الجريمة "الغامضة" تحاصر السوريين في لبنان
23:56 - 09 أبريل 2024أثار مقتل منسق حزب "القوات اللبنانية" في منطقة جبيل، باسكال سليمان، تساؤلات عدّة بشأن موقف السوريين المتواجدين على الأراضي اللبنانية، على وقع اتهام "عصابة سورية" بالوقوف وراء الجريمة، ما استدعى خروج عدة دعوات رسمية ومجتمعية لتقييم تواجد السوريين.
آخر تلك الدعوات، ما ذكره وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية القاضي بسام مولوي، بأن بلاده "ستكون أكثر حزمًا في منح الإقامات للسوريين"، في حين انتشرت مقاطع مصورة تُظهر تعرض عدد من اللاجئين السوريين إلى اعتداء من قبل غاضبين على خلفية مقتل "سليمان".
وتحدث مراقبون ومحللون عسكريون لبنانيون لموقع "سكاي نيوز عربية"، عن تبعات واقعة مقتل باسكال سليمان على أوضاع السوريين في لبنان، مشيرين إلى وجود حاجة ماسة لتدقيق أعدادهم وترحيل المخالفين، في خضم الأزمة الاقتصادية والسياسية الراهنة، وسط تقديرات غير رسمية بوجود نحو مليوني سوري على الأراضي اللبنانية سواءً كانت إقامتهم بشكل رسمي أو غير شرعي.
في المقابل، قال مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، في حديث خاص لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "جريمة شارك فيها 7 سوريين كما تقول السلطات اللبنانية، لا تعني أن كل السوريين مُدانون، إذ تقع جرائم مشابهة في العالم كله"، ومع ذلك اعتبر أن كثيرًا من السياسيين اللبنانيين يحاولون التنصل من الأزمة الداخلية بإلقاء الاتهامات على السوريين.
ماذا حدث؟
- أوقفت السلطات اللبنانية 7 سوريين يُشتبه في ضلوعهم بمقتل المسؤول في حزب القوات اللبنانية "باسكال سليمان"، والذي عُثر على جثمانه في سوريا.
- قال المصدر العسكري لوكالة فرانس برس إن السلطات السورية سلّمت أجهزة الاستخبارات اللبنانية 3 من المشتبه بهم في قتل باسكال سليمان، الذي خُطف في منطقة جبيل الأحد الماضي.
- أثارت القضية ضجة في لبنان حيث اعتبر حزب القوات اللبنانية أن الجريمة "عملية اغتيال سياسية حتى إثبات العكس".
- أشار الجيش اللبناني في بيان مساء الاثنين إلى أنه "تبيّن خلال التحقيق مع معظم أعضاء العصابة السوريين المشاركين في عملية الخطف أن المخطوف قُتِل من قبلهم أثناء محاولتهم سرقة سيارته في منطقة جبيل".
- أشعل حادث مقتل باسكال سليمان غضبًا في جبيل، حيث أغلق مئات من أنصار حزب القوات اللبنانية الطرقات، كما اعتدى بعضهم بالضرب على مارّة سوريين، حسبما أظهرت مقاطع فيديو انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي.
- طالبت مديرية المخابرات اللبنانية مشرفي المخيمات والتجمعات السكنية للاجئين السوريين، بإبلاغ اللاجئين بعدم التجوال والالتزام ضمن مساكنهم، إلا للحالات الإسعافية الضرورية وبعد طلب إذن من المعنيين.
- كما طالبت بلدية ميفوق القطارة بانتشار أمني عام وبشكل فوري في محافظة جبل لبنان، خاصة مناطق: المتن، جبيل، كسروان حتى البترون، و"البدء باتخاذ إجراءات قاسية ورادعة بحق المخالفين والخارجين عن القانون من الجنسيتين اللبنانية والسورية".
- اعتبر وزير الداخلية اللبناني أن "نسبة الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية بلغت 35 بالمئة"، مضيفًا أن "موضوع الوجود السوري بهذه الطريقة غير مقبول ولا يتحمّله لبنان وينبغي الحدّ منه".
2 مليون.. وأزمة حياة
وقدّر مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، في تصريحات لسكاي نيوز عربية، عدد السوريين المتواجدين على الأراضي اللبنانية بنحو مليوني شخص.
وانتقد "عبد الرحمن" حملات التحريض ضد اللاجئين السوريين في لبنان، قائلًا إنه "لو ثبتت الاتهامات على السوريين المشتبه بهم حتى الآن، فلا يعني ذلك أن كل السوريين في لبنان هم مجرمون أو يقومون بأعمال سرقة وقتل، فنحن نتحدث عن مليوني سوري، وإن كان هناك 500 شخص يقومون بارتكاب جرائم فهل يعني ذلك أن كل السوريين مجرمون؟ (...) الحل يكون بالتعامل وفق القانون اللبناني وحده".
وأضاف: "تحميل السوريين المسؤولية عما يجري في لبنان كارثة، خاصة أن بعض المسؤولين اللبنانيين يحاولون الهروب من الأوضاع الاقتصادية المأزومة بتصدير الأزمة للاجئين السوريين".
وأوضح مدير المرصد السوري إلى أنه قبل جريمة مقتل باسكال سليمان كانت هناك حملات عنصرية ضد السوريين منذ ما يزيد عن 3 سنوات، ولا تزال مستمرة حتى الآن، ويجري التحريض على وجود السوريين بشكل عام.
وخلال الأسابيع الأخيرة، ظهرت في شوارع لبنان حملة إعلانية دعمتها جهات إعلامية ومنظمات غير حكومية، تتضمن لوحات إعلانية تحمل شعارا بالعربية تحت عنوان "تراجعوا عن الضرر قبل فوات الأوان"، وتستهدف بالأساس اللاجئين السوريين، حيث تطالب اللبنانيين بالاتحاد والتحرك لمعالجة الأمر بعدما وصول عدد السوريين بالبلاد لنسبة تصل إلى 40 بالمئة وفق تقديرات غير رسمية.
كما أشار مركز كارنيغي للشرق الأوسط، إلى أن لبنان يشهد تجدد مشاعر العداء تجاه اللاجئين السوريين، بلغت هذه المشاعر ذروتها بترحيل عدد من اللاجئين، في وقت لطالما كان السوريون في لبنان "كبش فداء في المنظومة الاجتماعية-الاقتصادية التي تعاني من اختلال وظيفي".
ووفق تقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يوجد في لبنان ما يزيد عن 1.5 مليون لاجئ سوري، وقرابة 14 ألف لاجئ من جنسيات أخرى، في الوقت الذي يعيش 90 بالمئة من اللاجئين السوريين في حالة من "الفقر المدقع"، فيما تبرز منطقة البقاع على أنها المنطقة الأعلى كثافة باللاجئين في لبنان.
جريمة سياسية
من بيروت، اعتبر أستاذ العلاقات الدولية والسياسات الخارجية خالد العزي، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن مقتل باسكال سليمان "جريمة سياسية"، بغض النظر عن السيناريوهات التي يتم تداولها في الساحة اللبنانية خلال الساعات الأخيرة.
ومع ذلك أكد "العزي" أن هذا الحادث سيكون له العديد من التبعات على السوريين الذين يقيمون في لبنان، خاصة أنها جاءت وسط عدة تقارير عن حوادث سرقة وجرائم نفذها سوريون مقيمون بشكل غير شرعي.
ولفت إلى أن الوجود السوري في لبنان ينقسم إلى ثلاثة أنواع:
- الأول: السوريون الذين استغلوا الأزمة اللبنانية من خلال العمل في لبنان، بعد الدخول عبر المعابر بشكل غير شرعي.
- الثاني: العمالة السورية في لبنان، وهم موجودون حتى قبل العام 2011.
- الثالث: اللاجئون السوريون المُبعدون عن أراضيهم، خاصة أن هناك طرفًا لبنانياً يحاول منعهم من الدخول.
وأضاف أستاذ العلاقات الدولية اللبناني أن "من خططوا لعملية مقتل باسكال يرغبون أن تحدث انتقامات ضد الجالية السورية، على الرغم أنه لا يمكن لبلد في ظروف لبنان أن تتحمل أعبائهم في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية الراهنة، ومن ثمّ لا يمكن معاقبة كل السوريين واضطهادهم بجريمة شارك فيها عدد من الأشخاص".
وأوضح أن قضية الوجود السوري في لبنان لا يمكن حلها برد فعل مفاجئ وسريع، لكن يجب على السلطات اللبنانية أن تشدد السيطرة على منافذ العبور، مع تطبيق القانون على كل شخص يمارس أعمال إجرامية، وإحكام إجراءات الإقامة على الجميع، وتطبيق القوانين المتعلقة بالهجرة.
ومع ذلك اعتبر "العزي" أن تزايد عدد السوريين في لبنان كان أحد أسباب الأزمة الراهنة، خاصة أن البنية التحتية بالبلاد لم تكن جاهزة لاستقبال هذا العدد الكبير من اللاجئين.
عراقيل حزب الله
بدوره، أشار الخبير العسكري والاستراتيجي اللبناني ناجي ملاعب، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أنه منذ بدء النزوح السوري عام 2011، تقدَّم الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية لإنشاء مخيمات وأماكن لجوء للوافدين، ويتم إمدادها بالبنية التحتية اللازمة للحياة، لكن هيمنة حزب الله على الحكومة منع تطبيق ذلك أو الاهتمام بأي أمر يخص السوريين.
ولفت "ملاعب" إلى أن لبنان طلب من الجهات الأممية والمنظمات الدولية إمدادها ببيانات السوريين في لبنان، لكن الحكومة تقول إن تلك المؤسسات تفرض قيودًا على منحهم المعلومات الخاصة بهؤلاء النازحين، ما يُعيق اتخاذ أي إجراءات بشأنهم، وهذا مهم لحماية الأمن القومي اللبناني.
وفي منتصف العام الماضي، أعلنت وزارة الخارجية اللبنانية أنها توصلت إلى اتفاق مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بشأن طلب بيروت الكشف عن بيانات اللاجئين السوريين الموجودين على الأراضي اللبنانية، بعد مسار طويل من التفاوض، لكنها لم تحصل رسمياً على تلك البيانات حتى الآن.
وأضاف: "بشأن حادث باسكال، فتوجيه الاتهامات قبل إتمام التحقيق، يعني أن هناك نية لمن يوجه هذا الاتهامات بتجييش الشارع على السوريين، ونرى أن هناك عمليات استهداف لمناطق تواجد السوريين في المناطق الشرقية ببيروت ولم تعد هناك عائلة في مأمن، وكثير منهم نزحوا وتركوا أماكن لجوئهم، وبالتالي يجب ألا يكون هناك استباق للتحقيقات".
وطالب "ملاعب" الحكومة اللبنانية بمعالجة موقف السوريين مع الحكومة السورية، لأن "لبنان لم يعد يتحمل كل ذلك، كما أن سوريا لم تعد كما كانت في العام 2011".