"جزار الوسطاء" .. هل ينجح في مهمته بالأسواق الصينية؟
10:07 - 09 فبراير 2024سلسلة متلاحقة من الإجراءات المتشددة تتخذها الحكومة الصينية لإنعاش الأسواق ومحاولة وقف تراجع الأسهم التي وصلت إلى أدنى مستوياتها منذ نحو خمسة أعوام، لعل آخرها تعيين الملقب بـ "جزار الوسطاء" وو تشينغ رئيساً للجنة تنظيم الأوراق المالية الصينية وهي أكبر هيئة تنظيمية مالية في البلاد بدلاً من يي هويمان الذي شغل المنصب منذ عام 2019.
هذا التعيين جاء بعد إعلان الهيئة خلال الأسبوعين الماضيين عن سياسات داعمة جديدة لتحقيق الاستقرار وتنشيط سوق الأسهم الصينية المنكوبة، والتي أصبحت ضحية للتقلبات في قطاع العقارات وتشاؤم المستثمرين بشأن توقعات نمو ثاني أكبر اقتصاد في العالم، حيث تمثلت هذه السياسات بضخ السيولة في السوق عبر خفض نسبة متطلبات الاحتياطي الإلزامي للبنوك، وكذلك كبح عمليات بيع الأسهم على المكشوف، لكن السؤال الذي يتداوله المستثمرون والخبراء هل ينجح وو تشينغ في ترويض الأسواق وتعزيز الثقة بها؟
وو تشينغ، هو مصرفي سابق وكان يشغل منصب نائب عمدة مدينة شنغهاي، المركز المالي الرئيسي في الصين، كما عمل لمدة عامين رئيساً لبورصة شنغهاي، ويطلق عليه لقب "جزار الوسطاء" بسبب سجله في قمع المتداولين، بحسب محللين.
وتراجعت الأسهم الصينية بداية الأسبوع إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2019 وعانت بورصتا شنغهاي وشنتشن من عمليات بيع كثيفة للأسهم العقارية، والتي تشهد حالة من عدم اليقين الشديد مع انخفاض سوق العقارات، وانخفضت الأسهم الصينية الكبرى بنسبة 11.4 بالمئة العام الماضي، في حين انخفض مؤشر هونغ كونغ بنحو 14 بالمئة.
وتأتي اضطرابات الأسواق الصينية في ظل ما يعنيه اقتصاد البلاد من تحديات هائلة بقعل جائحة كورونا وما تبعها من تداعيات إلى جانب أزمة قطاع العقارات وضعف ثقة المستهلكين، وتراكم الديون لدى الحكومات المحلية، ما أدى إلى تباطؤ وتيرة النمو، حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي لعام 2023، (نمواً بـ 5.2 بالمئة) هو أقل معدل منذ العام 1990، باستثناء فترة تفشي كوفيد.
إعادة بناء الثقة مع المستثمرين
وقال مازن سلهب كبير استراتيجي الأسواق في "BDSwiss MENA": في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية: "إن الارتفاع في مؤشرات الأسهم الصينية لو حدث لن يكون حقيقةً معياراً عن عودة الثقة إلى الأسهم أو نجاح صنّاع القرار في الصين في وقف نزيف المؤشرات التي خسرت مليارات الدولارات ولا تزال متراجعة في عام كامل، مؤشر شانغهاي 50 متراجع -15 بالمئة في عام، مؤشر الصين للشركات الخمسين الكبرى كذلك متراجع -16 بالمئة لنفس الفترة بينما تبدو مؤشرات الأسهم الأمريكية والأوروبية في نطاق مختلف تماماً مع ارتفاعها بقوة في 2023".
إن قدرة الحكومة الصينية على إعادة الارتفاع للأسهم يلزمها قبل كل شي إعادة بناء الثقة مع اللاعبين في السوق وكذلك المستثمرين الدوليين وما يتطلبه ذلك من إعادة صياغة القوانين المالية وشراء الأسهم من الأجانب والقدرة على الوصول للأسهم الصينية على غرار الأميركية وليس آخرها الثقة بأن قبضة الحزب الشيوعي الصيني لن تكون مجدداً بالانتظار كما فعلت قبل عدة أعوام مع جاك ما مؤسس شركة علي بابا العملاقة، بحسب سلهب.
الأسواق المالية بحاجة لإصلاح حقيقي
يؤكد كبير استراتيجي الأسواق في "BDSwiss MENA"، مازن سلهب، أن "تعيين الرجل القوي وو تشينغ كرئيس جديد للجنة الصينية لتشريع الأوراق المالية قد يصب في هذا المجال لكن ذلك لن يكون كافياً في المدى الطويل إلا اذا كان فعلاً مترافقاً مع تغيير وإصلاح حقيقي للأسواق المالية الصينية، صحيح أنه قرر إيقاف عمليات البيع للمضاربة لكن ذلك لن يكون كافياً في المدى الطويل في حال عادت الحكومة الصينية مجدداً للتدخل أو قرر بنك الشعب الصيني التدخل في سعر الصرف كما حدث قبل سنوات".
مفترق طرق
من الواضح أن الصين تقف على مفترق مهم للغاية، حتى لو أن أحداً لم يلاحظ ذلك حالياً، هذا المفترق قائم على سؤال كبير جداً مفاده.. هل تريد الصين بناء رأسمالية على الطريقة الأميركية أو أنها تريد فعلاً العودة إلى قواعد تفرضها الحكومة الصينية بما فيها من إيجابيات أو / وسلبيات؟، أن الأسهم سترتفع عندما يصبح السيد وو تشينغ قادراً على إقناع الأسواق بتغيير حقيقي وليس مؤقت، طبقاً لما قاله سلهب.
ويرى خبير الأسواق سلهب أن "ما تحتاجه الصين حالياً هو المزيد من الشفافية الحكومية المبينة على قوانين تداول متقدمة تدفع بملايين المستثمرين الأجانب للدخول مجدداً وخلق نوع من التنافس الداخلي – الخارجي بين المستثمرين أنفسهم وبين الشركات المحلية والأجنبية، ورفع مستوى الاستثمارات الأجنبية المباشرة FDA، إذ أن مؤشرات الأسواق الصينية قامت أصلاً على فكرة الانفتاح الصيني على العالم، هذا الانفتاح الذي كانت أميركا من دعمه لأسباب سياسية اقتصادية واجتماعية وعليه لا يمكن للصين للعودة للوراء إذا كانت فعلاً تريد تحقيق نمو في القطاع المالي وإعادة توزيع الثروة التي بنتها الشركات والأجيال الصينية في العقود الثلاثة الماضية".
ويختتم سلهب بقوله: "عموماً هناك قيمة ممتازة في الأسهم الصينية إن كان من ناحية توقعات النمو أو من ناحية المعايير الاقتصادية والعائد على الأسهم الذي يبدو أكثر منطقية من أميركا التي وصلت أسهمها لمستويات قياسية".
نزيف مستمر
من جهته، قال محلل أول لأسواق المال في مجموعة إكويتي، أحمد عزام: "تعاني أسواق الأسهم الصينية من نزيف مستمر وصولاً ببعض المؤشرات إلى أدنى مستوياتها منذ خمسة أعوام نهاية الشهر الماضي، إن حافة الهاوية دفعت المستثمرين من المؤسسات والأفراد لخفض خسائرهم في ظل الاقتصاد المتعثر والافتقار إلى إجراءات التحفيز الحكومية القوية التي تؤثر بشكل كبير على الثقة والخلاف التجاري مع الولايات المتحدة وانهيار شركة التطوير العقاري إيفرغراند. حيث باع المستثمرون الأجانب ما قيمته 18.2 مليار يوان (2.5 مليار دولار) من الأسهم الصينية الشهر الماضي ليسجلوا تدفقات خارجة للشهر السادس على التوالي".
وفي محاولة للحد من الانكماش، يحاول القادة الصينيون ضخ السيولة في الأسواق على أمل ايقاف تلك التراجعات، وإجراء العديد من الإجراءات التحفيزية في تقييد البيع على المكشوف وتشجيع المستثمرين في ضخ المزيد من الأموال في أسواق تبلغ قيمتها 8 تريليون دولار.
إرث ثقيل
وقد يكون إرث وو تشينغ -كرئيس لجنة تنظيم الأوراق المالية الصينية- ثقيل بعض الشيء، لأنه لا يتعامل مع الأسواق الصينية فقط، بل يتعامل مع اقتصاد ضاغط سلبياً على الاستثمار، إذ أن الصين وبقوتها التصنيعية تعاني من انكماش نشاط التصنيع في البلاد للشهر الرابع على التوالي. كما أن قراءة مؤشر أسعار المستهلكين (التضخم) جاءت أمس الخميس على انخفاض بنسبة 0.8 بالمئة مسجلة انخفاض للشهر الرابع على التوالي وهي أطول سلسلة انخفاض منذ اكتوبر 2009. وهو أكبر انخفاض في أكثر من أربعة عشر عاماً، وفقاً لعزام.
وأضاف محلل الأسواق عزام: "ما يعطي خبر تعيين تشينغ بعض التفاؤل هو أنه شخص يمتلك خبرة واسعة في صناعة الأوراق المالية عبر الهيئات التنظيمية والبورصات وخبير مخضرم في الصناعات المصرفية، حيث قاد بورصة شنغهاي سابقاً، كما أنه شخص صارم بشأن تطبيق القواعد ضد الانتهاكات، وقد يحمل توجه الرئيس الجديد إلى خطة إنقاذ الأسواق والتي تجمع بين القيود للحد من الانتهاكات التنظيمية وإنشاء صندوق استقرار لإنقاذ سوق الأوراق المالية المتعثرة، ومحاولة ايقاف البيع المكثف للأسهم العقارية، وايجاد إجراءات صارمة ضد التداول الداخلي والتلاعب في الأسواق لحماية صغار المستثمرين".
تفاؤل بسيط
لكن ما يقلق أن تكون الأخبار الإيجابية هي مجرد تفاؤل بسيط، لأن تشديد الضوابط الإدارية بدلاً من معالجة التحديات الأساسية قد يكون تأثيره مباشر على الأسواق لكن قد لا يدوم لفترة زمنية بسيطة، فذلك قد يفضي إلى أن تغيير الأسماء قد لا يعني الكثير للأسواق دون تحركات تعطي موجة التفاؤل للمستثمرين، وبالتالي إغراق الأسواق بسيولة الاستثمارات. هذا ما قد يجعلنا ننظر إلى أن الافتقار إلى الوضوح بشأن اتجاه السياسة والتحيز نحو السيطرة والسياسة الموجهة سيستمران في التأثير على ثقة المستثمرين وإحباط التوقعات، طبقاً ما قاله عزام.
ويرى محلل أول لأسواق المال في مجموعة إكويتي أن الصين تحتاج إلى مضاعفة الإصلاحات الاقتصادية لدعم الحالة الاقتصادية ضمن إطار إصلاح واسع النطاق، أي تعديل السياسات وليس الأسماء فقط، وتحفيز التعافي المستدام لإصلاح الثقة ولا أن يكون إنفاق الأموال كحل سريع وذي تأثير سريع، لذلك قد يكون الفشل حليف تشينغ إذا لم يصاحب تحركاته أهداف مالية واضحة المعالم وتحركات دافعة للاقتصاد مثل تخفيض أسعار الفائدة والمزيد من التحفيز المالي الممنهج لدعم الشركات والأفراد.