مؤسسات مالية عالمية تقلص قوتها العاملة في الصين.. ما السبب؟
11:48 - 03 يوليو 2024بأكبر قدر منذ سنوات، خفضت المؤسسات المالية الغربية في الصين قوتها العاملة في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية، وذلك بعد أن ضغط تباطؤ السوق على الأرباح، وتوقف سنوات من التوسع في البلاد.
جاءت التخفيضات في العام 2023 في الوقت الذي تكبدت فيه خمس من الوحدات الصينية السبع التي تشكل جزءاً من وول ستريت والبنوك الأوروبية خسائر أو أعلنت عن انخفاض الأرباح، وفقاً للتقارير السنوية التي صدرت أخيراً. ووظفت الوحدات السبع 1781 شخصاً في العام الماضي، بانخفاض 13 بالمئة عن العام 2022.
ويشار في هذا السياق إلى تباطؤ نشاط أسواق رأس المال في الصين في ظل اقتصاد أضعف يهيمن عليه التباطؤ المستمر بقطاع العقارات، علاوة على التداعيات الناجمة عن التوترات الجيوسياسية المتزايدة بين واشنطن وبكين.
ونقل تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، عن مدير مكتب الصين في مجموعة آسيا الاستشارية، هان لين، قوله إن
- البنوك الاستثمارية الغربية عالقة في حلقة مفرغة.. إن ضعف تدفق الصفقات يعني انخفاض الاستثمار في القدرات المحلية، وهو ما يحد من تدفق الصفقات.
- بعض البنوك "بدأت تفقد صبرها في الوقت الذي تبدو فيه الفرص في الهند وجنوب شرق آسيا والولايات المتحدة واعدة بشكل أكبر.
تمكنت المجموعات المالية الدولية من السيطرة الكاملة على شركات الأوراق المالية التابعة لها في البر الرئيسي بالصين منذ موجة من التغييرات التنظيمية في العام 2020. وتمثل الوحدات جزءاً صغيراً من الأرباح العالمية للبنوك، التي رفضت التعليق.
إلغاء الوظائف
ألغت البنوك أكثر من 60 ألف وظيفة في جميع أنحاء العالم في العام 2023، حيث تسبب انخفاض إبرام الصفقات والإدراجات العامة في انخفاض الرسوم بشكل كبير.
ويتناقض الانخفاض في الصين مع الآمال السابقة في أن تستمر أعمالهم في البلاد في النمو حتى لو تباطأت في أماكن أخرى.
وكان الرئيس التنفيذي لبنك جي بي مورغان، جيمي ديمون، قد قال في مؤتمر عقد في مايو الماضي، إن جزءاً من أعمال البنك الاستثمارية في الصين "انزلق إلى الهاوية".
كان عدد الموظفين في ارتفاع مستمر تقريباً منذ العام 2018. وحتى في العام 2020، عندما جعلت قيود كوفيد-19 التوظيف صعباً، انخفض عدد الموظفين في الوحدات بنسبة أقل من 3 بالمئة.
وفي وحدة كريدي سويس، التي استحوذ عليها يو بي إس بعد شرائها للبنك العام الماضي، انخفض عدد الموظفين بنسبة 46 بالمئة إلى 126 موظفاً.
ووافق يو بي إس على بيع الوحدة لصندوق مدعوم من الدولة هذا الشهر. وظل عدد الموظفين في وحدة يو بي إس في البر الرئيسي ثابتاً عند 383 موظفاً، وهي الوحدة الوحيدة التي لم تخفض عدد موظفيها العام الماضي.
وسجلت وحدة مورغان ستانلي في الصين خسارة للمرة الأولى منذ العام 2019، بينما انخفضت أرباح مشروع جي بي مورغان في البلاد بنسبة 55 بالمئة إلى 119 مليون يوان (16 مليون دولار). وقالت الوحدة في تقريرها السنوي إن البيئة كانت "صعبة".
وانخفضت أعداد الموظفين في جي بي مورغان ودويتشه بنك بدرجة أقل كثيراً من الوحدات المنافسة في الصين.
ولا يمتلك دويتشه بنك سوى 33 بالمئة بالمئة من شركة تشونغ دي للأوراق المالية، وهي مشروعه المشترك في البر الرئيسي.
فيما تعافى بنك غولدمان ساكس الصين، الذي انفصل العام الماضي عن شريك في مشروع مشترك، من الخسائر التي تكبدها في العام 2022، لكن أرباحه البالغة 193 مليون يوان كانت أقل من أي عام آخر منذ عام 2018.
وانخفض عدد الموظفين في وحدة الأوراق المالية الصينية من 500 إلى 370 موظفًا مع قيام البنك بخفض الوظائف في جميع أنحاء العالم.
وقال متحدث باسم البنك إن بعض الموظفين تم نقلهم إلى وحدات أخرى في البنك، وبقي البعض الآخر مع شريكه السابق في المشروع المشترك شركة بكين جاو هوا للأوراق المالية.
وذكرت صحيفة فاينانشال تايمز في العام 2021 أن غولدمان ساكس سابقاً خطة لمضاعفة قوته العاملة في الصين إلى 600 موظف.
الاكتتابات
وفي السياق، أظهرت بيانات ديلوجيك حتى شهر مايو أن قيمة الاكتتابات العامة الأولية في الصين بلغت 8.3 مليار دولار فقط، وهو أدنى إجمالي خلال نفس الفترة منذ العام 2009.
وتحتاج الإدراجات الخارجية إلى موافقة الجهات التنظيمية الصينية، بموجب القواعد التي تم تقديمها العام الماضي . كما ظل النشاط عبر الحدود بما في ذلك عمليات الدمج والاستحواذ ضعيفًا.
ويشير تقرير صحيفة فاينانشال تايمز، إلى أن أداء وحدات البنوك الاستثمارية قد لا يعكس الصورة الكاملة لأعمال البنوك في الصين؛ ذلك أن بعض البنوك لديها وحدات أخرى في البلاد، وعديد منها يستخدم العلاقات التي تشكلت من خلال الأعمال التجارية في البر الرئيسي لتوليد الإيرادات التي يتم تسجيلها في هونج كونج أو في أي مكان آخر.
وتتناقض أرقام العام 2023 بشكل حاد مع العام 2021، وهو عام قياسي للبنوك الاستثمارية على مستوى العالم، عندما حققت ستة من البنوك السبعة أرباحاً في عملياتها في البر الرئيسي.
على الجانب الآخر، خالفت الوحدة الأخرى لبنك إتش إس بي سي هذا الاتجاه، محققة أرباحاً للمرة الأولى. وقال متحدث باسم البنك: "جاء هذا الزخم من قاعدة عملاء إتش إس بي سي المتنامية وقدرات المنتجات الموسعة".
أبرز العوامل
يُعلق مدير مركز رؤية للدراسات الاقتصادية، بلال شعيب، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قائلاً:
- إن ذلك يعكس تراجعاً من جانب بنوك الاستثمار العالمية عن التوسع في الصين خلال المرحلة الحالية، وذلك في ضوء عديد من الصعوبات، ونتاج لسلسلة من الأحداث والتوترات تتعرض لها مختلف دول العالم خلال الأعوام الماضية.
- الصين -والتى تعد صاحبة ركلة البداية في التباطؤ الاقتصادي العالمي الحالي وظهور جائحة كورونا وما تبعها من توقف للمصانع وأزمات اقتصادية متتالية- ثم تعرض العالم للحرب في أوكرانيا وانعكاساتها.. جميعها عوامل نسجت خيوط ضغوطات اقتصادية واسعة حول العالم.
- توترات منطقة الشرق الأوسط وتأثيرها على مختلف الاقتصادات أيضاً، بالإضافة إلى التوترات المستمرة بين الصين وأميركا والقضايا السياسية العالمية، جميعها عوامل انعكست بدورها على تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني الأمر الذي يعكس تأثرها الحالي وتراجع التوسعات بها.
- تراجع الوظائف إنما هو نتاج لتلك الصعوبات التي تواجه بيئة الأعمال في الصين، والضغوطات الاقتصادية الأوسع، وتباطؤ نمو رأس المال الأجنبي.
ويوضح أن تلك الأحداث المتتالية حول العالم يتضح تأثيرها الحالي على تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي والتحول لفترة تشهد ركود اقتصادي غير محدد فترة استمراريته، وهو ما تتأثر به مختلف الاقتصادات بنسب متفاوتة، بينما الاقتصاد الصين في قلب تلك العاصفة.
تباطؤ عالمي
من جانبه، فإن أستاذ الاقتصاد والمالية العامة بكلية الدراسات القانونية والمعاملات الدولية، جامعة فاروس، الدكتور أحمد العجمي يشير في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن تباطؤ النمو في الصين في الفترة الأخيرة انعكس بشكل كبير على توجهات بنوك الاستثمار العالمية في البلاد، وهو تباطؤ راجع بشكل أساسي إلى التباطؤ الذي يتعرض له الاقتصاد العالمي ككل.
وتراجع الاستثمار الأجنبي المباشر، قيد الاستخدام الفعلي في الصين، بنسبة 28.2 بالمئة، ليبلغ 412.5 مليار يوان (نحو 57.94 مليار دولار)، خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بحسب بيانات وزارة التجارة الصينية.
ويضيف: أزمة كورونا ثم الحرب في أوكرانيا وما تبعها من توترات في منطقة الشرق الأوسط والضغوطات الحالية على سلاسل الإمداد العالمية جميعها عوامل أثرت على تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وانعكست بصورة مباشرة على أغلب الاقتصادات حول العالم بما فيهم الصين.
ويلفت إلى أن التوترات المستمرة بين الصين والولايات المتحدة والضغوط الحالية على الشركات العالمية لتقليل الاستثمار في الصين عوامل رئيسية قوية تشكل ضغوطاً على الاقتصاد الصيني وبما يؤثر على النمو ومعدلات الاستثمار بها. كما يوضح العجمي في الوقت نفسه أن التوترات مع أميركا تأثيرها مباشر ومستمر في ضوء فرض رسوم جمركية على الواردات الصينية، والأزمات التي شهدتها بعض الشركات الصينية مثل شركة هواوي.