لماذا ترتفع أسعار اليورانيوم؟
11:51 - 13 يناير 2025مع تصاعد الأزمات الجيوسياسية وتزايد الحاجة العالمية لمصادر طاقة نظيفة ومستدامة، يبرز اليورانيوم كعنصر استراتيجي يواجه ضغوطاً متزايدة بفعل الطلب المرتفع، لا سيما من قطاع التكنولوجيا مع طفرة الذكاء الاصطناعي.
في هذا السياق، يشير تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، إلى ارتفاع أسعار الوقود للمفاعلات النووية إلى مستوى قياسي، وذلك بدعم من تزايد الطلب من مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي قاد بدوره إلى تفاقم الضغط على السوق، خاصة بعد الحرب في أوكرانيا (وتداعياتها).
- وفقا لمزود البيانات UxC، أسعار اليورانيوم المخصب وصلت إلى 190 دولاراً لكل وحدة فصل (المقياس القياسي للجهد المطلوب لفصل نظائر اليورانيوم) مقارنة بـ 56 دولارا قبل ثلاث سنوات.
- الاهتمام بالطاقة النووية يتزايد في الوقت الذي تتطلع فيه الحكومات والشركات إلى مصادر الطاقة الخالية من الكربون والتي تكون كبيرة بما يكفي لخدمة المرافق الصناعية والمجتمعات المحلية الكبرى.
- كذلك شركات التكنولوجيا الكبرى -مثل مايكروسوفت وأمازون- صارت مهتمة باستخدام الوقود لتشغيل مراكز البيانات (تتطلب تلك المراكز قدراً كبيراً من الطاقة والتي تتسابق لبنائها بينما تتنافس على حصة السوق في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي).
ووفق التقرير، فإن المنافسة المتزايدة على الطاقة تضيف إلى مخاوف الصناعة في أعقاب الحرب في أوكرانيا قبل ما يقرب من ثلاث سنوات.
تعد روسيا لاعباً رئيسياً في عملية تحويل اليورانيوم المستخرج إلى الوقود المخصب اللازم للمفاعلات النووية، لكن العقوبات الأميركية وحظر التصدير الروسي ساعد في دفع الأسعار إلى مستويات قياسية.
ويقول المسؤولون التنفيذيون والمحللون إن المشكلة من المرجح أن تتفاقم بسبب انتهاء الإعفاء الأميركي للمستوردين في نهاية العام 2027. وقد فرض هذا الضغط ضغوطاً على الصناعة لإيجاد مرافق جديدة يمكنها تحويل اليورانيوم إلى حبيبات تدخل في المفاعلات النووية.
خارج روسيا، فإن الدول الغربية الرئيسية التي لديها مرافق تحويل اليورانيوم العاملة هي فرنسا والولايات المتحدة وكندا.
ووفقا لمحللين في بيرينبرغ، فإن:
- نحو 27 بالمئة من واردات الولايات المتحدة من اليورانيوم المخصب في العام 2023 جاءت من روسيا.
- في حين أن المرافق الأميركية ربما يكون لديها ما يكفي من الوقود لهذا العام، فإن غطائها سوف ينهار بشكل كبير في غضون أربع سنوات.
- "شركات المرافق الأميركية ستضطر إلى بدء مناقشات التعاقد هذا العام لتأمين اليورانيوم، خاصة مع فرض قيود على واردات اليورانيوم الروسي إلى الولايات المتحدة في نهاية عام 2027".
تدافع غير مسبوق
من جانبها، تقول أستاذة الاقتصاد والطاقة، الدكتورة وفاء علي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن:
- الأسواق العالمية تشهد تدافعاً ربما غير مسبوق فيما يخص العنصر الاستراتيجي "اليورانيوم"، والذي وصلت أسعاره إلى مستويات قياسية تلامس 190 دولاراً لكل وحدة فصل.
- هذه الزيادة تعكس ضغوطاً هائلة على السوق العالمية؛ لضمان استقرار الإمدادات لهذا العنصر الحيوي، الذي تفاقمت فجوة العرض فيه بفعل تطورات مثل الحرب في أوكرانيا وتداعياتها.
- هذه المرحلة الحرجة من ارتفاع أسعار اليورانيوم تأتي مع تزايد الطلب عليه كمصدر أساسي لتوليد الكهرباء.. لا سيما الطلب المرتبط بتلبية احتياجات مراكز البيانات المرتبطة بتحرير الذكاء الاصطناعي.
- كما يتم توظيفه في تعزيز قدرات التوليد بمحطات الطاقة النووية، مما يجعله عنصراً محورياً في تحقيق التحول نحو طاقة نظيفة وخالية من الانبعاثات الكربونية.
وتشير إلى أن الأزمة الأوروبية في مجال الطاقة، وعدم كفاية المشروعات المرتبطة بتوليد الوقود النووي المعروف بالكعكة الصفراء، أسهمت في زيادة الضغوط على الطلب العالمي لليورانيوم، مؤكدة أن الطلب العالمي على هذا العنصر قد يبلغ 40 مليون رطل بحلول عام 2030، في حين يُتوقع أن يقتصر المعروض على حوالي 38 مليون رطل، ما يضع الأسواق أمام عجز مؤكد.
وتوضح في الوقت نفسه أن:
- الاختناق العالمي في سلاسل الإمداد، الناجم عن التداعيات الجيوسياسية، كان له دور كبير في دفع الأسعار من مستويات 56 دولاراً قبل الحرب في أوكرانيا إلى المستويات الحالية.
- "مع الاتجاه العالمي للتحول الطاقي وزيادة الاعتماد على الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء النظيفة، اشتدت الحاجة إلى اليورانيوم، خاصةً في ظل سباق التكنولوجيا الحديثة التي تعتمد بشكل متزايد على هذا المعدن في عملياتها التشغيلية".
وتتطرق علي إلى تأثير العقوبات المفروضة على روسيا، والتي أسهمت في تقليص المعروض العالمي من اليورانيوم، ما أدى إلى زيادة الطلب وارتفاع الأسعار. كما تؤكد أن روسيا، باعتبارها لاعب جيوسياسي مهم في إنتاج هذا العنصر، تؤثر بشكل مباشر على استقرار الأسواق.
وتشير إلى أن اليورانيوم يباع غالباً من خلال عقود طويلة الأمد، لكن السوق لا تزال مفتوحة وتوفر خيارات مرنة. ومع ضغوط الطلب الحالية، يُتوقع أن تواجه أوروبا مزيدًا من الأزمات المرتبطة بإمدادات الطاقة.
تأثير شركات التكنولوجيا
وفي تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، يتحدث المستشار الأكاديمي بجامعة ولاية سان خوسيه الأميركية، الدكتور أحمد بانافع، عن الدور الذي تأثير "ثورة الذكاء الاصطناعي" على الطلب على اليورانيوم، ومن ثم على الأسعار.
تسعى شركات التكنولوجيا العملاقة مثل مايكروسوفت وأمازون إلى إيجاد حلول مبتكرة لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة اللازمة لتشغيل مراكز البيانات، خاصة مع توسع هذه المراكز لدعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي المتطورة.
ويُعدد بانافع أسباب تلك المساعي، على النحو التالي:
- ارتفاع الطلب على الطاقة: تُعد مراكز البيانات منشآت كثيفة الاستهلاك للطاقة، تتطلب تشغيلاً مستمراً للخوادم وأنظمة التبريد لضمان العمل على مدار الساعة.. ومع توسع تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل نماذج التعلم العميق واسعة النطاق، ازداد استهلاك الطاقة بشكل هائل.
- قيود الطاقة المتجددة: على الرغم من استثمارات التكنولوجيا في مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح، إلا أن هذه المصادر متقطعة ولا توفر موثوقية تشغيل مراكز البيانات على مدار الساعة.
- الطاقة النووية كبديل مستدام: الطاقة النووية، لا سيما تلك التي تعتمد على اليورانيوم، تُعد مصدراً نظيفاً ومستقراً للطاقة يوفر إمدادات كهرباء مستمرة.. وتتوافق البصمة الكربونية المنخفضة للطاقة النووية مع أهداف الاستدامة التي تسعى إليها هذه الشركات.
- الابتكار في التكنولوجيا النووية: تطورت المفاعلات النووية المعيارية الصغيرة (SMRs) لتكون خيارًا أكثر أمانًا وفعالية، مع إمكانيات تكييفها لتلبية احتياجات مراكز البيانات.
وتُعتبر هذه التكنولوجيا جذابة للشركات مثل مايكروسوفت وأمازون التي تبحث عن حلول طاقة طويلة الأمد ومستدامة.
ويوضح بانافع أن:
- التوسع السريع في تطبيقات الذكاء الاصطناعي يعزز الطلب على طاقة حوسبية أكبر، ما يتطلب مصادر طاقة موثوقة وقابلة للتطوير.
- من خلال الاستثمار في الطاقة النووية، تسعى الشركات إلى تأمين مصادر طاقة مستقلة، ما يعزز قدرتها على مواجهة التحديات التشغيلية.
- تواجه شركات التكنولوجيا ضغوطًا متزايدة للحد من بصمتها الكربونية. الاستثمار في الطاقة النووية يدعم جهودها لتحقيق الاستدامة ويعزز صورتها كرواد في مجال التكنولوجيا الخضراء.
ويشدد على أن اعتماد الشركات على الطاقة النووية قد يؤدي إلى تسريع استخدام التكنولوجيا النووية عالمياً في مختلف القطاعات.
عقبات وتحديات
لكنه يوضح أن هذه الشركات تحتاج إلى مواجهة عقبات تنظيمية ومعالجة مخاوف الجمهور بشأن الأمان النووي. وفي سياق متصل، يوضح أنه من المتوقع أن يؤدي التحول إلى الطاقة النووية إلى إعادة تشكيل أسواق الطاقة التقليدية وخلق فرص جديدة للتعاون بين شركات التكنولوجيا وقطاع الطاقة.
ويلفت الخبير التكنولوجيا إلى مجموعة من التحديات الجيوسياسية:
- تلعب التطورات الجيوسياسية دوراً كبيراً في تحول هذه الشركات نحو الطاقة النووية.
- العقوبات الأميركية وحظر صادرات روسيا أدى إلى تعقيد المشهد، حيث تُعد روسيا لاعباً رئيسياً في تحويل اليورانيوم إلى وقود مخصب للمفاعلات النووية.
- شكّلت روسيا 27 بالمئة من واردات الولايات المتحدة من اليورانيوم المخصب في عام 2023. ورغم امتلاك المرافق الأميركية مخزوناً كافياً فإنها ستحتاج إلى تأمين إمدادات جديدة قبل عام 2027 مع فرض قيود على الواردات الروسية.
مع هذا التوجه نحو الطاقة النووية، تسعى شركات التكنولوجيا لضمان استدامة عملياتها التشغيلية ودعم توسعها في مجال الذكاء الاصطناعي، بينما تستمر في مواجهة تحديات تنظيمية واقتصادية قد تُعيد تشكيل مشهد الطاقة عالمياً.
الخيار الأمثل.. ولكن
وبحسب تقرير لـشركة arcadis الاستشارية، اطلع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عليه، فإن الطاقة النووية تُعد الخيار الأمثل لتلبية احتياجات الطاقة في مراكز البيانات، ولكن تنفيذها على نطاق واسع يواجه العديد من التحديات.
- تعتمد مصادر الطاقة النووية الحالية على محطات كبيرة الحجم، تتراوح سعة مفاعلاتها بين 700 و1000 ميغاواط.
- رغم أن هذه المحطات تقدم حلاً مثالياً لتلبية احتياجات مراكز البيانات من الطاقة، فإن بناءها لطالما واجه مشكلات تتعلق بتجاوز التكاليف والجدول الزمني.
- على سبيل المثال، استغرق إنشاء أحدث المحطات النووية في الولايات المتحدة، وحدات فوجتل 3 و4 في واينسبورو، جورجيا، نحو 15 عامًا واكتمل بتكلفة 36 مليار دولار، أي ما يقرب من ضعف التكلفة والمدة الزمنية المتوقعة.
- نظرًا للتغيرات في تصور الجمهور للطاقة النووية، والتحديات المرتبطة بالحصول على الموافقات التنظيمية الصارمة، إلى جانب تطبيق تدابير صارمة لضمان الأمان وتطلب استثمارات رأسمالية ضخمة، فإن بناء محطات الطاقة النووية التقليدية قد لا يتماشى دائمًا مع مبادئ اقتصاديات الحجم. وكلما زادت سعة المحطة، ارتفعت مخاطر تجاوز التكلفة والجدول الزمني.
- ورغم هذه العقبات، فإن الطاقة النووية تظل خيارًا استراتيجيًا لمراكز البيانات.