلزالاً في عالم الذكاء الاصطناعي، مما تسبب في هبوط سهم شركة Nvidia الأميركية بقوة، وخسارتها لنحو 600 مليار دولار من قيمتها السوقية. فحينها، ساد شعور في العالم بأن الشركة الصينية قامت بثورة لناحية خفض تكاليف تطوير برامج الذكاء الاصطناعي وتقليل استهلاكها للطاقة.
ولكن الضجة التي أحدثتها DeepSeek سرعان ما تلاشت، حيث استعادت شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى مواقعها وعوّضت خسائرها، بعدما عجزت الشركة الصينية عن إثبات صحة وعودها الطموحة، ما جعل روايتها عن أن كلفة تطوير برنامجها التي بلغت نحو 6 ملايين دولار فقط، موضع تشكيك كبير في الأوساط التقنية، فالحوت الصيني الذي أربك العمالقة ما لبث أن اختفى بعد أسابيع قليلة، على تصدره العناوين الصحفية.
السوق أخطأت في تقدير DeepSeek
وبحسب تقرير أعدته "بلومبرغ نيوز" واطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فإنه لا يوجد دليل حتى الآن، على أي انخفاض في الطلب على الطاقة بعد ظهور DeepSeek، فالشركة الصينية لم تفعل الكثير لتغيير القناعة بأن مراكز البيانات التي تعمل على تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي، ستحتاج لكمية هائلة من الكهرباء، في حين لاحظت نيكي هسو من "بلومبرغ إنتليجنس" أن المرافق الكهربائية الخاضعة للتنظيم اكتسبت زخماً، مع إعادة تقييم المستثمرين للطلب المحتمل على الطاقة، وبالتالي، عاد قطاع المرافق الكهربائية في مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" إلى ما يزيد عن مستواه قبل ظهور DeepSeek، في حين أن معظم هذه المرافق توقعت نمو أحمال مراكز البيانات في مكالمات الإعلان عن أرباح الربع الرابع من 2024 والتي تم الإعلان عنها مؤخراً.
بدوره رأى الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا، جينسن هوانغ، أن السوق أخطأت في تقدير تأثير DeepSeek وإمكانية انعكاسه سلباً على أعمال الشركة المصنعة للرقائق، فبحسب تقرير لـ "بزنس إنسايدر" اطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يقول هوانغ إن السوق استجابت لـ DeepSeek، كما لو أن الذكاء الاصطناعي اكتمل ولم تعد هناك حاجة للقيام بأي عمليات حوسبة، ولكن الحقيقة هي العكس تماماً، مشيراً إلى أن برنامج DeepSeek مفتوح المصدر "مثير للغاية" ومفيد بطبيعته لسوق الذكاء الاصطناعي وسيعمل على تسريع تبني هذه التكنولوجيا.
هل تحقق تحذير نافيلييه؟
ما يحدث الآن في الأسواق يعيد إلى الأذهان تحذيرات المستثمر المخضرم لويس نافيلييه، الذي شكك منذ البداية في استمرار صعود شركة DeepSeek، واعتبر أن ادعاءاتها حول كفاءة استهلاك الطاقة غير محتملة، ولاحقاً، نشر نافيلييه بودكاست زعم فيه أن تطبيق DeepSeek لم يعد يعمل.
في المقابل، ترى مارتا نورتون، كبيرة استراتيجيي الاستثمار في إمباور، أن التراجع الذي شهدته الأسواق بعد ظهور DeepSeek لم يكن سوى "عثرة مؤقتة"، إذ أن البرنامج الصيني لم يؤدِ إلى تغيير جذري في تقييمات شركات الذكاء الاصطناعي الكبرى، وفي الوقت نفسه، واصلت شركات التكنولوجيا العملاقة التزامها بالاستثمارات الضخمة في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، مما عزز ثقة السوق مجدداً.
ورغم نجاح الأسواق في تجاوز صدمة DeepSeek بسرعة، مدفوعةً بثقة المستثمرين ودعم شركات التكنولوجيا الكبرى، إلا أن هذا التعافي السريع لا يعني أن القصة انتهت، فلا ينبغي التغافل عن الدرس الأهم وهو أن حوادث "DeepSeek" قد تتكرر، والتكنولوجيا العملاقة ستظل عرضة لمفاجآت غير متوقعة قد تعيد خلط الأوراق بين اللاعبين الكبار والصاعدين الجدد.
فجوة بين الادعاءات والواقع
يقول المحلل والكاتب في الذكاء الاصطناعي التوليدي ألان القارح، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه عندما ظهرت DeepSeek، شعر المستثمرون للحظة أن الشركات الأميركية بالغت في تقدير تكاليف تطوير الذكاء الاصطناعي، وكأن اللعبة على وشك التغيير، ومع مرور الوقت، تبين أن الادعاءات بإمكانية بناء نموذج ذكاء اصطناعي قوي بميزانية صغيرة وموارد أقل، لاتزال تفتقر إلى الأدلة الملموسة، فالشركة الصينية وحتى الساعة لم تقدم أي إثبات حقيقي على ما تدعيه، مشيراً إلى أن الفجوة بين الادعاءات والواقع، جعلت الشكوك تتصاعد حول مصداقية DeepSeek، التي يبدو أنها كانت تفرط في تضخيم قدراتها دون أن تملك الأدوات لتحقيق ذلك، وهذا ما جعل المستثمرين يتراجعون عن حماسهم تجاه ما تدعيه، وأعاد الثقة إلى شركات الذكاء الاصطناعي الكبرى، التي تؤكد أن تطوير الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى الكثير من الأموال في المرحلة الراهنة.
أهداف DeepSeek الحقيقية
يضيف القارح إنه إذا نظرنا بعمق إلى ما سعت إليه DeepSeek، سنجد أن هدفها الرئيسي كان زعزعة هيمنة الشركات الأميركية الكبرى في مجال الذكاء الاصطناعي، والتأثير على السياسات التكنولوجية العالمية من خلال إظهار أنه بإمكان الشركات الصينية، ابتكار تقنياتٍ، تنافس الشركات الأميركية، دون الحاجة إلى بنية تحتية ضخمة، مؤكداً أنه رغم التأثير الأولي الكبير الذي أحدثته DeepSeek بحلولها المزعومة، إلا أن الأسواق سرعان ما استعادت ثقتها في خطط الشركات الأميركية مثل Nvidia وGoogle و Microsoft التي استمرت في ضخ استثمارات ضخمة، مؤكدة أن هيمنتها على السوق، ستبقى محمية بقوة ولن تؤثر عليها ادعاءات شركة ناشئة، قد تكون مجرد واجهة تختبئ خلفها جهات رسمية.
هل انتهت قصة DeepSeek؟
يؤكد القارح أن قصة DeepSeek لم تنتهِ، فرغم أنها لم تستطع الحفاظ على تأثيرها، وفشلت في إحداث تغيير جذري على المدى الطويل، إلا أنها فعلت شيئاً مهماً وهو أنها كشفت الكثير من نقاط الضعف التي تعاني منها السوق، خاصة فيما يتعلق بخوف السوق من تكلفة وكفاءة استهلاك تقنيات الذكاء الاصطناعي للطاقة، معتبراً أن DeepSeek ربما تكون مجرد بداية لموجة جديدة من الشركات الناشئة، التي تسعى إلى كسر احتكار الشركات الكبرى من خلال ابتكار أفكار وتقنيات، تضع السوق في مواقف جديدة، ففي النهاية المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي ستظل مفتوحة أمام اللاعبين الجدد، الذين يسعون إلى تحدي الهيمنة التقليدية للشركات الكبرى.
تلاشي الافتراضات الوردية
بدوره، يقول المطور التكنولوجي فادي حيمور، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه عندما ظهرت DeepSeek الصينية على الساحة، حملت معها رسالة واضحة ومثيرة، وهي أن تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تكون أقل تكلفة، وأقل استهلاكاً للطاقة، لكن الواقع كان مختلفاً ولم يكن هناك أي دليل حقيقي على أن DeepSeek نجحت فيما ادّعته، وسرعان ما اختفت الافتراضات الوردية التي روّجت لها، مشيراً إلى أن السوق لم تتأثر طويلاً، لأن الحقيقة كانت أوضح من أي وقت مضى، وهي أن التطوير الفعلي للذكاء الاصطناعي لا يزال بحاجة إلى استثمارات ضخمة في الطاقة، والبنية التحتية، ومراكز البيانات.
تعطش السوق للحلول
اعتبر حيمور أن ما فعلته DeepSeek كشف مدى تعطش السوق لحلول جديدة قد تكسر احتكار الكبار، ولو مؤقتاً، فـ DeepSeek قدمت إشارة واضحة وهي أن السباق في عالم الذكاء الاصطناعي لم يُحسم بعد، والمنافسة ستشتد، والصين ورغم عدم قدرتها على قلب الطاولة، أثبتت أن الوصول إلى مستوى التكنولوجيا الأميركية في الذكاء الاصطناعي ليس مستحيلاً كما كنا نعتقد، فالإمكانات الهائلة التي تمتلكها الشركات الصينية، قد تدفعها في المستقبل إلى إحداث اضطراب أكبر وربما أكثر استدامة.