ما الذي تعنيه تعيينات ترامب المحتملة بالنسبة للصين؟
14:41 - 14 نوفمبر 2024أظهر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب توجهاً صارماً جديداً تجاه الصين عبر تعيينات مشددة في مناصب قيادية في السياسة الخارجية، وفقًا لخبراء في واشنطن، وذلك في الوقت الذي يسابق فيه الزمن لشغل أهم المناصب الوزارية.
أعلن ترامب مؤخرا عن تعيين مايك والتز، عضو الكونغرس عن ولاية فلوريدا وضابط القوات الخاصة السابق، مستشارًا أمنيًا له، حيث وصف والتز الصين بأنها تهديد "وجودي". ومن المتوقع أن يرشح السيناتور ماركو روبيو، المعروف بمواقفه المتشددة تجاه الصين، وزيرًا للخارجية.
اختيار ترامب لإليز ستيفانيك، لمنصب سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، يعزز هذا التوجه، إذ إنها معروفة بانتقاداتها الشديدة لبكين، بحسب تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية، نقل عن خبراء بالسياسة الخارجية الذين يرون ضرورة أن تتبنى الولايات المتحدة موقفًا أكثر حزمًا تجاه الصين مقارنة بإدارة الرئيس جو بايدن، ترحيبهم بهذه التعيينات.
وصف المدير الإداري لشركة بيكون غلوبال استراتيجيز، إريك سايرز، هذه الخطوة بـ"العيد" بالنسبة لمؤيدي التوجه الصارم تجاه الصين. وأكد أن المعينين يدركون الحاجة ليس فقط إلى تعزيز الدفاع الأميركي، بل أيضًا إلى منافسة الصين في مجالات أخرى مثل الاقتصاد والتكنولوجيا وحقوق الإنسان.
وقال عضو الكونغرس الجمهوري السابق الذي ترأس لجنة الصين في مجلس النواب، مايك غالاغر، إن تعيين والتز وروبيو يرسل رسالة واضحة إلى بكين بأن "عصر التكيف قد انتهى".
ويرى غالاغر، الذي يشغل الآن منصبًا في مجموعة بالانتير ويعمل كزميل في مؤسسة هدسون، أن والتز وروبيو يدركان التهديد الذي يشكله الحزب الشيوعي الصيني ويفهمان أننا في بداية حرب باردة جديدة، ما يستدعي استعادة الردع وتركيز القوة الصارمة.
كان والتز قد دعا إلى تعزيز الردع الأميركي ضد الصين. وقال: "علينا أن نحول تركيزنا نحو المحيط الهادئ"، موضحًا أن الوضع "خطير" في ظل بناء الصين لقدراتها العسكرية بوتيرة هي الأسرع منذ ثلاثينيات القرن العشرين.
وفي تحليل للموقف، قال الخبير السابق في شؤون الصين بوكالة الاستخبارات المركزية، دينيس وايلدر، إن ترامب وفريقه يرون أن إدارة بايدن لم توضح لبكين أن "تفوق الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ لا جدال فيه، وأن الحرب مع الصين يمكن تجنبها فقط عبر الردع القوي والحازم".
اختيارات ترامب
من جانبه، أوضح الكاتب المتخصص في الشؤون الصينية، حسين إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أنه:
- من الواضح أن اختيارات الرئيس الأميركي المنتخب تتسق تماما مع أفكاره وتوجهاته.
- لم يعط ترامب المحللين كثيرا من الوقت لمحاولة استشراف، وبالأحرى تخمين، ما ستكون عليه سياساته عندما يدلف من جديد إلى البيت البيضاوي في العشرين من يناير.
- البعض كان قد ذهب إلى أن ترامب في ولايته الثانية سيختلف عن ترامب في ولايته الأولى. وثمة من قال إنه قد أمضى أربع سنوات رئيسيا ومثلها معارضا للرئيس، ولا بد أنه اكتسب خبرة وخاصة في السياسة الخارجية، تجعله يدير العلاقات الدولية لبلاده بشكل مختلف عن ولايته الأولى.
وأضاف: إن التدقيق في الأسماء التي اختارها ترامب يبين بشكل واضح أنهم صورة مصغرة منه. ربما المثال الأبرز على ذلك، الشخص المرشح لمنصب وزير الدفاع في إدارة ترامب، وهو المذيع التلفزيوني بيت هيغسيث.. وقد وصفه ترامب بأنه قوي وذكي ومؤمن حقا بـ "أميركا أولا". وأضاف أنه مع وجود بيت على رأس القيادة، فإن أعداء أميركا تحت الملاحظة!
أما المرشح لمنصب وزير الخارجية، ماركو روبيو، فمعروف بمواقفه المتشددة تجاه الصين، وهو من الأشخاص الذين فرضت عليهم الصين عقوبات مرتين. وسيكون من المهم رؤية كيف يمكن أن تشكل تلك العقوبات تحديًا محتملا للتبادلات الدبلوماسية بين بكين وواشنطن. كما أن مايك والتز، المرشح لمنصب مستشار الأمن القومي في إدارة ترامب، فهو عضو في ما يعرف بـ "فريق عمل المجلس بشأن الصين" بالكونغرس الأميركي، ومعروف أيضا بانتقاده لبكين.
واستطرد: الصين من جانبها تراقب عن كثب، وقد هنأ الرئيس الصيني شي جين بينغ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، وحث البلدين على إيجاد "الطريقة الصحيحة للتوافق". وقال إن العلاقات الصينية- الأميركية المستقرة والسليمة والمستدامة تخدم مصالح الجانبين، مضيفا أن المجتمع الدولي يتوقع من القوتين "احترام بعضهما البعض والتعايش بسلام".
وبحسب إسماعيل، فإن تحليل السياسة الخارجية الصينية تجاه الولايات المتحدة خلال السنوات الأكثر من الأربعين الماضية، يبين أن بكين لا تتعامل مع أشخاص بقدر ما تتعامل مع سياسات. بعبارة أخرى، ستبقى محددات علاقات بكين مع واشنطن مرتبطة بما ستتخذه إدارة ترامب من مواقف وسياسات وبخاصة تلك التي تخص القضايا الجوهرية للصين، وفي مقدمتها تايوان وبحر الصين الجنوبي. وأتصور أن الصين يمكن أن تتعايش مع أي إجراءات تجارية قد تتخذها إدارة ترامب، كما فعلت في سنوات ولايته الأولى.
واستطرد: أيا كانت مواقف أعضاء إدارة ترامب تجاه الصين، فإنه لا غنى لواشنطن عن بكين في العديد من القضايا الساخنة في العالم، ومنها الأزمة في شبه الجزيرة الكورية والأزمة الأوكرانية والأزمة في الشرق الأوسط. إن المبدأ الذي تنتهجه الصين في علاقاتها الدولية هو "وضع الخلافات جانبا مع العمل على نقاط الالتقاء"، وهذا يعني أن بكين سوف تسعى إلى العمل مع إدارة ترامب في الملفات التي يمكن التوصل إلى تفاهمات بشأنها مع عدم إثارة القضايا الاستراتيجية الخلافية. ولعل النقطة المثيرة هنا هي أن ترامب، كما صرح غير مرة، لا يوفر الحماية بدون ثمن. وهذا قد يعني أن الدعم العسكري لتايوان سيكون مكلفا للجزيرة التي تتخذ من واشنطن سندا رئيسيا لها في مواجهة بكين.
أما على الجانب التجاري، فإن فرض رسوم جمركية عالية على الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة ستكون له انعكاسات قوية على العمالة والتضخم والقدرة الشرائية للمواطن الأميركي نفسه. وهنا ربما يأتي الضغط الأكبر على ترامب من الداخل الأميركي وليس من بكين، بحسب إسماعيل.
وأوضح أنه "ستظل العلاقات الصينية- الأمبركية هي العلاقات الدولية الأكثر أهمية في العالم، وسيستمر التنافس الستراتيجي بين البلدين، وسيعتمد البقاء بعيدا عن حافة الانزلاق إلى مواجهة واسعة بين القطبين العالميين رهنا بحكمة قادة بكين وواشنطن في التعاطي مع خلافاتهما وإدارتها من دون السقوط في الهاوية".
الموقف من تايوان
كما قام خبراء الدفاع بفحص تعيينات ترامب لرصد موقف الرئيس المنتخب من تايوان، التي تُعد القضية الأكثر حساسية في العلاقات الأميركية الصينية. وقد أشار والتز إلى توقعه بأن يحافظ ترامب على سياسة "الغموض الاستراتيجي" الأميركية، التي لا توضح ما إذا كانت واشنطن ستدافع عن تايوان أم لا، وفق صحيفة فايننشال تايمز.
وأشار خبراء إلى أن والتز سيحظى بدعم أيديولوجي في وزارة الخارجية من روبيو، الذي كان من أبرز الداعمين لتوجه صارم تجاه الصين في الكونغرس، حيث سلط الضوء على قضايا مثل اضطهاد الأويغور في شينجيانغ، وقمع النشطاء الديمقراطيين في هونغ كونغ، وضغوط بكين على تايوان.
في عام 2020، فرضت الصين عقوبات على روبيو ضمن قائمة من المسؤولين الأميركيين بسبب مواقفه في قضايا هونغ كونغ.
وأوضح ألكسندر غراي، الذي شغل منصب رئيس موظفي مجلس الأمن القومي في إدارة ترامب الأولى، أن هذه التعيينات تعكس رغبة ترامب في إحاطة نفسه بمفكرين استراتيجيين يفهمون التحدي الذي تشكله الصين. ولكنه أضاف أن والتز سيكون "وسيطًا نزيهًا" في المناقشات، وسيتوسط بين الوكالات بدلاً من فرض آرائه الشخصية.
ويترقب خبراء السياسة الخارجية لمعرفة الدور الذي سيلعبه حليف ترامب، إيلون ماسك، وما إذا كان الملياردير سيسعى إلى تهدئة موقف ترامب تجاه الصين، خاصةً وأن لديه مصنعًا لشركة تسلا هناك.
وصرح راش دوشي، خبير الشؤون الصينية بمجلس العلاقات الخارجية وجامعة جورج تاون، أن اختيار شخصيات مثل روبيو ووالتز وستيفانيك يشير إلى توجه نحو النهج الصارم بدلاً من النهج المعاملاتي، مما قد يؤدي إلى استمرارية أكبر مع فريق بايدن فيما يتعلق بالحلفاء وحقوق الإنسان والتكنولوجيا وتايوان.
واختتم دوشي قائلاً: "لكن، كما رأينا سابقًا، يبقى ترامب صاحب القرار الأخير، ولا يتردد في استبعاد من يخالفونه الرأي".
توجه متشدد
وإلى ذلك، شدد الخبير الاقتصادي وكبير الاقتصاديين في شركة "ACY" الدكتور نضال الشعار، في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن اختيار وزير الخارجية ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي مايك وولتز في فريق ترامب يعكس توجّهًا متشدّدًا نحو السياسات الحمائية لصالح الولايات المتحدة، تحت شعار "أميركا أولاً" الذي كان محور حملة ترامب الانتخابية. وأوضح الدكتور الشعار أن روبيو لطالما عُرف بمواقفه المتصلبة تجاه الصين، حيث وصف الصراع مع الصين بأنه "صراع وجودي"، مما يشير إلى دعم قوي لترامب في استراتيجيته لمواجهة الصين تجاريًا.
وأشار إلى أن هذا التوجه نحو السياسات الحمائية قد يتجسّد بفرض تعريفات جمركية مرتفعة تصل إلى 100 بالمئة، وهو ما يعكس وعود ترامب المتزايدة بشأن تشديد الإجراءات الاقتصادية ضد الصين، التي يُتوقع أن تكون الضحية الكبرى لهذه السياسات. وأضاف أن الشركات الأميركية الكبرى، التي تواجه منافسة شرسة من نظيراتها الصينية، ستشكل داعمًا إضافيًا لفريق ترامب في تنفيذ هذه السياسات.
وختم الدكتور الشعار بالتأكيد على أن الإدارة الأميركية تتجه بوضوح نحو سياسات حمائية، مع تركيز خاص على كبح النفوذ الاقتصادي الصيني، مشيرًا إلى أن التفاوضات المقبلة قد تتولاها القيادة الجديدة لوزارة الخارجية ومستشار الأمن القومي.
ملامح السياسة الخارجية
بدوره، تحدث مستشار للمركز العربي للدراسات والبحوث أبو بكر الديب مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، عن أبرز ملامح السياسة الخارجية المحتملة لدونالد ترامب بعد فوزه بالرئاسة. وذكر أن ترامب تعهد في برنامجه الانتخابي بفرض رسوم جمركية تصل إلى 60 بالمئة على السلع الصينية، وهي خطوة يُتوقع أن تصعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين، مما قد يضر بعلاقات التجارة بين أكبر اقتصادين عالميين.
كما أوضح الديب أن التوجه العام لسياسة ترامب الخارجية يتسم بمواجهة الصين، ودعم إسرائيل، وممارسة ضغوط مكثفة على إيران. وتظهر هذه السياسة في ترشيح ماركو روبيو، السيناتور عن ولاية فلوريدا والمعروف بمواقفه المتشددة ضد الصين وإيران، لمنصب وزير الخارجية. روبيو، ذو الخلفية السياسية المتشددة بدعم من تيار "حزب الشاي" المحافظ الذي يضم جمهوريين متطرفين، يعكس توجه ترامب نحو سياسة صارمة تجاه الصين وملفات أخرى حساسة.
وأشار الديب إلى أن ترشيحات أخرى، مثل مايك والتز لمنصب مستشار الأمن القومي، وإليز ستيفانيك كسفيرة لدى الأمم المتحدة، تعكس نفس النهج الصارم تجاه الصين. وأكد أن كلاً من والترز وروبيو يرون الصين كتهديد رئيسي للولايات المتحدة، وهو موقف يتماشى مع السياسة المتوقعة لترامب.