"ديبسيك".. زلزال عرضي أم تحول استراتيجي في أسهم الـ AI؟
11:12 - 28 يناير 2025شهد قطاع عالم الذكاء الاصطناعي زلزالاً غير مسبوق بفعل ظهور شركة DeepSeek الصينية، التي أطلقت نموذجاً ثورياً مفتوح المصدر قلب موازين السوق رأساً على عقب، وأثار مخاوف الأسواق العالمية بشأن التقييمات المرتبطة بشركات الذكاء الاصطناعي.
الشركة التي جمعت بين الكفاءة العالية والتكلفة المنخفضة قدمت رؤية جديدة لتطوير الذكاء الاصطناعي، مما تسبب في هزة عنيفة لشركات تكنولوجية كبرى، لا سيما أسهم الرقائق.
شهدت إنفيديا، رائدة وحدات معالجة الرسوميات، خسائر ضخمة -تجاوزت ضعفي القيمة السوقية لشركة مثل كوكاكولا على سبيل المثال- في يوم واحد، تبعتها شركات أخرى تأثرت بسلسلة الصدمات. بينما على الجانب الآخر، استفادت شركات مثل Apple من التوقعات الإيجابية المرتبطة بتخفيض تكاليف التدريب، مما أضاف بعداً آخر للتباين في الاستجابة السوقية لهذا التطور غير المتوقع.
"إنفيديا" تتصدر الخاسرين
- تصدرت شركة "إنفيديا" قائمة "الخاسرين" من صعود "ديبسيك" الصينية، وقد تفاعلت أسهمها بشكل عنيف، خلال تعاملات الاثنين مع حالة الذعر التي شهدتها الأسواق.
- هبطت أسهم الشركة في وول ستريت بنحو 17 بالمئة، ليغلق عند 118.58 دولاراً.
- خسرت القيمة السوقية للشركة نحو 600 مليار دولار.
- هذه الخسارة في يوم واحد هي أكبر انخفاض على الإطلاق لشركة أميركية في يوم واحد.
- يشكل ذلك الأداء أسوأ يوم لشركة إنفيديا في السوق منذ 16 مارس 2020، وهو وقت مبكر من جائحة كوفيد، وفق تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية.
- بعد أن تجاوزت إنفيديا شركة أبل في الأسبوع الماضي، عادت أبل من جديد لتصدر قائمة الشركات الأكبر من حيث القيمة السوقية.. وتراجعت إنفيديا للمركز الثالث بعد مايكروسوفت، بحسب ما تُظهره بيانات companiesmarketcap.
- أدى انخفاض السهم يوم الاثنين إلى انخفاض بنسبة 3.07 بالمئة لمؤشر ناسداك الذي يعتمد على التكنولوجيا.
اندلعت موجة البيع بسبب مخاوف من أن DeepSeek يمثل منافسة متزايدة في معركة الذكاء الاصطناعي العالمية، بعد أن كشفت الشركة في أواخر ديسمبر عن نموذج مجاني مفتوح المصدر للغة كبيرة قالت إنه استغرق شهرين فقط وأقل من 6 ملايين دولار لبنائه، باستخدام شرائح ذات قدرات منخفضة.
ويشار إلى أن وحدات معالجة الرسوميات من شركة إنفيديا تهيمن على سوق شرائح مراكز البيانات للذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة، حيث تنفق شركات التكنولوجيا العملاقة مثل ألفابيت وميتا وأمازون مليارات الدولارات على المعالجات لتدريب وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها.
وكتب المحللون في كانتور في تقرير صدر يوم الاثنين إن إصدار أحدث تقنيات DeepSeek تسبب في "قلق كبير بشأن التأثير على الطلب على الحوسبة، وبالتالي، مخاوف من ذروة الإنفاق على وحدات معالجة الرسومات".
وقال المحللون إنهم "يعتقدون بأن هذا الرأي أبعد ما يكون عن الحقيقة" وأن التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي من المرجح أن يؤدي إلى "رغبة صناعة الذكاء الاصطناعي في المزيد من الحوسبة، وليس أقل. ويوصون بشراء أسهم إنفيديا.
كما انخفضت شركة برودكوم، وهي شركة تصنيع الرقائق الأميركية الكبرى الأخرى التي شهدت مكاسب تقييمية عملاقة من الذكاء الاصطناعي، بنسبة 17 بالمئة يوم الاثنين، مما أدى إلى انخفاض قيمتها السوقية بمقدار 200 مليار دولار.
وشهدت شركات مراكز البيانات التي تعتمد على وحدات معالجة الرسوميات من شركة إنفيديا في مبيعات أجهزتها عمليات بيع كبيرة أيضًا. حيث انخفضت أسهم Dell وHewlett Packard Enterprise وSuper Micro Computer بنسبة 5.8 بالمئة على الأقل. كما انخفضت أسهم Oracle، وهي جزء من أحدث مبادرة للذكاء الاصطناعي للرئيس دونالد ترامب، بنسبة 14 بالمئة.
أما أسهم أبل، فقد ارتفعت بنسبة 3.18 بالمئة، بدعم من التفاؤل المرتبطة باستفادتها المحتملة في حالة انخفاض تكلفة تدريب الذكاء الاصطناعي، بحسب ما نقله تقرير لـ "بيزنس إنسايدر" عن محللين.
ومع بزوغ "ديب سيك" تعيد الأسواق التفكير في قواعد اللعبة، فالذكاء الاصطناعي، الذي كان يحتكر من قبل عمالقة التكنولوجيا، يشهد الآن تحولاً لافتاً وبكلفة أقل. وبينما تواجه الشركات الكبرى تحديات مختلفة، تتطلع الشركات الناشئة إلى اغتنام الفرصة واستغلال الفجوة الناتجة. يبقى السؤال الأكبر: هل تكون DeepSeek شرارة تحول دائم؟
تساؤلات عميقة
من جانبه، يقول المستشار الأكاديمي بجامعة ولاية سان خوسيه الأميركية، الدكتور أحمد بانافع، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن عديداً من أسهم شركات التكنولوجيا في وول ستريت شهدت تراجعاً كبيراً بسبب المخاوف التي أثارها نموذج الذكاء الاصطناعي الجديد DeepSeek، مشيراً إلى أن هذا التطور يثير تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الخسائر تمثل حدثاً عابراً، أم أنها تشير إلى تحول استراتيجي في سوق الذكاء الاصطناعي مع تغير شكل المنافسة في المرحلة المقبلة.
ويضيف:
- بدأت الأسواق في إعادة تقييم جدوى الاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي وسط مخاوف من أن تكون هناك فقاعة مشابهة لفقاعة الإنترنت في مطلع الألفية.
- نموذج DeepSeek، الذي يقال إنه كشف عن تحديات أو ثغرات غير متوقعة، قد يسلط الضوء على مبالغة بعض المستثمرين في تقدير الإمكانات الاقتصادية لهذه التقنيات.
- ظهور DeepSeek يمثل نقطة تحول في سوق الذكاء الاصطناعي، حيث إن الشركات الكبرى مثل مايكروسوفت وغوغل قد تضطر إلى إعادة ترتيب أولوياتها للتعامل مع التحديات الجديدة التي يطرحها هذا النموذج.
- هذا التغير قد يُبطئ نمو السوق بشكل مؤقت، بينما تراجع هذه الشركات استراتيجياتها وتطور تقنيات بديلة.
حادث عرضي أم تحول استراتيجي
ووفق بانافع، فإنه إذا كانت التحديات التي يثيرها نموذج DeepSeek قابلة للإصلاح بسهولة، فقد تكون هذه الأزمة مؤقتة وسرعان ما تستعيد الشركات الكبرى توازنها، لكن إذا كانت المخاوف تتعلق أيضاً بالجوانب الأخلاقية أو الأمنية للذكاء الاصطناعي، فقد نشهد تحولاً أعمق في طريقة تعامل السوق مع هذه التكنولوجيا، مضيفاً أن:
- الشركات الكبرى تتمتع بموارد ضخمة وقدرة على التكيف السريع.
- إذا استطاعت هذه الشركات امتصاص المفاجأة والاستفادة منها، قد يتحول DeepSeek إلى فرصة لتطوير السوق بدلاً من تهديد له.
- في المقابل، الشركات الناشئة التي تعتمد كلياً على الاستثمار في الذكاء الاصطناعي قد تواجه ضغوطاً كبيرة وربما خروجاً من السوق.
ويرى أن الخسائر التي منيت بها الأسواق قد تكون مجرد موجة تصحيحية مؤقتة، لكن السوق تبدو متجهة نحو مزيد من النضج مع زيادة التشريعات والوعي بالمخاطر المرتبطة بتقنيات الذكاء الاصطناعي. وإذا تمكنت الشركات الكبرى من تجاوز التحديات، قد نشهد قفزة جديدة في الابتكار تقود الذكاء الاصطناعي إلى آفاق أكثر استقراراً.
ويعتقد بأن الخسائر الناتجة عن DeepSeek قد تمثل رد فعل مؤقتاً على مفاجأة في السوق، لكنها أيضاً قد تكون بداية لمرحلة جديدة من المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي. ما سيحدد الاتجاه هو استجابة الشركات الكبرى لهذه التحديات ومدى قدرتها على تحويل الأزمة إلى فرصة للنمو والابتكار.
ثورة جديدة
في سلسلة تغريدات عبر منصة "إكس"، يقول نائب رئيس قسم المنتجات والنمو في مجال الذكاء الاصطناعي لدى شركة Dropbox مورغان براون، إن:
- تدريب أفضل نماذج الذكاء الاصطناعي أمر مكلف للغاية، حيث تنفق شركات مثل OpenAI وAnthropic أكثر من 100 مليون دولار على الحوسبة وحدها، مع الحاجة إلى مراكز بيانات ضخمة ووحدات معالجة رسوميات باهظة الثمن.
- ظهرت شركة DeepSeek مؤخراً، وقد نجحت في تقليص التكلفة إلى 5 ملايين دولار فقط، مع تحقيق نتائج تضاهي أو تتفوق على نماذج مثل GPT-4 وClaude.
ويضيف: اعتمدت DeepSeek على إعادة التفكير في الأساسيات، فبدلاً من استخدام 32 خانة عشرية في الذكاء الاصطناعي التقليدي، استخدموا 8 خانات فقط، مما خفض الحاجة إلى الذاكرة بنسبة 75 بالمئة.. كما طوّرت DeepSeek نظام "الرموز المتعددة" الذي يتيح قراءة العبارات دفعة واحدة، مما جعل النموذج أسرع بمرتين وأكثر دقة بنسبة 90 بالمئة.
كذلك ابتكرت DeepSeek أيضًا "نظام الخبراء المتخصصين"، حيث لا يعمل الذكاء الاصطناعي إلا عند الحاجة للمهمة المطلوبة، ما يعزز الكفاءة ويقلل من استهلاك الموارد.. وفي النماذج التقليدية، توجد 1.8 تريليون معلمة (أوزان) نشطة دائماً، بينما في DeepSeek يوجد 671 مليار معلمة، ولكن 37 مليار فقط تكون نشطة في وقت واحد.
ووفق براون، فإن النتائج جاءت "مذهلة"، ذلك أن تكلفة التدريب انخفضت من 100 مليون إلى 5 ملايين دولار، وقل عدد وحدات معالجة الرسوميات المطلوبة من 100,000 إلى 2000، مع خفض تكاليف واجهة برمجة التطبيقات بنسبة أكثر من 95 بالمئة، موضحاً أن "المثير في الأمر هو أن كل شيء مفتوح المصدر: الكود والأوراق الفنية متاحة للجميع، مما يعكس هندسة ذكية".
هذا الابتكار في تصور براون يغير معادلة الذكاء الاصطناعي، ذلك أنه:
- لم يعد من الضروري أن تكون الشركات الكبرى فقط قادرة على الوصول إليه، بل يمكن استخدام وحدات معالجة رسوميات عادية لتحقيق نتائج فعّالة.
- هذا يشكل تهديدًا كبيرًا لشركة إنفيديا، التي تعتمد على بيع وحدات معالجة رسوميات باهظة الثمن.
- إذا أصبح بإمكان الجميع استخدام الذكاء الاصطناعي مع وحدات أقل تكلفة، فإن نموذج عملها سيتعرض لخطر.
ويوضح في الوقت نفسه أن DeepSeek حققت هذه الإنجازات بفريق مكون من أقل من 200 شخص، بينما تمتلك شركات مثل Meta فرقاً ضخمة وميزانيات أعلى، لكن نماذج DeepSeek تفوق كفاءتها، مشيراً إلى أن هذه القصة تمثل تحولًا جذريًا في صناعة الذكاء الاصطناعي، حيث تركز الشركات الكبيرة على تحسين العمليات الحالية، بينما تسعى الشركات الناشئة مثل DeepSeek لإعادة التفكير في الأساسيات.
ويقول إن:
- التداعيات كبيرة: أصبح تطوير الذكاء الاصطناعي أكثر سهولة وتكلفة أقل، مما يزيد المنافسة ويقلل من أهمية "الخنادق" التي تحيط بشركات التكنولوجيا الكبرى.
- بالطبع، لن تبقى شركات مثل OpenAI وAnthropic مكتوفة الأيدي، ومن المحتمل أن تتبنى هذه الابتكارات، لكن لا مجال للعودة إلى الأسلوب القديم في "إلقاء المزيد من وحدات معالجة الرسوميات".
- هذه اللحظة قد تكون نقطة تحول حاسمة في الذكاء الاصطناعي، مشابهة لتحولات تاريخية مثل تراجع أهمية الحواسيب المركزية لصالح أجهزة الكمبيوتر الشخصية.
- الذكاء الاصطناعي على وشك أن يصبح أكثر سهولة في الوصول إليه وأقل تكلفة بكثير، والسؤال ليس إذا كان هذا سيعطل اللاعبين الحاليين، بل مدى سرعة حدوث ذلك.
تحولات كبرى.. ما الذي يحمله المستقبل القريب؟
من جانبه، يؤكد الخبير التكنولوجي، محمد الحارثي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"،أن سوق تكنولوجيا المعلومات تشهد تحولات كبيرة؛ خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي، مشدداً على أن الهيمنة الأميركية التقليدية على هذا القطاع لم تعد مطلقة. ويستدل هنا بشركة "ديب سيك" الناشئة التي تأسست في العام 2023، والتي رغم قصر الفترة الزمنية منذ تأسيسها، تمكنت من إحداث تأثير كبير في المجال.
كما يشير الحارثي إلى أن النموذج المطور الخاص بالذكاء الاصطناعي "ديب سك آر 1"، والذي يتميز بكونه مفتوح المصدر، يقدم تفوقاً ملحوظاً مقارنة بنموذج "شات جي بي تي" الخاص بشركة "أوبن أي آي"، مضيفاً: تكلفة تطوير نموذج "ديب سك آر 1" أقل بشكل واضح، مع تحقيق نتائج فعالة ومهمة تقلص الفجوة بين النماذج المختلفة. هذا التطور يشكل تهديداً واضحاً لهيمنة "أوبن أي آي" على نماذج الذكاء الاصطناعي.
كما يلفت الخبير التكنولوجي في الوقت نفسه إلى أن الصين تشهد نهضة كبيرة في مجالات تطبيق الذكاء الاصطناعي، متوقعاً أن يتم دمج هذه التكنولوجيا بشكل واسع في العمليات التصنيعية، بالإضافة إلى تطوير الهواتف المحمولة والسيارات الذكية. ويؤكد أن هذه التطورات تعزز المنافسة الشرسة بين "التنين الصيني" والهيمنة الأمريكية في مجال التكنولوجيا.
ويختتم الحارثي حديثه بالإشارة إلى أن التكلفة العالية للتطوير في الولايات المتحدة تمثل عائقاً أمام انتشار نماذجها مقارنة بالنماذج الصينية، مما يتيح للنماذج منخفضة التكلفة مثل "ديب سك آر 1" فرصة أكبر للانتشار عالمياً، وهو ما سيحدث تأثيراً عميقًا على السوق التكنولوجية الدولية.