"حرب الوسائد" تكشف أوراق حزب الله.. وهذه خياراته القادمة
23:56 - 09 فبراير 2024يمضي حزب الله اللبناني في تنفيذ سياساته السياسية والعسكرية على حبل مشدود مع إسرائيل، في خضم الصراع الدائر في الشرق الأوسط، بعد تحذيرات أميركية وغربية مستمرة بضرورة تجنب الانخراط في مواجهة مباشرة تحسبا لانفجار الوضع وخروجه عن السيطرة.
وألقت زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى لبنان، الجمعة، تساؤلات عن خيارات حزب الله خلال الفترة المقبلة.
لكن في تأكيد على عدم رغبة إيران في انخراط أقوى ذراع لها في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، قال وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان، اليوم الجمعة، إن حزب الله قام بدوره الفعال الرادع، مشيرا إلى أن إيران أبلغت الولايات المتحدة منذ بداية الأزمة في غزة أن "الحرب ليست هي الحل".
وصرح أمير عبد اللهيان للصحفيين في مطار رفيق الحريري في بيروت إن "حزب الله والمقاومة في لبنان قاما بشجاعة وحكمة بدورهما الفعال الرادع."
والزيارة هي الثالثة التي يقوم بها وزير الخارجية الإيراني إلى لبنان منذ اندلاع الحرب في غزة، التي دخلت مؤخرا شهرها الخامس.
لا حرب ولا هدوء
ووصف مراقبون وخبراء عسكريون في حديثهم لموقع "سكاي نيوز عربية"، الوضع الراهن بين حزب الله وإسرائيل، بأنه "لا حرب ولا هدوء"، فيما يمكن اعتباره "حرب الوسائد"، حيث يخشى الحزب من المواجهة المباشرة مع الجيش الإسرائيلي في هذا التوقيت بما يؤثر على قدراته ويضعها في مهب الريح، في الوقت الذي يبحث به عن تعظيم حضوره الإقليمي استغلالا لهذه الحالة.
ومن المنظور الإيراني، قال عبد اللهيان إن حزب الله "قام بدوره الفعال الرادع"، مضيفا أن طهران ستستمر "في دعمها القوي للمقاومة في لبنان، إذ نعتبر أمن لبنان من أمن إيران والمنطقة"، حسب قوله.
وبدأ حزب الله شن هجمات على الحدود بين لبنان وإسرائيل يوم 8 أكتوبر، بعد 17 عاما من الهدوء النسبي، وبعد يوم من شن حماس هجومها على جنوب إسرائيل الذي أثار حرب غزة.
في المقابل، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه يتعين إيجاد حل "دبلوماسي أو عسكري" لأزمة الحدود الشمالية لإسرائيل، التي أجبر فيها تبادل لإطلاق النار مع حزب الله عشرات الآلاف من الإسرائيليين على النزوح من منازلهم.
المواجهة خط أحمر
يرى الخبير الأميركي المتخصص في الشؤون الأمنية والإستراتيجية سكوت مورغان أن حزب الله يتخوف من مواجهة مباشرة مع إسرائيل، بالنظر إلى تبعاتها على ما تبقى من قوته وقدراته العسكرية، وخشية أن تطاله تأثير فادح في محاوره القتالية، وبالتالي هناك "خط أحمر" محدد لن يتجاوزه في هذه المواجهة.
وأضاف مورغان لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "حزب الله وإيران وحلفاؤها يدركون المخاطر الكامنة في المواجهة المباشرة مع إسرائيل، وبالتالي، كما قال وزير الخارجية الإيراني، فإن "الحرب ليست هي الحل"، وهذه سياسة لن يتم تجاوزها خوفا من مستقبل تلك الجماعات".
هل رضخ لضغوط إسرائيل؟
ويعتقد الخبير الأميركي أن "إسرائيل نجحت في تقليص دور حزب الله في الصراع الراهن، عبر التحذيرات المتكررة من اتساع رقعة المواجهة وفتح جبهة جديدة واسعة للقتال، لكن إسرائيل لم تفعل ذلك منفردة، إذ تدرك الجهات الفاعلة الأخرى داخل لبنان أنه مع استمرار أزمة الاقتصاد داخل البلاد فإن الصراع مع إسرائيل يمكن أن يلحق ضررا لا يمكن إصلاحه".
وأشار مورغان إلى أن "حزب الله استنزف حجما كبيرا من قدراته خلال الحرب في سوريا، على مدار نحو 13 سنة.
وفي تقدير أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية في القدس عضو اللجنة المركزية لحزب العمل مئير مصري، فإن "حزب الله هو حزب إيران في لبنان، ومن الخطأ التعامل معه على أنه لاعب إقليمي مستقل".
ويقول مصري لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "إسرائيل تدرك الحالة اللبنانية ووضع حزب الله جيدا وتنصت إلى حلفائها الدوليين غير المعنيين بجر لبنان نحو المجهول، وبالتالي فحتى هذه اللحظة تعتمد إسرائيل سياسة ضبط النفس على الجبهة الشمالية، حيث تكتفي بالرد على عمليات حزب الله مع تذكرة المجتمع الدولي بضرورة تنفيذ قرارات مجلس الأمن رقم 1559 و1701".
وأضاف أن "إسرائيل فرغت مدن وقرى المناطق الحدودية من سكانها وجلبت عددا كبيرا من قوات الاحتياط على الشريط الحدودي، في سابقة من نوعها منذ عقود، لذلك فإن اجتياح الجنوب اللبناني مرة أخرى لا يتطلب سوى قرار".
حرب الوسائد
من بيروت، أوضح أستاذ العلاقات الدولية والسياسات الخارجية خالد العزي أن "حزب الله بات أسير معادلة فرضها على نفسه وأمام أنصاره، بأنه في حالة مساندة لما يحدث في غزة، وبالتالي عرقلة تقدم القوات الإسرائيلية وإشغالها من خلال عملية توتير الجبهة اللبنانية".
لكن بعدما يتجاوز 125 يوما من الحرب في غزة، يصف العزي الموقف الراهن بين حزب الله وإسرائيل بأنه "حرب وسائد"، فهو لم يعد يستطيع الخروج من الصراع كي لا يحسب ذلك عليه، ولا التقدم في القتال لأن المعارك أصبحت صعبة ومأساوية، وبالتالي يعني ذلك تراجعا لقدراته سياسيا وعسكريا.
وأضاف أستاذ العلاقات الدولية اللبناني لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "هناك الكثير من القتلى بين صفوف حزب الله من جراء تبادل الهجمات مع الجيش الإسرائيلي، ويحاول تبرير ذلك من خلال الضربات الصاروخية التي يطلقها على مواقع إسرائيلية".
المكابح الإيرانية
ومع ذلك، فالحزب بات يواجه مأزقا راهنا وفق العزي، بسبب إطالة المعارك مع دخولها الشهر الخامس وهي فترة لم تكن محسوبة لدى ما يعرف باسم "محور الممانعة"، بجانب أن قرار الحرب والسلم ليس بيد حزب الله نفسه، وإنما في يد طهران التي تستخدم جبهة الجنوب، كغيرها من الجبهات، من أجل التفاوض مع الولايات المتحدة للحصول على مكاسب سياسية في أي تسوية قادمة للمنطقة.
وأكمل: "هذا الأمر يفرض في الكثير من الأحيان على حزب الله الالتزام بموقف إيران باعتبارها المايسترو الذي يدير الجبهة، ولها الكلمة الأولى والأخيرة في قرار الحرب التي تحاول أن تبتز بها الولايات المتحدة، والحصول على مكاسب ترفع من نفوذها في المنطقة".
وشدد العزي على أن "حالة الحرب واللاحرب مضرة للغاية للبيئة التي يعيش بها حزب الله، سواء المناطق التي هجر سكانها، والقري التي دمرت، والضحايا الذين يسقطون يوميا من الداخل اللبناني، ومن ثم هناك حالة من التذمر من هذا المشهد الذي لا يعتبر حربا ولا هدوءا"، مضيفا: "من هنا الحزب يحاول استخدام الخطاب الشعبوي التعبوي داخل صفوفه الداخلية، ومن خلال البيانات لاستمرار الدعاية لنفسه في المنطقة بشكل عام، رغم التراجع الواضح في هذا الإطار".
خطاب "المشاغلة"
ولفت الأكاديمي اللبناني إلى أن "حزب الله عمد خلال الفترة الماضية لاستخدام خطاب المشاركة في الحرب باعتبار ذلك إشغالا للقوات الإسرائيلية، بحسب الأمين العام للحزب حسن نصر الله، لكن مع تكرار ذلك بات ذلك مستهلكا بشكل كبير".
وأشار إلى أن تعويض العمل الميداني بالخطابات الميكروفونية التي تبرر عدم الانخراط في المواجهة، تثبت إلى حد كبير عدم نية الحزب ومن ورائه إيران للدخول في حرب ضد إسرائيل.
وأضاف أنه "بين إشعال الجبهة الداخلية والتعبئة الشعبوية التي يخوضها، يحاول حزب الله أن يثبت صحة معادلة أنه جزء من الحل في الإقليم، وهي نفس الفكرة التي تمضي بها حركة حماس، ومن ورائهما إيران".
"حرب صغيرة"
ينظر الخبير العسكري والاستراتيجي الخبير في الأمن الإقليمي العميد محمود محيي الدين، إلى الحالة الراهنة بين إسرائيل وحزب الله باعتبارها "حرب محدودة الأهداف"، تتضمن استخداما لوسائل قتالية عابرة للحدود بين دولتين، ويتلخص الهدف منها في تنشيط الجبهة من الطرفين وفرض ضغط عسكري على السكان على طرفي الحدود بغرض تحقيق أهداف سياسية من جانب حزب الله، وردع من جانب إسرائيل.
وأشار محيي الدين، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى أن "الوضع الحالي ما زال في المستوى التكتيكي وهو استنفار كل طرف لقواته، ووضعهم في قالب الحرب، إلا أن الانخراط بصورة مواجهة شاملة بين الجانبين يتطلب قرارات سياسية واعتبارات دولية راهنة، وهو أمر بعيد عن الحدوث حاليا".
وشدد على أنه "ما لم تنجح المساعي السياسية التي يبذلها المبعوث الأميركي الخاص إلى بيروت آموس هوكستين والخارجية الفرنسية، في رأب الصدع والوصول إلى مسودة اتفاق تتعلق بإخراج الصراع من فكرة المواجهة الإقليمية إلى إنشاء سلام مع إسرائيل يشمل ترسيم الحدود، فإن الأمر مرشح للتصعيد".
وكان هوكستين زار لبنان مجددا منتصف يناير الماضي لبحث الوضع في الجنوب على الحدود مع إسرائيل، موضحا أنه لمس من خلال محادثاته أن البلدين لا يرغبان في تصعيد الوضع.
ترسيم الحدود
ويعتبر العزي أن حزب الله سيستفيد من استعادة الهدوء في الجنوب مع ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، عبر فرصة الحصول عبر نفوذه الداخلي على عوائد مالية بكيرة من بيع النفط المستخرج، حيث يتطلب الأمر أن يكون شريكا في منصات البيع وأن يحصل على فوائد من مبيعات الحقول البحرية، وبالتالي تستفيد طهران من ورائه أيضا.
ويعني اندلاع حرب بين إسرائيل وحزب الله، القضاء تماما على هذا الطموح المالي.
واعتبر مركز كارنيغي للشرق الأوسط، أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان بوساطة أميركية، الذي وُقع في أكتوبر 2022، يعتبر فرصة حقيقية لكن هشة للبلدين، حيث يسعى إلى إنهاء الخلاف على خطوط الحدود المقترحة للتنقيب عن الغاز والنفط في الطرف الشرقي للبحر المتوسط.