بالأرقام.. تداعيات اقتصادية خطيرة للكوارث الطبيعية
11:48 - 15 يناير 2025كان العام 2024 عاماً مليئاً بالكوارث الطبيعية التي أثقلت كاهل الأسواق التأمينية عالمياً؛ مع تسجيل خسائر مالية فادحة وصلت إلى 320 مليار دولار أميركي، منها 140 مليار دولار مؤمّنة.
هذه الخسائر -بحسب البيانات الصادرة عن شركة Munich Re (شركة إعادة تأمين في ميونيخ ، ألمانيا، وتعد واحدة من شركات إعادة التأمين الرائدة في العالم) كانت أعلى بكثير مقارنة بمتوسط الخسائر السنوية سواء خلال العشرة أو الثلاثين عاماً الماضية، المعدلة للتضخم.
ووفق البيانات ذاتها، فإن العام 2024 يعد ثالث أكثر الأعوام تكلفة من حيث الخسائر المؤمّنة، وخامسها من حيث إجمالي الخسائر منذ العام 1980.
شكلت الكوارث المناخية الجزء الأكبر من هذه الخسائر، حيث أسهمت بنسبة 93 بالمئة من الإجمالي و97 بالمئة من الخسائر المؤمّنة.. وقد شملت هذه الكوارث الأعاصير القوية والعواصف الرعدية شديدة، بخلاف الفيضانات المدمرة التي ضربت بشكل خاص أميركا الشمالية وأوروبا.
كان للأعاصير المدارية النصيب الأكبر، حيث أسهمت وحدها بـ 135 مليار دولار من إجمالي الخسائر، و52 مليار دولار من الخسائر المؤمّنة. وفي الولايات المتحدة وحدها تسببت الأعاصير الكبرى بخسائر بلغت 105 مليارات دولار، منها 47 مليار دولار كانت مؤمّنة.
ورغم هذه الأرقام الصادمة، كان عدد الضحايا البشرية أقل من المتوسط؛ إذ قُدّر بنحو 11 ألف شخص في 2024، مما يعكس التحسن التدريجي في آليات الإنذار المبكر والجاهزية لمواجهة الكوارث.
ومع ذلك، كان للكوارث الثانوية، مثل الفيضانات وحرائق الغابات والعواصف الرعدية، دور كبير في دفع الخسائر نحو الارتفاع، حيث بلغت خسائرها 136 مليار دولار، منها 67 مليار دولار مؤمّنة. على الرغم من انخفاض هذه الأرقام قليلاً مقارنة بالعام السابق، إلا أنها ظلت أعلى بكثير من متوسطات السنوات العشر الأخيرة، بحسب بيانات الشركة التي اطلع عليها موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية".
ومن الجدير بالذكر أن العام 2024 سجّل أرقاماً قياسية من حيث درجات الحرارة.. هذا الارتفاع التاريخي في درجات الحرارة أسهم في تفاقم الكوارث الجوية، مما زاد من حدتها وتكرارها، ودفع بالخسائر الاقتصادية إلى مستويات غير مسبوقة.
تُظهر الأرقام أيضاً اتجاهاً مقلقاً يتمثل في زيادة تأثير الكوارث الثانوية على المدى الطويل، وهو ما يعكس اتجاهاً تصاعدياً يفرض تحديات كبيرة على أسواق التأمين والاقتصادات العالمية. ومع استمرار تغيّر المناخ وارتفاع درجات الحرارة، من المتوقع أن يزداد الضغط على الأنظمة البيئية والاقتصادية، مما يتطلب تكاتف الجهود الدولية للحد من آثار هذه الظاهرة الكارثية.
تداعيات اقتصادية خطيرة
خبير الاقتصاد الدولي، الدكتور علي الإدريسي، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن من بين أبرز تأثيرات الكوارث الطبيعية على الاقتصاد العالمي:
- ارتفاع تكلفة الخسائر الاقتصادية: في 2023، تجاوزت تكلفة الكوارث الطبيعية عالمياً حوالى 268 مليار دولار، ما يعكس الأثر المباشر على البنية التحتية والزراعة والصناعة.
- التغيرات المناخية قد تؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمعدل 1 بالمئة سنوياً بحلول 2030 إذا استمرت وتيرتها الحالية.
- تؤثر الكوارث مثل الفيضانات والجفاف على إنتاج وتوزيع السلع، مما يرفع تكاليف النقل ويؤدي إلى نقص في الأسواق.
- الحكومات تتحمل تكاليف إعادة الإعمار والبنية التحتية المتضررة، بينما تواجه الشركات خسائر في الإنتاج والطلب فى ظل صدمات اقتصادية وتوترات جيوسياسية.
- الكوارث تزيد من حالة عدم اليقين، مما يؤثر سلبًا على استثمارات الشركات وثقة المستثمرين.
ويحدد الإدريسي القطاعات الاقتصادية الأكثر تضرراً، على النحو التالي:
- القطاع الزراعي: الزراعة تعد من القطاعات الأكثر تضرراً بسبب الجفاف وتداعيات الفيضانات والأعاصير.. كما أن تراجع الإنتاج يؤدي إلى نقص الغذاء وزيادة الأسعار، مما يرفع معدلات التضخم.
- البنية التحتية والنقل: الأضرار التي تلحق بالطرق والجسور والموانئ تؤدي إلى تعطل حركة البضائع والأفراد، مما يزيد من تكاليف التجارة.
- الصناعة: تدمير المنشآت الصناعية وانقطاع الكهرباء أو المواد الخام يسبب خسائر مالية كبيرة ويؤدي إلى تعطيل الإنتاج.
- السياحة: الكوارث الطبيعية تقلل من تدفق السياح إلى المناطق المتضررة وتؤدي إلى إغلاق الفنادق والمرافق السياحية.
- الطاقة: تدمير محطات الطاقة وخطوط الإمداد يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربائي وارتفاع تكاليف الإنتاج.
قطاع التأمين
أما عن قطاع التأمين، فيشير خبير الاقتصاد الدولي في معرض حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن هذا القطاع يمثل حالة خاصة؛ إذ يتضرر من جهة ويستفيد من جهة أخرى.
أما لجهة الخسائر المباشرة المرتبطة بالقطاع فتتمثل في (زيادة المطالبات بسبب الكوارث الطبيعية تؤدي إلى خسائر ضخمة للشركات)، مشيراً إلى أنه لتعويض خسائرها، تلجأ الشركات إلى زيادة الأقساط، مما يزيد العبء على الأفراد والشركات. كما أنه "في المناطق الأكثر عرضة للكوارث، تقلل الشركات من تغطياتها أو تفرض شروطًا أكثر صرام".
أما على صعيد الفرص المستقبلية، فإن تنامي التهديدات المرتبطة بالكوارث الطبيعية من شأنها دفع زيادة الطلب على التأمين ضد الكوارث، وبما قد يرفع من إيرادات القطاع على المدى الطويل، إذا تم استحداث حلول مرنة ومبتكرة.
تُظهر بيانات شركة أخرى، وهي شركة Swiss Re السويسرية لإعادة التأمين، تشير إلى أن الأعاصير والعواصف الرعدية الشديدة والفيضانات رفعت الخسائر المؤمنة إلى أكثر من 100 مليار دولار للعام الخامس على التوالي.
لكن الشركة أعطت متوسطات خسائر أقل نسبياً من التي رصدتها نظيرتها Munich Re، وذلك عند 135 مليار دولار أميركي (مقارنة بـ 140 ملياراً بالنسبة لـ Munich Re).
كذلك تشير بيانات الشركة ذاتها إلى أنه كان لإعصار هيلين وإعصار ميلتون تأثير شديد على الولايات المتحدة، مما أدى إلى خسائر مؤمنة تقدر بنحو 50 مليار دولار. كما أن الفيضانات الكبرى التي ضربت أوروبا والشرق الأوسط تسببت في خسائر مؤمنة تقدر بنحو 13 مليار دولار أميركي حتى ديسمبر الماضي.
وقال رئيس قسم مخاطر الكوارث في الشركة، بالز جروليموند ، في بيان منشور عبر موقعها الإلكتروني:
- للعام الخامس على التوالي، تجاوزت الخسائر المؤمّنة الناتجة عن الكوارث الطبيعية حاجز 100 مليار دولار.
- يعود جزء كبير من هذا العبء المتزايد إلى التركيز الكبير للأصول ذات القيمة العالية في المدن الكبرى، مثل المباني والمرافق التجارية والبنية التحتية، بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف إعادة الإعمار.
- إضافة إلى ذلك، يلعب تغير المناخ دوراً متزايداً في تهيئة الظروف التي تؤدي إلى وقوع العديد من الكوارث التي شهدناها هذا العام.
- لذلك، يجب أن تكون الأولوية للاستثمار في تدابير التخفيف من آثار الكوارث والتكيف معها.
تغير المناخ
في السياق نفسه، يقول الخبير في شؤون المناخ، حمدي حشاد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن القطاعات المرتبطة بالمجال الفلاحي وإنتاج الغذاء تُعتبر الأكثر تضرراً من التغيرات المناخية والتداعيات والكوارث الناجمة عنها، موضحاً أن سلسلة إنتاج الغذاء، بدءاً من الزراعة وحتى التصنيع، تعتمد بشكل أساسي على استقرار العوامل المناخية واستقرار التساقطات المطرية لضمان تلبية الحد الأدنى من الطلب العالمي.
ويشير إلى أن "التذبذب المناخي" يؤدي إلى تقلبات كبيرة في الأسعار وتراجع إنتاج العديد من المحاصيل الأساسية مثل الكاكاو والقمح والبن والأرز مما يجعل هذا القطاع على رأس الأولويات في مواجهة تداعيات المناخ.
كما يشدد حشاد على أن قطاع البنية التحتية والإسكان يواجه تحديات كبيرة بسبب الكوارث الطبيعية المتزايدة مثل الحرائق والأعاصير والفيضانات وموجات الحرارة المرتفعة، إلى جانب السيول والانزلاقات الأرضية، والتي ارتفعت تكلفتها المادية بشكل كبير. ويؤكد أن العام 2024 شهد واحدة من أعلى الخسائر الاقتصادية للخسائر المادية الناتجة عن الكوارث المناخية.
وفيما يتعلق بالجانب الصحي، يشير حشاد إلى التأثيرات الخطيرة على الفئات الهشة، سواء من خلال انتشار الأمراض أو ظهور سلالات أكثر مقاومة للعلاج نتيجة ارتفاع الرطوبة والحرارة. كما يلفت إلى مفهوم "التضخم المناخي" وتأثيره الاقتصادي الكبير على الدول ذات الموارد المحدودة أو تلك التي لا تعتمد على التكنولوجيا المتطورة، مما يجعلها من بين الأكثر تضرراً على الصعيد العالمي.