التضخم في الولايات المتحدة.. خطأ بايدن أم ترامب؟
13:44 - 05 يوليو 2024وجه كل من الرئيس الأميركي الديمقراطي جو بايدن، والرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، أصابع الاتهام نحو بعضهما البعض بالتسبب في ارتفاع حجم التضخم بالولايات المتحدة الأميركية، خلال أول مناظرة جمعتهما ضمن حملة انتخابات الرئاسة الأميركية 2024.
شهدت المناظرة الرئاسية الأميركية تبادل المرشحين للرئاسة انتقادات لاذعة متعلقة بالاقتصاد، وكان ارتفاع معدلات التضخم في عصر الجائحة من بين أبرز تلك الانتقادات.
- قال ترامب عن بايدن خلال المناظرة التي انعقدت في السابع والعشرين من شهر يونيو الماضي: "لقد تسبب في التضخم، لقد أعطيته دولة خالية من التضخم بشكل أساسي".
- فيما رد بايدن قائلاً إن التضخم كان منخفضاً خلال فترة ترامب لأن الاقتصاد "كان في حالة ركود"، زاعماً: "لقد دمر الاقتصاد.. دمر الاقتصاد تماماً".
مسؤولية من؟
وبحسب تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية، اطلع عليه موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، فقد أكد خبراء اقتصاد أن أسباب التضخم ليست واضحة بهذه الدرجة، خاصة وأن بايدن وترامب قالا إنهما ليسا مسؤولين عن قدر كبير من التضخم الذي شهده المستهلكون في السنوات الأخيرة.
الخبراء أفادوا بأن الأحداث العالمية التي تقع خارج سيطرة ترامب أو بايدن أحدثت فوضى في ديناميكيات العرض والطلب في الاقتصاد الأميركي، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار، وعددوا بعض العوامل الأخرى، منها:
- بنك الاحتياطي الفيدرالي، الذي يعمل بشكل مستقل عن المكتب البيضاوي، بطيء في اتخاذ إجراءات لاحتواء التضخم الساخن.
- بعض سياسات بايدن وترامب مثل حزم الإغاثة من الوباء لعبت دوراً، كما قد يكون ما يسمى "التضخم الجشع".
ونقل التقرير عن مدير مركز هاتشينز للسياسة المالية والنقدية في مؤسسة بروكينغز، وهي مؤسسة بحثية ذات ميول يسارية، ديفيد ويسل، قوله: "لا أعتقد بأن الإجابة على هذا السؤال بسيطة وتتلخص في نعم أو لا".
وأوضح أن الرؤساء يحصلون على قدر أكبر من الفضل واللوم فيما يتعلق بالاقتصاد مما يستحقونه.
إن النظر إلى بايدن على أنه يذكي التضخم المرتفع يرجع إلى حد ما إلى المظهر الخارجي بشكل نظري، فقد تولى منصبه في أوائل العام 2021، في الوقت الذي ارتفع فيه التضخم بشكل ملحوظ، بحسب خبراء الاقتصاد.
وعلى نحو مماثل، دفع وباء كوفيد-19 الولايات المتحدة إلى ركود حاد خلال فترة ترامب، مما أدى إلى انخفاض مؤشر أسعار المستهلك إلى ما يقرب من الصفر في ربيع عام 2020 مع ارتفاع معدلات البطالة وخفض المستهلكين للإنفاق.
وقال كبير خبراء الاقتصاد في موديز أناليتيكس، مارك زاندي،: "في رأيي، لا يتحمل ترامب ولا بايدن اللوم على التضخم المرتفع، وأن اللوم يقع على الوباء والحرب في أوكرانيا".
الأسباب الرئيسية لارتفاع التضخم
ووفق التقرير، فإن التضخم له أذرع عديدة، وعلى مستوى مرتفع، فإن التضخم الساخن هو في الأساس قضية تتعلق بعدم التطابق بين العرض والطلب، وأن الوباء قلب الديناميكيات التقليدية رأسا على عقب، فمن ناحية، أدى إلى تعطيل سلاسل التوريد العالمية، وأدى أيضًا إلى "نقص في العمالة". وقال خبراء الاقتصاد إن انخفاض الهجرة أدى أيضًا إلى تقليص العرض من العمال.
على سبيل المثال، أغلقت الصين المصانع ولم تتمكن سفن الشحن من تفريغ حمولاتها في الموانئ، مما أدى إلى تقليل إمدادات السلع، وفي الوقت نفسه، غيّر المستهلكون أنماط الشراء الخاصة بهم.
كما اشترى المستهلكون المزيد من الأشياء المادية مثل أثاث غرفة المعيشة والمكاتب لمكاتبهم المنزلية لأنهم قضوا المزيد من الوقت في الداخل، وهو انحراف عن المعايير التي كانت سائدة قبل الوباء، عندما كان الأميركيون يميلون إلى إنفاق المزيد من الأموال على خدمات مثل تناول الطعام في الخارج، والسفر، والذهاب إلى السينما والحفلات الموسيقية.
ومن بين الأمور التي يشير إليها التقرير في هذا السياق أيضاً ما يتعلق بارتفاع الطلب، الذي ارتفع بشكل كبير عندما أعيد فتح الاقتصاد الأميركي على نطاق واسع، إلى جانب نقص السلع، أدى إلى ارتفاع الأسعار.
لم يكن لدى شركات صناعة السيارات ما يكفي من رقائق أشباه الموصلات اللازمة لبناء السيارات، في حين باعت شركات تأجير السيارات أساطيلها لأنها لم تعتقد أن الركود سيكون قصير الأجل، مما جعل استئجار السيارات أكثر تكلفة عندما انتعش الاقتصاد بسرعة، كما أوضح ديفيد ويسل.
الاتجاهات العالمية
وكتب نائب كبير خبراء الاقتصاد في أميركا الشمالية لدى كابيتال إيكونوميكس، ستيفن براون، في رسالة بالبريد الإلكتروني: إن ما يتعين علينا فعله هو أن ننظر إلى معدلات التضخم المرتفعة في أغلب الاقتصادات المتقدمة الأخرى لنرى أن معظم فترة التضخم هذه كانت في واقع الأمر مرتبطة بالاتجاهات العالمية وليس بالإجراءات السياسية المحددة التي اتخذتها أي حكومة بعينها (رغم أنها لعبت بالطبع دوراً).
وقال خبراء الاقتصاد إن بايدن وترامب ليسا خاليين تمامًا من الأخطاء، وأنهما أعطيا الضوء الأخضر للإنفاق الحكومي الإضافي في عصر الوباء والذي أسهم في التضخم.
على سبيل المثال، قدمت خطة الإنقاذ الأميريكية، حزمة التحفيز البالغة 1.9 تريليون دولار والتي وقعها بايدن في مارس 2021 - تحفيزات بقيمة 1400 دولار، ومزايا بطالة معززة، وإعفاء ضريبي أكبر للأطفال للأسر، بالإضافة إلى إغاثة أخرى.
وقال مدير دراسات السياسة الاقتصادية في معهد أميركان إنتربرايز، وهو مركز أبحاث يميني، مايكل سترين، إن هذه السياسة أدت إلى بعض الأشياء الجيدة، مثل سوق عمل قوية وانخفاض معدلات البطالة.
وأوضح أن حجمها كان أكبر مما يحتاج إليه الاقتصاد الأميركي في ذلك الوقت، حيث أدى إلى رفع الأسعار من خلال وضع المزيد من الأموال في جيوب المستهلكين، وهو ما أدى إلى تغذية الطلب، على حد قوله.
وأشار إلى أن الرئيس بايدن يتحمل بعض المسؤولية عن التضخم الذي تعيشه الولايات المتحدة منذ السنوات القليلة الماضية.
خطة الإنقاذ
وقدر أن خطة الإنقاذ الأميركية أضافت نحو نقطتين مئويتين إلى التضخم الأساسي، وبلغ مؤشر أسعار المستهلك ذروته عند نحو 9 بالمئة في يونيو 2022، وهو أعلى مستوى منذ عام 1981، ومنذ ذلك الحين انخفض إلى 3.3 بالمئة اعتبارا من مايو 2024.
ويهدف بنك الاحتياطي الفيدرالي - البنك المركزي الأميركي - إلى معدل تضخم طويل الأجل بالقرب من 2 بالمئة.
وذكر سترين أنه لولا خطة الإنقاذ الأميركية، لكان التضخم سيستمر في الارتفاع في الولايات المتحدة، مؤكدًا أنه من المهم عدم المبالغة في تقدير الموقف.
وكان ترامب قد صادق أيضًا على حزمتين تحفيزيتين، في مارس وديسمبر 2020 ، بقيمة نحو 3 تريليون دولار.
سياسات مختلفة
وفي السياق، قال خبراء اقتصاديون إن بايدن وترامب أقرا أيضا سياسات أخرى قد تسهم في ارتفاع الأسعار، فقد فرض ترامب رسوما جمركية على واردات الصلب والألمنيوم والعديد من السلع من الصين، والتي أبقاها بايدن على حالها إلى حد كبير. كما فرض بايدن ضرائب جديدة على استيراد السلع الصينية مثل المركبات الكهربائية والألواح الشمسية.
الفيدرالي و"الجشع التضخمي"
وحمل خبراء الاقتصاد مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي يتحملون بعض المسؤولية عن التضخم.
وأوضحوا أن البنك المركزي يستخدم أسعار الفائدة للسيطرة على التضخم، ويؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى زيادة تكاليف الاقتراض للشركات والمستهلكين، مما يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد وبالتالي التضخم.
وقالوا إن بنك الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة إلى أعلى مستوياتها في نحو عقدين من الزمان، لكنه كان بطيئا في البداية في التحرك. فقد رفعها لأول مرة في مارس 2022، بعد عام تقريبا من بدء ارتفاع التضخم.
وأوضح سترين أن البنك المركزي انتظر أيضا وقتا طويلا قبل أن يخفف من إجراءات "التيسير الكمي"، وهو برنامج لشراء السندات يهدف إلى تحفيز النشاط الاقتصادي.
وأشار بعض المراقبين أيضا إلى ما يسمى "التضخم الجشع"، وهو مفهوم الشركات التي تستغل رواية التضخم المرتفع لرفع الأسعار أكثر من اللازم، وبالتالي تعزيز الأرباح - كعامل مساهم.
وقال خبراء الاقتصاد إنه من غير المرجح أن يكون هذا سببا في التضخم، رغم أنه ربما ساهم قليلا.
ما مدى مسؤولية بايدن؟
من جهتها، حملت خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، الرئيس جو بايدن مسؤولية ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة الأميركية، وأوضحت أن:
- ترامب من مصلحته انخفاض معدلات التضخم حتى يُخفض الفيدرالي الأميركي من أسعار الفائدة، خاصة وأنه يهتم بملف الاستثمار ويرى أنه من الملفات الجيدة القوية التي تدعم الاقتصاد الأميركي.
- في عهد ترامب كان الاهتمام الأكبر بالشؤون الداخلية للولايات المتحدة الأميركية، منها الهجرة غير الشرعية وتحديد دخول المهاجرين، ما يعزز قدرة البلاد علىالسيطرة على التكلفة والتضخم، بينما بايدن قام بفتح الدولة للمهاجرين، وهو ما أدى لارتفاع التضخم بالضغط على موارد الدولة.
- بايدن اتبع سياسة افتعال الأزمات والحروب خارج حدود بلاده دون حساب عواقبها، فعلى سبيل المثال اهتم بتسليح أوكرانيا والحرب في غزة ودعم الكيان الإسرائيلي ما يحمل الولايات المتحدة خسائر ومديونيات أكبر من قدرتها المالية.
- ارتفاع سقف الدين الأميركي في عهد بايدن لمعدلات غير مسبوقة، حتى أن الكونغرس رفض تمويل المصاريف الحكومية وكانت الدولة معرضة لتعليق عديد من الأنشطة الاقتصادية بسبب ارتفاع سقف الدين الأميركي.
وبشأن الخطأ الذي ارتكبه ترامب وأدى إلى ارتفاع معدل التضخم في عهده، أوضحت أنه دعم إسرائيل بشكل كامل، إضافة إلى الحرب الاقتصادية المستمرة على الصين، ما كلف أميركا خروج الصين من سندات وأذون الخزانة لمعاقبة واشنطن على فرضها للعقوبات المتوالية عليهم وهو ما أدى إلى المزيد من التضخم.
عوامل رئيسية
وفي ذات السياق، أوضح الخبير الاقتصادي، علي عبد الرؤوف الادريسي، في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن الاقتصاد الأميركي يعد أقوى وأكبر اقتصاد على مستوى العالم، لكنه جزء من الاقتصاد العالمي، يؤثر ويتأثر به، مشيرًا إلى أن هناك عوامل رئيسية أدت لارتفاع معدلات التضخم بالولايات المتحدة الأميركية، منها:
- الظروف العالمية والحرب الروسية الأوكرانية التي أثرت بشكل مباشر على ارتفاع سلة الغذاء وعديد من المنتجات.
- قبلها حالة التعافي من تداعيات جائحة كورونا، وهو ما أدى إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات عالميًا، كما أن الإنتاج العالمي كان غير متناسب مع ارتفاع الطلب، وهو ما أدى لارتفاع معدلات التضخم.
- التوترات السياسية أثرت على تكاليف النقل والشحن واللوجستيات على مستوى العالم، وارتفاع أسعار المواد الخام.
وذكر أن اتهام جو بايدن بالتسبب في ارتفاع التضخم يرجع إلى أنه لم يتعامل مع الملفات الاقتصادية بالشكل المطلوب وعدم الحكمة في كثير من المواقف، وهو ما انعكس بمزيد من الآثار السلبية اقتصاديًا، مشيرًا إلى أنه على سبيل المثال قام بتوقيع عقوبات على روسيا دون دراسة واقعية لتأثير تلك العقوبات وعواقبها على الاقتصاد.
وقال إن ترامب أخطأ خلال فترة توليه الرئاسة بحربه التجارية ضد الصين، لكن في النهاية استطاع الحفاظ على الاقتصاد الأميركي وعدم حدوث خسائر وآثار سلبية كبيرة، بينما بايدن اتسم بالاندفاعية وعدم الحكمة في كثير من القرارات وهو ما صعب الأمر على الاقتصاد العالمي والأميركي.