فروق صرف العملات في الجزائر.. معضلة اقتصادية بحاجة إلى حل
14:41 - 16 فبراير 2024في ساحة قريبة من وسط الجزائر العاصمة، يحمل تجار العملات كميات كبيرة من اليورو والجنيه الاسترليني والدولار، على أمل استبدالها من جانب مواطنين أصابهم القلق من انخفاض قيمة الدينار الجزائري، بحسب تقرير لوكالة "أسوشيتد برس".
هذه السوق السوداء للعملات الأجنبية هي واحدة من المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها الجزائر، التي أثبتت - وهي الدولة المتمسكة بسعر صرف ثابت للعملات - أنها غير قادرة على خفض طلب مواطنيها على هذه العملات.
يسلط اتساع الفرق بين السعر الرسمي للعملات وسعر الصرف الموازي الضوء على مدى تراجع القدرة الشرائية للمواطن الجزائري.
في الدولة الغنية بالنفط الواقعة في شمال إفريقيا، تسعى الحكومة بكافة السبل لمكافحة التضخم، والحفاظ على الإنفاق الحكومي، والدعم، وضبط الأسعار.
الأسبوع الماضي، كان سعر الصرف الرسمي يورو واحد مقابل 145 دينارا جزائريا، بينما كان تجار العملة في السوق الموازية يبيعون في اليوم نفسه اليورو الواحد مقابل حوالي 241 دينارا، أي أن التفاوت بين السعرين بلغت نسبته 66 بالمئة.
ويعاني السكان من انخفاض قدرتهم الشرائية وخاصة كبار السن الذين يعتمدون في تسير شؤون حياتهم على المعاش التقاعدي.
قال رابح بلمان، وهو معلم متقاعد (72 عاما)، "القيمة الحقيقية للدينار موجودة في السوق الموازية، وليس في البنك الذي يستخدم سعرا مصطنعا"، بحسب وكالة "أسوشيتد برس".
يعرف عن الجزائر منذ زمن طويل أنها من بين أكثر الاقتصادات تعقيدا في سعر الصرف في المنطقة. فهي تحد بشدة من العملات الأجنبية التي يمكن لمواطنيها الحصول عليها للقيام بالحج أو العمرة، أو للقيام بزيارات عائلية في الشتات الجزائري الكبير في أوروبا.
تقدر الحكومة حجم تداول العملات الأجنبية في السوق السوداء للبلاد بنحو 7 مليارات دولار.
من لبنان إلى نيجيريا، يحذر الخبراء من أن وجود سعري صرف متوازيين يشوه اقتصاد أي دولة، وينفر الاستثمار، ويشجع الفساد.
كانت الجزائر مترددة على مدار تاريخها في خفض القيمة الرسمية للدينار، خشية أن يؤدي خفض قيمة العملة إلى ارتفاع الأسعار وإثارة غضب السكان.
يدرك المتداولون جيدا أن الفجوة بين سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف في السوق السوداء يمكن أن تضيق أو تتسع. ويتوقعون أن يزداد هذا التأرجح مع اقتراب شهر رمضان.
فقال تاجر العملات نور الدين سعداوي،: "في الأيام الأخيرة، كان هناك نقص في المعروض من اليورو، وهو ما يفسر ارتفاع سعره".
قد يزيد هذا النقص من صعوبة شراء الجزائريين لعدد من السلع. لكن البعض في الحكومة يعتقد أن هذا يعكس نجاح قيود الاستيراد والقوانين التي تحد من مبالغ اليورو الواردة إلى البلاد.
قال هشام صفر، رئيس اللجنة المالية في المجلس الشعبي الوطني (البرلمان الجزائري)، الأسبوع الماضي إنه "يرحب" بمثل هذه المخاوف، مضيفا أن الفجوة المتزايدة بين أسعار السوق الرسمية والسوق السوداء تعني دخول مبالغ أقل من اليورو إلى البلاد.
وقال لقناة جزائرية محلية "لم تعد هناك زيادة في الرسوم على الواردات"، مشيرا إلى أن الجهود التي يبذلها موظفو الجمارك لتحسين تنظيم الواردات من خلال بنك الجزائر وتقليل استخدام العملات الأجنبية.
وتترقب لجنة المالية بالبرلمان، في غضون الأيام القليلة القادمة إحالة مشروع قانون معدل للقانون النقدي والمصرفي للمرة الثانية على التوالي بعد مصادقة البرلمان على التعديلات التي أدرجت على نسخة القانون النقدي والمصرفي شهر مايو الماضي، وهي الأولى من نوعها منذ عام 1990.
كما أكد عضو لجنة المالية والميزانية في البرلمان، هشام صفر أن وزير المالية الجزائري لعزيز فايد كشف لأعضاء اللجنة أنه يجري حاليا ضبط اللمسات الأخيرة التي تسبق فتح مكاتب الصرافة رسميًا وتتعلق معظمها بطريقة تمويل هذه المكاتب وهو الإشكال المطروح حاليا، وهي الخطوة التي تأتي بعد مصادقة المجلس النقدي والبنكي خلال دورته العادية التي انعقدت في 21 سبتمبر الماضي وبرئاسة صلاح الدين طالب محافظ بنك الجزائر على مشروع نظام يتعلق بشروط الترخيص وإنشاء واعتماد عمل مكتب الصرف في البلاد، بحسب صحفة محلية جزائرية.
ويرى صفر أن فتح مكاتب الصرف بات اليوم يشكل ضرورة ملحة، فلا يمكن تحقيق إقلاع اقتصادي في ظل هذه المؤشرات لا سيما وأن هذه السوق تكتنز اليوم 90 مليار دولار حسب تصريحات مسؤولين كما أن هذه السوق تشغل قرابة 4 ملايين شخصًا بطريقة غير شرعية وهو العدد الذي يمثل نسبة 45.6 بالمئة من اليد العاملة الشغيلة خارج قطاع الفلاحة أغلبهم في التجارة والخدمات.
على مدار عقود سمحت الإيرادات الثابتة من النفط والغاز للجزائر باستيراد كل احتياجات البلاد من أعواد الأسنان إلى الآلات الصناعية.
وركزت سوق الاستيراد الكبيرة في البلاد القوة الاقتصادية في أيدي مجموعة صغيرة من رجال الأعمال.
ومنذ تولي الرئيس عبد المجيد تبون السلطة، استهدفت البلاد ما يسمى بـ "الأوليغاركية"، ومنها الشركات النشطة في مجال الواردات. وخلال فترة ولايته تأرجحت اسعار السلع الأساسية بالدينار الجزائري، وتقلصت الواردات بشكل أكبر.
برزت الجزائر كمستفيد غير متوقع من الحرب في أوكرانيا، مع ارتفاع أسعار الطاقة وبحث أوروبا عن موردين غير روسيا للنفط والغاز. لكن البلاد شهدت أزمات غذائية وغضبا متصاعدا مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية، كالدجاج وزيت الطهي والبقوليات.
قال الخبير الاقتصادي كريم علام إن قوة اليورو أضرت بالجزائر، إذ قلصت القوة الشرائية لأصحاب الدخول بالدينار. كما شكك في فكرة أن نقص العملات الأجنبية يعكس نجاح الحكومة، وأيضا في فرار رجال الأعمال من البلاد بأعداد كبيرة، أو ارسالهم أموالا إلى الخارج.
وأضاف: "لا أعتقد أنهم سيخاطرون بتهريب العملة إلى خارج البلاد، الذي يعتبر جريمة اقتصادية عقوبتها السجن 20 عاما".
وبغض النظر، فإن انخفاض قيمة الدينار في السوق السوداء هو أحد المؤشرات على استمرار فقدان القوة الشرائية للجزائريين رغم جهود الحكومة لتحقيق استقرار الاقتصاد، مع الحفاظ على الإنفاق الحكومي والدعم.