ما مدى مسؤولية شركات التكنولوجيا عن تعويض ضحايا الاحتيال؟
23:27 - 03 يوليو 2024أعدت حكومة حزب العمال البريطاني خططاً لجعل شركات التكنولوجيا مسؤولة عن تعويض ضحايا الاحتيال عبر الإنترنت.
حزب المعارضة الرئيسي في بريطانيا، الذي من المتوقع على نطاق واسع أن يفوز في الانتخابات العامة في المملكة المتحدة في الرابع من يوليو، انتقد "شركات التكنولوجيا الكبرى" التي "تسهم بالقليل جداً" في معالجة الاحتيال عبر الإنترنت أو تعويض الضحايا، وفقاً لوثيقة اطلعت عليها صحيفة فاينانشال تايمز.
تناولت الورقة البحثية قضية الاحتيال في الدفع عبر الإنترنت حيث يتم خداع الضحايا لإرسال الأموال إلى المحتالين من حساباتهم المصرفية.
وخسر البريطانيون 460 مليون جنيه إسترليني (586 مليون دولار) بسبب الاحتيال في الدفع عبر الإنترنت العام الماضي، وفقاً لهيئة التجارة البريطانية، وكان 70 بالمئة من هذه الخسائر تتعلق ببضائع تم طلبها ولم تصل أبداً.
وجاء في وثيقة حزب العمال: "إن البنوك البريطانية تعتقد بحق أنه من غير العدل وغير المستدام أن يُتوقع منها تحمل قدر كبير من عبء محاولة معالجة الاحتيال في التطبيقات وتعويض الضحايا، في حين أن شركات التكنولوجيا الكبرى التي يحدث هذا الاحتيال على منصاتها، لا تسهم إلا بالقليل في أي من الجهود".
وجاء في الوثيقة: "من الواضح أن الأمر يتطلب نهجاً جديداً.. يتعين على شركات التكنولوجيا الكبرى التي توفر المنصات التي تتم من خلالها هذه الاحتيالات أن تتحمل نصيبها المناسب من المسؤولية عن معالجة الاحتيال في تطبيقات الهاتف المحمول وتعويض الضحايا".
وعند سؤاله عن الخطة، قال الحزب: "إن حزب العمال ملتزم بمعالجة الاحتيال عبر الإنترنت، والعمل مع شركات التكنولوجيا للقيام بذلك. هذه المسودة ليست سياسة ولكنها أنتجت للمساعدة في تطوير الخيارات لمعالجة هذه القضية.
- حددت الوثيقة اقتراحاً بموجبه لا يزال يتعين على البنوك إعادة الأموال إلى ضحايا الاحتيال، ولكن يمكنها لاحقاً استرداد بعض الأموال من شركات التكنولوجيا. وستقدم البنوك وشركات الدفع أدلة بانتظام إلى هيئة إشرافية، والتي ستحدد مقدار المساهمة التي يجب أن تقدمها شركات التكنولوجيا.
- تضمنت التدابير الأخرى في الوثيقة منح أساس قانوني لميثاق الاحتيال عبر الإنترنت، وهو اتفاق طوعي في العام 2023 لمنع الاحتيال وقعته مجموعات التكنولوجيا الكبرى بما في ذلك فيسبوك وأمازون وغوغل ومايكروسوفت.
على الرغم من أن البنوك مسؤولة عن معالجة المدفوعات، فإن الكثير من عمليات الاحتيال في الشراء تأتي من الإعلانات الكاذبة المنشورة على منصات التواصل الاجتماعي بما في ذلك Facebook Marketplace و Instagram، وفقًا لمجموعة Lloyds Banking Group و TSB.
وزعمت البنوك أن شركات التواصل الاجتماعي يجب أن تكون أسرع في اكتشاف هذه الإعلانات الاحتيالية وإزالتها.
وتدرس حكومة العمال أيضاً توسيع نطاق قانون الجرائم الاقتصادية لإنشاء جريمة فشل شركة التكنولوجيا في منع الاحتيال على منصتها، وفقًا للوثيقة.
ووفق الصحيفة، فإن هذه الخطة من شأنها أن تشكل تحولاً عن قرار هيئة تنظيم أنظمة الدفع المستقلة بإجبار البنوك على تعويض ضحايا الاحتيال عن المطالبات التي تصل قيمتها إلى 415 ألف جنيه إسترليني اعتباراً من أكتوبر. وقد أثار نهج هيئة تنظيم أنظمة الدفع ردود فعل عنيفة من جانب البنوك والحكومة المحافظة.
وتقول البنوك إن جعل قطاع التكنولوجيا يسهم في هذه التكاليف من شأنه أن يعطيها الحافز لوقف الاحتيال من الازدهار في المقام الأول. ووفقاً لمؤسسة "يو كيه فاينانس"، فإن نحو ثمانية من كل عشرة احتيالات تبدأ عبر الإنترنت.
وقال نائب الرئيس التنفيذي لهيئة التجارة TechUK، التي تمثل شركات بما في ذلك غوغل وأمازون، أنتوني ووكر:
- "لقد نفذت شركات التكنولوجيا عديداً من التدابير المتطورة لمعالجة الاحتيال عبر الإنترنت وتعمل بنشاط على الوفاء بالتزاماتها في ميثاق الاحتيال عبر الإنترنت".
- "إن طبيعة الاحتيال عبر الإنترنت تتطور باستمرار، وتظل شركات التكنولوجيا ملتزمة بالعمل مع جميع الشركاء المشاركين في مكافحة هذا النشاط الإجرامي، بما في ذلك الحكومة المقبلة."
وكانت شركات غوغل وميتا وإنستاغرام وتويتر وأمازون ومايكروسوفت وتيك توك، قد تبرعوا بشكل جماعي بمبلغ مليون دولار من الإعلانات لحملة وطنية لمكافحة الاحتيال.
مسؤولية متزايدة
يؤكد استشاري العلوم الإدارية وتكنولوجيا المعلومات في G&K، عاصم جلال، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن الشركات التكنولوجية في دول كثيرة مسؤولة عن أفعالها؛ فعلى سبيل المثال تتمتع دول أوروبية بقوانين تُلزم شركات الكمبيوتر بحماية بيانات المستهلكين وتحمل المسؤولية القانونية الكاملة عن كافة البيانات.
ويضيف: "تلك القوانين والمسؤولية الحالية على عاتق شركات التكنولوجيا أمر هام يشبه عمليات إيداع الأموال في البنوك والتي تقع مسؤولية حمايتها على تلك المؤسسات المصرفية تماماً"، مشيراً إلى أن المنطقة عديداً من الدول العربية تفتقر إلى وجود تشريعات تجبر الإفصاح عن أي اختراقات أو تهديدات أمنية تتعرض لها شركات التكنولوجية، وتقتصر الإفصاحات فقط على تضمينها بجانب الصيانة والمشاكل الفنية في بعض الأحيان.
ويوضح أنه بالنظر بصفة عامة تطور الإنترنت على نحو واسع، فمنذ أعوام سابقة كان يتضمن حجم بيانات ر بسيطة مقارنة بوضعه في التوقيت الحالي، وبالتالي أصبحت هذه المعلومات والبيانات هدفاً حيوياً لعمليات السرقة والاحتيال.
ويشدد على ضرورة التأكيد على أن تعويض شركات التكنولوجية لعمليات الاحتيال يقتصر فقط على الأخطاء والثغرات الناتجة عن الشركة، وغير منوط بها تحمل تعويضات ناتجة عن عدم دراية المستخدم أو نتيجة سوء معرفته بقواعد الأمن السيبراني.
حالات التعويض
وإلى ذلك، يؤكد خبير تكنولوجيا المعلومات، محمد الحارثي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن شركات التكنولوجيا ليس من دورها تعويض الأشخاص والشركات التي تتعرض لعمليات الاحتيال عبر الإنترنت إلا في حالة وحيدة تتمثل في التعرض للاحتيال بسبب وجود ثغرات في النظام التكنولوجي أو الإلكتروني الخاص بالشركات.
ويضيف: "هذاالأمر يعتبر الحالة الوحيدة التي تتطلب الشركات ضرورة تعويض الأشخاص والشركات الخسائر التي تعرضوا لها بسبب هذه الثغرات، فيما عدا ذلك الشركات غير منوط بها تقديم تعويضات"، مشيراً إلى أن طرق الاحتيال الناتجة عن عدم خبرة الشخص أو ضعف المعرفة والمعلومات، لا تقع على عاتق ومسؤولية شركات التكنولوجيا لأنها تقع تحت مسؤولية المستخدم النهائي للأنظمة أو المنصات والتطبيقات.
تحمل المسؤولية كاملة
على الجانب الآخر، فإن أخصائي التطوير التكنولوجي وخبير الأمن السيبراني هشام الناطور، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن أبرز الأسباب المؤيدة للدعوات والمطالبات بتعويض شركات التكنولوجيا لتلك العمليات تتمثل في قدرة شركات التكنولوجيا الكبيرة على تقليل تلك المعدلات من خلال إجراءات التحقق من ماهية المستخدمين وإزالة كافة الإعلانات المضللة والاحتيالية من المنصات التابعة.
ويضيف: في ضوء قوة الموارد المالية لشركات التكنولوجيا يمكنها الاستثمار ومكافحة الاحتيال وجذب خبراء في هذا المجال لتقليل فرص حدوث تلك العمليات، كما يقع على عاتق تلك الشركات دور هام في التشكيل الاجتماعي والتأثير علي السلوكيات الاجتماعية بالتوعية بمخاطر الاحتيال عبر الانترنت وكيفية التعامل مع هذه الجرائم عن طريق حملات التوعية وخطوات وقائية وعرض جرائم حدثت وكيف تم التعامل معها.
لكنه في الوقت نفسه يشير إلى وجود عقبات أمام تطبيق مسؤولية شركات التكنولوجيا وهي صعوبة تحديد المسؤولية لكل عمليات الاحتيال خاصة مع تطور هذه العمليات بقوة، وهو ما يتطلب الاستعانة بالذكاء الاصطناعي.
ويوضح أن شركات التكنولوجيا تواجه تحديات قوية في ضوء تأثير عمليات الاحتيال السلبي على سمعة الشركات بصورة كبيرة، بالإضافة إلى سرعة مواكبة المحتالين التطور التكنولوجي وتطور أساليب الاحتيال مما يزيد من صعوبة الكشف على عمليات الاحتيال التي تتم.