ماذا ينتظر قطاع الدفاع في أوروبا؟
18:12 - 03 مايو 2024بدأت أسهم قطاع الدفاع في الاتحاد الأوروبي تفقد قوتها، وذلك بعد عامين –منذ الحرب في أوكرانيا- تجاوزت فيها المؤشر القياسي الأوسع بعشرة أضعاف.. فهل انتهت المسيرة الصعودية للقطاع الآن؟
يرصد تقرير نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية شواهد مختلفة يُمكن من خلالها استنتاج أن الأداء الصعودي للقطاع لم ينته، مستدلاً بالخطاب الحكومي والأموال الموجهة للقطاع، حتى أن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أكدت الرغبة في "تحفيز" الصناعة الأوروبية، من خلال إنفاق المزيد".
استعرض التقرير عدداً من المعطيات الأساسية التي يشهدها قطاع الدفاع في أوروبا، وتتحدد بناءً عليها طبيعة الاتجاهات المستقبلية، على النحو التالي:
- ترسل دول الاتحاد الأوروبي، إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة، الأموال والمعدات إلى أوكرانيا.
- أطلقت (العملية العسكرية الروسية في الرابع والعشرين من شهر فبراير من العام 2022 في أوكرانيا) موجة صعود في قطاع الدفاع.
- تجاوز الإنفاق العسكري (العالمي) 2.4 تريليون دولار العام الماضي، أو 2.3 بالمئة من الناتج الاقتصادي وبزيادة بنسبة 6.8 بالمئة عن العام السابق عليه، وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
- مع انتشار الصراعات في جميع أنحاء العالم، تحتاج المعدات القديمة إلى الاستبدال والتحديث.
- نصف الأنظمة الأرضية في أوروبا وما يصل إلى أربعة أخماس الأنظمة الجو أرضية يزيد عمرها عن 30 عاماً، وفق ماكينزي.
- من شأن إعادة التسلح أن تدفع ميزانيات الدفاع إلى ما يصل من 6 إلى 8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لاحقاً، وفقاً للمحلل في وكالة بارتنرز ساش توسا.
وفي السياق، تعكس الطلبيات لدى شركات الدفاع هذا الأمر؛ إذ تتوقع شركة ليوناردو (شركة إيطالية متعددة الجنسيات ذات تكنولوجيا عالية تعمل في مجال الفضاء والدفاع) طلبيات جديدة بقيمة 105 مليارات يورو على مدى السنوات الخمس المقبلة. وبما يصل إلى 19.5 مليار يورو هذا العام، ارتفاعاً من 17.3 مليار يورو في العام 2022.
حجم الإنفاق العسكري
من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي من لندن، أنور القاسم، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن نسبة الإنفاق العسكري في أوروبا الوسطى والغربية في الوقت الراهن أعلى من مستويات فترة الحرب الباردة".
ويضيف:
- أوروبا تشهد ارتفاعاً كبيراً في الإنفاق العسكري، الذي بلغ أكثر من 552 مليار يورو في العام 2023، مع اتجاه لزيادة النفقات الدفاعية في عموم دول القارة، خاصة الكبيرة منها.
- بولندا -على سبيل المثال- رفعت ميزانية الأسلحة لأكثر من الضعف، كما تقوم إيطاليا بإعداد جيشها استعدادا لسيناريوهات الحرب.
- في الوقت ذاته، تستثمر بريطانيا في الغواصات النووية والأسلحة الجديدة، فيما تخرج ألمانيا بشكل متسارع لسباق التسليح، بالإضافة إلى استثمار إسبانيا في الأسلحة المتقدمة.
- ستصبح بريطانيا صاحبة ثاني أكبر ميزانية دفاعية داخل حلف شمال الأطلسي بعد الولايات المتحدة، وستحافظ على تعهدها بتخصيص 2.5 بالمئة من الناتج المحلي.
ويشير القاسم إلى أن الأعضاء الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي يواجهون فجوة تمويل تصل إلى 56 مليار يورو سنويا، من أجل تحقيق هدف الإنفاق الدفاعي للحلف.
ويتابع: الجهود التي تبذلها الدول الأعضاء في الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة لتعزيز الإنفاق الدفاعي رداً على الحرب في أوكرانيا تعمل على تأجيج الضغوط على الميزانية في أوروبا، كما سيتم تخصيص جزء من هذه الميزانيات لدعم أوكرانيا.
ويستكمل: بالتالي سيدفع العالم ومن ضمنه دول الغرب فاتورة اقتصادية باهظة قد ترهق الاقتصاد الدولي مجدداً وترفع درجات الصراع الاقتصادي والعسكري.
مؤشرات داعمة
وبالعودة لتقرير الصحيفة البريطانية، فإنه من بين المؤشرات الداعمة لقطاع الدفاع في هذا الصدد، أن حوالي 23 دولة حققت هدف حلف شمال الأطلسي المتمثل في تخصيص خمس ميزانيات الدفاع على الأقل للمعدات في العام 2022. وفيما يتعلق بالمملكة المتحدة بلغت النسبة إلى ما يقرب من الثلث؛ وفي المجر ما يقرب من النصف.
مع ارتفاع المبيعات، ترتفع الربحية أيضاً، فعلى سبيل المثال:
- تستهدف شركة راينميتال (شركة ألمانية للصناعات الدفاعية مقرها في دوسلدورف في غرب ألمانيا) هوامش تشغيل تتراوح بين 14 إلى 15 بالمئة هذا العام، ارتفاعًا من 12.8 بالمئة التي تم توسيعها بالفعل في العام 2023.
- كما تتطلع شركة سافران الفرنسية، التي رفعت هوامش التشغيل بمقدار 100 نقطة أساس إلى 13.6 بالمئة العام الماضي، إلى 14.5 بالمئة في العام الجاري 2024.
زيادة الإنفاق
من برلين، يقول الخبير الاقتصادي، ناجح العبيدي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا بدأت الدول الأوروبية في زيادة نفقاتها العسكرية، مع مساعي الاستجابة للطلبات الأميركية للوصول إلى نسبة 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي فيما يتعلق بالإنفاق العسكري.
ويستدل في هذا السياق بالموقف في ألمانيا، باعتبارها أكبر اقتصاد أوروبي، بقوله:
- لجأت ألمانيا -بصفتها أكبر اقتصاد أوروبي- إلى إنشاء صندوق خاص بقيمة 100 مليار يورو لتحديث الجيش الألماني نظراً إلى أن ميزانية الدولة لم تكن تسمح بتمويل هذه الزيادة الطارئة في الإنفاق العسكري.
- كما أن المحكمة الدستورية أكدت في السابق أن تأسيس صندوق خاص يعد حلاً استثنائياً ولا يمكن للحكومة أن تلجأ إليه كلما شعرت بالحاجة لنفقات إضافية.
- بذل وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس جهوداً كبيرة لتحديث البنية التحتية والمعدات وتشكيل فرق جديدة وشراء مقاتلات F35 وأنظمة دفاع جوي حديثة.
- صرحت المقررة البرلمانية لشؤون الجيش إيفا هوغل في بداية هذا العام، أن مبلغ 100 مليار يورو غير كافٍ، وأن تمكين الجيش الألماني من الدفاع عن الوطن يتطلب 300 مليار يورو وهو مبلغ يصعب حتى على ألمانيا الغنية تدبيره، لا سيما وأن الاقتصاد الألماني يعاني منذ فترة كبيرة من حالة ركود.
- سجلت الموارد الضريبية، وهي المصدر الأساسي تقريبا لإيرادات الدولة، في شهر مارس المنصرم تراجعا بنسبة 4.5 بالمئة، الأمر الذي ينذر باندلاع صراعات بين الوزارات المختلفة حول أولويات التمويل.
يعكس ذلك حجم الضغوطات التي تواجهها الاقتصادات الأوروبية، والتي تضغط بدورها على مخصصات الدفاع والإنفاق العسكري، وبما قد ينعكس بشكل أساسي على مستهدفات أسهم الشركات العاملة بالقطاع.