ماذا تعني أزمة ارتفاع تكاليف الشحن للاقتصاد العالمي؟
17:18 - 15 يونيو 2024تعكس أرقام صناعة الشحن ارتفاع التكاليف الناجم عن أسباب متعددة، في مقدمتها الهجمات في البحر الأحمر. وقد أدى ذلك إلى تقييد العرض العالمي من مساحات الشحن والحاويات، حيث يضطر أصحاب السفن الذين يسافرون بين آسيا وأوروبا إلى اتخاذ طريق أطول حول أفريقيا.
وبسبب الحرب في غزة، يتخوف أصحاب السفن من الهجمات التي ستؤدي إلى تعطيل سلاسل التوريد العالمية خلال أشهر الخريف عندما يستورد تجار التجزئة عادة سلع عيد الميلاد.
وصلت أسعار الشحن إلى أعلى مستوى لها منذ 18 شهراً، مما يهدد بتأثيرات محتملة واسعة على هدف انخفاض معدل التضخم.
- أصبح شحن حاوية على طريق شحن رئيسية الآن أكثر تكلفة مما كان عليه الأمر عندما بدأ الحوثيون لأول مرة مهاجمة القوارب في البحر الأحمر في أواخر العام الماضي لمنع السفن من الرسو والتصدير من وإلى إسرائيل.
- وصل المؤشر الذي يقيس متوسط تكلفة حاوية 20 قدماً يتم شحنها من شنغهاي إلى أوروبا - وهو المقياس الأكثر استخداماً لتكلفة الشحن - إلى 3949 دولاراً.
- ارتفع مؤشر شنغهاي للشحن بالحاويات (SCFI) بشكل حاد في الشهر الماضي وفقاً للبيانات المقدمة إلى شبكة "سكاي نيوز" من شركة الخدمات اللوجستية العالمية.
ورصدت الشبكة محطات بارزة في أزمة "أسعار الشحن" خلال السنوات القليلة الماضية، وصولاً إلى التبعات الحالية المرتبطة بتصاعد التوترات في الشرق الأوسط، مروراً بالأزمة التي تعرضت لها قناة السويس، ثم الأزمات الناجمة عن ارتفاع أسعار الطاقة بسبب الحرب في أوكرانيا.
انسداد قناة السويس من قبل سفينة الحاويات Ever Given التي جنحت في عام 2021، أدى إلى ارتفاع حاد في تكاليف الشحن حيث لم تتمكن البضائع من التحرك بحرية على طول شريان الشحن الحيوي، مما تسبب في فوضى في الموانئ واختناق خطوط الإمداد. كما أدى اضطرار القوارب للقيام برحلات بديلة وتحويل مسارها إلى ارتفاع تكاليف الشحن.
عانت مختلف البلدان من تبعات تلك الأزمة الواسعة، بما في ذلك دول أوروبا التي ترزح تحت وطأة التهديدات بشكل مباشر لجهة اعتمادها بشكل كبير على تلك المسارات المتضررة. وفي المملكة المتحدة على سبيل المثال، كانت هذه الموجة من مشاكل سلسلة التوريد هي التي أحدثت جزءاً من "الصدمة الأولى" للاقتصاد والتي تسببت في ارتفاع معدل التضخم، أي معدل ارتفاع الأسعار.
وقد تعافى الاقتصاد إلى حد كبير من الصدمات - بما في ذلك ارتفاع أسعار الطاقة الناجم عن الحرب في أوكرانيا، والتي أدت إلى وصول التضخم إلى أعلى مستوى له منذ 41 عاما عند 11.1 بالمئة في أكتوبر 2022.
وفي حين انخفض التضخم بشكل ملحوظ - إلى 2.3 بالمئة في القراءة الأخيرة - فإن الشحن باهظ الثمن قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
يأتي ذلك في الوقت الذي تقضي فيه معظم البضائع الموجودة على أرفف المملكة المتحدة جزءاً على الأقل من عمرها في البحر، لذا فإن اضطرار المستوردين إلى إنفاق المزيد لإيصال البضائع إلى المملكة المتحدة قد يعني أن المستهلكين يدفعون أكثر عند درج البضائع.
تحديات كبيرة
الباحث في الشؤون الاقتصادية، مازن أرشيد، يشير في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن قطاع الشحن العالمي واجه تحديات كبيرة نتيجة لعدة عوامل متشابكة ليست وليدة اليوم، إنما ممتدة منذ فترة جائحة كورونا، ويشير في هذا السياق إلى أن:
- أحد أبرز هذه العوامل التوترات الاقتصادية والجيوسياسية المتصاعدة، بما في ذلك التوترات في البحر الأحمر بسبب هجمات الحوثيين على السفن، مما أدى إلى زيادة تكاليف التأمين البحري وتأخير الشحنات.
- هذا الأمر أثر بشكل ملحوظ على حركة التجارة بين أوروبا وآسيا، حيث يعتمد حوالي 10 بالمئة من التجارة العالمية على هذا الممر المائي الممثل في باب المندب.
ويوضح أن جائحة فيروس كورونا أيضاً كان لها تأثير كبير على قطاع الشحن، إذ أدت إلى اختناقات في سلاسل التوريد، وزيادة كبيرة في تكاليف الشحن، مؤكداً أن التغيرات المناخية وتزايد الكوارث الطبيعية تؤثر أيضاً على عمليات الشحن (..) حيث شهد العام 2023 عديداً من الحوادث التي تسببت تعطيل بعض عمليات الشحن وتأخير الشحنات مع تضرر الموانئ (..).
ويلفت أيضاً إلى أن العقوبات الاقتصادية والسياسية هي عامل آخر يزيد من تعقيد الأمور، إذ أثرت العقوبات المفروضة على روسيا بعد الحرب في أوكرانيا على شحنات النفط والغاز، مما دفع بعض الشركات للبحث عن طرق شحن بديلة ومكلفة، على سبيل المثال، اضطرت الشركات الأوروبية لاستيراد الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة بتكلفة نقل أعلى بكثير.
ويضيف: جميع هذه العوامل تضغط على الشركات لتبني استراتيجيات جديدة، إذ تستمر الشركات بشكل متزايد في تطوير التكنولوجيا لتحسين كفاءة سلاسل التوريد، وهو ما انعكس في العام 2023، علي زيادة الاستثمارات في تقنيات الشحن الذكي بنسبة أكبر، كما أصبح تنويع مصادر التوريد أيضاً استراتيجية رئيسية، حيث تبحث الشركات عن مزودين في مناطق أقل تعرضاً للتوترات الجيوسياسية والكوارث الطبيعية.
ويواجه الشحن التجاري اضطرابات على مستوى العالم، بما في ذلك في منطقة البحر الأحمر، حيث يتجنب مشغلو السفن المرور عبر قناة السويس بسبب الهجمات التي يشنها مسلحون حوثيون متمركزون في اليمن على السفن.
هدوء نسبي
لكن على الجانب الآخر، يقول الرئيس التنفيذي في مركز كوروم للدراسات الاستراتيجية، طارق الرفاعي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن الضغوط المتزايدة على قطاع الشحن البحر ربما تشهد استقراراً حالياً، وهو هدوء نسبي مقارنة بالوضع السابق في الأشهر الماضية بعد شهر أكتوبر الماضي مع بدء الحرب في غزة.
ويرتبط مصير استقرار أسعار الشحن بمدى التقدم الذي يمكن إحرازه في التوصل لتسوية بالنسبة للحرب بين إسرائيل وحماس، ومع المبادرات والجهود الماضية في هذا الاتجاه.
ويضيف الرفاعي: الفترة الحالية تشهد استقراراً في القطاع وعدم ظهور انقطاعات أو تأثيرات أوسع على سلاسل التوريد كتلك التي تعرض لها القطاع طيلة الفترات الماضية، في إشارة لتقلص نسبي للأزمة.
ويتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة عدم زيادة الضغوط على الأوضاع الحالية وعلى قطاع الشحن تحديداً في ضوء هدوء استقرار الأوضاع نوعاً ما في الأحداث الجارية.
لكن شركات الشحن الكبرى لا تزال تنظر بعين الريبة لتلك التوترات وتأثيرها على عملياتها، بعد أن أوقفت المرور من قناة السويس. وقبيل أيام قال متحدث باسم شركة هاباج لويد الألمانية للشحن البحري، إن شركته لا تتوقع استئناف صناعة الشحن الإبحار عبر قناة السويس في أي وقت قريب، حتى إذا تسنى التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين حركة حماس وإسرائيل الآن في قطاع غزة. وذلك بعيد أيام من ترحيب فصائل فلسطينية بقرار مجلس الأمن الدولي الذي يدعم اقتراحاً لوقف إطلاق النار في غزة.
وقال المتحدث في التصريحات التي نقلتها عنه وكالة رويترز: "حتى لو كان هناك وقف لإطلاق النار الآن، فإن هذا لا يعني أن هجمات الحوثيين ستتوقف على الفور"، مشدداً على أنه حتى بعد استئناف المرور عبر قناة السويس فسوف يستغرق الأمر ما بين أربعة إلى ستة أسابيع على الأقل لإعادة ترتيب الجداول الزمنية وعودة العمليات إلى طبيعتها.
أما شركة ميرسك، فقالت "إن التهديدات المستمرة للسفن التجارية في البحر الأحمر والاختناقات المتزايدة في سلسلة التوريد تشير إلى أن هذا الوضع لن يتحسن قريبًا. وستكون هناك حاجة إلى قدرة أكبر من المتوقع لحل هذه المشكلات وتحقيق الاستقرار في سلسلة التوريد العالمية".
تأثير الحرب في أوكرانيا
من جانبه، يلفت الخبير الاقتصادي، أنور القاسم، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن:
- سوق الشحن العالمية تعتمد بشكل أساسي على الاستقرار الجيوسياسي وانسيابية التجارة الدولية، بالإضافة إلى الأسعار المشجعة، والاتفاقات الدولية الناظمة لهذا القطاع الذي يعد شرياناً حيوياً جداً للاقتصاد المحلي والدولي.
- هذا القطاع كان قد شهد عودة قوية بعد جائحة كورونا وما خلفته من ركود وانكماش وتضخم، خاصة في الدول الصناعية الكبرى.. غير أنه يواجه الآن ضغطاً متزايداً على النطاق العالمي (في ظل الأزمات التالية بعد الجائحة) ونتيجة ذلك ترتفع ارتفاع أسعار حمولات الشحن هذا العام (..).
- الحرب في أوكرانيا والعقوبات الأوروبية على روسيا أفرزت تأثيراً على كمية الشحن وشركات الخدمات اللوجستية المنقولة بمختلف أشكالها، إضافة الى ارتفاع تكاليف التأمين خاصة في البحر الأحمر على خلفية الحرب الإسرائيلية على غزة.
يأتي ذلك رغم أن عودة التجارة الدولية إلى سابق عهدها في الصين (ثاني أكبر اقتصاد دولي) كانت قد شكلت أملاً كبيراً في الانتعاش الدولي لهذا القطاع (..).