هل تساهم ضريبة الكربون العالمية في خفض الانبعاثات؟
17:27 - 24 مارس 2024فيما يقترب العالم من تبني أول ضريبة على الانبعاثات الضارة لبلوغ صافي انبعاثات الشحن إلى الصفر "بحلول عام 2050، يتساءل خبراء اقتصاد وطاقة حول ما إذا كانت أسعار الكربون القوية يمكن أن تحفز وتيرة وحجم تخفيضات الانبعاثات التي أصبحت ضرورية الآن عبر النقل، والطاقة، والصناعة، والزراعة.
ووقعت الدول المشاركة في اجتماع المنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة (الوكالة المسؤولة عن تنظيم الشحن) اتفاقاً لبلوغ صافي انبعاثات الشحن إلى الصفر "بحلول عام 2050 أو في حدوده، بحسب شبكة (شبكة سي إن بي سي).
واختتمت المحادثات التي استمرت أسبوعين في وكالة الشحن التابعة للأمم المتحدة في لندن الجمعة، مع ظهور أغلبية واضحة من الدول لصالح فرض أول ضريبة عالمية على الانبعاثات على الإطلاق، حيث تضمنت المفاوضات مناقشة كيفية المضي قدماً في تنظيم المناخ لصناعة النقل البحري، التي تمثل حوالي 3 بالمئة من انبعاثات الكربون العالمية.
وقالت ساندرا شيري، مديرة التوعية الدولية لانبعاثات الشحن البحري في منظمة Ocean Conservancy: "إن الأمم المتحدة على وشك اعتماد أول سعر عالمي للانبعاثات على الإطلاق، لكن السياسة لن تكون ناجحة إلا بالقدر الذي حققته البلدان".
وأضافت: "أعطتنا محادثات مارس في المنظمة البحرية الدولية الأمل في أن أغلبية واضحة من البلدان - تلك الموجودة في منطقة البحر الكاريبي والمحيط الهادئ وإفريقيا، ولكن أيضاً الاتحاد الأوروبي وكندا - قد رأت فرصة كبيرة لتسعير انبعاثات الشحن من أجل التحول النظيف للصناعة ومن أجل والتأكد من أن جميع البلدان النامية جزء منه وتستفيد منه".
وتعد الجولة الأخيرة من المحادثات بمثابة أول اتفاقية للمنظمة البحرية الدولية منذ أن وافقت الدول البحرية على استراتيجية جديدة لغازات الدفيئة في يوليو من العام الماضي، حيث تم اقتراح فرض ضريبة قدرها 150 دولاراً على كل طن من الكربون، وكجزء من هذه الاتفاقية، وافقت المنظمة البحرية الدولية على تنفيذ شكل ما من أشكال سعر الانبعاثات في عام 2025، سعياً للمساعدة في سد الفجوة السعرية بين الوقود الأحفوري والطاقة الخضراء واستخدام الإيرادات المتولدة لتمويل التحول العادل.
تسريع تحول الطاقة من أحفورية إلى متجددة
وفي حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قال ممدوح سلامة خبير النفط والاقتصاد العالمي: "هناك دلائل مشجعة على أن الأمم المتحدة على وشك تبني أول ضريبة عالمية للانبعاثات الضارة للمرة الأولى في تاريخها، هذه الدلائل برزت في أعقاب أسبوعين من المحادثات من جانب المنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة والتي أعرب أعضاؤها بالإجماع عن رغبتهم في إقرار مثل هذه الضريبة، وخلال ذلك أنهت جولة أخرى من المحادثات تهدف إلى وضع أسس لخفض الانبعاثات في الملاحة العالمية التي تشكل 3 بالمئة من مجموع الانبعاثات الضارة في العالم".
وتسعى المنظمة البحرية الدولية إلى خفض الانبعاثات بمقدار 30 بالمئة قبل نهاية عام 2030 و70 بالمئة قبل نهاية عام 2024 على أمل الوصول إلى انعدام كامل لهذه الانبعاثات في عام 2050 نتيجة لذلك وافقت منظمة الملاحة الدولية على إقرار ضريبة على هذه الانبعاثات هدفها سد الفجوة بين أسعار الطاقة الأحفورية والطاقة المتجددة واستخدام هذه الضريبة لتسريع تحول الطاقة من طاقة أحفورية إلى طاقة متجددة، وتقدر قيمة هذه الضريبة المقترحة بـ 150 دولاراً لكل طن من الانبعاثات، بحسب الدكتور سلامة.
أفكار خيالية لن تتحقق
لكن خبير النفط والاقتصاد العالمي يرى أنه حتى لو فرضت هذه الضريبة فإنها لن تؤدي إلى انعدام الانبعاثات الضارة كلياً في عام 2050، معتبراً الحديث عن تحول من الطاقة الأحفورية إلى الطاقة المتجددة وانعدام الانبعاثات الضارة في عام 2050 "أفكاراً خيالية لن تتحقق حتى في العام 2100 نتيجة الطابع المتقطع للطاقة المتجددة بمعنى أنه إذا كان هناك غيوم لا نستطيع أن نولد كهرباء من الطاقة الشمسية وإذا كانت الرياح ساكنة لا يمكننا توليد كهرباء من الرياح، ما يعني أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تحتاجان إلى دعم ضخم من الغاز والفحم والطاقة النووية وخصوصاً التكنولوجيا المتوفرة اليوم لا تسمح بتخزين الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في الصيف لاستخدامها في الشتاء".
كما أن وقف الانبعاثات الكاملة (انبعاثات صفرية) في عام 2050 هو أيضاً أفكاراً خيالية لن تتحقق والسبب الرئيسي يعود إلى أن العالم يحتاج إلى النفط والغاز للاستمرار في دعم الاقتصاد العالمي ومساعدة نموه في المستقبل هذا عدا عن الطابع المتقطع للطاقة المتجددة ما يعني أن النفط والغاز سيبقيان العمودين الفقريين للاقتصاد العالمي وربما الحضارة الإنسانية، طبقاً لما قاله سلامة.
ويعتبر قطاع الشحن، الذي ينقل أكثر من 90 بالمئة من التجارة العالمية، واحداً من أصعب الصناعات في إزالة الكربون، ويرجع ذلك جزئياً إلى الكميات الكبيرة من الوقود الأحفوري الذي تحرقه السفن كل عام.
من جهته، قال بانوس سبيليوتيس، مدير النقل بالاتحاد الأوروبي للشحن العالمي في صندوق الدفاع عن البيئة: "لقد نجحت المفاوضات التي جرت هذا الأسبوع في المنظمة البحرية الدولية في دفع المحادثات بشأن التجارة العالمية المقاومة للمناخ، ومع تزايد الدعم لسعر عالمي للغازات الدفيئة، يجب على مندوبي البلدان الآن وضع تفاصيل السياسة الصحيحة لتحفيز إزالة الكربون من قطاع النقل البحري."
ومن مصر يقول الخبير الاقتصادي عبد الله الشناوي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "مع تزايد التهديدات المناخية، اكتسبت فكرة فرض ضريبة عالمية على الكربون زخماً عالميا بسرعة، لكن السؤال الأهم هل يمكن لأسعار الكربون القوية أن تحفز وتيرة وحجم تخفيضات الانبعاثات التي أصبحت ضرورية الآن عبر النقل والطاقة والصناعة والزراعة، أي أن أحد الحلول السياسية التي تكتسب زخماً لمعالجة تغير المناخ هو فرض ضريبة على الكربون".
كيف تعمل ضريبة الكربون؟
هي آلية تسعير تفرض من خلالها الحكومات رسوماً أو ضريبة على انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة عن حرق الوقود الذي يؤدي إلى الاحتباس الحراري، ويتم قياس الضريبة لكل طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المكافئة المنبعثة حتى تدفعها الجهات المستخدمة للطاقة، وهدف فرض الضريبة هو تحديد مسار مستقر ومرتفع للأسعار بالقدر الكافي لدفع تخفيضات كبيرة في الانبعاثات وتوسيع نطاق التكنولوجيات النظيفة بمرور الوقت، ولتمكين التحول الضروري بعيداً عن الاقتصاد مرتفع الانبعاثات، يجب أن تصل مستويات الضرائب إلى 100 – 200 دولار في العقود المقبلة، بحسب الشناوي.
حجة مؤدي الضريبة
ويعرض الشناوي حجة مؤيدي فرض الضرائب على الكربون في ضوء التجارب الدولية كما يلي:
- تقليل انبعاثات الكربون إذ من خلال ربط سعر كبير للتلوث، فإنه يحفز التحولات نحو أنواع الوقود الأقل كثافة من الكربون، ونشر تدابير كفاءة الطاقة، والاستثمار في البدائل النظيفة عبر قطاعات مثل الكهرباء والنقل والتصنيع.
- التخفيف من تغير المناخ، حيث سيؤدي الانخفاض في انبعاثات الكربون الوطنية والعالمية الناجمة عن ضرائب الكربون إلى انخفاض إجمالي تركيزات ثاني أكسيد الكربون، وتكثيف اتجاهات الاحتباس الحراري واضطرابات المناخ.
- تشجيع اعتماد الطاقة النظيفة، حيث يعد فرض الضرائب على الوقود الأحفوري أداة للحد من انبعاثات غازات الدفيئة وتشجيع التحول إلى الطاقة المتجددة وغيرها من الحلول المنخفضة الكربون.
- تمويل المبادرات الخضراء، إذ توفر الإيرادات الضريبية مصدراً تمويلياً كبيراً يمكن للحكومات استخدامه للاستثمار في البحث والتطوير في مجال التكنولوجيا النظيفة، وتحديث وسائل النقل العام الجماعية، ومشاريع البنية التحتية المستدامة وغيرها.
- النهج القائم على السوق، حيث تسمح الضريبة لديناميكيات السوق بتحديد المسارات والتكنولوجيات الأكثر كفاءة للحد من الانبعاثات عبر القطاعات الاقتصادية المتنوعة، ويمكن للشركات بناء حلول مصممة خصيصاً لعملياتها وابتكاراتها وخرائط طريق الاستثمار.
- الكفاءة الإدارية، حيث تعتمد ضريبة الكربون على أنظمة فرض الضرائب الحالية على الوقود، مما يقلل من البيروقراطية الإدارية الجديدة، وتكاليف تحصيل الإيرادات وتنفيذها منخفضة للغاية مقارنة ببرامج تداول الانبعاثات أو إدارة الدعم الأخضر.
حجة معارضي الضريبة
كما تعرض الخبير الاقتصادي الشناوي حجة معارضي فرض الضرائب على الكربون في ضوء التجارب الدولي كما يلي:
- تأثيراتها على الرفاهة الاجتماعية: غالباً ما تلحق الضرر بالفقراء أكثر نسبياً من الأغنياء وحتى عندما يكون الأمر تقدمياً، فإن الفقراء ما زالوا يعانون من خسارة رفاهيتهم عندما ترتفع الأسعار، مما يجعل سلة استهلاكهم أكثر تكلفة.
- عدم اليقين بشأن تأثير الانبعاثات: إن توقع تخفيضات دقيقة في الانبعاثات عند أي مستوى ضريبي معين ينطوي على تقدير التغيرات السلوكية المعقدة والمترابطة عبر الملايين من مستهلكي الطاقة، حيث يمكن استخدام الأموال بشكل أفضل ومباشر في البنية التحتية الخضراء بدلاً من الضرائب على أمل تحقيق تخفيضات معينة في الانبعاثات.
- نقص الدعم: وفي المناطق التي توجد فيها جماعات ضغط مؤثرة في مجال الوقود الأحفوري أو تستخدم بشكل كبير الفحم والنفط والغاز، فإن المعارضة السياسية والعامة الكبرى تعيق مقترحات ضريبة الكربون.
- المخاطر التنافسية: كثيراً ما تعارض الصناعات الرئيسية التي تستخدم الطاقة فرض ضرائب الكربون، بحجة أنها تزيد التكاليف وتضعف القدرة التنافسية، وخاصة إذا كانت المناطق المجاورة تفتقر إلى سياسات مماثلة. ومن الممكن أن يتحول التصنيع إلى الخارج.
- تصميم السياسات المعقدة: إن اختيار مستويات ضريبية مناسبة وقابلة للتعديل ومطابقة أولويات السياسات والتنوع الاقتصادي أمر معقد للغاية عبر القطاعات كثيفة الانبعاثات. إن عدم اليقين بشأن التكلفة يخلق معارضة، وتقلل الإعفاءات من الفعالية، مما يتطلب تحقيق التوازن بين العديد من أصحاب المصلحة والأهداف.
تحديات فرض الضريبة
ورداً على سؤال حول التحديات التي تواجه فرض ضريبة عالمية على الكربون، أجاب أستاذ الاقتصاد في جامعة الزقازيق الشناوي: "إن العائق الأكبر قد يكون الدعم الشعبي، حيث يبدو وجود توجه ايديولوجي أساسي ضد فكرة الضريبة. وفي العديد من الدول تمثل إدارة الضرائب أمراً صعباً، نظراً لوجود جدل كبير حول ما يجب فعله بحصيلة الإيرادات. حيث توجد خيارات مختلفة مثل امكانية إعادة الضريبة إلى الناس عن طريق انفاقها على برامج الطاقة النظيفة، وغيرها من الاستثمارات المناخية، او إنفاقها على مشاريع عامة أخرى أو حتى تخفيض أنواع الضرائب الأخرى. كما يمكن استخدامها للمساعدة في تمويل المشاريع المتعلقة بالمناخ في دول أخرى".
ولكن تظل الحاجة الى التدابير التكميلية التي تعالج التأثيرات الاجتماعية والاستثمارات الخضراء والمعايير التنظيمية والتعاون الدولي حيوية لمعالجة الانتقادات، وتحفيز التبني العاجل في الدول المتأخرة، وتحفيز الابتكارات، وتسهيل الأطر الزمنية لإزالة الكربون بالوتيرة والحجم الذي يتطلبه استقرار المناخ، ومع عدم وجود حلول سحرية، هناك دعوة إلى حزم سياسات طموحة ومنصفة حيث تلعب أسعار الكربون المرتفعة دوراً مركزياً في دفع التحولات المنخفضة الكربون عبر العديد من الصناعات على الطريق إلى الحياد الكربوني العالمي، بحسب تعبيره.