ثروات غزة.. كنوز تحت الحصار
11:20 - 18 فبراير 2025
تمتلك غزة ثروات طبيعية هائلة تجعلها محط أنظار العالم، وعلى رأسها حقول الغاز الطبيعي في مياهها الإقليمية، حيث يحتوي حقلا "مارين 1 و2" على احتياطي يبلغ حوالي 1.4 تريليون قدم مكعبة من الغاز، بالإضافة إلى حقل "نوا" الذي سيطرت عليه إسرائيل، وتبلغ احتياطياته حوالي ثلاثة تريليونات قدم مكعبة.
كما يُتوقع أن يحتوي حقل المنطقة الوسطى، مقابل مخيم النصيرات، على مخزونات ضخمة من الغاز لم يُسمح بالتنقيب عنها.
ولا تقتصر ثروات غزة على الغاز، إذ تشير التقديرات إلى وجود احتياطيات مؤكدة من النفط تقدر بحوالي 1.5 مليار برميل، تبلغ قيمتها وفقًا للأسعار الحالية نحو 114 مليار دولار. إضافةً إلى ذلك، تمتلك غزة واجهة بحرية تمتد بطول 41 كم، يمكن تحويلها إلى مركز اقتصادي متكامل يضم منتجعات سياحية وموانئ، ما يعزز من مكانة القطاع كموقع استراتيجي بالغ الأهمية.
ثمن الحرب.. خسائر فادحة في البنية التحتية والاقتصاد
في المقابل، تعرض قطاع غزة لدمار واسع النطاق بفعل الحرب الإسرائيلية، حيث بلغت خسائر القطاع جراء الحرب نحو 35 مليار دولار، فيما يُقدّر أن تصل تكلفة إعادة الإعمار إلى 80 مليار دولار.
كما تعرض 164 ألف مبنى للدمار، وبلغت كمية الركام الناتج عن القصف حوالي 42 مليون طن، أي ما يعادل 11 ضعف حجم هرم خوفو الأكبر.
وتسببت الحرب في محو أكثر من 69 عاما من التقدم التنموي في غزة، وتراجع التنمية في فلسطين بأكملها بنحو 24 عامًا. كما فقد 500 ألف شخص وظائفهم، فيما يعاني 2.3 مليون فلسطيني من النزوح الداخلي، وجميعهم مصنفون تحت خط الفقر.
في حديث خاص لبرنامج "بزنس مع لبنى" على شاشة "سكاي نيوز عربية"، لفت الاستشاري الدولي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الدكتور باسم حشاد، إلى أن "كل العمليات العسكرية التي شنتها إسرائيل منذ 2008 كانت تهدف إلى تدمير غزة وإضعافها اقتصاديًا، رغم الوعود المتكررة بإعادة الإعمار، إلا أن التعهدات الدولية لم تُنفذ بسبب مماطلة إسرائيل وتنصلها من الالتزامات".
إعادة إعمار غزة.. بين التسويف والاستغلال
وفقًا لحشاد، فإن المساعدات الدولية المخصصة لإعادة الإعمار لم تصل بالشكل المطلوب، حيث يقول: "في عام 2014، تم تخصيص 5.4 مليار دولار لإعادة إعمار غزة، لكن إسرائيل منعت دخول المواد الأساسية، إذ كان المطلوب إدخال 875 ألف شاحنة، لكن ما تم إدخاله فعليًا لم يتجاوز 518 شاحنة فقط، أي ما يعادل 0.1 بالمئة من الاحتياجات الفعلية".
وأضاف: "اليوم، تُقدّر تكلفة إعادة الإعمار بنحو 80 مليار دولار، لكن لا يوجد شريك دولي جاد مستعد لدعم غزة بالشكل الكافي، مما يترك القطاع في حالة دمار دائم، فيما تسعى بعض الأطراف لاستغلال إعادة الإعمار لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية".
وفي ظل هذا الواقع، يرى حشاد أن "المجتمع الدولي مطالب بموقف واضح لدعم غزة، وليس مجرد تقديم مساعدات جزئية تُبقي القطاع في حالة من الاعتماد المستمر، فالأمر لا يتعلق فقط بإعادة بناء المنازل والبنية التحتية، بل بإعادة حقوق الفلسطينيين وضمان بيئة اقتصادية مستقرة ومستدامة".
الموارد الاقتصادية.. مفتاح السلام والتنمية
إلى جانب ثروات الطاقة (النفط والغاز)، تتمتع غزة بثروات طبيعية أخرى، مثل الثروة السمكية، التي يقدر إنتاجها السنوي بـ5000 طن، بالإضافة إلى مساحات زراعية خصبة تدمرت بنسبة 71 بالمئة جراء العدوان. كما تمتلك غزة تراثًا أثريًا غنيًا، يضم 325 موقعًا أثريًا، تهدم معظمها بسبب القصف الإسرائيلي.
وبحسب حشاد، فإن "الاحتلال يمنع الفلسطينيين من استغلال ثرواتهم، ويعمل على عرقلة أي مشاريع اقتصادية تنموية، بهدف إبقاء غزة في حالة ضعف دائم".
ويرى أن "الاستثمار الدولي في غزة قد يكون جزءًا من الحل، شريطة أن يكون ضمن إطار يحترم سيادة الفلسطينيين وحقوقهم".
وأضاف: "إذا أردنا الحديث عن إعادة إعمار حقيقية، فعلينا التركيز على خلق فرص عمل وتشجيع الاستثمارات طويلة الأجل التي تعزز من قدرة الفلسطينيين على الاعتماد على أنفسهم، وليس إبقائهم في حالة انتظار للمساعدات الدولية".
الموقف العربي والدولي.. أي مستقبل ينتظر غزة؟
يشير حشاد إلى أن "غزة تمتلك كل المقومات لتكون مركزًا اقتصاديًا متقدمًا، لكن المشكلة الأساسية تكمن في إسرائيل الذي يرفض السماح للفلسطينيين بإدارة مواردهم بحرية".
ويضيف في حديث خاص لسكاي نيوز عربية: "الموقف العربي حتى الآن جيد، لكن يجب الانتقال من الموقف السياسي إلى الفعل الاقتصادي الداعم لغزة، من خلال دعم مشاريع تنموية حقيقية تعزز الاستقلال الاقتصادي للفلسطينيين".
كما شدد على أن "إسرائيل لا يمكن اعتبارها شريكًا للسلام، لأنها أثبتت على مدار العقود الماضية أنها تتنصل من جميع الاتفاقيات وتستخدم المفاوضات كغطاء لمواصلة التوسع الاستيطاني ونهب الموارد".
يبقى قطاع غزة واحدًا من أغنى المناطق بالموارد الطبيعية، لكنه في الوقت ذاته يعاني من أسوأ الأوضاع الاقتصادية والإنسانية بسبب الحصار والعدوان المتكرر. وبينما تسعى إسرائيل إلى الاستيلاء على ثروات القطاع، يظل الفلسطينيون متمسكين بحقهم في إدارة مواردهم بأنفسهم.
كما قال حشاد: "إذا كان هناك من يريد مساعدة غزة، فليبدأ بإعمارها بشكل حقيقي، وليتوقف عن استخدام المساعدات كوسيلة للضغط السياسي. الفلسطينيون لا يريدون معونات مؤقتة، بل يريدون حقهم في العيش بكرامة على أرضهم".
أزمة التعليم: تحدي مستقبل الأجيال القادمة
في سياق آخر، يعاني قطاع التعليم في غزة من تحديات خطيرة. فمعظم المدارس تعاني من اكتظاظ الطلاب، وتفتقر إلى البنية التحتية اللازمة، فيما يعاني أكثر من نصف مليون طالب فلسطيني في غزة من نقص في الكتب الدراسية والمرافق التعليمية المناسبة. تقرير الأمم المتحدة يشير إلى أن حجم تدهور التعليم في غزة يزيد من صعوبة بناء جيل قادر على مواجهة التحديات المستقبلية.
ويضيف حشاد: "التعليم في غزة يعاني بشكل كبير، وما يحتاجه الناس هنا هو فرص تعليمية أفضل لتطوير المهارات وتخطي واقعهم الصعب."
غزة بين النهوض والانهيار
غزة هي مركز ثروات كبيرة تحت البحر، لكنّها أيضًا مكان يفتقر إلى البنية السياسية المستقرة التي تمكنه من الاستفادة من هذه الثروات. الاقتصاد المدمر، البطالة المرتفعة، والدمار المستمر يشكلون تحديات هائلة في طريق أي محاولة للنهوض بغزة.
الحديث عن إعادة الإعمار والاستفادة من الثروات الطبيعية في غزة يجب أن يكون مرتبطًا بـ حلول سياسية شاملة، ووحدة فلسطينية، واستقرار إقليمي. وهذا ما شدد المسؤول الأممي، الدكتور باسم حشاد، في حديثه لسكاي نيوز عربية على الأهمية الكبرى لتحقيق هذا الاستقرار، معتبرًا أن غزة بحاجة إلى رؤية جديدة تضمن لساكنيها حقوقهم في الأرض والموارد بعيدًا عن الصراعات.