"الترامبية جاءت لتبقى".. هل ينفع الالتفاف عليها؟
15:55 - 08 نوفمبر 2024الانتصار الساحق الذي حققه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية التي أجريت الثلاثاء الماضي ليعود إلى البيت الأبيض مجددا باعتباره الرئيس رقم 47 للولايات المتحدة، كان مفاجأة للكثيرين الذين توقعوا تقاربا شديدا بين ترامب ومنافسته الديمقراطية كامالا هاريس.
لكن هذه النهاية السعيدة لسباق الانتخابات الأميركية، لا تمنع حالة القلق والترقب التي تسيطر على أغلب القادة والسياسيين في العالم بعد "العودة المظفرة" لترامب إلى السلطة.
ففي آسيا وأميركا اللاتينية يستعد القادة لفترة حكم ثانية لترامب، وهؤلاء القادة واقعيون وحاسمون في إيمانهم بقدرتهم على التعامل مع ترامب الذي كان رئيسا في الماضي وسيكون رئيسا في المستقبل.
أما القادة الأوروبيون فإنهم أقل يقينا، ومنقسمون بين فريقين، الأول يطالب بتحصين أوروبا ضد ترامب انطلاقا من غريزة إن تكون هناك استراتيجية تقوم على السعي إلى تحقيق الاستقلال استراتيجيا عن واشنطن.
ويقود هذا الفريق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
أما الفريق الثاني فيضم قادة مثل رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان ويرون أنهم يستطيعون تقديم أنفسهم كشركاء ممتازين للولايات المتحدة في تهجها الجديد للأمن عبر المحيط الأطلسي.
وفي تحليل نشره موقع المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس" البريطاني تحت عنون "الانتخابات أظهرت أن الترامبية جاءت لتبقى" قالت الدكتورة ليزلي فينجاموري مديرة برنامج الولايات المتحدة والأميركتين في المعهد إنه على مدى السنوات الثماني الماضية تجادل قادة العالم وخبراء السياسية الخارجية حول ما إذا كان الرئيس ترامب كان سببا في تغيير جذري في الولايات المتحدة أو مجرد عرض لاتجاهات قوية في الجسد السياسي الأميركي وتزايد عدم المساواة وفقدان الوظائف في قطاع التصنيع، وهو ما يؤثر على فئة من الناخبين الذكور البيض من غير الحاصلين على تعليم جامعي والذين يشعرون بتخلفهم عن الركب، مع معاداة النخب القديمة والإدعاء بأن المجتمع في حاجة ماسة إلى نوع جديد من القيادة السياسية.
وفي ولاية ترامب الأولى تعامل الكثيرون معه على أنه استثناء، وليس عرضا، وهذا يعني أن القادة الأجانب افترضوا أن سياساته قد تختفى بعد هزيمته في الانتخابات التالية، وأصبحت الاستراتيجيات قصيرة الأجل للالتفاف على ترامب رهانا جيدا، على أساس أن الرئيس التالي سيعود إلى الأجندة الأميركية المعتادة التي تشمل حرية التجارة والوصول إلى الأسواق والتحالفات القوية والالتزام بمكافحة التغير المناخي وتعزيز الردع النووي وتعميق العلاقات عبر الأطلسي، وبالتاي يمكن لحلفاء واشنطن انتظار نهاية سنوات ترامب.
وبالفعل خسر ترامب انتخابات 2020 وجاء الرئيس الديمقراطي جو بايدن وأكد التزامه بالتعددية والشراكة عبر الأطلسي ودعم أوكرانيا في مواجهة العدوان الروسي ليؤكد أن سياسات ترامب كانت شاذة وأن أميركا عادت إلى سياساتها الطبيعية.
ورغم ذلك أبقى بايدن على العديد من سياسات ترامب بما فيها الرسوم الجمركية على الكثير من الواردات والانسحاب الأحادي من أفغانستان.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ما الذي سيبدأ به ترامب ولايته الجديدة؟
هناك أمور عديدة لديه أبرزها تبني سياسة متشددة ضد الهجرة بما في ذلك ترحيل المقيمين غير القانونيين من البلاد، وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع تكلفة العمالة في الولايات المتحدة وبالتالي زيادة التضخم، كما يمكن أن يطبق ما يسمى بالنسخة الثانية من حظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة وسيظل المهاجرون محل هجوم دائم مع وصفهم بالدخلاء أو المجرمين.
كما يمكن أن يتبنى ترامب سياسات عقابية ضد الدول غير المتعاونة في مكافحة الهجرة غير الشرعية وفي مقدمتها المكسيك التي قد تواجه فرض رسوم على صادراتها أو مراجعة متشددة لاتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا في عام 2026 إذا لم تبد رغبة قوية في التعاون في ملف الهجرة.
كما يمكن أن يفرض ترامب في أول 100 يوم له رسوما على أغلب واردات بلاده من مختلف دول العالم وزيادة الرسوم المفروضة على المنتجات الصينية، ولكن مازال من الصعب معرفة ما إذا كانت هذه الرسوم ستكون مجرد أداة للمساومة المصحوبة بشروط أم أنها تصعيد لمستوى جديد من السياسات الحمائية.
الأمر الأكثر إثارة لقلق حلفاء الولايات المتحدة الآسيويين وبخاصة تايوان وكوريا الجنوبية واليابان هو أن كيفية تعامل ترامب مع التهديد النووي لكوريا الشمالية غير واضح.
لذلك سيظل السؤال هل ستوفر الولايات المتحدة تحت قيادته ردعا نوويا لكوريا الشمالية كافيا لمنع كوريا الجنوبية واليابان من تطوير أسلحتهما النووية الخاصة لمواجهة الخطر الكوري الشمالي.
وفي أوروبا، من المنتظر وصول العلاقات مع أميركا إلى حافة الهاوية خلال ولاية ترامب الثانية.
والمحتمل بشدة قيامه بفرض رسوم جمركية على المنتجات الأوروبية بهدف تقليص العجز التجاري للولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي، كما أنه قد يقلص التزامات الولايات المتحدة بالأمن الأوروبي وهو ما يمثل الهاجس الأكبر بالنسبة للأوروبيين.
فترامب يردد كثيرا أنه يرى أن أوروبا لا تدفع نصيبا عادلا من تكلفة تحالفها مع الولايات المتحدة. كما أنه لا يؤمن بضرورة استمرار الحرب في أوكرانيا، وبالتأكيد لا يؤمن باستمرارها على حساب دافع الضرائب الأميركي، وهو يبدو مستعدا لعقد اتفاق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإنهاء الحرب، على حساب حقوق أوكرانيا غالبا.
ورغم أن قادة أوروبا يدركون ذلك، فإنهم غير مستعدين للعواقب. ففي ظل انقسام أوروبا نفسها تجاه هذه القضايا، سيؤدي انتخاب ترامب إلى مزيد من هذه الانقسامات، رغم وجود أمل في أن يؤدي ذلك إلى وحدتها.
والأساس في كل تصرفات ترامب المحتملة هو الفهم المختلف جذريا لدور أميركا في النظام الدولي ورفضه لفكرة أن فوائد التحالفات والعلاقات متعددة الأطراف تفوق تكلفتها.
وإنما على العكس فهو يرى أن دول العالم تطورت على حساب أميركا والآن تستطيع تلك الدول دفع نصيبها العادل من عبء هذا التطور، بل يجب عليها دفعه.
معنى ذلك أنه على أوروبا وباقي دول العالم أن تتعامل مع حقيقة أن الترامبية وجدت لتبقى وبالتالي فإن محاولات الالتفاف عليها وشراء الوقت حتى تنتهي لن تكون كافية للتعامل مع الولايات المتحدة ولا التكيف مع نظام دولي جديد يتصوره ترامب.