حرب الـ "غو برو" في غزة.. اترك السلاح ولا تترك الكاميرا
00:13 - 28 فبراير 2024جاء إعلان الجيش الإسرائيلي، الاستيلاء على كاميرا من مقاتلي حماس بعد مقتل عدد منهم، حيث تُظهر مقاطعها المصورة عملياتهم بالقطاع، ليشير إلى حرب أخرى بين طرفي الصراع، لكن في مجال الكاميرات المثبتة على جسد أو خوذة المقاتلين، حيث يسعى كل طرف للحصول على أكبر قدر من المعلومات عن الجانب الآخر، ومواجهته في ساحته.
ويعتقد محللون عسكريون ومراقبون، في حديثهم لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن الحرب في غزة أظهرت أهمية خاصة للحصول على المقاطع التي سجلتها الكاميرات داخل القطاع باعتبار محتواها "كنزًا معلوماتياً" تُعطي أحد الأطراف فرصة للوصول إلى معلومات حساسة عن المجموعات القتالية وتكتيكاتها العسكرية، ما قد يُسهل مواجهتها وتدميرها.
لقطات مهمة
- كان الاهتمام بالكاميرات خلال هذه الحرب مبكرًا وخاصة خلال هجمات السابع من أكتوبر، إذ أظهرت لقطات مصورة من إحدى الكاميرات المثبتة على خوذات مقاتلي "القسام" لحظة سيطرتهم على مقر قيادة فرقة غزة في الجيش الإسرائيلي.
- وفي ديسمبر الماضي، نشرت كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة حماس، مقاطع فيديو تظهر جانبا من عمليات استهداف الآليات والعسكريين الإسرائيليين، حيث رصد هجمات في مدينة غزة، حيث كانت الكاميرا مثبتة في جسم جندي إسرائيلي وظهر جندي آخر بجانبه وفي الخلفية تبدو عملية سحب دبابة معطوبة.
- وحتى الآن، تستخدم حماس كاميرات "غو برو" أو أنواع تشبهها، خلال رصدها للعمليات التي تشنها ضد القوات الإسرائيلية، والتي تعرضها في وقت لاحق على منصاتها الإعلامية.
- في المقابل، استخدم الجيش الإسرائيلي كاميرات مثبتة على الخوذة في متابعة سير العمليات بغزة، إذ أظهرت لقطات من إحدى الكاميرات ثبتت على كلب عسكري، أفلته الجيش لتفتيش أحد المباني في حي الشجاعية، واقعة استغاثة أطلقها أحد الأسرى الثلاثة الذين قُتلوا بنيران صديقة في ديسمبر الماضي.
- وتُظهر المقاطع التي يبثها الحيش الإسرائيلي، استخدام الكاميرات المُثبة على رأس الجنود وفي زيهم العسكري، خلال المداهمات التي يقوم بها للمباني والمناطق المختلفة داخل قطاع غزة.
- وفي سياق الكاميرات، لكن هذه المرة مع كاميرات المراقبة، سبق أن نشر الجيش الإسرائيلي، مقطع فيديو يظهر قائد حماس في غزة، يحيى السنوار، وهو يتحرك داخل نفق برفقة أبنائه وزوجته.
نقطة فارقة
واعتبر نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق لشؤون الشرق الأوسط مايك ملروي، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن وجود الكاميرات سواءً "غو برو" أو عبر الهواتف المحمولة أو كاميرات المراقبة، قد أحدث فارقًا في حرب غزة عن غيره من باقي الحروب.
وقال ملروي الذي سبق أن عمل في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، إن "كما حدث في العديد من الحوادث السابقة، فهناك حاجة لتسجيل ما يجري بدقة، حيث يُمكن للجيش الإسرائيلي على سبيل المثال استخدام تلك الكاميرات لتحديد عناصر حماس، وتسجيل الأعمال غير القانونية المحتملة من قِبل الجنود، وبطبيعة الحال، يتم إظهار ما يجري أمام العالم حتى يتمكن من التعرف على ما يجري بدون أدلة".
وبشأن المستفيد من حرب كاميرات "غو برو"، أضاف ملروي: "من الصعب تحديد ذلك، لكن تسجل حماس للفظائع التي جرى ارتكبتها في 7 أكتوبر كان سلاحًا ضدهم، إذ رأى العالم وحشيتهم، وفي المقابل تريد إسرائيل تدمير القدرة العسكرية لحماس، لكن تسجيل كيف تسير الأمور في هذا الشأن مهم للغاية".
ويشير نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق إلى أن "حماس تريد إظهار قوتها من خلال بث مقاطع فيديو لعملياتها، كما تُظهر بعض اللقطات الأخرى كيف أصبح الوضع بائسًا داخل القطاع"، ومع ذلك يوضح أن الحرب باتت مذاعة على الهواء مباشرة لإظهار ما يجري بدقة.
لا تترك الكاميرا وراءك
وعن تأثير استخدام كاميرات "غو برو" في تغيير العقيدة القتالية، أوضح "ملروي" أنه "تم استخدام تلك الكاميرات من قِبل العديد من الجنود كوسيلة لتسجيل تجاربهم في أيام الحرب، لكنني أعتقد أن جميع الجيوش تقريبا ستحظرها من الاستخدام لاحقًا، لما لها من تداعيات خطيرة"، على أن يقتصر دورها على استخدامات مُحددة.
ويشير بعض الخبراء إلى أن العقيدة القتالية للجيوش كانت التمسك بالسلاح حتى النَفس الأخير، بيد أن تغييرًا قد طرأ بعدم ترك الكاميرا في أي موقع حتى لو تسبب الأمر في ترك سلاح الجندي ذاته.
ويضيف "ملروي" أن "الإرهابيين ذاتهم يستخدمون تلك الكاميرا لأنهم يريدون توثيق أفعالهم، واستخدامها لتخويف الآخرين".
بدوره، قال الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء حمدي بخيت، في حديثه لسكاي نيوز عربية، أن استخدام كاميرات "غو برو" في ساحة المعركة، هو جزء من التطور التكنولوجي والعسكري الراهن، لافتًا إلى أن الجيش الإسرائيلي يستخدم تلك الكاميرات منذ فترة طويلة ضمن تسليح جنود المشاه، لكن الأمر الجديد هو استخدام عناصر حماس لتلك التقنيات، معتبرًا ذلك "تطورًا نوعياً".
وأوضح "بخيت" أنه مع تشديد العقيدة القتالية على عدم ترك الميدان تحت أي ظرف، إلا أنه قد يكون هناك مجال لترك السلاح إما نتيجة الحركة أو التكتيكات الفردية والضغط من قوى معادية، بيد أنه لا يكون هناك مجال لترك تلك الكاميرا بالنظر لكونها مُثبتة بشكل لصيق بالجندي المقاتل، وكذلك لحماية ما عليها من معلومات ومقاطع مصوّرة.
وأشار الخبير العسكري إلى أن ما تحتويه الكاميرا يعد مقياسًا لكم المعلومات التي جرى الحصول عليها.
تقنيات متطورة
بدوره، قال خبير الإعلام الرقمي وتكنولوجيا المعلومات، محمد الحارثي، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن هناك العديد من التقنيات الحديثة في مجال الكاميرات التكنولوجية، إذ تطورت ليكون هناك أنواعًا تُسمى "إيجل آي" لأعمال المراقبة والمتابعة الدقيقة، وهيّ مزودة بقدرات فريدة من نوعها، إلى جانب أنواع من الكاميرات المعتمدة على تقنيات الذكاء الاصطناعي، فضلًا عن استخدام كاميرات "غو برو" لمتابعة ما يجري داخل ساحة المعركة.
وأضاف الحارثي أن "الكاميرات لم تعد ثابتة، فقد تكون مدمجة في طائرات الاستطلاع، خاصة الدرون وتستخدمها إسرائيل لنقل الصورة في قطاع غزة، كما أن هناك مجسات للاستشعار عن بعد، وبمقدورها أن تستشعر أي أنماط حركة ويمكن أن تفرق بين العنصر البشري والعناصر الأخرى، إذ تٌفرق بين إن كان الشخص طفلًا أم شابًا، أو شخص مسلح أو غير مسلح".
وأشار خبير تكنولوجيا المعلومات إلى أن "طائرات الاستطلاع مزودة بكاميرات دقيقة وأنظمة لها القدرة على الرؤية الحاسوبية، ومدمج بها تقنيات الذكاء الاصطناعي والتي بإمكانها التعرف على الأنماط المتحركة والثابتة على الأرض، أو كاميرات تستخدم للتعرف على ما يجري داخل الأنفاق".
وأوضح أن بعض الطائرات التابعة للجيش الإسرائيلي مُدمج بها بعض الكاميرات القادرة على تحديد الأنماط المتحركة تحت طبقات الأرض، وأصبحت متصلة بمراكز رئيسية لتحليل مصادر المعلومات القادمة عن طريق الطيارات.
وتابع الحارثي: "هناك تطور سريع في تحليل الأنماط البصرية، بجانب أن البيانات المنقولة عن طريق هذه الكاميرات يستخدمها الجيش الإسرائيلي للتعرف على ما يجري، بما يمنحه القدرة على التفرقة ما بين الشخص المسلح وغير المسلح".
بنك معلومات
وفي تقدير أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية في القدس، وعضو اللجنة المركزية لحزب العمل الإسرائيلي، مئير مصري، فإن "الأحداث الأخيرة أثبتت فعالية وأهمية أدوات المراقبة، حيث وفرت للأجهزة الأمنية بنكاً من المعلومات الثمينة ساعدت في التعرف على أعداد كبيرة من الإرهابيين، كشفت ملابسات كثيرة ووفرت للدولة أدلة لا حصر لها دعمت موقف إسرائيل الدولي".
وأضاف "مصري" في تصريحات لسكاي نيوز عربية، أن "كاميرات حماس أفادت إسرائيل"، موضحًا أن "عناصر حماس تعتقد أن تصوير مشاهد الإجرام في إسرائيل من شأنه إضعاف معنويات الإسرائيليين"، لكننا استفدنا من تلك المقاطع التي تدين حماس بوضوح وتوثق جرائمها"، حسب قوله.
ومضى أستاذ العلوم السياسية قائلًا: "كاميرات حماس قدمت لنا دليل إدانتها على طبق من فضة، حيث يسهل مشاهدة ما قاموا به (...)، ولو كنا نشرنا تلك المعلومات كتابةً، لما صدقنا العالم؛ ولكن بفضل كاميرات حماس (غو برو) التي وثقت كل شيء، استطعنا أن نثبت للجميع ضرورة القضاء على حماس".