كيف تواجه أوروبا "هيمنة الصين" على السيارات الكهربائية؟
19:33 - 25 مارس 2024تُدرك أوروبا بشكل متزايد خطورة "الهيمنة الصينية" على السيارات الكهربائية، ومدى ما يمثله ذلك من تحديات بالنسبة للغرب، حتى أن رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، قد عبرت عن ذلك صراحة في خطاب حالة الاتحاد العام الماضي.
- المسؤولة الأوروبية قالت إن بكين تغرق الأسواق العالمية بالمركبات الكهربائية "رخيصة الثمن".
- رئيسة المفوضية ترى أن هذه الأسعار المنخفضة هي أسعار "مصطنعة"، نتيجة الدعم الحكومي الكبير الذي تقدمه بكين للقطاع.
- من شأن ذلك الإضرار بتنافسية الشركات الغربية في هذا القطاع إلى حد كبير، وهو ما يعد مصدراً لقلق الغرب.
- وكان الاتحاد الأوروبي قد أطلق تحقيقاً في الصناعة، مع دعوات لزيادة الرسوم الجمركية على واردات السيارات الصينية (التي تخضع حالياً لضريبة بنسبة 10 بالمئة).
وفي الولايات المتحدة الأميركية، تتواصل مساعي مجموعات الضغط -من بينها تحالف التصنيع الأميركي- من أجل حث الإدارة الأميركية على مزيدٍ من الإجراءات تجاه "طوفان السيارات الكهربائية الصينية"، الذي قال عنه متحدث باسم التحالف إنه "يدمر عديداً من الشركات الأميركية".
خطوات ثابتة
وتخطو بكين بخطوات ثابتة في سياق إحكام هيمنتها على السيارات الكهربائية، وقد تفوقت على اليابان العام الماضي كأكبر مصدر للسيارات عموماً في العالم.
وبحسب بيانات شركة أوتوموبيليتي الاستشارية ومقرها شنغهاي، فإن صادرات السيارات الصينية تضاعفت خمس مرات تقريبًا منذ العام 2020 لتقترب من 5 ملايين في 2023، وفق ما نقله تقرير سابق لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية.
- في الربع الأخير من العام الماضي، أثبتت شركة BYD تفوقها، على شركة Tesla في المبيعات للمرة الأولى، الأمر الذي وصفه تقرير الصحيفة بأنه "يبعث برسائل وإشارات تحذير قوية لصناعة السيارات العالمية".
- مبيعات BYD الصينية في الغالب من السوق المحلية التي تهيمن عليها. لكن المجموعة هي واحدة من عديد من شركات تصنيع السيارات الكهربائية الصينية التي تحول أنظارها إلى الوجهات الأجنبية.
وكان الرئيس التنفيذي لشركة دون إنسايتس لاستشارات السيارات التي تركز على آسيا، مايكل دون، قد عبر عن الحضور الواسع للشركة الصينية، بقوله إنه "لا يمكن لأحد أن يضاهي BYD في السعر.. مجالس الإدارة في أمريكا وأوروبا وكوريا واليابان في حالة صدمة".
على الجانب الآخر، تتسارع الخطط والاستراتيجيات من أجل تبني إجراءات عملية في مواجهة الهيمنة الصينية على القطاع، من بينها استجابت الإدارة الأميركية من أجل تقديم إعانات مختلفة لتشجيع التصنيع المحلي. فيما تواجه أوروبا تحديات متزايدة.
المنافسة الصعبة
من بروكسل، يقول الباحث المتخصص في الشؤون الأوروبية، محمد رجائي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه من الصعب على الدول الأوروبية منافسة الصين في صناعة السيارات الكهربائية، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب رئيسية تتمثل في تقدم الصين تكنولوجيًا بشكل ملحوظ في صناعة السيارات الكهربائية عن أوروبا، الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان على الاتحاد الأوروبي تحقيق السبق على الصين في هذا المجال (لا سيما في ظل الدعم الحكومي الصيني للقطاع والحوافز المقدمة).
من بين العوامل التي يشير إليها رجائي، ما يرتبط بالمواد الأولية التي تعتمد عليها الصين في صناعة السيارات، وهي غير متوفرة بحدٍ كبير الدول الأوروبية، كذلك تعتمد الدول الأوروبية بشكل كبير في استيراد المواد الأولية خاصة في مجال صناعة البطاريات والألواح الإلكترونية.
ويضيف إلى تلك العوامل أيضاً " تكاليف الإنتاج" التي هي في الصين أقل بكثير من التكاليف في الدول الأوروبية بما في ذلك تكاليف اليد العاملة، علاوة على توافر السيارات الصينية في الأسواق الأوروبية بأسعار منافسة بشكل ملحوظ عن السيارات الأوروبية التي لديها نفس المواصفات.
- توقع اتحاد شركات صناعة السيارات في الصين أن تصل مبيعات السيارات في الصين إلى حوالي 31 مليون وحدة في 2024، بزيادة ثلاثة بالمئة عن 2023.
- تقديرات الاتحاد تشير إلى أنه من المتوقع أن ترتفع مبيعات سيارات الركاب 3.1 بالمئة إلى 26.8 مليون وحدة هذا العام، في تباطؤ من زيادة 10.3 بالمئة هذا العام.
- وأظهرت البيانات أن مبيعات سيارات الطاقة الجديدة من المقرر أن تتراجع أيضا مع نمو 20 بالمئة في 2024 مقابل قفزة 36.5 بالمئة في 2023، بينما من المتوقع أن ترتفع صادرات السيارات إلى حوالي 5.5 مليون من 4.8 مليون هذا العام.
ويتابع بركات: إذا أرادت الدول الأوروبية اتخاذ إجراءات تنافسية مثل التوسع في فرض جمارك وضرائب على السيارات المستوردة من الصين، فهذا يخلق عديداً من التحديات منها "الإجراءات غير الكافية لتحفيز وشراء السيارات الأوروبية داخل الاتحاد الأوروبي"، كذلك قد تعود هذه الإجراءات بالسلب على العلاقات التجارية بين الصين والدول الأوروبية.
ويضيف: التعايش والتعاون في هذه المجالات هو الحل الأمثل، مثلما كان يحدث في السابق، ذلك أن المسؤولين الأوروبيين كانوا يشجعون المستثمرين بالذهاب إلى الاستثمار في الصين، إلى جانب نقل التكنولوجيا وتوجه الكثير من رجال الأعمال نحو الصين.
تحول هذا الوضع في الوقت الراهن، وبالتالي فمن مصلحة الاتحاد الأوروبي التعاون مع الصين في المجالات كافة، وعدم اعتبارها "منافس شرس" للصناعات الأوروبية، وفق خبير الشؤون الأوروبية.
فيضان الواردات الصينية
وبحسب تقرير الصحيفة البريطانية المشار إليه، قد يكون فيضان واردات السيارات الصينية الرخيصة كارثيا بالنسبة لشركات صناعة السيارات الحالية في أوروبا، حيث يدرس الاتحاد الأوروبي بالفعل فرض تعريفات جمركية على الواردات للحد من الضرر.
ومع ذلك، يحذر الخبراء من أنه حتى لو كانت شركات صناعة السيارات في الصين محصورة في أراضيها خلف جدار من الحماية الجمركية، فإنها ستظل قادرة على التنافس مع الشركات المصنعة الأميركية والأوروبية على السعر.
إحدى المزايا الرئيسية من حيث التكلفة لشركة BYD، الشركة التي يعترف قادة الصناعة بأنها تشكل التهديد الأكبر، تأتي من خبرتها في إنتاج البطاريات المعتمدة على الليثيوم، وهي أغلى جزء منفرد في السيارة الكهربائية. أصبحت المجموعة، التي تطورت من شركة لتصنيع بطاريات الهواتف المحمولة في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، رائدة عالميًا في هذا المجال.
وكانت شبكة بلومبرغ، قد ذكرت في وقت سابق أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، تدرس ما هو أبعد من خيار فرض التعريفات الجمركية، لإبقاء السيارات الذكية الصينية خارج الولايات المتحدة، وذلك من خلال اللجوء إلى فرض قيود على عملية استيراد هذا النوع من السيارات إلى أميركا.
وكشفت مصادر لبلومبيرغ أن قيود الاستيراد الأميركية التي يتم التحضير لها، سيتم فرضها على السيارات الكهربائية وأنواع أخرى من المركبات الصينية، وأيضاً على قطع الغيار التابعة لها، وذلك بغض النظر عن مكان تجميعها، بما يمنع المصنعين الصينيين، من نقل السيارات إلى أميركا بحجة أنها مُجمّعة في دولة ثالثة مثل المكسيك.
الرسوم الجمركية
وكان خبير صناعة السيارات، حسين مصطفى، قد أشار في تصريحات لـ "سكاي نيوز عربية"، إلى أن الصين لم تتمكن في العالم الماضي إلا من تصدير 58 ألف سيارة كهربائية فقط لأميركا، لكنها تمكنت في الوقت نفسه من تصدير 580 ألف سيارة كهربائية إلى أوروبا، وهذا الفارق الكبير يرجع إلى أن الولايات المتحدة تتبنى رسوماً جمركية وصلت إلى 27.5 بالمئة، مما يعيق انتشار السيارات الصينية في الولايات المتحدة.
ويوضح أن الولايات المتحدة تدرس زيادة تلك الحواجز لتأثيرها على سوق السيارات الأميركية، لافتاً إلى أن أميركا أيقنت أن غزو الصين لسوق السيارات قادم لا محال، بينما تحاول الدول الأوربية أيضاً مراجعة الدعم المالي المقدم للحكومة الصينية لصانعي السيارات الكهربائية، وهو أمر يخالف قوانين التجارة العالمية.
ويعتقد خبير السيارات، بأن أميركا والدول الأوروبية لم يستطيعوا مقاومة إدخال السيارات الصينية الأرخص سعرًا.. ويتابع: تغيرت الفكرة القديمة عن جودة الصناعة الصينية، فأصبحت تتقدم بشكل سريع في صناعة السيارات، حيث إن المصانع تمتلك مراكز أبحاث متطور، كما تتميز بالجودة العالية والأمان والمتانة كمثلها من السيارات الغربية.
ويشرح الخبير في صناعة السيارات، بعضاً من المقومات التي تجعل الصين رائدة في صناعة السيارات الكهربائية، من بينها أنها تمتلك نحو 62 بالمئة من "الليثيوم" في العالم وهو أحد العناصر النادرة لصناعة البطاريات، كما تنتج الصين نحو 76 بالمئة من البطاريات الكهربائية "ليثيوم أيون"، مما يجعلها تصدر للعالم كافة تلك البطاريات، علاوة على استهلاكها الداخلي. بخلاف العمالة الأرخص مقارنة بالدول الأوروبية والولايات المتحدة.
السوق الأميركية
وفي سياق متصل، يؤكد عضو الحزب الديمقراطي، مهدي عفيفي، أن هناك محاولات كثيرة لغزو تلك السيارات الكهربائية السوق الأميركية، وذلك بعدما انتشرت في كثير من البلدان الأوروبية، خاصة أن سعرها أقل بكثير من مثيلتها الأميركية.
ويشير إلى غياب الإنفاق الصيني على البحث والتطوير، ذلك أن بكين "تطبق الأفكار الأوروبية والأميركية بمعايير مختلفة"، في إشارة إلى أحد العوامل التي تجعل من تكلفة السيارات الصينية أقل.
ويضيف: المواد الخام التي تستخدمها الصين أقل تكلفة من الدول الأوروبية، إلى جانب تكفلة العمالة، ما يجعلها تنتج سيارات أقل تكلفة بكثير من أوروبا والولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر صناعة السيارات فيها مرتبطة بالأمن القومي، حيث أنها تضم أعداداً كبيرة من العمالة في هذا الشأن "الأمر الذي يجعلنا نؤكد أن غزو السيارات الصينية في أميركا يستغرق وقتاً كبيراً".
ويوضح أن:
- الكثير من المستثمرين الدوليين مثل "وارن بافت" مساهمين في شركات إنتاج السيارت الصينية.
- شركة BYD بجانب شركات صينية أخرى لديها أسهم في سوق المال الأميركية، كما أنها تستخدم أموال المستثمرين الأميركيين في الصناعة.
- تعقيدات التجارة الدولة تلقي بظلالها على السيارات.
- دخول السيارات الصينية إلى أميركا أصعب بكثير من دخول المنتجات الأخرى؛ لأن هناك متطلبات خاصة متعلقة بالحماية والجودة تفرض على هذه المنتجات، لما تسببه من خطورة.
- الاستحواذ الاقتصادي يمكن أن يكون بالمشاركة، خاصة أن الصين بحاجة إلى الإنتاج والتصدير، وفق ما أكده الخبراء والمحليين.