هل تقف المخاطر الجيوسياسية وراء ارتفاع سعر قهوة أرابيكا؟
09:51 - 07 فبراير 2025![القهوة تمهد الطريق أمام ستبسيان مورير نحو العالمية](https://images.skynewsarabia.com/images/v1/2022/06/17/1531846/1600/720/1-1531846.jpeg)
في عالم مترابط اقتصادياً، لم تعد السلع الأساسية مجرد منتجات تشترى وتباع، بل باتت مؤشراً يعكس تعقيدات السياسة والتجارة والمناخ. قهوة أرابيكا، المشروب المفضل لملايين الأشخاص حول العالم، تحولت إلى ساحة جديدة تتجسد فيها تداعيات الأزمات العالمية، حيث شهدت العقود الآجلة لها قفزات سعرية غير مسبوقة، متأثرة بمزيج من العوامل المناخية والتوترات الجيوسياسية وأزمات سلاسل التوريد.
ومع وصول أسعار أرابيكا إلى مستويات قياسية تاريخية، يبرز تساؤل ملح: هل نحن أمام ارتفاع مؤقت سرعان ما سيتلاشى مع استقرار الأوضاع، أم أن القهوة في طريقها لتصبح سلعة فاخرة يعكس سعرها أزمات العالم وتقلباته؟
فقد تجاوز سعر قهوة أرابيكا الـ 4 دولارات للرطل في نيويورك للمرة الأولى، حيث أدت المخاوف بشأن الإمدادات العالمية المحدودة إلى ارتفاع مذهل ضاعف الأسعار على مدار العام الماضي. وأثارت التوترات السياسية بين أميركا وكولمبيا شكوك السوق العالمي الذي يعاني من نقص في الإمدادات.
وارتفعت العقود الآجلة لحبوب أرابيكا الأكثر نشاطًا بنسبة 4.6 بالمئة في نيويورك، الأربعاء، ثم قلصت بعض المكاسب واستقرت عند 3.9775 دولار للرطل، بزيادة 3.8 بالمئة عن الجلسة السابقة.
وتُصدّر كولومبيا لأميركا نحو 30 بالمئة من احتياجاتها من القهوة، بجانب منتجات غذائية أخرى كالموز والأفوكادو، بحسب مذكرة لمُحللي "جيه بي مورغان"، وتعد كولومبيا ثالث أكبر منتج للقهوة في العالم، والثاني على مستوى إنتاج بن "أرابيكا" المفضل لإعداد المشروبات المتخصصة.
كما أن ضعف المحاصيل لدى كبار المنتجين مثل البرازيل وفيتنام أثر على إمدادات القهوة، حيث تتوقع وزارة الزراعة الأميركية انخفاض المخزونات العالمية في نهاية موسم 2024-2025 إلى أدنى مستوى لها منذ 25 عاماً.
وقال الخبير الاقتصادي الدكتور محمد جميل الشبشيري في حديث خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "إن القفزة التاريخية التي سجلتها أسعار قهوة أرابيكا، لم تشهدها منذ سنوات، وهذا الارتفاع ليس مجرد تذبذب عابر في السوق، بل هو نتاج تراكمي لمجموعة من العوامل المتشابكة التي تعكس حالة عدم اليقين التي تهيمن على الأسواق العالمية".
المناخ العامل الأكبر في الأزمة
وأوضح أن العامل الأكبر الذي يقف وراء أزمة القهوة الحالية هو الظروف المناخية، مشيراً إلى أن البرازيل، التي تُعد أكبر منتج لقهوة أرابيكا في العالم، عانت من موجات جفاف شديدة تبعها صقيع غير مسبوق في عام 2023، مما أدى إلى تراجع المحصول بنسبة كبيرة.
ووفقاً لتقديرات وزارة الزراعة الأمريكية (USDA)، كان من المتوقع أن يرتفع إنتاج بن أرابيكا العالمي بنسبة 15.9بالمئة في عام 2023، لكن الظروف المناخية القاسية قلصت هذه التوقعات بشكل كبير. في المقابل، انخفض إنتاج بن روبوستا بنسبة 7.6 بالمئة، مما زاد من الضغط على المعروض العالمي.
وأكد أن التغيرات المناخية المتسارعة تجعل هذه الأزمة أكثر تعقيداً. ومع تزايد وتيرة الظواهر الجوية المتطرفة، قد تصبح هذه التقلبات جزءاً من الواقع الجديد لسوق القهوة، مما يهدد بارتفاع أسعارها على المدى الطويل، بحسب تعبيره.
كولومبيا لاعب رئيسي في المعادلة
وأضاف الخبير الاقتصادي الشبشيري: "إن كولومبيا تعد لاعباً رئيسياً في هذه المعادلة، فهي ثاني أكبر منتج لقهوة أرابيكا في العالم، تتوقع أن يصل إنتاجها للعام التسويقي 2024 – 2025 إلى 13.6 مليون كيس (بحجم 60 كيلوغراماً للكيس). ومع ذلك، فإن صناعة القهوة في كولومبيا ليست مجرد مصدر للدخل القومي، بل هي أيضاً مصدر رزق لنحو 540,000 عائلة تعتمد على هذه الزراعة. وأي اضطراب في إنتاج كولومبيا، سواء بسبب المناخ أو التوترات السياسية، يمكن أن يكون له تأثير كبير على الأسعار العالمية".
ولا تقتصر الأزمة على العوامل الطبيعية فقط. فالتوترات الجيوسياسية، مثل النزاعات التجارية بين الولايات المتحدة وكولومبيا، ساهمت في زيادة عدم اليقين في الأسواق. بالإضافة إلى ذلك، أدت أزمات سلاسل التوريد العالمية، التي تفاقمت بسبب جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا، إلى ارتفاع تكاليف النقل بشكل كبير. هذه التكاليف الإضافية تنعكس مباشرة على أسعار القهوة، مما يجعلها أكثر تكلفة للمستهلك النهائي، طبقاً لما قاله الدكتور الشبشيري.
المستقبل: هل نحن أمام قهوة فاخرة دائماً؟
السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل سيستمر هذا الارتفاع في أسعار القهوة، أم أنه مجرد موجة مؤقتة؟ ويؤكد الدكتور الشبشيري بأن "الإجابة على هذا السؤال تعتمد على كيفية تعامل العالم مع التحديات الحالية. إذا استمرت التغيرات المناخية في التأثير على المحاصيل، واستمرت التوترات الجيوسياسية في تعطيل سلاسل التوريد، فمن المرجح أن نشهد مزيداً من الارتفاعات في الأسعار.
وأضاف: "في النهاية، لم يعد فنجان القهوة مجرد مشروب صباحي، بل أصبح مؤشراً اقتصادياً يعكس أزمات العالم، من اضطرابات الطقس إلى صراعات التجارة. وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات جذرية لتحسين الإنتاجية وتقليل الاعتماد على المناطق المعرضة للمخاطر المناخية، فقد نكون على أعتاب عصر جديد من القهوة باهظة الثمن، حيث تصبح السلعة التي اعتدنا على استهلاكها يومياً رفاهية لا يستطيع الجميع تحمله".
6 عوامل تجعل قهوة أرابيكا أكثر تكلفة
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله الشناوي، أستاذ الاقتصاد في جامعة الزقازيق، في حديثه لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية": "إن أسعار قهوة أرابيكا معقدة وتعكس التفاعلات بين مختلف العوامل الطبيعية، والاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية. ومع تكثيف تغير المناخ والتحديات العالمية، أصبح التنبؤ الدقيق باتجاهات أسعار قهوة أرابيكا أكثر صعوبة من أي وقت مضى".
ومع ذلك، يستعرض الدكتور الشناوي الأسباب الكامنة وراء بقاء قهوة أرابيكا أكثر تكلفة وأعلى سعرا، كما يلي:
- إن قهوة أرابيكا أعلى جودة ونكهة وتتطلب ظروف نمو مناخية محددة مما يرفع من تكاليف الإنتاج، كما أنها تحقق عائداً أقل مما يؤدي إلى إمداد أكثر محدودية. كما أن هناك طلب أكبر على قهوة أرابيكا في صناعة القهوة المتخصصة وسلاسل القهوة الفاخرة.
- وصلت أسعار القهوة إلى أعلى مستوى لها منذ 47 عاماً، ويرجع هذا إلى ارتفاع أسعار العقود الآجلة للسلع الأساسية.
- وارتفعت الأسعار بسبب المخاوف بشأن آثار الطقس المتطرف والجفاف الشديد في الدول الرئيسية المنتجة للبن مثل البرازيل وفيتنام. قد شهد هذا الأخير فترة جفاف طويلة تلتها أمطار غزيرة أدت إلى تأخير الحصاد.
- طرق الشحن تحت الهجوم حيث ساهمت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر أيضاً في خلق حالة من عدم اليقين وتأجيج ارتفاع الأسعار لأنها تؤثر على الشحنات.
- إن الاضطرابات في سلسلة التوريد العالمية، والظروف المناخية التي تؤثر على الإنتاج، وتقلبات العملة كلها تؤدي إلى ارتفاع التكاليف، ومن المؤسف أن هذا ليس تحدياً معزولاً -فالشركات في جميع أنحاء القطاع تواجه زيادة تكاليف الموردين في جميع المجالات.
- ومع تناقص العرض، فإن التأثيرات تصبح محسوسة في المراحل اللاحقة، حيث تلغي شركات تحميص القهوة الخصومات وتستعد لارتفاع أسعار المستهلكين. وبالتالي يتعلق الأمر بموازنة العرض والطلب، نادراً ما تظل أسعار القهوة مرتفعة إلى هذا الحد لفترة طويلة. وفي حين يشعر المستهلكون بالضائقة، يمكن للمنتجين الاستفادة من ذلك، باستخدام الأرباح للاستثمار في المحاصيل. ويتمثل التحدي الآن في استقرار السوق وإعادة بناء مخزونات القهوة العالمية.
وأوضح الخبير الاقتصادي الدكتور الشناوي أنه "مع أو بدون التهديد بالرسوم الجمركية، فإن أسعار القهوة مرتفعة ومن المرجح أن تستمر في الارتفاع. حيث أن القهوة هي واحدة من تلك العناصر التي شهدت زيادات سريعة على مستوى البيع بالجملة، لذلك سوف يواجه الناس صعوبة في فصل التعريفات الجمركية التي لم تنجح حتى الآن، عن ديناميكيات الأسعار الأساسية للقهوة حتى قبل إدارة ترامب".
وتشكل قهوة أرابيكا بين 60 إلى 70 بالمئة من إنتاج القهوة العالمي، وتعتبر من أجود أنواع القهوة. ولأسعارها تأثيرات بعيدة المدى لعدة أسباب، ذكرها الشناوي وفقاً لمايلي:
- سلسلة التوريد العالمية:تؤثر أسعار البن العربي بشكل مباشر على دخل ملايين مزارعي البن في البلدان النامية مثل البرازيل، وكولومبيا، وإثيوبيا، وفيتنام. ويمكن أن تؤثر تقلبات الأسعار بشكل كبير على سبل عيشهم.
- المقارنة المعيارية للسوق:غالباً ما تُستخدم أسعار أرابيكا كمعيار لتسعير أنواع أخرى من القهوة، وبالتالي، فهي تؤثر بشكل غير مباشر على سوق القهوة بالكامل.
- التأثير على المستهلكين:عندما ترتفع أسعار قهوة أرابيكا، يتعين على المحمصين وتجار التجزئة في كثير من الأحيان زيادة أسعار منتجاتهم النهائية، مما يؤثر بشكل مباشر على التكلفة التي يتحملها المستهلكون للاستمتاع بقهوتهم.
- التأثير الاقتصادي:بالنسبة للدول الرئيسية المصدرة للقهوة، فإن تقلب أسعار قهوة أرابيكا يمكن أن يؤثر بشكل كبير على الناتج المحلي الإجمالي والميزان التجاري.
- جودة المنتج وتنوعه:يؤثر التسعير على قدرة المزارعين والمنتجين على الاستثمار في الجودة والابتكار، مما يؤثر بدوره على تنوع وجودة منتجات القهوة في السوق.