هل يواصل الاقتصاد الروسي صموده مع استمرار الحرب؟
15:28 - 03 مارس 2024دخلت الحرب في أوكرانيا عامها الثالث، وقد تسببت في عواقب اقتصادية وخيمة على الاقتصاد العالمي بشكل عام، وطرفيها "روسيا وأوكرانيا" بشكل خاص، حتى وإن كان تأثير تلك العواقب بنسب متفاوتة.
موقع "بيزنس إنسايدر" نقل عن كبير محاضري الاقتصاد في جامعة لانكستر بالمملكة المتحدة، رينو فوكارت، قوله إن الاقتصاد الروسي يخضع بالكامل لسيطرة الحرب في أوكرانيا، لدرجة أن موسكو لا تستطيع تحمل الفوز أو الخسارة في الحرب!
وحذر من تفاقم الوضع الاقتصادي الذي تواجهه روسيا في حال انتهاء الحرب في أوكرانيا.
وبينما نما الناتج المحلي الإجمالي لروسيا بنسبة 5.5 بالمئة على أساس سنوي خلال الربع الثالث من عام 2023، وفقًا لبيانات الحكومة الروسية، فإن فوكار أوضح أن معظم هذا النمو يغذيه الإنفاق العسكري الهائل في البلاد، مع خطط الكرملين لإنفاق رقم قياسي قدره 36.6 تريليون روبل، أو 386 مليار دولار على الدفاع هذا العام.
وأشار إلى أن الرواتب العسكرية والذخيرة والدبابات والطائرات وتعويضات الجنود القتلى والجرحى، كلها تسهم في أرقام الناتج المحلي الإجمالي، ليوضح أن الحرب ضد أوكرانيا الآن هي المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي في روسيا.
فيما تتضرر مجالات أخرى من الاقتصاد الروسي مع استمرار الحرب، ما يضع الكرملين في موقف صعب، بغض النظر عن نتيجة الحرب في أوكرانيا، وعلى رأسها:
- تعاني موسكو من نقص حاد في العمالة، وذلك بفضل المهنيين الشباب الفارين من البلاد أو الذين تم جرهم إلى الصراع، حيث تعاني البلاد الآن من نقص في حوالي 5 ملايين عامل، وفقاً لأحد التقديرات، مما يتسبب في ارتفاع الأجور .
- ارتفاع معدل التضخم إلى 7.4 بالمئة، أي ما يقرب من ضعف هدف البنك المركزي البالغ 4 بالمئة.
- انهيار الاستثمار المباشر في البلاد، حيث انخفض بنحو 8.7 مليار دولار في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2023، وفقًا لبيانات البنك المركزي الروسي.
- تجنب الدول الغربية التجارة مع روسيا منذ الحرب في أوكرانيا في عام 2022، وهو ما قال الاقتصاديون إنه قد يعيق بشدة النمو الاقتصادي لروسيا على المدى الطويل.
تكاليف إعادة البناء
ورأى كبير محاضري الاقتصاد في جامعة لانكستر بالمملكة المتحدة، أنه حتى لو فازت روسيا، فإن البلاد لا تستطيع تحمل تكاليف إعادة بناء أوكرانيا وتأمينها، وذلك بسبب التكاليف المالية، فضلاً عن تأثير البقاء معزولًا عن بقية السوق العالمية.
وقال إنه طالما بقيت روسيا معزولة، فإن "أفضل أمل" لها هو أن تصبح "معتمدة كليًا" على الصين ، أحد حلفائها الاستراتيجيين القلائل المتبقين.
وفي الوقت نفسه، أضاف أن تكاليف إعادة بناء الدولة "هائلة" بالفعل، مشيرًا إلى مشاكل مثل البنية التحتية المعطلة والاضطرابات الاجتماعية في روسيا.
واستطرد قائلًا: "ليس لدى النظام الروسي أي حافز لإنهاء الحرب والتعامل مع هذا النوع من الواقع الاقتصادي.. لذا فهي لا تستطيع تحمل كسب الحرب، ولا يمكنها تحمل خسارتها فإن اقتصادها الآن موجه بالكامل نحو مواصلة حرب طويلة وأكثر فتكاً من أي وقت مضى".
وحذر اقتصاديون آخرون من مشاكل قادمة لروسيا وسط خسائر حربها في أوكرانيا، فقد حذر مؤخراً أحد مراكز الأبحاث التي تتخذ من لندن مقراً لها من أن الاقتصاد الروسي سوف يشهد المزيد من التدهور في المستقبل، على الرغم من الحديث عن مرونة روسيا في مواجهة العقوبات الغربية.
تحديات نجح الاقتصاد الروسي في مواجهتها
من جانبه، أكد أستاذ الاقتصاد في جامعة بورتسموث، الدكتور أحمد عبود، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن:
- الاقتصاد الروسي قوي؛ لاعتماده بشكل كبير على إنتاج منُتجات أساسية بالنسبة لدول العالم مثل الحبوب على سبيل المثال والغاز والنفط.
- الاقتصاد الروسي أظهر صمودًا خلال العامين الماضيين، في مواجهة تحديات عديدة كانت تهدده، ليحقق نجاحًا خاصة في ظل ظروف الحرب.
- أثبت أن لديه قدرة على تحمل العقوبات التي تم فرضها من الغرب.
- استطاع أن يثبت أن لديه قدرة على النمو اقتصاديًا دون الاعتماد على علاقاته بالغرب.
- اتجهت روسيا في العامين السابقين إلى الوصول لأسواق جديدة في الغاز والنفط والحبوب في دول أميركا الجنوبية وفي آسيا، وبالأخص مع الهند والصين.
- حققت روسيا معدلات إنتاج عالية من الحبوب.
- أنشأت علاقات اقتصادية وسياسية قوية مع دول آسيا وأميركا الجنوبية وإفريقيا عن طريق تقديم الحبوب بأسعار مخفضة، كذلك تصدير الغاز والنفط بشكل دائم إلى الهند والصين.
وبيّن أن روسيا لديها مقومات عديدة تساعدها على النمو الاقتصادي والاستمرار، يأتي على رأسها إنتاج النفط والغاز والحبوب، وهي سلع أساسية وضرورية للصناعة والغذاء، لتُعتبر من أهم الدول المنتجة عالميًا لها، موضحًا أنها استطاعت أن تستخدم إنتاجها واحتياطاتها من تلك الموارد في محاربة الاتحاد الأوروبي وفرض ضغوط عليه بسبب ارتفاع أسعار الطاقة.
- بحسب بيانات وكالة الإحصاء الروسية "روستات"، فإن محصول البلاد من الحبوب في 2023 سيبلغ 142.6 مليون طن.
- وكان إنتاج البلاد من الحبوب قد بلغ 157.7 مليون طن، وبالتالي فإن إنتاج البلاد من الحبوب تراجع بنسبة 9.5 بالمئة على أساس سنوي.
- إجمالي الصادرات الزراعية الروسية زاد على 45 مليار دولار في عام 2023.
- وفقًا لتصريح نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، لمجلة خاصة بوزارة الطاقة، في يناير الماضي، فإن إنتاج روسيا من النفط ومكثفات الغاز لعام 2023 انخفض بأقل من واحد بالمئة إلى 10.6 مليون برميل يوميا.
تعزيز النمو فيما بعد الحرب
فيما أوضح المستشار في شؤون الطاقة مصطفى البزركان، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن الاقتصاد الروسي تأثر سلبًا بالحرب خلال العام 2022، ولكنه بعد ذلك حقق نموًا لم يكن متوقعاً، وهو النمو الذي يمكن أن يستمر بل يتعزز إذا توقفت تلك الحرب.
وأرجع السبب وراء تحقيق روسيا نموًا خلال فترة الحرب وقدرتها على تعزيز ذلك النمو مستقبلًا، إلى أنها تمكنت من خلال (اقتصاد الحرب) من تخطي عقبات العقوبات التي فرضتها عليها الدول الغربية والتي تجاوزت 19200 عقوبة، في مقدمتها عقوبات أميركية وكندية وسويسرية ودول الاتحاد الاوروبي .
وصلت العقوبات، التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على روسيا لإجبارها على الانسحاب من أوكرانيا، 12حزمة عقوبات، تغطّي نحو 1800 فرد وكيان.
وبشأن التحديات التي ستواجهها روسيا في حال انتهاء الحرب، في ظل وجود نظام الرئيس بوتين، أكد أن تعزيز العلاقات مع دول العالم التي لم تشارك بالعقوبات، في مقدمة تلك التحديات، وكذلك إعادة العلاقات مع الدول التي فرضت العقوبات عليها لكن مع التمسك بالحذر وعدم إبرام اتفاقيات قد لا تكون لصالح روسيا.
وذكر أن الاقتصاد الروسي حقق نموًا غير متوقع خلال العام 2023 حيث تمكنت روسيا من إيجاد أسواق بديلة للنفط والغاز في جنوب شرق آسيا، إضافة إلى الالتفاف على العقوبات حيث قدمت تخفيضات سعرية وصلت إلى 30 بالمئة، والتي اعتبرت حافزاً للهند والصين من أن أجل أن تكونا أكبر سوقين للنفط والغاز الروسي .
مبيعات الغاز والنفط الروسي إلى الصين والهند تضاعفت بشكل كبير جداً، ووصل ناتج التجارة السنوية بين روسيا والصين في 2023 إلى ما يقرب من 200 مليار دولار، وهذا تقريبا ضعف معدل قبل الحرب؛ إذ كان حجم التجارة بينهما يصل إلى 120 أو 130 مليار دولار.
وأضاف أن روسيا حققت نموًا في الناتج الصناعي بنسبة تجاوزت 3 بالمئة، من خلال زيادة الصناعات العسكرية والأجهزة الكهربائية والكمبيوترات والسيارات، إضافة إلى أن إنتاجها وصادراتها من الحبوب لم تنخفض بل ارتفعت خلال العام الماضي، ليصل إنتاجها إلى 90 مليون طن.