ما هي التبعات المحتملة لتزايد الدين العالمي؟
15:12 - 30 مايو 2024في الربع الأول من العام الجاري، شهد العالم زيادة مضطردة في الدين العالمي، حيث وصل إلى مستوى قياسي بلغ 315 تريليون دولار، وبما يعكس الضغوط المالية المتزايدة التي تواجهها الحكومات والشركات والأفراد حول العالم.
تعززت هذه الزيادة بفعل عوامل متعددة؛ منها الأزمات الاقتصادية المستمرة، والإنفاق الحكومي الكبير لمواجهة جائحة كوفيد-19، واستمرار السياسات النقدية التقييدية التي اتبعتها عديد من البنوك المركزية بعد ذلك على مدار العامين الماضيين لكبح جماح التضخم.
تؤثر هذه الزيادة الكبيرة في الدين العالمي بشكل كبير على الاقتصاد العالمي بطرق متعددة؛ فمن ناحية، يمكن أن تؤدي مستويات الدين المرتفعة إلى ضغوط مالية على الحكومات والشركات، مما قد يحد من قدرتها على الاستثمار في النمو الاقتصادي المستدام. بالإضافة إلى ذلك، قد تؤدي زيادة الدين إلى رفع تكاليف الاقتراض في المستقبل، بما يزيد من العبء على الميزانيات العامة ويقلل من الفوائد المتاحة للإنفاق الاجتماعي والاستثمار في البنية التحتية.
تتأثر اقتصادات البلدان الناشئة بشكل خاص بزيادة الدين العالمي. هذه البلدان غالباً ما تكون أكثر عرضة لتقلبات الأسواق المالية العالمية وتعتمد بشكل كبير على التمويل الخارجي.
كما أن ارتفاع مستويات الدين يمكن أن يزيد من صعوبة الحصول على التمويل بشروط ميسرة، ويؤدي إلى ضغوط على العملات المحلية، وزيادة تكاليف خدمة الديون.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي الديون المرتفعة إلى تقييد القدرة على الإنفاق الحكومي في مجالات حيوية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية، مما يؤثر سلباً على التنمية المستدامة ويزيد من الفجوة بين الدول المتقدمة والدول النامية.
1.3 تريليون دولار ارتفاعاً
وبحسب أحدث التقارير الصادرة عن معهد التمويل الدولي، فإن:
- إجمالي الدين العالمي سجل مستوى قياسيا جديدا خلال الربع الأول 2024، بلغ 315 تريليون دولار.
- الدين العالمي خلال الربع الأول 2024 زاد بمقدار 1.3 تريليون دولار مقارنة مع أرقام الربع الأخير من العام الماضي.
- ارتفاع مجمل الدين العالمي يأتي في وقت تبقى أسعار الفائدة على العملات الرئيسية بصدارة الدولار، مرتفعة عند قمة 23 عاما، وبنسبة 5.5 بالمئة، فيما تواصل الهند والصين الإفراط في الاقتراض.
- الزيادة كانت مدفوعة في المقام الأول بالأسواق الناشئة.. حيث ارتفع الدين إلى مستوى غير مسبوق يتجاوز 105 تريليونات دولار.
ما هي أسباب الأزمة؟
الباحث في الشؤون الاقتصادية، مازن أرشيد، أرجع في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، السبب وراء ارتفاع حجم الدين العالمي إلى 315 تريليون دولار، لمجموعة من العوامل، وأبرزها:
- سياسات التحفيز المالي التي اعتمدتها الحكومات في أعقاب الأزمات الاقتصادية، مثل الأزمة المالية العالمية في العام 2008 وجائحة كوفيد-19، التي أدت إلى زيادة كبيرة في الاقتراض لتمويل الإنفاق الحكومي ودعم الاقتصاد، فعلى سبيل المثال ضخت الولايات المتحدة الأميركية تريليونات الدولارات في الاقتصاد عبر حزم التحفيز المالي المختلفة، ما أدى إلى زيادة ديونها بشكل ملحوظ.
- معدلات الفائدة المنخفضة تاريخياً التي انتهجتها البنوك المركزية، والتي جعلت الاقتراض أقل تكلفة، مما شجع الحكومات والشركات والأفراد على الاقتراض بكثافة.
ونوه بأن تفاقم الدين العالمي ينذر باحتمالية حدوث أزمة مالية عالمية كبيرة، موضحاً أن الديون المرتفعة تعني زيادة الأعباء المالية على الحكومات والشركات، ما يحد من قدرتها على التعامل مع الصدمات الاقتصادية المستقبلية.
كما نبه إلى أنه في حال حدوث تباطؤ اقتصادي أو ركود، ستكون الحكومات عاجزة عن تمويل الحزم التحفيزية الإضافية دون زيادة ديونها إلى مستويات غير مستدامة، وهو ما يؤدي إلى إفلاسات واسعة النطاق للشركات، وتراجع كبير في الاستثمارات، وانخفاض حاد في الإنفاق الاستهلاكي، مستدلاً على ذلك بأزمة الديون الأوروبية في العام 2010 التي تعد مثالاً حياً على أن الديون المرتفعة يمكن أن تؤدي إلى أزمات اقتصادية كبيرة.
مخاطر واسعة
وعدد الباحث في الشؤون الاقتصادية، في معرض حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، بعض المخاطر بشأن تنامي الدين العالمي إلى هذا الحد، على النحو التالي:
- ارتفاع الدين العالمي إلى هذا الحد يهدد الاستقرار المالي العالمي.
- زيادة تكاليف خدمة الدين يمكن أن تؤدي إلى تقليص الإنفاق على الخدمات العامة والبنية التحتية.
- تزايد الفجوة الاقتصادية بين الدول النامية والمتقدمة.
- يمكن أن يؤدي ارتفاع الديون إلى ضغوط تضخمية إذا اضطرت الحكومات إلى طباعة المزيد من الأموال لسداد ديونها، بما يقلل من قيمة العملات ويزيد من تكاليف المعيشة.
وأشار على سبيل المثال إلى أنه في اليابان، بلغ الدين العام نحو 250 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ما يمثل تحدياً كبيراً لحكومتها في الحفاظ على النمو الاقتصادي وتحقيق الاستدامة المالية.
وبشأن التداعيات المتوقعة لتنامي الدين العالمي، فأوضح أنها تشمل زيادة احتمالية حدوث أزمات اقتصادية إقليمية وعالمية، إضافة إلى صعوبة تنفيذ السياسات المالية التوسعية في المستقبل، وتزايد الضغوط على الأسواق المالية.
وذكر أن الديون المرتفعة تؤدي إلى تآكل ثقة المستثمرين في الأسواق، ما يمكن أن يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال وتراجع الاستثمارات، علاوة على ذلك، قد تجد الحكومات نفسها مضطرة إلى زيادة الضرائب أو تقليل الإنفاق، ما ينعكس سلبًا على النمو الاقتصادي والرفاه الاجتماعي.
النسبة في زيادة
وفي هذا السياق، ذكر تقرير أذاعته شبكة "سي إن بي سي" الأميركية، أن:
- قيمة الدين العالمي تصل إلى 315 تريليون دولار.. والعد لا يزال في ازدياد.
- لم نشهد هذا النوع من الديون منذ الحروب النابليونية!
- هناك حوالي 8.1 مليار شخص منا يعيشون في العالم اليوم.. إذا قمنا بتقسيم هذا الدين على الأشخاص، فسيكون كل واحد منا مديناً بحوالي 39000 دولار.
- يجمع الدين العالمي بين الاقتراض من الأسر والشركات والحكومات.
- ديون الأفراد والأسر تشمل أموراً مثل الرهون العقارية وبطاقات الائتمان وديون الطلاب.. وفي بداية العام الجاري، بلغ هذا المبلغ 59.1 تريليون دولار.
- تبلغ ديون الأعمال، التي تستخدمها الشركات لتمويل عملياتها ونموها، 164.5 تريليون دولار، ويشكل القطاع المالي وحده 70.4 تريليون دولار من هذا المبلغ.
- وأخيرا، هناك الدين الحكومي، الذي يستخدم للمساعدة في تمويل الخدمات والمشاريع العامة دون زيادة الضرائب.
ويمكن للبلدان أن تقترض من بعضها البعض أو من المؤسسات العالمية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. لكن يمكن للحكومات أيضًا جمع الأموال عن طريق بيع السندات، وهي في الأساس سندات دين من الدولة إلى المستثمرين. وكما هو الحال مع جميع القروض، فهي تتضمن فوائد.
تداعيات كورونا
من جانبه، أوضح مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، الدكتور مصطفى أبوزيد، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن حجم المديونية العالمية شهد ارتفاعاً كبيراً؛ خاصة فى السنوات الأخيرة عقب تداعيات جائحة كورونا، مرجعاً ذلك إلى:
- إجراءات التيسير النقدي التي اتبعتها أغلب البنوك المركزية في سبيل زيادة الإنفاق الحكومي، خاصة في كل من الصين والهند والمكسيك بعد أن أفرطوا فى حجم الاقتراض، وهو ما حذر منه صندوق النقد الدولي (ويشار هنا إلى أنه في الشهر الماضي، حذر صندوق النقد الدولي من أن كومة ديون الهند قد تتجاوز حجم اقتصادها بحلول نهاية العقد، حيث تنفق مليارات الدولارات كل عام على التعامل مع الكوارث الطبيعية).
- ارتفاع معدلات التضخم واتجاه البنوك المركزية لإجراءات تقييدية بالسياسة النقدية بهدف السيطرة على معدلات التضخم عبر رفع أسعار الفائدة، وهو ما كان له تأثير سلبي على عديد من الدول، بعد أن أسهم ارتفاع الفائدة في الضغط على اقتصادها الذي عانى من تداعيات جائحة كورونا وما تلاها من تداعيات الحرب في أوكرانيا في تنفيذ خططها الاقتصادية، وبالتالي زيادة تكلفة الاقتراض والضغط على موازنتها العامة لتمويل عجز الموازنات.
- خروج الأموال الساخنة إلى الولايات المتحدة الأميركية، مما أضر بالسيولة الدولارية في تلك كثير من الدول، لا سيما الدول النامية التي كان له تأثير مباشر على تراجع العملات الوطنية.
وفي هذا السياق، يشير تقرير الشبكة الأميركية إلى أن الوباء أدى إلى تفاقم مشكلة كانت موجودة بالفعل، إذ كانت الديون تتراكم منذ عقد من الزمان على الأقل، حيث أنفق الأفراد والشركات والحكومات بما يتجاوز إمكاناتهم.
وكان معهد التمويل الدولي، قد حذر من أن جهود ما بعد الوباء لخفض الديون، قد وصلت إلى نهايتها مع قيام الحكومات بخفض الضرائب، وزيادة الإنفاق وسط عدد قياسي من الانتخابات هذا العام.
وعن التداعيات المحتملة لارتفاع الدين العالمي، فتوقع أبوزيد المزيد من الضغط على الدول النامية اقتصادياً لحاجتها إلى فرص التمويل المستدام بتكلفة معقولة، والمساهمة في تنفيذ خطط التنمية من جانب، ومن جانب آخر تعزيز القدرة على الوفاء بسداد فوائد وأقساط الديون الخارجية المستحقة عليها.
ونبه كذلك إلى أن تزايد الدين العالمي دون أن تكون هناك خطط وسياسات اقتصادية عالمية لوضعه على مسار نزولي، سيفقد الكثير من الدول النامية القدرة على الوفاء بسداد التزاماتها الخارجية تجاه فوائد وأقساط الديون، فمع تزايد المديونية سيكون لها تأثير سلبي على فرص إعادة التمويل مرة أخرى.
وشدد على أنه بعد أن وصل حجم المديونية العالمية لهذا المستوى، لابد من وضع سياسة اقتصادية في اتجاه خفض الفائدة لتوفير تمويل ميسر ليعزز من قدرة الدول النامية على استكمال برامجها الإصلاحية لوضع المالية العامة في تلك الدول على المسار الصحيح لنمو الاقتصاد.
وذكر أن تحقيق ذلك مرهون باستقرار الاقتصاد العالمي الذي يتكبد خسائر بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا وتأثيراتها على أسعار الطاقة والغذاء، إلى جانب التوترات الجيوسياسية بالبحر الأحمر وتداعياتها على سلاسل الإمداد، وهو ما أسهم في زيادة تكاليف السلع والبضائع ومن ثم ارتفاع الأسعار وبالتالي معدلات التضخم.