رسالة مشفرة من عودة الذهب.. هل حان وقت الأزمات؟
15:13 - 25 أبريل 2024شهد الذهب في الآونة الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً بفعل العديد من المحركات وأبرزها التضخم الذي فاق التوقعات في الولايات المتحدة، والتوترات الجيوسياسية، وعدم اليقين المحيط بانتخابات الرئاسة الأميركية، ولكن هناك رسالة أعمق يحملها ارتفاع المعدن الثمين إذ يُنظر إليه على أنه نقطة تحول محتملة تقودنا إلى حقبة جديدة قد يلعب فيها الذهب دوراً أكثر بروزاً وعلى المستثمرين الانتباه إليها.
هذا ما أكدته الكاتبة رنا فوروهار في مقال لها بصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، تحت عنوان ""الذهب يعود بقوة.. ما الرسالة التي يحملها لنا"، متسائلة عن توجهات السياسة النقدية والأسواق في ظل هذه المحركات؟
وأشارت الكاتبة فوروهار إلى "أننا نمر منذ مدة طويلة بمرحلة مستدامة من التضخم وهي عامل مهم يدفع ارتفاع أسعار الذهب، وبعيداً عن إمكانية حدوث معجزة إنتاجية تعتمد على التكنولوجيا، فمن الصعب أن نفكر في اتجاه كلي في الوقت الحالي لا يكون تضخمياً".
الذهب أكثر من مجرد تحوط ضد التضخم
وأضافت: "تاريخياً يعد الذهب وسيلة للتحوط من التضخم، ولكنه أيضاً وسيلة يلجأ إليها المستثمرون عندما يشعرون بالقلق بشأن استقرار الوضع الراهن، فقد يظل راكداً لعقود من الزمن، ثم ينطلق عندما تكون هناك نقطة تحول رئيسية في العالم، كما هو الوضع الراهن".
وسجل الذهب خلال الأشهر الأخيرة مستويات قياسية غير مسبوقة كان آخرها في جلسة 12 أبريل الجاري عندما وصل إلى 2431.29 دولار للأونصة، مرتفعاً في الفترة بين شهري مارس وأبريل بنحو 400 دولار، قبل أن يتراجع هذا الأسبوع وسط عمليات جني أرباح إلى حدود 2327 دولار للأونصة، مع ترقب المستثمرين بيانات اقتصادية أميركية قد تلقي مزيداً من الضوء على توقيت خفض أسعار الفائدة.
التوترات الجيوسياسية ليست السبب الوحيد
وفي حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، قال مازن سلهب، كبير استراتيجي الأسواق في "BDSwiss MENA": "إن الارتفاعات القياسية في الذهب التي أوصلته إلى مستويات تاريخية في عام 2024 مع مكاسب 13 بالمئة منذ بداية العام لا تعكس بالضرورة شراءً بتأثير من ارتفاع المخاطر كما يتوقع الكثيرون أو بتأثير مما يجري في الشرق الأوسط والذي ليس لوحده من يحرك الذهب".
إن الحروب لا تخلق مناخاً مناسباً بالكامل للرهان على الذهب إلا في الاقتصادات التي تتأثر عملاتها بالحرب والنزاع الداخلي وتتراجع بقوة ومنها مثلاً سوريا ولبنان العراق ولإيران ومصر وتركيا، إذ أن التضخم في هذه الدول مرتفع للغاية وعملتها الوطنية في مستويات متدنية تاريخياً، بحسب سلهب الذي أوضح أن الذهب يرتفع بتأثير تبعات الحروب غير المباشرة والتي عادةً تؤثر في القرارات الاقتصادية لصناع السياسات النقدية.
ويوضح أن الذهب ارتفع إلى مستويات قياسية في 2011 بتأثير من النقد الرخيص (الدولار الأميركي الضعيف) مع تخفيض الفائدة إلى مستويات تاريخية قياسية قريبة من صفر بالمئة وليس بتأثير الأزمة المالية العالمية 2008 بحد ذاتها.
5 حقائق
ويشرح كبير استراتيجي الأسواق في "BDSwiss MENA" في معرض حديثه أن الارتفاع الأخير القياسي في الذهب يعكس عدة حقائق مهمة هي:
- الصين هي من يقود عالمياً شراء الذهب وبفارق كبير عن البقية (225 طن في 2023) وهذا يعكس رغبة صينية متصاعدة بزيادة الاحتياطي ودعم عملتها المحلية اليوان وكذلك رفع هامش قدرتها على المناورة في سعر الصرف وخاصةً في آسيا حيث أكبر منافسيها في الصادرات والصناعات وفي المقدمة اليابان وكذلك الهند، هذه غالباً عملية مستمرة وتنافس قاسي في شرق آسيا سياسياً واقتصادياً.
- يعكس هذا الارتفاع القياسي المخاوف من التضخم لأنه تضخماً عنيداً، ولكن هذا ليس سبباً كافياً.
كل ما سبق يدفعنا للاعتقاد أن عوامل شراء الذهب أقوى من بيعه وحتى لو حصل تراجعاً كما حدث في الأسبوع الفائت مع خسارة -2 بالمئة إلا أن هذه عمليات جني أرباح في سوق التداول وصناديق تداول الذهب ولا تعكس بالضرورة إعادة تموضع استراتيجية بيعية، وفقاً لسلهب.
زخم شرائي ثم فتور
بدوره قال عمرو عبده الشريك المؤسس لماركت تريدر أكاديمي لدراسات أسواق المال، في حديث لــ "اقتصاد سكاي نيوز عربية": هناك عدة أسباب لارتفاع أسعار الذهب في الفترة الماضية وأهمها وجود مشتريات كبيرة جداً من قبل البنوك المركزية منذ بداية عام 2023، ووجود زخم شرائي من قبل الأفراد وتحديداً من الصين حيث بدأ الطلب على المعدن الأصفر في الصين تحضيراً لسنة 2024 أو ما يسمى عندهم بعام التنين وهي سنة مميزة تأتي كل 12 سنة ويتم فيها ارتفاع عدد الزيجات، وتاريخياً الطلب على الذهب في هذه السنة يزداد بشكل كبير حيث زاد الطلب في عام التنين الماضي بنحو 54 بالمئة، بالإضافة إلى أن البنك المركزي الصيني كان يضيف الذهب إلى احتياطاته على مدى 17 شهراً الماضية".
لكنه أشار إلى أن الطلب على الذهب من قبل البنوك المركزية الأخرى بدأ يخف خلال الأشهر العشرة الماضية لعدة أسباب منها أن بعض هذه البنوك أصبح لديها معركة أخرى تتجلى في دعم عملاتها المحلية مع زيادة التضخم ومنها على سبيل المثال البنك المركزي التركي الذي كان من أكبر مشتري الذهب في عامي 2022 و2023، بينما أصبحت وتيرة الشراء مع بداية 2024 ضعيفة جداً حيث آثر البنك توفير الذهب للتجار المحليين من الاحتياطيات نتيجة الطلب المحلي على المعدن الأصفر حتى لا يكون هناك طلباً كبيراً على الدولار الأميركي.
وبالنسبة للأفراد ومع وصول الذهب على أعلى مستوياته، فإنهم يبدأون بالبيع ما يعطي إشارة إلى فتور الطلب من قبل قطاع التجزئة، وكما أن هناك دلائل تشير إلى أن الطلب بدأ ينخفض على الذهب حتى على المستوى الرسمي إذ أن صادرات سويسرا من الذهب إلى الهند والصين على سبيل المثال انخفضت بنسبة تصل إلى أكثر من 80 بالمئة منذ بداية العام الجاري مقارنة مع الربع الأول من 2023، بحسب تعبيره.
كما تحدث عبده عن الطلب الاستثماري والذي يمكن قياسه بحركة سيولة المحافظ الاستثمارية المتداولة، وأشار إلى أن هناك مخارجة من هذه المحافظ وذلك منذ نحو 10 أشهر.
لكن أمام هذا الواقع ما هو السر الذي أدى إلى سعر الذهب لأكثر من 2400 دولار للأونصة؟
يجيب الشريك المؤسس لماركت تريدر أكاديمي لدراسات أسواق المال بقوله: "لاحظنا منذ شهر أكتوبر الماضي أن عقود الشراء المفتوحة كانت نحو 70 ألف عقد في بورصة شيكاغو ووصلت على 210 ألف عقد وهذا يعني أن هناك شراء لكنه شراء مضاربي وهو ما أدى إلى الارتفاع المتواصل لسعر الذهب في الأسابيع الماضية لكن عندما تبدأ هذه العقود في الإغلاق سوف نشهد تراجعاً كبيراً في للمعدن الأصفر خاصة في ظل غياب العوامل الأخرى الداعمة التي أشرنا إليها".
وأكد عبده أن "البنوك المركزية وخصوصاً البنك المركزي الصيني ستستمر بشراء الذهب وفي وذلك على حساب سندات الخزانة الأميركية، وهذه الشريحة من الطلب سوف تستمر في الزيادة كلما حصلت توترات جيوسياسية ليس على مستوى الشرق الأوسط ولكن على مستوى العلاقة بين هذه بعض الدول والولايات المتحدة، مثل حرب الولايات المتحدة الباردة مع روسيا، وربما بعض الدول تجد نفسها في معسكر مضاد لأميركا ستبدأ في التفكير بالتخلص من سندات الخزانة الأميركية والاتجاه إلى الملاذ الآمن الذي يحفظ فائض السيولة لديهم وهو الذهب".
شراء الذهب على حساب سندات الخزانة الأميركية
وبالعودة إلى مقال صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية قالت الكاتبة رنا فوروهار: "ليس سراً أن إجماع واشنطن، الذي كان يتوقع أن تتماشى الدول الناشئة مع قواعد السوق الحرة التي وضعها الغرب، وعصر ما بعد الحرب (السلام الأميركي) قد انتهيا، وتزداد التوترات التجارية بين الغرب والصين في الوقت نفسه، حيث أدى استخدام الدولار كسلاح بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا إلى تسريع تحركات العديد من الدول، وأهمها الصين، لبيع سندات الخزانة وشراء الذهب كتحوط ضد القوة المالية الأمريكية، من السهل تخيل أن تصعيد التوترات في الشرق الأوسط سيدعم الذهب أكثر".
وأشارت إلى أن هذا التحول دفع العديد من المحللين إلى توقع ارتفاع كبير في أسعار الذهب، إذ رجح فيليب جيسيلز، كبير الاستراتيجيين في بنك بي إن بي باريبا فورتيس، وزميله كبير الاقتصاديين كوين دي ليو مؤلفا كتاب الاقتصاد العالمي الجديد في خمسة اتجاهات، ارتفاع الذهب إلى 4000 دولار للأونصة في المستقبل غير البعيد"، ويقول جيسيلز في هذا السياق: "إن الأمر لا يتعلق فقط بسعر الفائدة، فالناس يتحوطون ضد عالم جديد".
تفاجأت الأسبوع الماضي برؤية تغريدة للاقتصادي براد سيتسر يشير فيها إلى أن حيازات الصين من الأصول المالية الأميركية كنسبة من ناتجها المحلي الإجمالي قد عادت إلى مستوياتها التي كانت عليها عندما انضمت البلاد إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001، لم يذهب كل ذلك إلى الذهب بالطبع، (فقد خرج الكثير منه من احتياطيات النقد الأجنبي وإلى بنوك الصين المحلية المتعثرة). لكنه يتحدث إلى عالم متغير، طبقاً لما قالته الكاتبة.
كما أشار تقرير حديث صادر عن جمعية أبحاث العملات، فإن "قيام الصين بشراء الذهب وبيع سندات الخزانة يعكس كيفية شروع البنوك المركزية الأوروبية في استبدال الدولارات بالذهب في أواخر الستينيات مع انهيار نظام بريتون وودز".
في الواقع، كانت تلك بداية آخر ارتفاع طويل ومستمر للذهب، بين عامي 1968 و1982، عندما ارتفع مقابل كل من مؤشر داو والدولار. هناك طرق أخرى تتوافق فيها تلك الفترة مع اليوم. في عام 1971، عندما أخرج ريتشارد نيكسون، الرئيس آنذاك، الولايات المتحدة من معيار الذهب، فرض أيضًا تعرفة بنسبة 10 بالمئة على الواردات. كان هذا بمثابة خفض غير رسمي لقيمة الدولار لحماية البضائع المصنوعة في الولايات المتحدة من تقلبات أسعار الصرف، طبقاً لما قالته فوروهار.
وأضافت الكاتبة في مقالها: "بطبيعة الحال، اقترح دونالد ترامب فرض تعريفة جمركية شاملة على الواردات بنسبة 10 بالمئة إذا تم انتخابه لولاية رئاسية ثانية. كما انتقد الطريقة التي يعاقب بها الدولار القوي المصنعين الأميركيين في الخارج. لكن الرحلة الأخيرة التي قامت بها وزيرة الخزانة جانيت يلين إلى بكين للاحتجاج على الإغراق الصيني تؤكد حقيقة مفادها أن إدارة بايدن تشعر بالقلق بنفس القدر بشأن الصناعات والعمال في الولايات المتحدة، لن أتفاجأ إذا رأيت بعض الانخفاض في قيمة الدولار، بغض النظر عمن سيفوز بالبيت الأبيض. وهذا من شأنه أيضاً أن يكون مفيداً للذهب، الذي يميل إلى الارتفاع عندما يضعف الدولار".