واشنطن: خطوط حمراء لا تردع خصمًا ولا تُلزم حليفًا
17:27 - 12 مارس 2024لعلّ الخط الأحمر الذي أشهره الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما يوم حذر نظام الرئيس السوري بشار الأسد من استخدام الأسلحة الكيميائية في الحرب الأهلية التي اندلعت في العام 2011، من أبهت الخطوط الحمراء التي خُطت في عالم السياسة على الإطلاق.
فبعد عامٍ واحدٍ من هذا التحذير، تمّ الهجوم الكيميائي الأوسع في سوريا صيف عام 2013، لما استُهدفت غوطتا دمشق الشرقية والغربية بغاز الأعصاب، وقتل أكثر من 1400 سوريٍ، جلّهم أطفالٌ نيام.
إلا أن وطء خطوط الرؤساء الأميركيين الحمراء شهدناه قبل خط أوباما في سوريا، واستمر الأمر بعده، إنما تفاقم.
كرّست الحرب العالمية الثانية الولايات المتحدة زعيمةً على العالم، قوة اقتصادية صاعدة بعيدًا عن الخراب الأوروبي، تعاملت مع الحرب بقفازاتها من خلف الأطلسي.
ومع انتهاء الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفييتي بهزيمة النموذج الثقافي أكثر منه النموذج العسكري أمام الأميركيين، كان النفوذ الأميركي قد بلغ أوجه. وكانت الخطوط الحمراء الأميركية مرئية للعيان قبل حتى أن يرسمها ساكن البيت الأبيض.
اجتياح جورجيا
إلا أن العام 2008 شهد أولى إشارات الأفول، بعد أن لملم فلاديمير بوتين حطام الاتحاد السوفييتي وبنى روسيا اتحادية ترغب بالانتقام، واستعادة ما تعتبرها حدائق خلفية سلبها منها الأوروبيون عبر ثورات ملونة، فتقدم ضابط الكي جي بي السابق نحو جورجيا بعد أن أخفى لعابه اللاهث طيلة سنوات، ونهش منها إقليمين، أبخازيا الجنوبية وأوسيتيا.
هبت واشنطن جورج بوش نجدةً لحليفتها تبليسي بفرض عقوبات على موسكو، لكنها لم تعدّ شبرًا من الإقليمين إلى جورجيا.
فلسفة أوباما
ثم جاء أوباما، بفلسفة اللين واسترضاء الخصوم. فلسفة أغوت من بينهم وبين واشنطن عداوة، فإذا بهم يستهزئون بالخطوط الأميركية الحمراء.
وليس الحديث عن حادثة استخدام السلاح الكيميائي في سوريا وحدها، إنما في عام 2014 أطلق بوتين مشاعره المسنونة وهاجم أوكرانيًا المنشغلة بثورة داخلية، مقتطعًا منها شبه جزيرة القرم. والرد الأميركي حينها لم يغب، لكن حضوره يصعب تمييزه عن غيابه.. حزمة عقوبات.
تمادي إيران
طهران أعجبتها لعبة اجتياز خطوط الولايات المتحدة الحمر، وهي التي لديها نقاط خلاف وخطوط اشتباك مباشرة مع الأميركيين. جربت التحرش بقواعد عسكرية تؤوي أميركيين في عهد ترامب، لكن الأخير ردّ بما يتجاوز الخط الأحمر، وكان رأس متعاون عراقي قتل في استهداف قاعدة أميركية، برأس ثاني شخص في النظام الإيراني، قاسم سليماني.
في عهد بايدن عاودت طهران الكرة، واستهدفت القواعد الأميركية ليس في سوريا والعراق وحسب، بل إن 3 جنود أميركيين سقطوا قبل أسابيع بقصف قاعدة في الأردن، ثم جاء الرد الأميركي بما خدم الإيرانيين، إذ جهّلت واشنطن الفاعل الحقيقي، وانتقمت من الوكيل، حزب الله العراقي.
تمرّد الحلفاء
أمّا جديد خطوط واشنطن الحمراء، فتلك التي يخرقها الحليف. خط دبجه بايدن أمام نتنياهو كي لا يجتاح رفح، لكن سرعان ما تلاشى بتصريحات من الرئيس الأميركي نفسه، إذعانًا لإصرار نتنياهو الخطوة.
والحال أننا أمام خطوط حمراء أميركية باهته، يزدريها الحلفاء والخصوم معًا. وينتهى المطاف بواشنطن بأعداء لا يهابونها وحلفاء لا يعوّلون عليها.