ماذا تعني خطط ترامب للسيطرة على الفيدرالي؟
09:12 - 02 أكتوبر 2024دائمًا ما يلمح الرئيس الأميركي السابق والمرشح لرئاسة البيت الأبيض دونالد ترامب، بتدخله في قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي حال عودته إلى البيت الأبيض من جديد، وهو ما يهدد استقلالية المركزي وتقويض سياساته.
في أغسطس الماضي، طرح ترامب فكرة أنه -كرجل أعمال ناجح- يجب أن يكون لديه "على الأقل" رأي في السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي.
ووجدت دراسة جديدة من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، وهو مركز فكري غير حزبي معروف، أن مثل هذه الفكرة قد تكون لها "عواقب اقتصادية كارثية".
قام الباحثون الرئيسيون في الدراسة بتحليل الأثر الاقتصادي لثلاثة من وعود ترامب الانتخابية: الترحيلات الجماعية، والرسوم الجمركية، وتقويض استقلال الاحتياطي الفيدرالي.
خلال فترة رئاسية محتملة لترامب، وجدت الدراسة أن تقويض استقلال الفيدرالي سيؤدي إلى خسائر اقتصادية تبلغ 304 مليارات دولار.
وبينما لم يحدد ترامب بالضبط كيف سيؤثر على الاحتياطي الفيدرالي، افترض الباحثون أنه سيكون ناجحًا وسيفرض ضغوطًا على البنك لزيادة النمو الاقتصادي عند إجراء دراستهم. ووجدوا أن مثل هذا الإجراء سيؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع التضخم حتى عام 2040.
وبحسب ما نقله موقع "بيزنس إنسايدر" عن أحد مؤلفي الدراسة، واريك ماكيبين، وهو زميل كبير في معهد بيترسون، فإن:
- الناتج المحلي الإجمالي والعمالة سيرتفعان في البداية، لكن التضخم وتكاليف المدخلات سترتفع بسرعة بعد ذلك.
- في النهاية، سيتدفق رأس المال خارج الولايات المتحدة، مما يتسبب في انخفاض قيمة الدولار.
- وعلق ماكيبين قائلاً: "إنه مثل الحفلة في المقدمة والصداع بعد أربع سنوات"!
ارتفاع التضخم
وأضاف أنه بحلول العام 2028، سيكون التضخم متجذرًا في النظام الاقتصادي بمعدل إضافي يبلغ 2 بالمئة سنويًا، وستعرض الاقتصاد للانكماش، كما سيتحمل المنتجون المحليون وطأة العواقب بسبب ارتفاع تكاليف المدخلات. ومع ارتفاع أسعار السلع المحلية، ستنخفض القوة الشرائية للعمال.
في الوقت نفسه، يجادل الباحثون بأن المستثمرين سيشعرون بالذعر من الاحتياطي الفيدرالي المسيس وسيبدأون في توجيه رؤوس أموالهم إلى دول أخرى اعتبارًا من العام 2026. ووجدت الدراسة أن الإنتاج سيتحول إلى أجزاء أخرى من العالم، بما في ذلك الصين.
وبالتالي فإن السيطرة على بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف تحقق لترامب نتائج عكسية، على الرغم من أنه يعد بأجندة اقتصادية أميركية أولاً.
وبحسب الدراسة، فإن الاقتصاد سيصل إلى أدنى مستوياته في عام 2028، ثم يبدأ في التعافي.
خطط غامضة
وفي حين تظل أفكار ترامب المحددة بشأن بنك الاحتياطي الفيدرالي غامضة، فإن بعض حلفائه يقومون بهدوء بصياغة خطط حول كيفية تجريد البنك المركزي من الاستقلال، حسبما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال.
وأشارت الصحيفة إلى أن بيان مكون من 10 صفحات يتضمن تحولات في السياسة ويقترح أن يكون للرئيس رأي مباشر بشأن أسعار الفائدة، وأن تلك المجموعة من حلقائه تعتقد بأن ترامب يجب أن يكون قادرًا على إقالة جيروم باول من منصب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي قبل انتهاء ولايته في عام 2026. وذكرت أن ترامب لم يعترف علنًا بهذه الخطط، وقال مستشاروه إن الحملة لم تؤيدها.
ولم يفحص ماكيبين وزملاؤه الباحثون سياسات نائبة الرئيس كامالا هاريس بنفس الطريقة لأنها، وفقًا للورقة البحثية، "لم تقترح أي انحرافات كبيرة عن سياسات إدارة بايدن ولا يوجد أي منها له آثار اقتصادية دولية كبيرة مثل سياسات ترامب".
ورأوا أن هاريس لا تعتقد بأن الجمهور يولي اهتماما كافيا لمخاطر مقترحات ترامب لمجلس الاحتياطي الفيدرالي أو الغموض العام الذي يكتنف السياسة الاقتصادية للمرشحين، ولم يشارك ترامب ولا هاريس الكثير حول كيفية تنفيذ مقترحاتهما أو تأثيراتها الاقتصادية الطويلة الأجل.
علاقة ترامب والفيدرالي
رئيس الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، استبعد إمكانية نجاح ترامب في السيطرة على الفيدرالي الأميركي. وأكد في حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن الفيدرالي هيئة مستقلة تدير السياسة النقدية للولايات المتحدة، بينما تركز الحكومة على الجانب المالي.
وأضاف يرق أنه في حال وصول ترامب إلى البيت الأبيض، فإنه سيحتاج إلى إصدار تشريع جديد لإعادة سن القوانين المتعلقة بمهمة الاحتياطي الفيدرالي، محذرًا من وجود معارضين له في الحزب الجمهوري نفسه.
وأشار إلى أن العلاقة بين ترامب والفيدرالي ليست على ما يرام، حيث كان ترامب خلال فترة رئاسته الماضية متذمرًا من رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، رغم أنه هو من قام بتعيينه. وحذر ترامب مؤخرًا من خفض الفائدة قبل الانتخابات، بينما قرر الفيدرالي فعلاً تخفيضها في اجتماع سبتمبر.
يرق أبدى قلقه من أن ترامب قد يتخذ خطوات متهورة إذا أصبح الاحتياطي الأميركي تحت سيطرته، مما قد يؤدي إلى أزمات اقتصادية وعدم استقرار نقدي في أميركا. كما تطرق إلى خطط ترامب الاقتصادية التي تتضمن تحفيز تخفيض الضرائب على الشركات، مشيرًا إلى أن ذلك سيتطلب مزيدًا من الاستدانة، مما يعني أن ديون أميركا ستستمر في الارتفاع حتى تصل إلى 45 تريليون دولار قبل عام 2030.
مناوشات دائمة
المدير التنفيذي بشركة VI Markets، أحمد معطي، أكد في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن المناوشات بين ترامب والفيدرالي ليست جديدة، مشيراً إلى إلى أن جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، دائمًا ما يؤكد على ضرورة عدم تأثير السياسة على السياسة النقدية للمركزي. ومع ذلك، لا يزال ترامب يحاول استفزازه والتلاعب بسمعته من خلال الترويج لفكرة أن الفيدرالي خفض الفائدة خمسين نقطة أساس في سبتمبر الماضي كوسيلة لمنح دفعة لمرشحة هاريس في انتخابات نوفمبر.
وأوضح معطي أن ترامب صرح بأنه ينوي السيطرة على الفيدرالي، ولكنه استبعد حدوث ذلك، موضحًا أن تقويض الفيدرالي لم يحدث خلال فترة رئاسة باول، الذي يتمتع بشخصية قوية. كما ذكر أن المناوشات السابقة لم تؤدِ إلى تقويض الفيدرالي، ومن المستبعد أن يتمكن ترامب من القيام بذلك، حيث أن قوة الفيدرالي تكمن في استقلالية قراراته.
وتوقع أنه في حال نجح ترامب في السيطرة على الفيدرالي، فإن المخاطر الاقتصادية التي سيتعرض لها اقتصاد أميركا ستكون كبيرة. وأوضح أن في أية دولة تُسيطر فيها المعايير السياسية على البنك المركزي، فإن ذلك يرسل رسائل سلبية للمستثمرين، خاصةً في دولة ذات نظام رأسمالي مثل الولايات المتحدة، مما قد يؤدي إلى هروب المستثمرين. وأكد أن قوة الاقتصاد الأميركي تكمن في الفصل بين السياسة النقدية والسياسة.
دعاية انتخابية
خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، أفادت في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" بأنه لا يمكن لترامب التدخل في سياسة الفيدرالي أو تقويضها حال أصبح رئيسًا للولايات المتحدة. وأوضحت أن الكونغرس الأميركي يمنح الفيدرالي الحرية في اختيار سياساته، مما يمنع رئيس الدولة من التدخل فيها، وبالتالي فإن سياسات الاحتياطي الفيدرالي تبقى مستقلة.
وأشارت إلى أن تصريحات ترامب حول تدخله في السياسة النقدية للفيدرالي تعكس دعاية انتخابية تهدف إلى جذب المزيد من أصوات الناخبين، خاصة بعد شعوره بفقدان بعض الأصوات لصالح كامالا هاريس، التي أصبحت فرصها الانتخابية أفضل وفق بعض الاستطلاعات.
واستندت في رأيها إلى عدة نقاط، منها تنظيم حملة هاريس الانتخابية وحديثها خلال المناظرات، بالإضافة إلى تقديمها برنامجًا يركز على إعفاءات ضريبية وتعاونات اقتصادية وانتعاش تجاري. بالمقابل، فإن ترامب يتحدث عن فرض رسوم حمائية على المنتجات الأميركية، مما قد يؤثر سلبًا على اقتصاد أميركا وعلاقاتها مع الدول الصناعية الكبرى.