تداعيات الحرب..هل اقترب القطاع الطبي في لبنان من الانهيار؟
23:44 - 17 أكتوبر 2024يشهد القطاع الطبي في لبنان ظروفاً صعبة تضعه في مواجهة تداعيات "قاتلة"، في ظل استمرار القصف الإسرائيلي العنيف على العديد من المناطق اللبنانية، وتزايد أعداد المصابين والجرحى والنازحين نتيجة هذا القصف.
وهذه الأوضاع التي تتفاقم يوماً بعد يوم، تضع البنية التحتية للقطاع الصحي اللبناني، المنهك أصلاً نتيجة الأزمة الاقتصادية التي مرت بها البلاد منذ نهاية 2019، تحت ضغط هائل يهدد بانهياره.
هذا ما دفع منظمة الصحة العالمية، إلى تسليط الضوء على خطورة ما تمر به المنظومة الصحية في البلاد، التي تكافح بسبب محدودية القدرة البشرية والموارد التي تتمتع بها.
وبحسب المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، فإنه من أصل 207 مراكز للرعاية الصحية الأولية في مناطق النزاع في لبنان، تم إغلاق 100 مركز حتى الآن بسبب تصاعد العنف، في حين أن خمس مستشفيات لبنان، أغلقت أبوابها نتيجة الأضرار الهيكلية التي لحقت بها في أعقاب القصف.
واشار إلى أن الهجمات على العاملين الصحيين والمرافق الصحية، تسببت بوفاة ما يقرب من 100 شخص منهم، حيث أن هذه الأرقام مرشحة للارتفاع مع تزايد وتيرة القصف اليومي في البلاد.
وفي الساعات الأخيرة، برز عامل خطر جديد يعكس عمق الأزمة التي يمر بها القطاع الصحي في لبنان، ويزيد من الضغوط التي تدفع بهذا القطاع إلى حافة الهاوية، حيث حذرت منظمة الصحة العالمية، من أن خطر تفشي الكوليرا في لبنان بات مرتفعاً جداً، بعد تأكيد وزراة الصحة اللبنانية وجود إصابة واحدة بالعدوى البكتيرية الحادة في شمال لبنان.
وأشارت المنظمة إلى أنه وفي ظل الأوضاع الراهنة التي يمر بها لبنان، هناك خطر من انتشار الكوليرا بين مئات الآلاف من المواطنين الذين نزحوا من منازلهم، فمجموعات النازحين التي انتقلت من جنوب لبنان ومنطقة بيروت لم تكتسب أي مناعة ضد الكوليرا منذ ثلاثة عقود، حيث أن عمليات التطعيم ضد العدوى التي تتسبب بإسهال حاد كانت تتركز سابقاً في مناطق شمال لبنان.
تحذيرات دولية من تدهور النظام الصحي
وتركز المخاوف الأممية على أن النظام الصحي في لبنان سيكون تحت وطأة عدم القدرة على مواجهة تفشي الأمراض والفيروسات بسبب اكتظاظ مراكز الإيواء وافتراش الكثير من النازحين للشوارع، حيث أصبح ربع سكان لبنان يخضعون لأوامر الاخلاء العسكرية الإسرائيلية على أبواب فصل الشتاء.
وبحسب رئيس الهيئة العليا للإغاثة في لبنان اللواء محمد خير، فإن أعداد النازحين في البلاد ترتفع مع كل ضربة وتهديد، مشيراً إلى أنه حتى الساعة تم توزيع 220 ألف نازح على 950 مركز إيواء، فيما تمكن ما يقارب النصف مليون نازح من استئجار شقق سكنية بعيداً عن مناطق النزاع، في حين اختار ما يقرب من 100 ألف نازح الخروج من لبنان باتجاه سوريا والعراق وعدد من الدول العربية والغربية.
وبدورهم، دعا مسؤولون في الأمم المتحدة معنيون بالمجال الإنساني، إلى اتخاذ خطوات عاجلة لوقف النزاع المتصاعد بين إسرائيل وحزب الله، محذرين من أن لبنان قد يواجه "دوامة موت" تشبه تلك التي عرفها قطاع غزة على مدى العام المنصرم.
في حين أعلنت منظمة الأمم المتحدة للأطفال "اليونيسف" وبرنامج الأغذية العالمي أن احتياجات النازحين في لبنان تزداد، مع وجود مليون و200 ألف شخص تأثروا بالصراع.
استهداف القطاع الصحي
من جهته حذر وزير الصحة اللبناني الدكتور فراس الأبيض في مقابلة مع "سكاي نيوز عربية"، من أن القطاع الصحي في لبنان يتعرض لاستهداف مباشر ولكنه لا يزال صامداً، مؤكداً أن إسرائيل تستهدف الأطقم الصحية والإسعافية في لبنان، ما أدى إلى خروج 13 مستشفى عن الخدمة بشكل كامل وجزئي.
وكشف وزير الصحة اللبناني، أن نحو ثلث أفراد الشعب اللبناني باتوا نازحين، محذراً من خطر انتشار الأوبئة في صفوف هؤلاء.
وكان الأبيض قد كشف في حديث سابق لـ "سكاي نيوز عربية"، أن القضية الأساسية للوزارة في الوقت الراهن، هي أن يملك القطاع الصحي ما يحتاجه من أدوية ومستلزمات طبية في هذه الأوضاع الصعبة تحسباً لأسوأ السيناريوهات، مؤكداً أن لبنان لديه مخزون من الأدوية والمستلزمات الطبية يكفي لنحو 4 أشهر.
ويقول نقيب المستشفيات الخاصة في لبنان سليمان هارون في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن المنظومة الصحية في لبنان وفي ظل الوضع الراهن قادرة على الصمود لأسابيع وليس لأشهر بسبب الضغوطات الكبيرة جداً التي تتعرض لها.
وأشار إلى أن التحديات التي يواجهها القطاع الصحي في لبنان تتنوع بين الضغوطات المالية وعدم توافر الطواقم الطبية الكافية ،خصوصاً في المناطق التي يتعرض سكانها للنزوح، فباتت الطواقم التمريضية المتواجدة في المستشفيات تعمل لساعات إضافية.
ويؤكد هارون أن المستشفيات في لبنان تحتاج الى تمويل، فطبابة جرحى الحرب مكلفة للغاية، والجرحى الذين يصلون إلى المستشفيات مصابين إصابات كبيرة غير مسبوقة، وهذا ما يحتاج إلى تواجد عدد من الجراحين من مختلف الاختصاصات في العملية الواحدة.
لافتاً إلى أن وزير الصحة اللبناني يبذل جهداً جباراً لتامين السيولة للمستشفيات، إلا أن وضع الدولة ككل من الناحية المادية ضعيف، وبالتالي فإن الأموال التي تصل الى المستشفيات غير كافية لمواكبة حرب من هذا النوع، ولذلك فإن القطاع الطبي يعيش يوماً بعد يوم ولا أحد يدري ما الذي سيحدث في المرحلة اللاحقة.
سيناريو غزة
وشدد هارون على أنه حتى الساعة لا انهيار في القطاع الطبي في لبنان، والمستشفيات تقوم بعملها تحت الضغط وتقدم خدمات ذات مستوى جيد وممتاز، ولكن هذا الأمر قد لا يستمر في حال طالت الحرب فالقدرة على الصمود قد تكون محدودة، ولبنان لا يمكنه تحمّل سيناريو غزة، ولذلك يجب أن يحدث وقف للعمليات العسكرية، مشيراً إلى أنه يوجد في لبنان 125 مستشفى، منها 5 مستشفيات أصبحت خارج الخدمة (4 في الجنوب وواحدة في البقاع)، في حين أنه يصعب حتى الساعة حصر وتقدير الخسائر المالية للقطاع الطبي فالبلاد لاتزال في صلب الأزمة.
من جهته يقول الدكتور فادي الجردلي وهو مدير مركز ترشيد السياسات في الجامعة الأميركية في بيروت، في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الأزمة الحالية ليست الأزمة الأولى التي يشهدها القطاع الطبي الاستشفائي في لبنان، فقطاعات الرعاية الأولية في لبنان وكل المؤسسات التي لها علاقة بالرعاية الصحية والتي تقدم خدمات طبية في لبنان، بات لديها نوع من الصمود والتكيّف، ما مكّنها من التأقلم مع أي نوع من المستجدات والكوارث التي حصلت وتحصل في لبنان.
واعتبر الجردلي أن القطاع الطبي في لبنان متنوع بين قطاع عام وخاص وجمعيات NGO وصناديق ضامنة وغيرها، وهي مجزأة لكنها تعمل بطريقة صحيحة وتتكيف مع الأزمة بالإمكانات اللازمة، وإضافة الى الموارد الحالية، هناك مبادرات تحصل بالقدر المستطاع، لكن القلق يحصل عندما تطول الأزمة وتتزايد فداحة الأضرار والإصابات، ما يخلق شعوراً بعدم الارتياح من مدى قدرة القطاع على الصمود، وكيف يمكن للمؤسسات الاستشفائية تقديم المواد والمعدات اللازمة والأسرّة الكافية لاستقبال حالات كثيرة في حال تزايدها، في ظل عدد محدود من الموارد البشرية والمعدات اللازمة.
وبحسب الجردلي فإن القطاع الطبي في لبنان صامد ولكن بحذر وسط خروج 5 مستشفيات عن الخدمة و100 مركز رعاية صحية عن العمل وهي مؤسسات كانت تقدم خدمات صحية للمواطن وسط تحمل عبء أكثر من مليون نازح، وفجوة بالإمكانات البشرية والمعدات الطبية والموارد وقلة الدعم المدي المطلوب الذي يساعد المؤسسات على الصمود.