طبول الحرب تقرع في لبنان.. هل يلفظ الاقتصاد أنفاسه الأخيرة؟
13:47 - 21 يونيو 2024يعكس التصعيد الميداني الذي تشهده المنطقة الحدودية بين لبنان وإسرائيل مدى هشاشة الوضع بين البلدين، حيث تُنذر المؤشرات السلبية المتتالية، بأن الحال بين الجانبين باتت قاب قوسين من الانفجار الكبير، مع احتمال انزلاق الأمور إلى مواجهات عسكرية تشمل مختلف الأراضي اللبنانية.
فخلال الساعات الماضية، ارتفعت وتيرة قرع طبول الحرب على الجبهة اللبنانية الإسرائيلية، مع تصعيد الطرفين المتنازعين أي حزب الله والجيش الإسرئيلي، لحدة تهديداتهما بجعل المعركة بلا ضوابط أو سقوف، وقد تزامن هذا التصعيد مع الجولة المكوكية، التي قام بها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين للدفع قدماً بإجراءات تبريد الأجواء، ومنع تدحرج جبهة بيروت – تل أبيب نحو الأسوأ.
إزاء جميع هذه التطورات، انعكست حالة التوتر من احتمال توسع الحرب في لبنان، بصورة كبيرة على اقتصاد البلاد المترنح تحت وطأة الأزمات المتلاحقة، التي تعرض لها على مدى 4 سنوات والخسائر التي ستنتج عن الحرب التي تلوح في الأفق، فيما لا تزال البلاد غارقة في فراغ سياسي ومؤسساتي، وأزمة اجتماعية واقتصادية.
فلبنان لا يزال حتى الساعة يلملم جراح الأزمة الاقتصادية والمالية والمصرفية، التي أصابته منذ نهاية عام 2019 والتي تسببت في فقدان الليرة اللبنانية لأكثر من 90 بالمئة من قيمتها، مقابل الدولار الأميركي، مع عدم قدرة المودعين الذين ادّخروا أموالهم في المصارف على سحبها لعدم توافر العملة الصعبة، ليترافق ذلك مع انهيار كبير في مستوى الخدمات المقدمة في البلاد، في حين تجمع آراء الخبراء الاقتصاديين والماليين، على أنّ لبنان لا يملك في الوقت الراهن أيا من مقومات الصمود، التي تتيح له تحمل التداعيات الكارثية لحرب واسعة النطاق على أراضيه.
3 سيناريوهات أمام اقتصاد لبنان
يقول كبير الاقتصاديين في مجموعة بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الاقتصاد اللبناني يمر حالياً بمرحلة ضبابية وهو أمام السيناريوهات الثلاثة الآتية:
- السيناريو الأول الذي يرجح حدوثه بنسبة 40 في المئة، يشير إلى بقاء الوضع على ما هو عليه اليوم، لناحية استمرار الأعمال القتالية في المناطق الجنوبية وبعض أجزاء البقاع، حيث ستكون تداعيات استمرار هذا الوضع انكماش الاقتصاد اللبناني بنسبة 0.5 في المئة خلال 2024، مع احتمال تحقيق نمو طفيف في حال كان موسم الاصطياف واعداً مع قدوم المغتربين اللبنانيين للسياحة في البلاد.
- السيناريو الثاني الذي يرجح حدوثه أيضاً بنسبة 40 في المئة، يشير إلى توسع الحرب لتشمل جميع الأراضي اللبنانية، حيث ستكون تداعيات هذا السيناريو انكماش الاقتصاد اللبناني بنسبة 15 في المئة على الأقل.
- السيناريو الثالث الذي يرجح حدوثه بنسبة 20 في المئة، يشير إلى احتمال التوصل إلى وقف إطلاق نار مستدام بين لبنان وإسرائيل، ليشكل هذا الخيار صدمة إيجابية للاقتصاد، مع ازدياد عدد السياح وبدء عملية إعادة الإعمار في الجنوب اللبناني.
صمود رغم الصدمات
ويرى غبريل أن من المبالغة، القول إن الاقتصاد اللبناني سيلفظ أنفاسه الأخيرة في حال توسع الحرب، مشيراً إلى أن لبنان برهن على قدرته في الاستمرار رغم الصعوبات التي واجهها، حيث استطاع اقتصاد البلاد تدريجياً استيعاب صدمة اشتعال الجبهة الجنوبية، بعد تاريخ 7 أكتوبر 2023 بدعم من القطاع الخاص، ولكن هذا لا يعني أن هناك فرصاً ضاعت نتيجة ما حصل، لافتاً إلى وجود خسائر فادحة في الجنوب اللبناني، حيث تراجعت الحركة التجارية بنسبة 75 في المئة، في حين أن الحياة المدنية هناك شبه مشلولة، والمدارس مغلقة وهذا له تداعياته على اقتصاد البلاد.
آثار توسع الحرب
بدوره يقول رئيس تجمّع الشركات اللبنانية الدكتور باسم البواب في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الاقتصاد اللبناني يعاني من أشد أزمة يشهدها لبنان في تاريخه الحديث، فالناتج المحلي للبلاد هبط من 55 مليار دولار قبل الأزمة الاقتصادية، إلى نحو 25 مليار دولار اليوم، أضف إلى ذلك مشكلة هبوط القوة الشرائية للأفراد، وتدني مستوى رواتب اليد العاملة، مقارنة بما كانت عليه قبل الأزمة في عام 2019، لافتاً إلى أنه رغم خضوع الرواتب لعملية تصحيح فإنها لم تعد إلى مستوياتها الطبيعية، حيث تم تصحيحها بنسبة 70 في المئة بالنسبة للقطاع الخاص، وبنسبة تتراوح بين 30 و40 في المئة بالنسبة للقطاع العام.
ويضيف البواب أن أهل الاقتصاد في لبنان، دائماً ما يعولون على الأشهر الستة الأخيرة من العام، حيث تشهد البلاد قدوم مئات الآلاف من السياح والمغتربين، الذين يقومون بتحريك العجلة الاقتصادية وخصوصاً المغتربين الذين يشكل مدخولهم ما يقارب الخمسة مليارات دولار من السياحة، إضافة إلى تحويلاتهم البالغة قيمتها 7 مليارات دولار سنوياً، وبالتالي فإنه في حال توسع الحرب خلال الأشهر الستة الأخيرة من العام، والتي تشمل موسم الاصطياف وموسمي عيدي الميلاد ورأس السنة، فإن لبنان سيخسر كل ما كان يعول عليه خلال هذه الفترة، إذ ستكون آثار هذه الحرب خطرة جداً على الاقتصاد، وستقفل شركات وستتعثر أخرى عن دفع رواتب موظفيها، بسبب الجمود والتراجع الذي سيصيب أعمالها وتوقف إنتاجها وإيراداتها، خصوصاً أن الشركات لم تعد تملك أموالاً، فودائعها تبخرت في البنوك ما يعني أنه لا أموال دون بيع ودون إنتاج.
كوارث اقتصادية
ويكشف البواب أنه إضافة إلى هذه الخسائر، هناك الخسائر المادية التي تكبدها الاقتصاد اللبناني، والتي تناهز الـ 6 مليارات دولار أميركي التي وفي حال توسع الصراع ستزداد بشكل كبير، لافتاً إلى أنه قبل تاريخ 7 أكتوبر 2023، كانت هناك حركة نمو عقاري في لبنان، ولكن نتيجة للأحداث شهد القطاع العقاري حالة من الجمود وتراجعت حركة المبيعات خصوصاً في منطقتي الجنوب والبقاع.
وختم البواب حديثه بالإشارة إلى أن لبنان يواجه هذا الصيف تحديا اقتصاديا، فالوضع إما سيشهد تحسناً قوياً جداً وسيقفز الناتج القومي بما لا يقل عن 5 في المئة، وإما ستكون هناك حالة من التدهور الكبير وسنشهد انخفاضاً كبيراً في الناتج القومي، ما سينعكس على كل المؤشرات وعلى نسب البطالة، لتصل البلاد إلى كوارث اقتصادية ستشمل الشركات والموظفين.
حجم الخسائر التي تكبدها لبنان
من جهته، يقول الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه منذ اندلاع الحرب على الجبهة الجنوبية اللبنانية في 7 أكتوبر 2023، وحتى يومنا هذا، يسجّل لبنان خسائر كبيرة، حيث تشير الأرقام إلى أنّ تكلفة الأضرار المباشرة وغير المباشرة للحرب، تجاوزت قيمتها الـ 3 مليارات دولار، في حين أن احتمال توسع الأعمال الحربية، لتشمل مختلف الأراضي اللبنانية سيرفع هذا الرقم بشكل كبير.
ولفت شمس الدين إلى أن الحرب حتى الساعة، أدّت إلى نزوح أكثر من 90 ألف شخص لبناني من 45 بلدة مختلفة، في حين تم تدمير نحو 2000 منزل بشكل كامل، و1700 منزل بشكل جزئي، إضافة إلى تدمير 220 مؤسسة صناعية وتجارية، في حين بلغت الأضرار البشرية للحرب أكثر من 453 قتيلا، أما فيما يخصّ الأضرار الزراعية، فأكّد شمس الدين أنها كبيرة جداً ومن الصعب تقديرها في ظل استمرار الحرب وعدم إمكانية الوصول إلى الأراضي لإحصاء الأضرار.
وخلُص شمس الدين إلى أن التصعيد الذي حصل في الساعات الماضية واحتمال توسع الحرب، لتشمل البنى التحتية الرئيسية الموزعة على مختلف الأراض اللبنانية، سيسهم في تراجع الموسم السياحي وإلغاء عدد من القادمين إلى لبنان لزياراتهم، بنسبة تتراوح ما بين 20 و 30 في المئة، مؤكداً أن لبنان لا يتمتع أبداً بمقومات اقتصادية، تخوّله تحمّل الكلفة الباهظة لحرب واسعة النطاق على أراضيه.