الخصخصة في سوريا: ما هي أبرز التحديات التي تعترض الطريق؟
10:21 - 21 فبراير 2025
لطالما تميز الاقتصاد السوري بتنوع قطاعاته، من الزراعة والصناعة إلى السياحة والخدمات. وقبل اندلاع الحرب، شهدت سوريا نمواً اقتصادياً مدفوعاً بالاستثمارات الحكومية والخاصة، وتحسن العلاقات التجارية مع الدول المجاورة. إلا أن سنوات الحرب الطويلة تركت الاقتصاد السوري في حالة يرثى لها، حيث تضررت البنية التحتية، وتعطلت عجلة الإنتاج، وارتفعت معدلات البطالة والفقر إلى مستويات غير مسبوقة.
في ظل هذه الظروف الصعبة، ومع تولي الإدارة السورية الجديدة زمام الأمور، يطرح موضوع الخصخصة نفسه كأحد الحلول لإنعاش الاقتصاد السوري المنهك. فهل تكون الخصخصة طوق النجاة الذي ينتشل سوريا من أزمتها الاقتصادية الخانقة؟ أم أنها مسار محفوف بالتحديات والمخاطر؟ وما هي أبرز هذه التحديات التي تعترض طريق تطبيق الخصخصة في سوريا؟
وتتباين آراء الخبراء حول الخصخصة في سوريا بين من يراها ضرورة اقتصادية ومن يحذر من تبعاتها. حيث يرى المستشار الاقتصادي الدكتور أسامة القاضي، في حديث خاص لسكاي نيوز عربية، أن الخصخصة تمثل طوق نجاة للاقتصاد السوري المنهك، مشدداً على أن الدولة لم تعد تملك خياراً آخر سوى الاعتماد على القطاع الخاص لتشغيل المؤسسات المتوقفة عن العمل وتحديث خطوط الإنتاج القديمة. فيما حذر الباحث الاقتصادي عصام تيزيني من التسرع في طرح الخصخصة دون دراسة معمقة، معتبراً أن الشركات العامة تمثل جزءاً أساسياً من الاقتصاد السوري ويجب التعامل معها كملك للشعب وليس كأصول تابعة للنظام السابق.
مؤشرات الاقتصاد المنهك
سجل الاقتصاد في سوريا انكماشا بمقدار الثلثين تقريباً فيما يعيش نصف سكانها الآن في فقر مدقع، وذلك وفقاً لتقرير صدر أخيراً عن وكالتين تابعتين للأمم المتحدة، هما لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد).
وكشف التقرير انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بنسبة 64 بالمئة منذ بدء الحرب في عام 2011. كما فقدت الليرة السورية حوالي ثلثي قيمتها خلال عام 2023 وحده، مما رفع معدل التضخم الاستهلاكي إلى 40 بالمئة عام 2024.
ولحقت أضرار جسيمة بالبنية التحتية في سوريا، بما في ذلك الطرق والجسور والمصانع والمستشفيات والمدارس، وتشير التقديرات إلى أن إعادة إعمار البنية التحتية ستحتاج إلى مليارات الدولارات.
كما أن أكثر من 70 بالمئة من شركات القطاع العام في سوريا "خاسرة" رغم أنها تقدم خدمات حصرية مثل شركة الكهرباء وشركات معامل الدفاع، وفقاً لتصريحات الحكومة السورية الحالية، كما تراجعت الاستثمارات الأجنبية في سوريا بشكل كبير بسبب الحرب وعدم الاستقرار مما أثر سلباً على فرص النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.
خصخصة الموانئ والمصانع
وكانت الحكومة السورية ذكرت أنها تعتزم اتخاذ خطوات جذرية لتطوير الاقتصاد المحلي، تتضمن خصخصة الموانئ والمصانع الحكومية، وتشجيع الاستثمار الأجنبي، بحسب صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، حيث جاء ذلك في تصريحات وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، خلال مقابلة أجراها مع الصحيفة من دمشق.
في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، قال المستشار الاقتصادي الدكتور أسامة القاضي: "إن الخصخصة تمثل ببساطة عملية نقل ملكية الأعمال أو الصناعات أو الأصول من القطاع العام إلى القطاع الخاص". وأكد أن سوريا اليوم لا تملك خياراً آخر سوى الاعتماد على القطاع الخاص لقيادة النشاط الاقتصادي، نظراً لحالة الإفلاس التي تعاني منها الدولة وغياب الفوائض المالية التي تمكنها من الاستثمار المباشر.
وأشار الدكتور القاضي إلى أن الحل يكمن في جذب استثمارات من القطاع الخاص المحلي والعربي والدولي بهدف خلق فرص عمل جديدة، خاصة وأن معظم مؤسسات القطاع العام متوقفة عن العمل منذ تسلم الإدارة الجديدة البلاد. وأوضح أن خطوط الإنتاج في هذه المؤسسات قديمة جداً، ويعود بعضها إلى حقبة التأميم قبل أكثر من خمسين عاماً، ما أدى إلى تراكم العمالة الزائدة والزائفة.
وأضاف: "كان الأمر وكأن حكومة الرئيس المخلوع مهمتها الأساسية دفع رواتب وهمية لشراء الولاءات، وهو ما شكل مدخلاً كبيراً للفساد". وأكد أن هناك ما يقارب نصف مليون عامل مسجل لا يعمل فعلياً، وبعضهم لا يعرف حتى اسم المؤسسة المسجل عليها.
القطاع الخاص يعزز الكفاءة الإنتاجية
وشدد القاضي على أهمية إدخال القطاع الخاص لتشغيل وتحديث هذه المؤسسات، قائلاً: "القطاع الخاص سيعزز الكفاءة الإنتاجية من خلال إدخال خطوط إنتاج حديثة، وسيوفر بيئة تنافسية حقيقية تؤدي إلى خفض الأسعار وتحد من الفساد، مما سيكون حافزاً مهماً لجذب المزيد من الاستثمارات".
وحول آليات تنفيذ الخصخصة، أوضح القاضي ضرورة اتباع نهج شفاف مع تحديد إطار تنظيمي واضح للعلاقة بين الدولة والشركات الخاصة. كما أكد أهمية بناء شبكات أمان اجتماعي لحماية الفئات الأكثر ضعفاً، بعيداً عن سياسات التوظيف الزائف التي ساهمت في تدمير الاقتصاد خلال العقود الماضية في ظل حكم حزب البعث.
وأشار المستشار الاقتصادي القاضي إلى أن الحكومات السابقة كانت تخصص ما بين 100 إلى 200 مليار ليرة سورية سنوياً لدعم الشركات العامة الخاسرة، وهو ما استمر لأكثر من 40 عاماً. وقال: "من غير المعقول أن نستمر بهذه الطريقة التي أثقلت كاهل الاقتصاد دون أي مردود حقيقي".
نموذج الـ (BOT) الأكثر نجاعة
وحول أفضل آليات الخصخصة، رأى القاضي أن نموذج البناء والتشغيل ثم النقل (BOT) هو الأكثر نجاعة. وشرح قائلاً: "وفق هذا النموذج، تتولى الشركة الخاصة بناء مشروع مثل طريق، أو جسر، أو مستشفى، أو مصنع إسمنت، أو معمل جرارات، ثم تشغله لفترة محددة تتراوح بين 10 إلى 15 عاماً. خلال هذه الفترة تحصل الحكومة على جزء من العوائد وتضمن الحفاظ على حد أدنى من فرص العمل، وهو ما يسهم في خلق وظائف جديدة". وبعد انتهاء المدة، تنتقل ملكية المشروع إلى الحكومة كمؤسسة فعالة وحديثة يمكن لاحقاً إدراج جزء من أسهمها في السوق وفتح الباب أمام المواطنين السوريين للاستثمار فيها، بينما يستمر القطاع الخاص في إدارتها بكفاءة. واعتبر القاضي أن هذا النموذج هو "الحل الأمثل لإنعاش الاقتصاد السوري".
وشدد الدكتور القاضي فيما يتعلق بالعمالة الزائدة والزائفة، على ضرورة إيجاد فرص عمل حقيقية لهؤلاء من خلال إطلاق المزيد من المشاريع خارج إطار القطاع العام، إلى جانب تقديم قروض صغيرة ومتوسطة الأجل لدعم المشاريع الصغيرة.
تحديات تواجه الخصخصة
وتحدث القاضي عن أبرز التحديات التي تواجه عملية الخصخصة، وأولها حجم العمالة التي ستكون في المؤسسات بعد إتمام صفقة إشراك القطاع الخاص. وأكد أن هذا الجانب يتطلب مفاوضات دقيقة مع الإدارات الجديدة لتلك المؤسسات، أما التحدي الثاني، فهو إقناع المستثمرين من القطاع الخاص بتولي إدارة مؤسسات تعاني من خسائر متراكمة وتعمل بخطوط إنتاج قديمة ومتهالكة.
بدوره، قال الباحث الاقتصادي المختص بالشأن السوري عصام تيزيني في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "إن معالجة ملف شركات القطاع العام المنتجة يحتاج الى دراسة هادئة تعتمد التقييم والبحث العلمي والمهني ولا يجوز أن نتسرع ونطلق حلولاً قد يظهر للبعض أن ظاهرها اقتصادي وباطنها سياسي فهذه الشركات ملك السوريين ولا يجوز أن نتعامل معها وكأنها ملك النظام البائد".
وأشار إلى أن شركات الدولة هي جزء من روافع اقتصاد سوريا ويجب دراسة هذا الجزء دراسة موضوعية منطلقين من التعرف على واقعها كل على حدة معتمدين معايير عديدة، وذكر تيزيني بعض هذه المعايير وفقاً لمايلي:
- الإدارة. هل هي فاشلة أم ناجحة؟
- جدوى الربحية مادياً واجتماعياً.
- نوعية الإنتاج، وفيما إذا كان السوق بحاجته.
- حجم العقارات التي تتواجد فيها هذه الشركات وخصوصاً تلك التي تقع في أواسط المدن وتعمل منذ ستينيات القرن الماضي.
وغيرها كثير من المعايير التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار وبالتفصيل والتي لم يأخذ الفريق الاقتصادي الحالي وقته للدراسة والتقييم فسارع الى طرح حل الخصخصة "العمياء"، بحسب تعبيره.
ملف شائك يحتاج دراسة معمقة
واعتبر الباحث الاقتصادي تيزيني أن الخصخصة ملفاً شائكاً وقال: "على الفريق الذي يتصدى للخصخصة أن يفكر بعقلية القطاع الخاص الذي يبحث ويمحص كثيراً ويقترح حلولاً لإعادة تنشيط عمل الشركات أما عندما يعجز بهذه المهمة فيمكن أن يلجأ للبيع أو الشراكة مع القطاع الخاص، أما وأن يستسلم منذ البداية ويطرح شعار الخصخصة دون عناء البحث فهذا لا يستقيم".
ورداً على سؤال فيما إذا كانت الخصخصة طوق النجاة للاقتصاد أم مسار محفوف بالتحديات قال تيزيني: "من المبكر الحزم بأن خصخصة شركات القطاع العام ستكون طوق نجاة لاقتصاد سوريا، لأن هذا الاقتصاد مبني على أركان عدة إحداها شركات القطاع العام وهذه الشركات عمرها عقود ومنها الفاعل بشكل كبير ومنها المترهل وعلينا مثلاً دراسة واقع الشركات العملاقة مثل المرافئ والمطارات وشركات إنتاج الكهرباء والفوسفات والسماد ومصانع السكر والإسمنت وغيرها الكثير والتي ستكون في حال تبني نهج الخصخصة فستكون هي الهدف الذي تشخص إليها أنظار الشركات الخاصة الخارجية والداخلية في آن معا".
ولا يرى الباحث الاقتصادي المختص بالشأن السوري أن "هناك صعوبات ستواجه الدولة جراء اتباع الخصخصة، بل سيكون هذا النهج ورقة رابحة تغري بها الشركات الغربية التي تنتظر هكذا فرص لتستثمر فيها فعملية الخصخصة هنا ستكون بمثابة غلاف لجائزة ترضية يسيل لعاب الشركات الغربية تجاهها بل أجزم بأنها ستكون أحد أدوات فك الحصار الاقتصادي على سوريا ورفع العقوبات الغربية عنها".
ومع ذلك، يرى تيزيني أن على الحكومة والفريق الوطني الذي سيدير ملف الخصخصة أن يراعي مايلي:
- الابتعاد عن طريقة البيع الكلي لشركات القطاع العام.
- طرح الشركات للاستثمار بالشراكة وفق تعاقدات تحددها طبيعة الشركة المراد استثمارها.
- الأخذ بعين الاعتبار الجدوى الاجتماعية وتأثيرها على عشرات آلاف العمال والموظفين الذين يعملون في هذه الشركات.
- الابتعاد عن الأسلوب الذي اتبعه النظام المخلوع بمنح مزايا ومكافآت للشركات الأجنبية على حساب الشركات المحلية، فكانت عقود الاستثمار التي أجراها بمثابة عقود إذعان ولنا في تعهيد مصانع السماد لشركة روسية مثال ولشركة إيرانية بمناجم الفوسفات مثال آخر وشركة مرفأ طرطوس لشركه روسية أيضا مثال ثالث وغير ذلك الكثير والذي حرم السوريين في نص عقودها بشكل جائر من الاستفادة من عوائدها المادية والاجتماعية.