"كوفيسترو" الألمانية تختبر جدوى استبدال النفط بالسكّر
14:51 - 11 مارس 2024في واحد من أكبر المجمّعات الكيميائية في أوروبا، تختبر مجموعة كوفيسترو الألمانية تصنيع منتج رئيسي باستخدام السكّر مادة أساسية بدلا من النفط، في خضم مساعي القطاع لتقليص بصمته الكربونية.
يشمل المشروع التجريبي إنتاج الـ"أنيلين" وهو مركّب كيميائي يستعمل في تصنيع المواد الرغوية، ويستخدم على نطاق واسع في الفرش والكراسي، وكذلك تصنيع المواد العازلة.
في حين من المرجّح ألّا يكون الإنتاج التجاري الواسع النطاق ممكنا قبل سنوات، تشكّل التجربة خطوة صغيرة على مسار سعي الصناعات الكيميائية لتقليص انبعاثات الكربون مع مواجهة الكوكب حال طوارئ مناخية كبرى.
من أصل مئة مليون برميل من النفط يتم إنتاجها في جميع أنحاء العالم يوميا "يذهب الربع مباشرة إلى الصناعات الكيميائية"، وفق البروفسور والتر لايتنر المحاضر من جامعة آخن المنخرطة في مشروع الأنيلين منذ عقد.
ووفق لايتنر "تحتاج الصناعات الكيميائية إلى إعادة بناء بشكل كامل".
بدأت شركة كوفيسترو لتصنيع البلاستيك، وهي فرع سابق لشركة باير العملاقة للكيميائيات، التجارب في مجمّعها في مدينة ليفركوزن في غرب ألمانيا في نهاية العام 2023، بعد التجارب المخبرية.
في قاعة مساحتها 100 متر مربع، يتم استخراج الأنيلين وهو سائل شفاف، من شبكة بطول 600 متر من الأنابيب المتشابكة.
وباستخدام آلية طوّرها باحثو جامعة شتوتغارت، تتم معالجة السكّر المخمر بمواد كيميائية لصنع المنتج.
ويستخدم الأنيلين مكوّنا أساسيا للميثيلين ثنائي الفينيل ثنائي أيزوسيانات (MDI/Methylene Diphenyl Diisocyanate) وهو مادة أساسية لتصنيع المنتجات الرغوية.
تقليديا، يستخرج الأنيلين من مشتقات النفط الخام على غرار النفثا والبنزين، لكن عملية إنتاجه يتخلّلها انبعاث كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، أحد غازات الدفيئة الرئيسية.
يبلغ الإنتاج العالمي للأنيلين سنويا نحو ستة ملايين طن، تنتج منها كوفيسترو نحو مليون طن.
إلى الآن، لا ينتج المشروع التجريبي في ليفركوزن سوى كمية ضئيلة إذ يقتصر ما يتم استخراجه على نحو نصف طن يوميا.
الحياد الكربوني؟
يشكّك خبراء في جدوى المقاربة. فاستخدام مواد نباتية في التصنيع قد يحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري، لكن إمكان أن يؤدي ذلك إلى الحياد الكربوني "هو غالبا موضع شك"، وفق ما يؤكد ينس غونتر من الوكالة الفدرالية الألمانية للبيئة في تصريح لوكالة فرانس برس.
ويوضح غونتر أن هذه هي الحال بالتحديد عندما يتعلّق الأمر باستخدام "ما يسمى الكتلة الحيوية المزروعة مثل الذرة وقصب السكر والشمندر السكري".
ولفتت جانين كوردوان من "الاتحاد الألماني للبيئة والحفاظ على الطبيعة" (BUND) وهو منظمة غير حكومية، إلى أن الزراعات الصناعية تولّد "انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والميثان من خلال تحويل الأراضي وإنتاج الأسمدة والمبيدات الحشرية"، وتؤدي أيضا إلى "خسائر كبيرة في التنوع البيولوجي وارتفاع استهلاك المياه".
مع ذلك، يقول غونتر إن استخدام المواد النباتية في عمليات الإنتاج من المرجّح أن ينتج انبعاثات غازات دفيئة أقل بكثير من استخدام الوقود الأحفوري، على الرغم من أن اللجوء لاستخدام مواد النفايات بدلا من المحاصيل المنتجة في الزراعة الواسعة النطاق سيكون أفضل.
وتجري شركات ألمانية أخرى تجارب في هذا المجال.
ويسعى "مصنع بادن للأنيلين والصودا" (BASF)، الشركة العملاقة للكيميائيات، لاستخدام النفايات العضوية أو المنتجات الزراعية أو الزيوت النباتية لإنتاج المواد الكيميائية الأساسية على غرار الأنيلين.
مع ذلك، هناك عوائق كثيرة تحول دون المضي في مثل هذه المشاريع.
وتراوح هذه العوائق من توافر المواد العضوية الضرورية والتي يزداد الطلب عليها مع تسارع وتيرة عملية التحوّل لاقتصاد مراع للبيئة، وصولا إلى ارتفاع التكاليف عند مقارنتها بإنتاج مواد كيميائية مماثلة بالاعتماد على النفط.
وفق تورستن دراير العضو في مجلس إدارة كوفيسترو والمشرف على المشروع، لن يكون هناك ما يبرر توسيع نطاق العملية إلا إذا أدت إلى "خفص كبير (لانبعاثات) ثاني أكسيد الكربون" خلال عملية عملية التصنيع.
ويشير دراير إلى ضرورة التوصّل إلى دليل على أموال "يمكن جنيها في بيئة تنافسية، من أجل تمويل الأبحاث هنا".
وسيكون من أكبر التحديات بالنسبة لألمانيا إقناع الصانعين بإنشاء مواقع جديدة مكلفة لمعالجة المواد الكيميائية.
ويواجه قطاع الكيميائيات المستهلك للطاقة بشكل مكثّف في أكبر اقتصاد في أوروبا، أزمة منذ أن قرّرت ألمانيا ودول عدة الاستغناء عن إمدادات الغاز الروسي وأسعاره المتهاودة على خلفية غزو روسيا أوكرانيا، وهو ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الطاقة.
حاليا ينصب تركيز شركات عدّة على تحويل الإنتاج إلى مواقع أقل تكلفة خارج البلاد، بدلا من التوسّع داخلها.
ويحذّر دراير من أن "تكاليف الطاقة في ألمانيا هي حاليا أعلى بثلاثة إلى أربعة أضعاف مما هي عليه في الولايات المتحدة"، في حين يرزح القطاع الصناعي تحت وطأة بيروقراطية متزايدة.