كيف تؤثر الضغوطات الاقتصادية على الأردنيين في رمضان؟
15:28 - 10 مارس 2024يستقبل الأردنيون شهر رمضان المبارك، في ظل ظروف ضاغطة، وبينما تواجه المملكة انعكاسات واسعة للحرب في غزة على اقتصاد البلاد، والتي جاءت لتُكمل سلسلة من الصدمات الاقتصادية التي تعرضت لها خلال السنوات الأخيرة، وبما يزيد من الضغوط على الأسر خاصة في ظل معدلات تضخم غير مسبوقة.
يأتي ذلك في وقت تتراكم فيه التحديات الاقتصادية لتثقل كاهل المواطنين، تتنوع هذه التحديات بين التداعيات الممتدة لجائحة كورونا، والتأثير الاقتصادي للحرب في أوكرانيا والحرب غزة، وتوترات البحر الأحمر المتزايدة.
تؤثر تلك العوامل مجتمعة بشكل كبير على الأردن، حيث انعكست تبعاتها على الاقتصاد الوطني. تباطأت وتيرة النمو، مع ارتفاع الضغوط التضخمية، وزيادة التكاليف المختلفة، مما أضاف ضغوطًا إضافية على الأسر الأردنية.
تغلف هذه التحديات الاقتصادية مشهد الحياة اليومية للأردنيين، وخاصة في شهر رمضان الذي عادة ما يشهد سلوكات استهلاكية مختلفة، وبينما يواجه المواطنون ارتفاعًا حادًا في أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية، مما يجعل هذا الشهر الفضيل تحديًا اقتصاديًا إضافيًا.
تقليل الإنفاق
المحلل الاقتصادي الأردني، حسام عايش، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن:
- شهر رمضان دائمًا ما تكون له طبيعة خاصة؛ فالتجار يعتبرونه شهرًا رئيسيًا لمبيعاتهم، بينما الحكومة تحاول أن تُحسن من المخزون الاستراتيجي للمواد الغذائية الأساسية وتوفير السلع واستقرار أسعارها.
- على الرغم من التطمينات الحكومية إلا أن هناك زيادة في الكلف الإضافية التي يتحملها المواطنون خلال الشهر.
- الثقافة التجارية في رمضان تشير إلى أن التجار يتعمدون رفع الأسعار في الثلث الأول من الشهر مع ارتفاع الطلب ومحاولة المواطنين الحصول على كافة احتياجاتهم وتخزينها تجنبًا لارتفاع الأسعار.
وبيّن أن وضع الأسواق الأردنية في هذا العام ربما يكون مختلفًا، مشيرًا إلى أن الأردنيين في حالة من الغضب لما يحدث من حرب على غزة.
وتوقع أن يقل إنفاق المُستهلكين في شهر رمضان هذا العام عن السنوات السابقة؛ ففي العادة يرتفع الإنفاق خلال الشهر المُبارك عن أشهر السنة الأخرى ما بين 50 إلى 100 بالمئة، وقد يصل إلى 200 بالمئة أحيانًا، لكن متوقع أن لا يزيد الإنفاق بالمتوسط عن الأشهر الأخرى ما بين 20 إلى 30 بالمئة كحد أقصى، لذلك فإن هذه الزيادة بالإنفاق تعتبر بالنسبة لشهر رمضان منخفضة.
- معدل التضخم في الأردن ارتفع بنسبة 1.95 بالمئة خلال شهر يناير 2024، بحسب تقرير شهري لدائرة الإحصاءات العامة.
- بلغ الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك لشهر يناير 2024 ما مقداره 109.72 مقابل 107.62 لنفس الشهر من العام 2023.
إشكاليات يواجهها المواطن والأسواق
وعدد المحلل الاقتصادي الأردني، الإشكالات التي يواجهها المواطن والأسواق تزامنًا مع شهر رمضان هذا العام:
- تغير أذواق المستهلكين، وهو ما أشار إليه صندوق النقد والبنك الدوليين في تقاريرهما عن الأردن، مُنبهين أن هذا التغير في السلوك الاستهلاكي يؤثر على الحراك الاقتصادي والتجاري، مما يؤثر على توقعات معدلات النمو الاقتصادي التي تم تخفيضها من 3 بالمئة خلال عام 2024 إلى 2.6 بالمئة، وربما تقل عن 2 بالمئة كما جاء في تقرير صندوق النقد الدولي إذا ما تواصلت الحرب على غزة وتضررت الكثير من القطاعات الاقتصادية والتجارية بالأردن.
- الاضطرابات المتصاعدة في البحر الأحمر، وهناك إشارات مستمرة إلى أن كُلف التأمين والشحن زادت لأكثر من 200 بالمئة، وبالتالي هذا يؤثر على أسعار السلع المستوردة، خاصة وأن الأردن يستورد ما يتراوح بين 60 إلى 70 بالمئة من احتياجاته الغذائية ومدخلات صناعة الغذاء من الخارج.
- أحداث غزة ونتائجها تظهر من خلال عزوف المواطنين عن أبسط مظاهر الاحتفال باستقبال شهر رمضان، واحتياجات كثيرة يرون أن البزخ فيها خلال الشهر سابقا لم يعد لها معنى الآن، فيما الناس في غزة يموتون جوعًا.
- ارتفاع أسعار الطاقة في السوق الأردنية.
- التفاوت في الأسعار بين المحال التجارية في منطقة وأخرى، وكثيرا ما يحدث أن سلعاً غذائية بعينها تختفي وأسعارها ترتفع بشكل جنوني، خاصة الأساسية منها على الموائد في رمضان.
- الأوضاع الاقتصادية ضاغطة على المواطنين، ومعدلات الدخل في تراجع.
- القدرة الشرائية للمواطنين تتعرض إلى التآكل المستمر، وارتفاع الأسعار في حد ذاته سبب من أسباب انخفاض الحراك الاقتصادي في السوق، وبالتالي فإن ذلك يؤدي لمشكلات من الواضح أن تأثيرها على الأداء الاقتصادي من نمو وحركة تجارية يتم التعبير عنه بانخفاض الحركة التجارية في القطاعات الاقتصادية وانخفاض العائد والإيرادات من النشاط الاقتصادي لها، خاصة محال التجزئة وقطاع المواد الغذائية.
تأثير المقاطعة
كما نبه كذلك إلى أن استمرار مقاطعة منتجات الشركات الداعمة لإسرائيل في الأردن أثر على المستوردات من منتجات وسلع بالسوق، وأنه نتيجة لتلك المقاطعة التي تحولت إلى عادة مستمرة، تم الاعتماد على المنتجات الأردنية، وهو ما أثر على معدلات البطالة التي كان يُتوقع ارتفاعها، ففي الربع الأخير من العام الماضي انخفض المعدل، بينما ارتفع في الربع الثالث إلى 22.3 بالمئة، وانخفض في الربع الرابع إلى 21.4 بالمئة، هو ما يشير إلى التحول نحو الإنتاج والمنتجات الأردنية ما سمح بزيادة التوظيف بقطاعات كانت حتى وقت قريب تشكو من أوضاعها ما يصب في صالح العملية الاقتصادية.
وأشار إلى أن كثيرًا ما تتحدث الحكومة عن القيام بدوريات في الأسواق لضبط الأسعار، وتعلن أنها لن تسمح بزيادتها، لكن آلية التسعير من الواضح أنها يشوبها كثير من العيوب، خاصة وأن هناك كلف إضافية تتعلق بالضرائب والرسوم وحلقات كثيرة كلها تذهب نحو زيادة الأسعار.
كما شدد الخبير الاقتصادي على ضرورة أن تطبق الحكومة ما وصفه بـ "اقتصاديات رمضان"، والتي يعد واحدًا من أدواتها تخفيف العبء والكُلف على الفقراء ومحدودي الدخل، عبر:
- تخفيض ضريبة المبيعات على السلع التي تهم الشريحة الأوسع من المستهلكين.
- إقامة أسواق شعبية في مناطق كثيرة تكون الأسعار فيها في متناول المواطنين.
- أن تكون لدى الحكومة سياسة ضبط الأسعار، بأن لا تترك الأمر لكل تاجر أن يحدد السعر بنفسه.
- مراقبة جودة ما يعرض في السوق
استنفار حكومي
وأوضح الناطق باسم الجمعية الوطنية لحماية المستهلك في الأردن، الدكتور حسين العموش، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أنه:
- دائمًا ما يكون هناك ترقب في الأسواق الأردنية لارتفاع الأسعار قبيل وخلال شهر رمضان.
- هناك استباق من قبل رئيس الوزراء الأردني للسيطرة على الأسواق.. رئيس الوزراء الأردني وجه وزيرة الصناعة والتجارة بعمل خلية أزمة ومتابعة للأمور، وأن يكون هناك استعمال للقانون، وأبعد من ذلك استعمل عبارة "بدنا العين الحمراء في وجه التجار والمغالين بالأسعار".
- هناك استعدادات جيدة لكن النتائج تبقى بانتظار الوضع القائم.
وبشأن وضع الأسواق في الوقت الحالي، ذكر أن هناك ارتفاعات في الأسعار على رأسها أسعار اللحوم الحمراء والمستوردة، أيضا هناك ارتفاع في بعض أصناف الخضروات والفواكه.
ونبه إلى أن المواطن الأردني يواجه عديداً من التحديات في ظل ارتفاع الأسعار، وهيمنة بعض التجار على سلع بعينها (..) فيما الجهات المختصة تعمل على أن يكون هناك توازن في سعر السوق، مقترحًا أن تقوم المؤسسة الرسمية باستيراد السلع التي يسيطر عليها التجار وتوزيعها لكسر الاحتكار.
وأشار إلى أن القوة الشرائية متدنية لدى المستهلكين، وهو ما انعكس على كميات الشراء، وأن الأزمة تكون قبل أسبوع من شهر رمضان وأول أسبوع من الشهر، بينما بعد ذلك تعود الأمور إلى طبيعتها.
كما أكد أن دور الحكومة في التخفيف عن كاهل المواطن إيجابي، مشيرًا إلى أنها مستنفرة في ظل استقواء كبار التجار على الحكومة، مشددًا على ضرورة استعمالها قوة القانون لإحداث توازن في الأسواق.
إجراءات حكومية
وبحسب تصريحات إعلامية أدلى بها أخيراً، وزير الصناعة والتجارة والتموين يوسف الشمالي، فإن الحكومة اتخذت عدداً من الإجراءات الاستباقية للتخفيف من الارتفاعات التضخمية، موضحاً أن الوزارة جاهزة لشهر رمضان المبارك من خلال توفير السلع الأساسية وبأسعار أقل من شهر رمضان الماضي.
كما أن الحكومة التزمت في الموازنة العامة للسنة المالية 2024 بعدم رفع أسعار أو وضع ضرائب أو أي رسوم على الأردنيين، وأشار إلى فتح المجال للتخزين في شركة الصوامع وفي المخازن التابعة للحكومة بأسعار تفضيلية، مما ساعد القطاع الخاص أن يخزن كميات كبيرة بأسعار تفضيلية لأن التخزين فيه كلفة عالية على القطاع الخاص.
وقبيل أيام، أكدت وكالة ستاندرد آند بورز، تصنيفها الائتماني للأردن عند "b+/b" مع نظرة مستقبلية مستقرة، موضحة أن تداعيات الحرب في غزة ترفع حدة التوتر الإقليمي وتؤثر على نشاط الأردن السياحي وتحد من التجارة.
وأفادت الوكالة بأن "النظرة المستقرة للأردن تعكس توقعاتنا بأن الحرب بين إسرائيل وحماس لن تتسع رقعتها إلى خارج قطاع غزة". كما تشير تقديرات الوكالة إلى أن الحرب بين إسرائيل وحماس لن تسبب اضطرابا سياسيا داخليا كبيرا في الأردن، كما توقعت أن يظل الدعم المالي الدولي للأردن قويا.