قنبلة "العشاء الأخير".. هل تناقض حرية التعبير في فرنسا؟
08:11 - 30 يوليو 2024على نهر السين بعاصمة النور، وفي حفل تاريخي تابعه قرابة المليار شخص، ألقت فرنسا بما يشبه "القنبلة" في مياه النهر لتُحدث دويًا طال العالم أجمع، على وقع الانتقادات الواسعة التي أثارتها فقرة استخدمت فيها لوحة "العشاء الأخير" لليوناردو دافنشي، ما اعتبره البعض "أمرًا مسيئًا" من وجهة نظر دينية.
العرض كما فتح بابًا للانتقادات، أحدث جدلًا بشأن حرية الرأي والتعبير في فرنسا التي رآها البعض "متناقضة إزاء مناقشة قضايا متشابهة"، خاصة مع دفاع كثير من مسؤوليها عن حفل الافتتاح الذي تضمن إشارات إلى مجتمع الميم، مما أثار حفيظة جزء من اليمين الفرنسي، فضلا عن أصداء عالمية.
ويستعرض محللون ومراقبون في حديثهم لموقع "سكاي نيوز عربية"، تبعات ما جرى خلال الساعات الماضية، وما إن كانت تمثل إظهارًا للسياسة الفرنسية في تعاملها مع قضايا الحريات.
ماذا حدث؟
- حاكى راقصون يمثلون مجتمع المتحولين، لوحة "العشاء الأخير"، مما اعتبر إقحاما لهذه المسألة الجدلية في أكبر حدث رياضي في العالم، إذ شهد العرض ظهور منسقة الأغاني والمنتجة باربرا بوتش، أيقونة مجتمع الميم، محاطة بفنانين وراقصين متحولين، في محاكاة للوحة دافنشي.
- الصورة تمثل المشهد الشهير للسيد المسيح، والحواريين وهم يتشاركون وجبة أخيرة قبل الصلب، وفق العقيدة المسيحية.
- وشجب المحافظون الدينيون من أنحاء العالم هذه الفقرة، واستنكر مؤتمر أساقفة الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية "مشاهد السخرية" التي قالوا إنها تسخر من المسيحية، في الوقت الذي قال إيمانويل جوبيار، مندوب أساقفة فرنسا في ألعاب باريس، إن بعض الرياضيين الفرنسيين واجهوا مشكلات في النوم بسبب تداعيات الجدل.
- كما أعربت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر، عن استيائها، واستنكارها لما قالت إنه "تجسيد مشهد العشاء الأخير للسيد المسيح مع تلاميذه"، مضيفة أن "الطريقة التي قُدِم بها المشهد تحمل إساءة بالغة لأحد المعتقدات الدينية الأساسية التي تقوم عليها المسيحية".
- وعلى خط الانتقادات، أدان الأزهر الشريف، ما وصفه بـ "مشاهد الإساءة للسيد المسيح" في افتتاح دورة الألعاب الأولمبية، مؤكداً أن "تصوير السيد المسيح بشكل مسيء لشخصه الكريم، ولمقام النبوة الرَفيع، وبأسلوب همجي طائش، لا يحترم مشاعر المؤمنين بالأديان، وبالأخلاق والقيم الإنسانية الرفيعة، أثار غضباً عالمياً واسعاً".
- كما انتقد رجل الأعمال الأميركي المعروف إيلون ماسك العرض، قائلا على منصة "إكس"، إنه "غير محترم للغاية للمسيحيين".
- وإزاء تلك الانتقادات الواسعة، سارع منظمو دورة الألعاب الأولمبية إلى الاعتذار للكاثوليك، ولطوائف مسيحية أخرى، إذ قالت المتحدثة باسم أولمبياد باريس إن ديكا: "بالتأكيد لم تكن هناك نية على الإطلاق، لإظهار عدم الاحترام لأي طائفة دينية"، لافتةً إلى أن حفل الافتتاح "حاول الاحتفاء بقيم التسامح".
- كما أصر المدير الفني لحفل افتتاح الأولمبياد توماس جولي، على أن "العشاء الأخير لم يكن مصدر الإلهام وراء المشهد"، موضحا أن المشهد كان مضاهاة لاحتفال يوناني ولم "يحمل أي رغبة في السخرية من أي شخص".
انتقادات داخلية
بدورها، اعتبرت عضو المجلس المحلي بمدينة فرساي الفرنسية، جيهان جادو، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه جرى توجيه انتقادات عنيفة للدولة الفرنسية بعد الصورة المثيرة للجدل من حفل الافتتاح، ولم تكن تلك الانتقادات من قبل المواطنين الفرنسيين فحسب، بل من العالم أجمع، ووصلت إلى درجة الغضب من قِبل رجال الدين المسيحي، ما دفع القساوسة بالكنائس المختلفة لتوجيه اللوم للحكومة الفرنسية.
وقالت "جادو" إن "فرنسا لم يجانبها الصواب، بل كان المشهد إهانة لجموع المسحيين، وكان من الممكن أن تنأى بنفسها في الدخول إلى تلك القضايا مع التأكيد على احترام حرية المعتقدات".
وبحسب "جادو" فإن فرنسا تعتقد أنها دولة علمانية تؤمن بحرية التعبير عن الرأي وقيم المساواة، لكن هذا لا يُطبق على أرض الواقع في عدة قضايا، حال اختلافها مع التوجه الرائج بالمجتمع المحلي.
وشددت على أن هناك انتقادات حقيقية فيما يخص حرية التعبير ذاتها، مضيفة أنها "فعلت إجراءات مشابهة مع أديان أخرى دون إجراءات رادعة تمنع تكرار مثل هذه التصرفات المهينة لحريات المسلمين على سبيل المثال أو غيرهم من الديانات المختلفة".
على الجانب الآخر، يعتقد الفائز بلقب طواف فرنسا، لو فيليب، أن "الحكومة الفرنسية تعرف ما تفعله، إذ أنهم يريدون إظهار أنفسهم بأفضل طريقة ممكنة، وبالتالي لم يظهروا أي قيود بشأن حرية التعبير".
تحرر "دون ضوابط"
بدوره، يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي سعيد صادق، أن الغرب وعلى رأسهم لديهم ثقافة متحررة للغاية، وبالتالي يعتبرون أصحاب "مجتمع الميم" أقليات لهم حقوق، ويعملون للدفاع عنهم، وهو ما أحدث نوعا من "صدام الحضارات والثقافات" خاصة مع ارتباط تلك المحاولات بثوابت دينية.
وأشار "صادق" في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن الثقافة التحررية الفرنسية تقوم على التحرر "دون أي ضوابط"، وبالتالي كثيرًا ما تصطدم مع أفكار الكثير من المجتمعات المحافظة.
وأوضح أن "العلمانية الفرنسية" تتناقض في مبادئ الحكم على الكثير من القضايا، خاصة مع منع فرنسا للاعبيها داخل الأولمبياد من ارتداء الحجاب على سبيل المثال.
وأثارت قضية منع وزيرة الرياضة الفرنسية إميلي أوديا كاستيرا اللاعبات الفرنسيات من ارتداء الحجاب خلال مسابقات الألعاب الأولمبية، جدلًا عالمياً واسعاً، ما استدعى انتقادات من جمعيات حقوقية والأمم المتحدة وكذلك منظمة العفو الدولية.
وقال: "منظمو الحفل لم يضعوا في الحسبان اختلاف الثقافات.. وكان من المفترض اتباع مبدأ حريتك تقف عند حدود حرية الآخرين".