عام من الحرب.. السودان ينزف والاقتصاد ينهار
10:58 - 15 أبريل 2024بعد مرور عام على اندلاعها في جنوب العاصمة الخرطوم، صبيحة الخامس عشر من أبريل 2023، خلفت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع نحو 17 ألف قتيل، وأحدثت دمارا اقتصاديا قدرت خسائره بمليارات الدولارات، وأوجدت وضعا إنسانيا وصف بالأكثر مأساوية في العالم حيث شردت الملايين من منازلهم وأدخلت 25 مليونا في دائرة الجوع، وسط مخاوف من تحولها إلى حرب أهلية شاملة، بحسب أحدث تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات.
أوضاع إنسانية مأساوية
تتفاقم المخاوف من تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل أكبر في ظل انكماش مساحات الملاذات الآمنة للفارين من مناطق القتال. واتسعت رقعة الحرب بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة لتشمل اكثر من 70 بالمئة من مساحة البلاد، حيث انتقل القتال من الخرطوم إلى دارفور وكردفان في الغرب والنيل الأبيض في الجنوب وولايتي الجزيرة وسنار في الوسط والجتوب الغربي.
جنود الخفاء في معركة البقاء
ورسم تقرير صدر الأحد عن الأمم المتحدة صورة قاتمة عن الأوضاع الإنسانية في البلاد. وقال التقرير إن السودان يواجه واحدة من أسرع الأزمات التي تتكشف على مستوى العالم، حيث يحتاج نحو 25 مليون شخص - منهم أكثر من 14 مليون طفل - إلى المساعدة والدعم الإنساني.
ووفقا للتقرير فإن 17.7 مليون شخص - أكثر من ثلث سكان البلاد - يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، من بينهم 4.9 مليون شخص على حافة المجاعة. وأشار التقرير إلى فرار أكثر من 8.6 مليون شخص – حوالي 16 بالمئة من إجمالي سكان البلاد – من منازلهم منذ بدء النزاع.
خسائر اقتصادية
قدر الخبير الاقتصادي وائل فهمي قيمة خسائر الأصول التي دمرتها الحرب حتى الآن، بما بين 500 إلى 700 مليار دولار، محذرا من أن يؤدي استمرار الحرب إلى المزيد من الانكماش في قواعد الإنتاج الوطنية وربما انهيار كلي في إيرادات المالية العامة مما يرفع الخسائر بشكل أكبر بكثير من التقديرات السابقة.
وأشار فهمي إلى أن القطاع الصناعي هو الأكثر تأثرا حيث تشير التقديرات إلى فقدان نحو 75 بالمئة من وحداته الإنتاجية يليه قطاع الخدمات بنسبة 70 بالمئة فالقطاع الزراعي بنسبة 65 بالمئة.
وإلى جانب المجهود الحربي وتدمير الترسانة العسكرية، فقد شملت خسائر الحرب بنيات أساسية مادية كالجسور والسدود وشبكات نقل الكهرباء والمياه والوقود والاتصالات والمنشآت الصحية والتعليمية والمباني العامة والقطاعات الإنتاجية والصناعية والأسواق، إضافة إلى دمار منازل وممتلكات المواطنين، وتكلفة التدهور والتلوث البيئي.
وبسبب الحرب انكمش الناتج القومي باكثر من 40 بالمئة، وتقلصت الايرادات العامة بنحو 80 بالمئة لتعتمد على طباعة النقود مع غياب التمويل الدولي، في ظل انهيار المصارف والمشاريع الانتاجية التي يعتمد عليها الاقتصاد المحلي في تمويل الايرادات.
وتجاوزت معدلات التضخم 520 بالمئة، ودخل اكثر من 40 بالمئة في دائرة البطالة بعد الحرب نتيجة لفقدان مصادر دخلهم في ظل إغلاق معظم مؤسسات الدولة والقطاع الخاص.
وتضاعفت السلع الغذائية الرئيسية بأكثر من ثلاث مرات بسبب توقف سلاسل الإمداد وانخفاض قيمة الجنيه السوداني؛ حيث يجري حاليا تداول الدولار الواحد عند 1400 جنيها، مقارنة مع 600 جنيها قبل اندلاع الحرب.
وتعرضت البنية الصناعية في البلاد؛ إلى دمار وتخريب كامل، فبالتزامن مع العمليات القتالية؛ انتشر المئات من اللصوص والمتفلتين في المناطق الصناعية ونهبوا كل شيء بما في ذلك الماكينات وأجزاؤها والمواد الخام والمخزون الإنتاجي وحتى اسقف المباني واجهزة التكييف والإضاءة.
ويقول فهمي لموقع سكاي نيوز عربية إن الخسائر تفاقمت أكثر بسبب ثقل مساهمة الولايات الاكثر تأثرا بالحرب في الناتج المحلي الاجمالي، وهي العاصمة الخرطوم وولايات الجزيرة ودارفور وكردفان وسنار والنيل الأبيض. ويوضح "تتركز معظم قواعد الانتاج والبنيات الأساسية التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد السوداني، في الولايات الأكثر تأثرا بالحرب حتى الآن".
انعكاسات خارجية
حذر مراقبون من التداعيات الخطيرة للحرب السودانية على الأمن الإقليمي والدولي.
من جانبه، عبر جوزيف بوريل فونتيليس، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية عن تلك المخاوف بالقول إن أمن اوروبا والعالم على المحك، وأوضح "يعد البحر الأحمر أهم رابط بحري لأوروبا مع آسيا والمحيط الهادئ، ويمكن أن يصبح السودان بابًا دوارًا للاتجار بالبشر والمقاتلين المتطرفين والأسلحة وجميع أنواع التجارة غير المشروعة بين منطقة الساحل وشمال أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى".
وفي ذات السياق، قالت الأمم المتحدة إن الحرب في السودان قد أثرت بشكل كبير على على البلدان المجاورة، خصوصا دولتي تشاد وجنوب السودان حيث يؤدي تعطل التجارة ونزوح أعداد كبيرة من السكان إلى استنزاف الموارد وتفاقم الجوع.
وقالت سيندي ماكين، المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، "ملايين الأشخاص في جنوب السودان وتشاد مهددون بالمجاعة لأن هذه الحرب دمرت الزراعة والشركات والاقتصادات الوطنية - تاركة ضحاياها جائعين ومفلسين". "يجب أن يتوقف القتال الآن، وإلا فقد تصبح المنطقة قريباً أكبر أزمة جوع في العالم."
وتوقع التقرير تراجعا كبيرا في اقتصاد جنوب السودان في ظل معاناة الأسر من التضخم المفرط والانخفاض الشديد في قيمة العملة، بسبب توقف خط أنابيب تصدير النفط الرئيسي في البلاد والذي يمر عبر السودان في مارس. والنفط هو المصدر الرئيسي للدخل في جنوب السودان ويشكل 95 بالمئة من الإيرادات.
ويحدث سيناريو مماثل في تشاد، حيث تضاعفت أسعار المواد الغذائية في شرق البلاد تقريباً في العام الماضي. وقد أدى إغلاق الحدود إلى تقييد التجارة بشدة وسبب نقصا حادا في الغذاء في الأسواق.
آفاق الحل
في حين تسعى المجموعات الموالية وذات التأثير القوي على صناعة القرار في بورتسودان، للدفع في اتجاه استمرار الحرب ورفض كافة الجهود الدولية والإقليمية والمحلية الرامية لحل الأزمة، يعقد معظم السودانيين آمالا على جولة المفاوضات المقترحة خلال الأيام المقبلة في إطار منبر جدة المتوقف منذ اكثر من 4 أشهر.
وفي ظل تعثر كافة الجهود الدولية والإقليمية التي سعت إلى وقف الحرب خلال الأشهر الماضية، أكد مصدر دبلوماسي موثوق لموقع سكاي نيوز عربية وجود اتفاق دولي واسع على الاستناد إلى خارطة الطريق الأفريقية كأساس للمفاوضات المقبلة.
وأوضح المصدر ان جولة المبعوث الأميركي للسودان توم بيريلو الأخيرة في المنطقة واتصالات دبلوماسية أجرتها الخارجية الأميركية مع عدد من الأطراف الدولية والسودانية، خلصت إلى تأييد دولي وإقليمي كبير للخطة الأفريقية المكونة من 6 نقاط تشمل إدخال قوات أفريقية مدعومة من الأمم المتحدة للفصل بين القوتين المتحاربتين وتجميع قوات الجيش والدعم السريع في مراكز خارج المدن وفتح مسارات إنسانية عبر لجنة أممية تساعدها لجنة خبراء وطنية غير حكومية ومن ثم البدء في عملية سياسية تنطلق من معطيات الصيغة التي تم التوصل إليها قبل اندلاع الحرب والتي كانت تستند إلى الاتفاق الإطاري الموقع في الخامس من ديسمبر 2022.
لكن، في الجانب الآخر تدور شكوك كبيرة حول إمكانية نجاح الجهود الرامية لاستئناف المفاوضات، خصوصا بعد التصريحات التي ادلى بها البرهان يوم السبت والتي قال فيها إن الجيش لن يعود للمفاوضات قبل خروج قوات الدعم السريع من كافة المدن التي تسيطر عليها.
ووفقا لمصادر موثوقة فإن البرهان يواجه ضغوط كبيرة من قبل عناصر تنظيم الإخوان لمنعه من القبول بإرسال وفد أكبر تمثيلا للمفاوضات المقترحة خلال الأيام المقبلة. وأكد المصدر أن خلايا التنظيم السياسية تطالب بالاستمرار في الإمساك بالعصا من المنتصف وإرسال وفد غير مكتمل الصلاحيات بحيث يتم تقييم كل مرحلة على حدا بالرجوع إلى القيادة في بورتسودان وتطويل أمد التفاوض إلى حين تقوية موقف الجيش ميدانيا.
وتدلولت تقارير خلال الأسابيع الماضية سيناريو يجعل قادة الجيش والدعم السريع جزءا من تسوية سياسية ويمنحهم حصانة ضد الملاحقة القانونية في جرائم سابقة، لكن قيادي في تنسيقية القوى المدنية السودانية "تقدم" التي تضم قوى الحرية والتغيير وأكثر من 20 كيانا حزبيا ومدنيا ومهنيا وأهليا، قال لموقع سكاي نيوز عربية إن ذلك لن يكون مقبولا.
وأشار إلى أن تنسيقية تقدم تطرح حلا يعطي الأولوية لوقف الأعمال العدائية وتيسير تدفق المساعدات الإنسانية ومن ثم الدخول في عملية سياسية تشارك فيها كل القوى الوطنية المؤمنة بالتحول المدني وتستثني المؤتمر الوطني - الجناح السياسي لتنظيم الإخوان - وكافة واجهاته. وتطرح "تقدم" رؤية من 10 بنود لحل الأزمة، تشمل وقف شامل لإطلاق النار وتطبيق اجراءات لبناء الثقة وإطلاق عملية سياسية شاملة، وبناء و تأسيس جيش قومي مهني واحد، ينأى بنفسه عن السياسة والاقتصاد. وتتضمن الرؤية التوافق على برنامج للعدالة الانتقالية يضمن المحاسبة على الجرائم المرتكبة منذ انقلاب الثلاثين من يونيو 1989 وحتى اندلاع الحرب الحالية، بما في ذلك تسليم المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية، ويسمح في ذات الوقت بتحقيق السلام والمصالحة والتعويضات وجبر الضرر.
حصيلة قاسية
● الخدمات: تعاني اكثر من 60 في المئة من مناطق البلاد شحا كبيرا في إمدادات الكهرباء والمياه وخدمات الاتصالات بعد ان دمر القتال الكثير من المنشآت والشبكات الرئيسية؛ ولا زالت العديد من المناطق في العاصمة ومدن أخرى تعيش في ظلام دامس وتوقف كامل لإمدادات المياه منذ الاسابيع الأولى من بدء القتال.
● الصحة: يواجه القطاع الصحي خطر الانهيار الكامل بعد خروج اكثر من 60 في المئة من المستشفيات عن الخدمة تماما، وقدر وزير الصحة حجم التمويل اللازم لإعادة تأهيل القطاع بنحو 11 مليار دولار. وبسبب صعوبة الوصول للمستشفيات وانعدام الأدوية المتقذة للحياة يموت يوميا المئات من المصابين بالأمراض المزمنة مثل الكلى والسكري وغيرها.
● التعليم: فقد نحو 19 مليون طالب وطالبة عام دراسي كامل، حيث توقفت الدراسة في المراحل المختلفة كليا منذ اندلاع الحرب. وتعرضت اكثر من 70 في المئة من المدارس والجامعات والمعاهد والكليات العليا المتخصة الحكومية والأهلية في الخرطوم لتخريب كلي او جزئي.
● المباني والمنشآت: دمر القصف الجوي والمدفعي المكثف نحو 10 في المئة من المباني السكنية و40 في المئة من الأسواق و60 في المئة من المباني والمنشآت الحيوية بالعاصمة من بينها القصر الرئاسي وأجزاء من القيادة العامة للجيش وعدد من المتاحف والمباني التاريخية والوزارات والهيئات الحكومية والخاصة التي احترق بعضها بالكامل.