كيف يتعامل الفيدرالي مع تحدي "الميل الأخير" في معركة التضخم؟
19:35 - 15 مارس 2024بخلاف التوقعات، ارتفع معدل التضخم في الولايات المتحدة إلى 3.2 بالمئة الشهر الماضي، بما يسلط الضوء على التحديات الذي يواجهها بنك الاحتياطي الفيدرالي في "الميل الأخير" بمعركته ضد ارتفاع الأسعار.
وكان الاقتصاديون الذين استطلعت بلومبرغ آراءهم قد توقعوا أن يظل التضخم السنوي في أسعار المستهلكين دون تغيير عن معدل يناير البالغ 3.1 بالمئة.
ومع ارتفاع الأسعار، الذي غذته إلى حد كبير خدمات مثل التأمين على السيارات والصحة، تُثار تحذيرات من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يضطر إلى الانتظار لفترة أطول مما كان متوقعاً في السابق قبل خفض معدلات الفائدة من أعلى مستوياتها الحالية في 23 عاماً.
ونقلت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية عن الأستاذ في جامعة كورنيل، إسوار براساد، قوله: "إن بيانات التضخم تلك تنذر بفترة أكثر صعوبة بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، على الرغم من أن الاقتصاد الأميركي صمد بشكل جيد حتى الآن، إلا أن هناك خطراً من أن يؤدي التضخم المستمر واستجابة بنك الاحتياطي الفيدرالي له إلى تحويل سيناريو الهبوط الناعم إلى ركود تضخمي".
أما كبيرة الاقتصاديين في كيه بي إم جي الولايات المتحدة، ديان سوونك، فتعتقد بأن بيانات التضخم ستعزز موقف "الصقور" في البنك المركزي الذين يريدون إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول لإعادة التضخم إلى هدفه البالغ 2 بالمئة. وبالتالي فهي ترى أن اجتماع مارس الجاري "سيكون ساخناً للغاية".
ويخطط الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة ثلاث مرات هذا العام. وتتوقع الأسواق ثلاثة أو أربعة تخفيضات هذا العام، تبدأ في يونيو أو يوليو.
- قال الاقتصادي في سيتي، أندرو هولينهورست، إنه من المحتمل أن بنك الاحتياطي الفيدرالي لا يزال في طريقه لخفض الفائدة في يونيو، موضحاً أن"بيانات التضخم في الشهرين الأخيرين تظهر صعوبة إعادة التضخم إلى الهدف (2 بالمئة)".
- بحسب تيم موراي، من شركة تي رو برايس لإدارة الأصول، فإن "هذا الميل الأخير من التضخم - من 3 بالمئة إلى 2 بالمئة - سيكون صعبا.. أصعب بكثير من النزول من 9 إلى 3 بالمئة". وأضاف: أمل السوق في خفض أسعار الفائدة "يتراجع باستمرار"
الفيدرالي والتضخم
الباحث في الشؤون الاقتصادية، مازن أرشيد، أوضح في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن بنك الاحتياطي الفيدرالي عادةً ما يستجيب للتضخم المرتفع بزيادة أسعار الفائدة لتهدئة الاقتصاد والحد من الضغوط التضخمية.
ومع ذلك، فإن الارتفاع الأخير في معدلات التضخم، يظهر أن:
- الاحتياطي الفيدرالي قد يحتاج إلى إعادة النظر في توقيت ومدى خفض أسعار الفائدة مقارنة بما كان مخططا له أو متوقعاً من قبل.
- الفيدرالي الذي حافظ حتى الآن على أسعار الفائدة ضمن نطاق مرتفع يتراوح بين 5.25 و5.5 بالمئة، قد يجد نفسه مضطرًا إلى التأني قبل تنفيذ أي خفض لأسعار الفائدة، خاصةً في ضوء البيانات الأخيرة حول التضخم.
وأضاف أرشيد: "السيناريو المحتمل الذي يمكن أن يتبلور هو ما يُعرف بالركود التضخمي الناعم، وهو حالة يستمر فيها التضخم مرتفعًا بينما يبدأ النمو الاقتصادي بالتباطؤ".
وأكمل أرشيد أن هذا الوضع يشكل تحديًا كبيرًا للسياسة النقدية لسببين:
- التدابير التقليدية لمكافحة التضخم، مثل رفع أسعار الفائدة، قد تؤدي إلى تفاقم الركود.
- خفض أسعار الفائدة لتحفيز النمو قد يؤدي إلى تفاقم التضخم.
ووصف الموقف الحالي بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يقف الآن على مفترق طرق حرج فهو مطالب بأن يوازن بين الحاجة إلى كبح التضخم والحفاظ على استقرار النمو الاقتصادي.
وذكر أرشيد أن القرارات المتعلقة بأسعار الفائدة في الاجتماعات المقبلة، بما في ذلك اجتماع مارس الجاري، ستكون حاسمة في تحديد مسار الاقتصاد الأميركي. ذلك أن البنك قد يقرر الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير في الاجتماع المقبل لتقييم التأثيرات المحتملة للارتفاع الأخير في معدلات التضخم على الاقتصاد بشكل أوسع.
وشدد الخبير الاقتصادي على ضرورة أن ينظر صانعو السياسات النقدية الأميركية إلى ما وراء الأرقام والبيانات لفهم الأسباب الكامنة وراء هذا الارتفاع في التضخم، وهل هي نتيجة للضغوط العرضية أو زيادة الطلب. على سبيل المثال، إذا كانت الزيادة في التضخم ناتجة بشكل رئيسي عن الضغوط العرضية، مثل ارتفاع أسعار السلع أو الخدمات بسبب القيود على العرض، فقد لا تكون زيادة أسعار الفائدة هي الحل الأمثل، حيث يمكن أن تؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي دون التأثير بشكل فعال على العوامل التي تسبب ارتفاع التضخم.
وتشكل تحركات أسعار الفائدة والتضخم مصدر قلق بالغ للرئيس الأميركي جو بايدن، الذي يسعى إلى جعل إدارته للاقتصاد محور حملته الانتخابية ضد دونالد ترامب.
وهاجم بايدن يوم الثلاثاء الجمهوريين، وقال إنهم ليس لديهم "خطة لخفض التكاليف"، مسلطا الضوء على وعده بمعالجة التلاعب في الأسعار في الشركات.
ركود متوقع
ومن جانبه، علق مدير المركز العالمي للدراسات التنموية صادق الركابي، بأنه رغم ارتفاع التضخم في فبراير الماضي إلا أنه ما تزال هناك بيانات إيجابية في الاقتصاد الأميركي كالنمو القوي في الوظائف وبما يدل على وجود مرونة في الاقتصاد ستؤخر من توقيت خفض الفيدرالي لأسعار الفائدة التي يتوقع أن تحدث بين مايو ويونيو.
وأضاف الركابي: "على اعتبار أن التضخم بالنسبة لأسعار المنازل قد تراجع في فبراير على أساس شهري إلا أن التضخم زاد في السلع الأساسية والخدمات الأخرى، وهذا يزيد من احتمال أن يتجه الاقتصاد الأميركي نحو الركود التضخمي الناعم".
وعلل الركابي وجهة نظره بهذه الأسباب:
- ما تزال التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط و بحر الصين تلقي بثقلها على الاقتصاد العالمي.
- ما يزال هناك ارتفاع ملحوظ في أسعار الطاقة، و هذا إن استمر فسيكون له تأثير مباشر في قرار الفيدرالي بإبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لمدد زمنية أطول.
وأظهرت أرقام مؤشر أسعار المستهلك الصادرة عن مكتب إحصاءات العمل أن التضخم الأساسي، الذي يستثني التغيرات في تكاليف الغذاء والطاقة، بلغ 3.8 بالمئة مقارنة بـ 3.9 بالمئة في يناير.
وكان الاقتصاديون يتوقعون انخفاض المقياس، الذي يُنظر إليه على أنه مقياس أفضل لضغوط الأسعار الأساسية، إلى 3.7 بالمئة. وارتفع الرقم الرئيسي على أساس شهري من 0.3 بالمئة في يناير إلى 0.4 بالمئة في الشهر الماضي.