لماذا تستهدف الولايات المتحدة العلاقات الروسية الصينية؟
14:02 - 24 أبريل 2024تستهدف الولايات المتحدة الأميركية بشكل خاص العلاقات الصينية الروسية، وتولي اهتماماً متزايداً بفرض عقوبات على كيانات صينية تتعامل مع روسيا، على الرغم من أنها لا تقوم بالأمر نفسه –بهذا القدر من التشديد- بالنسبة لدول أخرى خاضعة للعقوبات الأميركية، وعلى رأسها إيران وفنزويلا.
يأتي ذلك في خطٍ متوازٍ مع المنافسة المتصاعدة بين أكبر اقتصادين في العالم، ومع المخاوف الأميركية المستمرة من الصعود الصيني وتمدد علاقات بكين الواسع في مناطق النفوذ الاستراتيجي لواشنطن، بخلاف الهيمنة الصينية على عديد من القطاعات الاقتصادية الحيوية، وبما يشكل هاجساً أوسع بالنسبة للولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، ذكر تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، أن:
- الولايات المتحدة الأميركية تقوم بصياغة عقوبات تهدد بقطع بعض البنوك الصينية عن النظام المالي العالمي (..).
- بينما يزور وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بكين، فإن السؤال هو: ما إذا كان حتى التهديد الذي تفرضه الولايات المتحدة باستخدام واحدة من أقوى أدوات الإكراه المالي يمكن أن يؤثر على التجارة المعقدة والمزدهرة بين بكين وموسكو التي سمحت للجانبين بالتحرك.
- الكرملين ينوي إعادة بناء جيشه الذي تضرر بشدة جراء أكثر من عامين من القتال في أوكرانيا.
- استجابت الصين للتحذيرات الغربية بعدم إرسال أسلحة إلى روسيا منذ بداية الحرب، ولكن منذ رحلة بلينكن إلى بكين العام الماضي، ارتفعت صادرات الصين من السلع التجارية التي لها أيضًا استخدامات عسكرية .
- مع كون الصين الآن المورد الرئيسي للدوائر وقطع غيار الطائرات والآلات والأدوات الآلية، يقول المسؤولون الأميركيون إن مساعدات بكين سمحت لموسكو بإعادة بناء قدرتها الصناعية العسكرية.
- يشعر الغرب الآن بالقلق من أن روسيا قد تنتصر على أوكرانيا في حرب استنزاف، خاصة إذا لم يحشد الحلفاء صناعاتهم الخاصة لمواكبة الإنتاج الروسي.
- دق بلينكن وغيره من كبار المسؤولين في مجلس الوزراء ناقوس الخطر بين الحلفاء الغربيين، بما في ذلك الأسبوع الماضي في اجتماع مجموعة الدول السبع الصناعية في كابري بإيطاليا.
- لكن هذه المرة، بينما يتوجه إلى الصين، يعول المسؤولون على التهديد المتمثل في فقدان البنوك الصينية إمكانية الوصول إلى الدولار وخطر تعكير العلاقات التجارية مع أوروبا وإقناع بكين بتغيير المسار.
- تعمل البنوك كوسطاء رئيسيين للصادرات التجارية إلى روسيا، حيث تتعامل مع المدفوعات وتوفر للشركات العميلة الائتمان للمعاملات التجارية.
سياسة متشددة
الباحث المصري المتخصص في العلاقات الدولية، الدكتور أحمد سيد أحمد، يشير في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن:
- الولايات المتحدة تتبنى سياسة متشددة تجاه كل من روسيا والصين، وتستخدم سياسة العصا معهما.. وهذا يعود بشكل أساسي إلى الصراع الاستراتيجي الكبير القائم.
- هذا الصراع الاستراتيجي على بنية الصراع الدولي، في ضوء رغبة الولايات المتحدة في السيطرة على النظام الدولي عسكرياً وأمنيا وسياسياً.. بينما تقاوم روسيا والصين؛ من أجل إقامة نظام دولي متعدد الأقطاب وإنهاء الأحادية القطبية التي سادت العالم وأدت إلى اضطراب العلاقات الدولية مع تدخل واشنطن في شؤون العالم.
- ترى كل من الصين وروسيا أنهما قطبان دوليان لهما نفس القوة مع امتلاكهما القوة السياسية والاقتصادية، سواء امتلاك الصين حق الفيتو وقوتها الاقتصادية، وكذلك روسيا كأكبر قوة عسكرية بعد أميركا.
ويوضح أن هذا الصراع الاستراتيجي هو ما جعل أميركا تتبنى الاستراتيجية المذكورة، والعمل على تحجيم صعود روسيا والصين في النظام الدولي عبر تبني أكثر من سياسة على عددٍ من المحاور:
- المحور الأول: استنزاف البلدين وإشعال الحروب، لا سيما في المجال الحيوي لكل منهما لاستنزافهما اقتصادياً وعسكرياً، وهو ما حدث في أوكرانيا ودعمها ضد روسيا، فضلاً عن محاولات أميركا لعسكرة جنوب شرق آسيا واستنزاف الصين واستدراجها إلى مواجهة مسلحة مع تايوان من خلال دعم الأخيرة عسكرياً.
- المحور الثاني: بناء التحالفات، ضد كل من روسيا والصين لمواجهة نفوذهم.
- المحور الثالث: فرض العقوبات، خاصة على الشركات الصينية التي تعمل مع روسيا.
ولكن لماذا الصين تحديداً؟ ولماذا التشدد الأميركي الأوسع تجاه الشركات الصينية التي تتعامل مع روسيا، وهو التشدد اللافت إذا ما قورن بالموقف –الأكثر مرونة ربما- من الشركات التي تتعامل مع دول خاضعة للعقوبات الأميركية مثل إيران وفنزويلا؟
خصم سياسي
يجيب عن هذا السؤال الاستاذ في مدرسة موسكو العليا للاقتصاد، رامي القليوبي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، موضحاً أن واشنطن ترى في الصين خصماً سياسياً مع روسيا، لذلك تسعى إلى نسف اقتصادها، على الرغم من إدراكها استحالة تحقيق ذلك.
ويضيف: العامان الماضيان على وجه الخصوص (منذ بدء الحرب في أوكرانيا) أثبتا أن شطب دولة كبرى من الخريطة الاقتصادية العالمية (مثل روسيا والصين) يعد أمراً مستحيلاً، ولكن مع ذلك يسعى الغرب وأميركا لممارسة الضغوط على الصين لتقليص شراكاتهما الاقتصادية مع روسيا.
ويشير القليوبي إلى أن تلك المحاولات من قبل الغرب تأتي خاصة وأن الصين فعلياً هي الدولة الرئيسية التي دعمت روسيا خلال العامين الماضيين؛ لتجاوز العقوبات والتحول إلى الشريك الاقتصادي الاستراتيجي، موضحاً أن العملة الصينية فعلياً تحولت إلى عملة الاحتياط لروسيا بعد أن أصبحت الأمور سهلة لتجميد الأصول بعملات اليورو والدولار من طرف الدول الغربية.
فيما يخص إيران، يؤكد أنها خضعت لأعوام لعقوبات دولية والآن تخضع لعقوبات أميركية وغربية أحادية الجانب، كما تعد دولة فنزويلا مصنفة دولة غير صديقة للغرب.. وبصفة عامة دولتي إيران وفنزويلا ليسا بحجم الصين حتى تقوم بمساعدة روسيا والحد من تأثير العقوبات عليها، وبالتالي لا تحظيان بتلك الأولوية لدى الإدارات الغربية والأميركية.
سياسة الصين
وكان وزير الخارجية الأميركي قد قال قبل أيام: "لا يمكن للصين أن تحصل على الأمرين في كلا الاتجاهين". "لا يمكنها أن تدعي رغبتها في إقامة علاقات ودية إيجابية مع دول في أوروبا، وفي الوقت نفسه تؤجج أكبر تهديد للأمن الأوروبي منذ نهاية الحرب الباردة".
ووصف متحدث باسم السفارة الصينية في واشنطن الصادرات بأنها تجارة مشروعة، وقال إن الولايات المتحدة توجه "اتهامات لا أساس لها".
وقال المتحدث لصحيفة وول ستريت جورنال: "إن حق الصين في إجراء تبادلات تجارية واقتصادية طبيعية مع روسيا ودول أخرى في العالم على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة لا ينبغي التدخل فيه أو تعطيله". وأضاف: "يجب على الولايات المتحدة أن تتوقف فورًا عن فرض عقوبات أحادية على الشركات والأفراد الصينيين".
نموذج مختلف
من جانبه، فإن الباحث في "مؤسسة أميركا الجديدة"، باراك بارفي، يوضح في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أنه حتى العقد الأخير كانت العلاقات الأميركية الصينية بمستوى جيد نسبياً، ولكنها شهدت متغيرات في ضوء العلاقات الروسية الصينية على المستوى الاقتصادي.
ويضيف: "الصين تختلف عن إيران، إذ تتركز العلاقات الروسية الإيرانية على المستوى الدفاعي (الأمني)، في حين يتسع المجال الاقتصادي بكثير والذي يحمع الصين بروسيا"، مشيراً إلى أن الاهمية المتزايدة لتلك الشراكة تأتي في ضوء دور الصين كأكبر اقتصاد دولي بعد الولايات المتحدة، فيما تعد إيران دولة صغيرة مقارنة بها، لذلك تريد أميركا حظر الصين من دخول الحرب باستخدام عقوبات.
استهداف البنوك
وبالعودة لتقرير "وول ستريت جورنال"، يقول المسؤولون الأميركيون إن استهداف البنوك بالعقوبات هو خيار تصعيدي في حالة فشل المبادرات الدبلوماسية في إقناع بكين بالحد من صادراتها.
وكثف المسؤولون الأميركيون الضغوط على بكين في الأسابيع الأخيرة في اجتماعات ومكالمات خاصة، محذرين من أن واشنطن مستعدة لاتخاذ إجراءات ضد المؤسسات المالية الصينية التي تتعامل مع مثل هذه السلع ذات الاستخدام المزدوج.
وقالت وزيرة الخزانة جانيت يلين في وقت سابق من هذا الشهر وسط اجتماعات مع نظرائها في بكين: "إن أي بنوك تسهل المعاملات الكبيرة التي توجه البضائع العسكرية أو ذات الاستخدام المزدوج إلى القاعدة الصناعية الدفاعية الروسية تعرض نفسها لخطر العقوبات الأميركية".
- ويقول المسؤولون إنهم يأملون أن يؤدي الضغط الدبلوماسي الغربي المشترك إلى تجنب الحاجة إلى اتخاذ إجراء قد يكسر الوفاق الهش بين القوتين.
- إن منع البنوك من الوصول إلى الدولار - وهو العملة المستخدمة في معظم التجارة العالمية - له آثار أوسع بكثير من العقوبات العادية التي تستهدف الأفراد والشركات، ولذلك غالبا ما يتم اللجوء إليها كملاذ أخير.
- وكثيراً ما تجبر مثل هذه العقوبات البنوك على الفشل، مما يؤثر على عملائها وقاعدة عملائها بالكامل، ويمثل خطراً خاصاً على الصين في الوقت الذي تتصارع فيه البلاد مع مشاكل الائتمان المتزايدة.
- ولكن في الماضي، كان مجرد التهديد باستهداف البنوك يؤدي إلى نتائج قصيرة الأجل.
- في ديسمبر الماضي، وقع الرئيس الأميركي جو بايدن أمرا تنفيذيا يمنح وزارة الخزانة سلطة فرض عقوبات على البنوك التي تساعد المجمع الصناعي العسكري الروسي.
مخاوف التقارب الروسي والصيني
وفي ضوء ذلك، يرى الباحث السياسي الروسي المتخصص في الشؤون الدولية والعلاقات الدبلوماسية، ديمترى بريجع، أنه لدى الولايات المتحدة الأميركية مخاوف من التقارب الروسي الصيني، خاصة في ضوء التفاهم الحالي بين البلدين والتعاون العسكري والشراكات غير الرسمية، لا سيما وأن التعاون الآن ارتفع خلال الأعوام الأخيرة، خاصة عقب العملية العسكرية (الروسية) في أوكرانيا.
ويضيف: "روسيا رأت أن الصين يمكن أن تكون شريكاً عبر الاستراتيجيات التي تعمل عليها موسكو، بما في ذلك تكتل البريكس لتقوية علاقاتها مع الشرق الأوسط ودول آسيا الوسطى (..) الصين يمكن أن تستفيد منها روسيا بالاستثمار داخلياً، فنحن نتحدث عن بعض المناطق التي بدأت الصين الاستثمار بها وتعمل على مشروعات كبرى فيها، وهذا الشيء تخشى منه الولايات المتحدة الأميركية.. علاوة على التقارب العسكري وفرص مساعدة الصين لروسيا.. وهذا يعني عدم قدرة أميركا على هزيمة روسيا في أوكرانيا".
ويشدد في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" على أن التقارب الصيني والروسي على الصعيد الاقتصادي يسبب مشاكل كبيرة للولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية، خاصة أن النمو الاقتصادي في الصين يستحوذ على حصة كبيرة من النمو الاقتصادي العالمي، بالإضافة الى قدراتها الكبيرة في المجال العسكري والشرائح الإلكترونية، ولذلك توجد ضغوطات من أميركا على الصين للتأثير عليها.