ما أسباب تكبد لبنان مليارات الدولارات ككلفة اقتصادية للعنف؟
08:23 - 18 يونيو 2024لطالما عانى لبنان وعلى مر التاريخ من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية متعددة، إلا أن الأعوام الأخيرة شهدت تفاقماً كبيراً في هذه الأزمات، مما جعل البلاد تواجه واحدة من أخطر فتراتها في التاريخ الحديث.
ورغم تكرار الدعوات الدولية وخصوصاً من قبل صندوق النقد إلى ضرورة قيام السلطات اللبنانية بإصلاحات تعزز من قدرة البلاد على التعافي وتحقيق التنمية المستدامة، إلا أن الوضع في البلاد لا يزال يراوح مكانه، حيث كشف تقرير حديث لمعهد الاقتصاد والسلام، أن لبنان تكبد في عام 2023 فاتورة باهظة وصلت قيمتها الى 8.36 مليار دولار أميركي، كأثر اقتصادي للعنف في البلاد، وهذا ما جعل لبنان يحتل المرتبة 134 في "مؤشِّر السلام العالمي" لعام 2024.
ويصنف "مؤشِّر السلام العالمي" الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام، 163 دولة وإقليماً مستقلّاً في العالم، إستناداً إلى 23 عنصراً كمّيّاً ونوعيّاً وذلك تحت مظلّة ثلاثة عوامل رئيسيّة، هي مستوى الأمن الاجتماعي والأمان، ومدى إستمرار الصراعات الداخليّة والدوليّة، ودرجة العسكرة.
وبحسب المؤشر فقد تم تصنيف لبنان بحالة سلام "منخفضة"، حيث بلغت الكلفة الإقتصاديّة للعنف في البلاد 8.36 مليار دولار أميركي، بما يوازي 6.55 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي للبنان وفقاً لما ذكره تقرير معهد الإقتصاد والسلام.
عناصر العنف تجتمع في لبنان
ويقول رئيس قسم الأوراق العالمية في Cedra Markets جو يرق، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن "مؤشِّر السلام العالمي" يستند خلال تقييمه للدول على 23 عنصراً مسبباً للعنف، ومن هذه العناصر عدم الاستقرار السياسي، الجريمة، الصراع على الحدود، الإرهاب، اللاجئين، الصراعات داخلية، مشيراً إلى أن لبنان تجتمع على أراضيه معظم هذه العناصر، وهذا ما يفسر سبب احتلال البلاد مركزاً متأخراً جداً في التصنيف مع حصوله على المرتبة 134 في المؤشّر الذي يقيّم 163 دولة وإقليماً.
الكلفة الاقتصادية لغياب الأمن
ويشرح يرق أن غياب عوامل الأمن والسلام لها كلفة اقتصادية كبيرة، فالاضطرابات الأمنية تزيد من تكاليف الإنتاج وتقلل من الإنتاجية في القطاعات المختلفة، مما يؤدي إلى تراجع الإنتاج وتقلّص الاقتصاد، كما أن غياب الأمن والعنف يؤديان إلى تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر، إضافة إلى هروب السياح مما يضر بالدخل الوطني، ومن المعروف أن لبنان بلد يعتمد بنسبة كبيرة على القطاع السياحي، لافتاً إلى أن معهد الاقتصاد والسلام يتوقع أيضاً أن يسجل لبنان تراجعاً في "مؤشِّر السلام العالمي" للعام المقبل بسبب الكثير من العوامل السلبية، التي لا تزال تخيّم على الوضع العام في البلاد.
آثار سلبية للحرب واللاجئين
وبحسب يرق فإن لبنان كان ولا يزال يعاني من أثر سلبي ناتج عن اللجوء، فالبلاد تستضيف عدداً كبيراً من اللاجئين السوريين والفلسطنيين، تنتج عنها حالات عنفية تؤدي إلى تكبد تكاليف إضافية كبيرة، كما أن الصراع الدائر حالياً على الحدود الجنوبية اللبنانية مع الجيش الاسرائيلي تنتج عنه خسائر مالية، حصيلة الدمار الذي يصيب البنى التحتية والمنازل، إضافة إلى الأضرار التي أصابت المواسم الزراعية والبيئة الحرجية، حيث تشير التوقعات غير الرسمية إلى أن كلفة الخسائر المالية للصراع على الحدود الجنوبية للبنان، تتراوح بين 2 و3 مليارات دولار، مشدداً على أن لبنان وبعد خسارته للموسم السياحي الشتوي يتجه لخسارة الموسم السياحي الصيفي، فالأحداث القتالية تدفع السياح الأجانب إلى تجنب القدوم إلى لبنان في حين سيقتصر الموسم السياحي الصيفي على قدوم المغتربين اللبنانيين.
لا حلّ في الأفق
وشدد يرق على أن لبنان يعاني من عوامل مؤثرة وضاغطة على اقتصاده، وفي حال استمر الوضع على هذا الشكل فهذا يعني أن الكلفة الإقتصاديّة للعنف في البلاد، ستتخطى مبلغ الـ 8.36 مليار دولار أميركي، الذي ذكره تقرير معهد الاقتصاد والسلام، دون أن ننسى أن أحد الاسباب الرئيسية التي تسببت بارتفاع الكلفة الإقتصاديّة للعنف في لبنان، هي غياب الاستقرار السياسي، فالبلاد تعاني ومنذ نحو عامين من فراغ رئاسي، وعدم انتخاب رئيس للجمهورية ما تسبب بفوضى في إصدار المراسيم، كما أن مؤسسات الدولة تعاني من فوضى إدارية بسبب الأزمة الاقتصادية المالية التي ضربت البلاد في نهاية 2019، وكل ذلك يترافق مع غياب الاتفاق مع صندوق النفقد الدولي، وعدم إقرار قانون هيكلة المصارف، في ظل غياب أي أفق للحل.
توقعات مظلمة
وتقول المحللة والكاتبة الاقتصادية رولا راشد، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن لبنان يواجه مخاطر وتحديات جسيمة، بفعل التطورات الأخيرة على حدوده الجنوبية، ما أدى إلى تعميق حالة عدم الاستقرار المزمنة التي تعاني منها البلاد منذ نهاية 2019، فالتوتر على الحدود خلق بيئة تشغيلية واستثمارية بالغة الصعوبة، الأمر الذي ساهم في رفع حجم الكلفة الإقتصاديّة للعنف في لبنان، مشيرة إلى أن الأحداث القتالية التي تشهدها الأراضي اللبنانية، تثير المخاوف بصورة متزايدة، وهذا ما دفع شركة "BMI" للأبحاث التابعة لـFitch Solutions ، لتعديل توقعاتها لناحية نسبة انكماش اقتصاد لبنان من 0.5 في المئة في السابق إلى حوالي 1.5 في المئة حالياً.
ثاني أكبر الدول احتضاناً للاجئين
وتكشف راشد أن لبنان يقف اليوم على عتبة الانتظار السياسي والأمني، ما يُنذر بمخاطر جسيمة على مستقبل الاقتصاد الوطني، في وقت كشفت فيه المفوضيّة السامية للأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين (UNHCR)، أن لبنان حل ثانياً في العالم من حيث عدد اللاجئين نسبة لعدد سكانه، بحيث بلغ هذا المعدّل لاجئ لكلّ 6 مواطنين لبنانيين كما في نهاية العام 2023، وهذا ما سيزيد من تفاقم الأزمات التي يعاني منها لبنان ويجعل النظرة المستقبلية أكثر تشاؤمية، فاستقبال لبنان لهذه النسبة المرتفعة من اللاجئين يساهم في تدهور الوضع على عدة أصعدة، خصوصاً أن البلاد لا تمتلك مقومات أمنية أو اقتصادية أو حتى بنية تحتية تخولها استقبال هذا العدد الضخم من اللاجئين.
دوامة لا نهاية لها
وبحسب راشد فإن لبنان يعيش في دوامة لا أحد يدرك موعد الخروج منها، وسط مخاوف من توسع نطاق القتال، ليطال بنية تحتية أساسية رئيسية مثل المطار، ما سيحدث اضطرابات اقتصادية واسعة النطاق في جميع أنحاء.