ما الذي يعنيه تعثر صفقة خط أنابيب الغاز بين روسيا والصين؟
15:27 - 04 يونيو 2024نقلت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، عن ثلاثة مصادر مطلعة، تأكيداتهم على تعثر محاولات روسيا لإبرام صفقة كبيرة لخط أنابيب غاز مع الصين؛ بسبب "مطالب بكين غير المعقولة بشأن مستويات الأسعار" والعرض المقدم من الجانب الصيني.
بحسب تقرير الصحيفة، والذي اطلعت عليه سكاي نيوز عربية، فإن موقف بكين المتشدد بشأن خط أنابيب "قوة سيبيريا 2" يسلط الضوء على كيف أن (العملية الروسية في أوكرانيا) جعلت الرئيس فلاديمير بوتين يعتمد بشكل متزايد على الزعيم الصيني شي جين بينغ للحصول على الدعم الاقتصادي.
ووفق المصادر، فإن الصين طلبت أن تدفع ما يقارب الأسعار المحلية المدعومة بشدة في روسيا وأنها لن تلتزم إلا بشراء جزء صغير من الطاقة السنوية المخططة لخط الأنابيب البالغة 50 مليار متر مكعب من الغاز.
وذكر تقرير فاينانشال تايمز أن الموافقة على خط الأنابيب كان من شأنها أن تحول الحظوظ الكبيرة لعملاق الطاقة الروسي شركة غازبروم، من خلال ربط السوق الصينية بحقول الغاز في غرب روسيا التي كانت تزود أوروبا ذات يوم.
وتكبدت شركة غازبروم خسارة قدرها 629 مليار روبية (6.9 مليار دولار) في العام الماضي، وهي الخسارة الأكبر منذ 25 عاماً على الأقل ، وسط انخفاض مبيعات الغاز إلى أوروبا، التي حققت نجاحاً أكبر من المتوقع في تنويع مصادر الطاقة بعيداً عن الطاقة الروسية.
وفي حين أصرت روسيا على ثقتها في التوصل إلى اتفاق بشأن "قوة سيبيريا 2" في المستقبل القريب، قال اثنان من المصادر إن المأزق الحالي كان السبب وراء عدم انضمام الرئيس التنفيذي لشركة غازبروم، أليكسي ميلر، إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في زيارته الرسمية إلى بكين الشهر الماضي .
ونقلت الصحيفة عن الزميلة الباحثة في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، تاتيانا ميتروفا، قولها إن ميلر، الذي كان في رحلة إلى إيران، كان من الممكن أن يكون أساسياً في أي مفاوضات جادة مع الصين، وحمل غيابه دلالة رمزية للغاية.
ويشار إلى أن التوصل إلى اتفاق بشأن خط الأنابيب كان واحداً من ثلاثة طلبات رئيسية قدمها الرئيس بوتين إلى نظيره الصيني في اللقاء الأخير، وفقاً للأشخاص المطلعين على الأمر، إلى جانب المزيد من نشاط البنوك الصينية في روسيا، وأن تتجاهل الصين مؤتمر السلام الذي تنظمه أوكرانيا هذا الشهر.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن مصادرها قولهم إن الاتفاق على خط الأنابيب لا يزال بعيدًا، في حين أن التعاون المقترح مع البنوك الصينية لا يزال على نطاق أصغر بكثير مما طلبته روسيا.
تعثر الصفقة
وفيما يشير الاستاذ في مدرسة موسكو العليا للاقتصاد، رامي القليوبي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى تعثر صفقة خط أنابيب الغاز بين روسيا والصين، فإنه يلفت في الوقت نفسه إلى أنه "فعلياً هناك خط قوة سيبيريا 1، والذي يعمل وتتم زيادة طاقته".
تصدر روسيا غازها الطبيعي من سيبيريا إلى شمال شرق الصين عبر خط أنابيب الغاز "قوة سيبيريا 1"، وهي تهدف إلى توصيل 98 مليار متر مكعب من الغاز و100 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال إلى حليفتها الدبلوماسية والاقتصادية بحلول العام 2030.
ويضيف: "من مؤشرات تعثر الصفقة ما يتعلق بغياب رئيس شركة غازوبروم، أليكسي ميلر، عن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخيرة إلى الصين"، لكنه يؤكد أن ذلك (التعثر) ربما لا يؤثر بشكل جذري على التعاون المشترك بين البلدين.
ويشير الاستاذ في مدرسة موسكو العليا للاقتصاد، إلى أنه خلال العامين الماضيين ارتفع حجم التبادل التجاري بين روسيا والصين بنسب قياسية واضحة.
وسجّلت التجارة بين الصين وروسيا مستوى قياسيا عام 2023، ووصلت التجارة بين البلدين إلى أكثر من 240 مليار دولار، بحسب بيانات جمركية، متجاوزة الهدف البالغ 200 مليار دولار الذي حدده البلدان الجاران في اجتماعات ثنائية العام الماضي.
ويوضح القليوبي أن الوضع في مجال الطاقة له سياقاته وحساسيات خاصة، لا سيما وأن الصين معنية بشراء النفط والغاز الروسي بتخفيضات، وهذا يتوفر للصين طالما منافذ التصدير أمام روسيا محدودة بعد إغلاق السوق الأوروبية أمامها، وهذا يؤكد أن العلاقة بين روسيا والصين شراكة تجارية أكثر منها تحالفاً استراتيجياً كما يسعى البعض الترويج لها.
حاجة الصين للطاقة الروسية
وبالعودة لتقرير الصحيفة البريطانية، فقد نقلت عن مدير مركز كارنيغي روسيا أوراسيا في برلين، ألكسندر غابويف، قوله: "تحتاج الصين إلى الغاز الروسي بشكل استراتيجي كمصدر آمن للإمدادات لا يعتمد على الطرق البحرية التي ستتأثر في حالة نشوب صراع بحري حول تايوان أو بحر الصين الجنوبي.. لكن في الوقت نفسه فإنه لجعل ذلك جديراً بالاهتمام، تحتاج الصين إلى سعر رخيص للغاية والتزامات مرنة".
ومن المتوقع أن يصل طلب الصين على الغاز المستورد إلى حوالي 250 مليار متر مكعب بحلول العام 2030، ارتفاعاً من أقل من 170 مليار متر مكعب في عام 2023، وفقا لدراسة نشرتها مجموعة CGEP في كولومبيا في مايو.
وذكرت تلك الدراسة أنه لا يزال من الممكن تلبية مستوى الطلب للعام 2030 إلى حد كبير أو كليًا من خلال العقود الحالية لإمدادات خطوط الأنابيب والغاز الطبيعي المسال. ومع ذلك، بحلول العام 2040، ستصل الفجوة بين الطلب على الواردات في الصين والالتزامات الحالية إلى 150 مليار متر مكعب.
وقال غابويف:
- إن افتقار روسيا إلى طريق بري بديل لصادراتها من الغاز يعني أنه من المحتمل أن تضطر غازبروم إلى قبول شروط الصين.
- تعتقد الصين أن الوقت في صالحها.. أمامها مجال للانتظار للحصول على أفضل الظروف من الروس (..).
- يمكن بناء خط الأنابيب بسرعة كبيرة، حيث أن حقول الغاز قد تم تطويرها بالفعل.
- في نهاية المطاف، ليس لدى الروس أي خيار آخر لتسويق هذا الغاز.
وقبل الحرب في أوكرانيا، اعتمدت شركة غازبروم على بيع الغاز إلى أوروبا بأسعار مرتفعة من أجل دعم السوق المحلية في روسيا.
وتدفع الصين بالفعل لروسيا مقابل الغاز أقل مما تدفعه لمورديها الآخرين، بمتوسط سعر يبلغ 4.4 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، مقارنة بـ 10 دولارات لميانمار و5 دولارات لأوزبكستان، وفقًا لحسابات باحثي CGEP من بيانات الجمارك للفترة 2019-2021.
وانخفضت صادرات غازبروم إلى أوروبا إلى 22 مليار متر مكعب في العام 2023 من متوسط 230 مليار متر مكعب سنويا في العقد الذي سبق الحرب في أوكرانيا. ومن المرجح أن تتضاءل أكثر بمجرد انتهاء اتفاقية إعادة الشحن مع أوكرانيا في نهاية هذا العام. وسيكون الفشل في الاتفاق على زيادة الإمدادات إلى الصين بمثابة ضربة قوية أخرى، وفق تقرير فاينانشال تايمز.
مصلحة الصين
من جانبه، يقول الكاتب والباحث الروسي، ديمترى بريجع، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن المشكلة الأساسية وراء تعثر صفقة خط الغاز الجديد ترتبط بـ "الأسعار"، ذلك أن بكين الصين -وفقاً للمعلومات المتداولة- تطلب أسعاراً مخفضة، وهي الأسعار التي يتم تداولها في السوق المحلية لروسيا وهذا الشيء غير مقبول في روسيا لرغبة موسكو في تحقيق أرباح بطبيعة الحال.
ويضيف: "الصين تريد تحقيق أكبر استفادة من الثروات الباطنية في روسيا (..)"، مشدداً على أن بكين لديها سياسة خاصة تحاول من خلالها الاستفادة قدر الإمكان من روسيا (من خلال استغلال مسألة العقوبات المفروضة على موسكو وتدهور العلاقات مع الأسواق الأوروبية).. وهذا الشيء يدل على أن التحالف الروسي الصيني ضعيف في بعض المناحي، لا سيما وأن الصين لديها توجه سياسي مختلف على صعيد ملفات أخرى، بما في ذلك الملف الأوكراني أيضاً، وموقفها من عدم دعم عمليات عسكرية بشكل كامل، فهي تنتقد السياسات الغربية في أوكرانيا لكن لديها رؤية مختلفة".
ويوضح أن أبرز الأدلة على ذلك هي عدم اعترافها رسمياً بضم بعض المناطق الأوكرانية للاتحاد الروسي حتى الآن، وهذا يدل على أن هناك وجهات نظر مختلفة، وسط رغبة من قبل الرئيس بوتين في الدعم الصيني الاقتصادي وفي ضوء العقوبات المفروضة ودعم قدرته على مواجهتها.
روسيا واثقة من إمكانية إبرام الصفقة
بعد تقرير صحيفة فاينانشال تايمر، صرح دميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين، الاثنين، إن ليس هناك شك في أن روسيا والصين ستتوصلان إلى اتفاق بشأن خط أنابيب (باور أوف سيبيريا 2) أو " قوة سيبيريا 2" للغاز.
وأضاف في مؤتمر صحفي يعقد يوميا عبر الهاتف أن المحادثات بشأن خط الأنابيب ستستمر.
وقالت الصين، أيضا، إنها ستواصل الدفع من أجل تعزيز كل أشكال التعاون المثمر للطرفين مع روسيا وإنها تتطلع لتعميق التعاون معها في قطاع النفط والغاز.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية في إفادة صحفية "بالنسبة للتعاون بين الصين وروسيا، ما أريد أن أقوله هو السعي لتقريب المصالح بين البلدين وتعميق ترابط المصالح".