بعد 8 زيادات للفائدة.. متى يستجيب التضخم في تركيا؟
15:00 - 06 فبراير 2024بعد تغيير تركيا نهج سياستها النقدية من التيسير إلى التشديد في مايو 2023 لخفض التضخم، نفذ البنك المركزي ثماني زيادات متتالية في أسعار الفائدة ليصل إجماليها إلى 3650 نقطة أساس، في حين يواصل التضخم مساره الصاعد ليسجل رقماً قياسياً في يناير الماضي ليقترب من 65 بالمئة الأمر الذي يثير تساؤلات حول مدى استجابة التضخم للسياسة التشددية؟
وسجل التضخم في يناير أكبر قفزة شهرية له منذ أغسطس مع ارتفاع بنسبة 6.7 بالمئة عن ديسمبر، في حين بلغ التضخم على أساس سنوي ما يقرب من 65 بالمئة، وفقًا لأرقام البنك المركزي التركي.
وارتفع مؤشر أسعار المستهلك (CPI) بنسبة 64.86 بالمئة سنوياً بارتفاع طفيف عن 64.77 بالمئة في ديسمبر، وكانت القطاعات التي شهدت أكبر ارتفاع شهري في الأسعار هي الصحة بنسبة 17.7 بالمئة، والفنادق والمقاهي والمطاعم بنسبة 12بالمئة، والسلع والخدمات المتنوعة بنسبة تزيد قليلاً عن 10 بالمئة، وارتفعت أسعار الأغذية والمشروبات والتبغ، وكذلك وسائل النقل، بنسبة تتراوح بين 5 بالمئة و7 بالمئة على أساس شهري وارتفع الإسكان بنسبة 7.4 بالمئة منذ ديسمبر بينما كان قطاع الملابس والأحذية القطاع الوحيد الذي أظهر انخفاضاً شهرياً في الأسعار بنسبة -1.61 بالمئة، بحسب بيانات رسمية.
وجاءت أحدث قراءة للتضخم بعد بضعة أيام من إعلان حاكمة البنك المركزي التركي حفيظة إركان استقالتها من المنصب الذي تولّته قبل أقل من عام، وذلك على خلفية اتهامات بمنحها مزايا لعائلتها في المؤسسة، حيث قادت التحول في السياسة النقدية والسلسلة اللاحقة من ارتفاع أسعار الفائدة جنباً إلى جنب مع وزير المالية محمد شيمشك ليصبح نائبها فاتح كاراهان المحافظ الجديد للبنك المركزي والذي أكد أن فريقه عازم على أن يتبنى نهجاً صارما للسياسية النقدية حتى انخفاض التضخم إلى مستويات تتوافق مع أهدافه.
ورفع البنك المركزي التركي أسعار الفائدة ثماني مرات متتالية منذ مايو 2023، وكان رفع الفائدة الأخير، في 25 يناير الماضي بمقدار 250 نقطة أساس ليصل المعدل إلى 45 بالمئة.
وعانت الليرة من انخفاض مستمر منذ عام 2018، وفقدت أكثر من 80 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار خلال السنوات الخمس الماضية، وهبطت الليرة قليلاً بعد بيان لجنة السياسة النقدية الخميس الماضي إلى 30.2865 مقابل الدولار.
جذر المشكلة
وفي حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أعادنا الدكتور نضال الشعار، كبير الاقتصاديين في شركة "ACY" بأستراليا إلى جذر المشكلة التي تعاني منها تركيا في ارتفاع التضخم وانخفاض سعر صرف الليرة مقابل العملات الأخرى قائلاً: "موضوع معدل التضخم وسعر صرف العملة في تركيا ليس موضوعاً جديداً وإنما يمتد إلى سنوات عديدة مضت وتحديداً في عام 2010 عندما بدأ الناتج المحلي الإجمالي بالتباطؤ وبنفس الوقت بدأ معدل التضخم بالارتفاع ولكن بشكل بسيط وغير مؤذ للاقتصاد، وفي هذا الوقت احتدت المنافسة بين البضائع التركية والبضائع القادمة من آسيا مع ظهور دول قادرة على الإنتاج بنفس المواصفات والجودة وبالتالي لم يعد التصدير الرافد الأساسي للاقتصاد التركي".
وتابع الدكتور الشعار: "وقد استفاد بعض الصناعيين الأتراك من انخفاض سعر صرف الليرة وحاولوا التركيز على الإنتاج والتصدير مع بعض الإهمال للنوع (أي الابتكارات) ما أدى إلى انخفاض نمو الناتج المحلي مقارنة مع أغلب دول المنطقة واستمر الوضع حتى الجائحة لتضيف المزيد من السلبية على الاقتصاد التركي كما كل اقتصادات العالم وبدأت تظهر الزيادات الكبيرة في معدل التضخم وضعف سعر صرف الليرة وهنا كانت الحكومة تركز على سياسة توسعية لإيمانها بأن خفض أسعار الفائدة يشجع على الاقتراض والاستثمار، حتى جاء العام 2023 لتتغير فجأة السياسة النقدية إلى تشددية انكماشية وبالتالي لا يمكن أن نتوقع أن تكون آثار هذه السياسة الجديدة فورية بل ستأخذ وقتاً ولكن لا بد من طريق عودة".
ولكن السؤال حالياً إلى متى سيستمر البنك المركزي التركي في رفع أسعار الفائدة؟
يجيب كبير الاقتصاديين في شركة "ACY" بأستراليا على السؤال بقوله: "لا يمكن استمرار أسعار الفائدة في أي بلد في العالم بهذا الحدود التي تصل إلى 45 بالمئة، إذ لا بد أن تبدأ تركيا بالتركيز على النوعية وبدأ ذلك يظهر حالياً حيث نلاحظ عمليات تصدير للطائرات المسيرة وآخرها كمية كبيرة من هذه المسيرات إلى مصر وإلى بعض الدول العربية الأخرى ما يضيف بعداً آخر للناتج المحلي الإجمالي التركي ويعطي بعداً للنمو ورافداً للاقتصاد بشكل عام على أن تستقر الأمور وتبدأ معدلات الفائدة والتضخم بالتراجع".
الحل الوحيد
ونوه الدكتور الشعار في هذا السياق إلى أهمية تحقيق الحكومة التركية التوازن ما بين سياسات التصدير والاستيراد والسياسات الانفاقية الحكومية والسياسات النقدية، باعتبار ذلك الأساس والحل الوحيد لكي تعود تركيا إلى معدلات تضخم معقولة وسعر صرف معقول لليرة مقابل العملات الأخرى، بالإضافة إلى عدم التسرع باتخاذ خطوات في رفع أسعار الفائدة أو خفضها بشكل فجائي لأن السوق ليس لديه تلك المرونة لاستيعاب هذا السلوك فضلاً عن العمل على إعادة تشجيع السياحة باعتبارها مصدراً مهماً جداً لتركيا".
سياسة نقدية فضفاضة
بدوره يقول محلل أول لأسواق المال في مجموعة إكويتي، أحمد عزام: "قد يكون تأخير البدء بعمليات رفع الفائدة من ناحية والعملة المحلية الضعيفة من ناحية أخرى مزيجاً من الأسباب الأساسية لعدم القدرة على السيطرة على التضخم المرتفع في تركيا، إذ لايزال بنك تركيا المركزي يرفع الفائدة وصولاً إلى مستويات 45 بالمئة، بينما يتجه معدل التضخم في تركيا إلى 64.8 بالمئة على أساس سنوي في يناير. وعادةً ما ترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة لمحاولة السيطرة على التضخم وكبح جماحه، فقد لجأت حاكمة البنك المركزي إركان إلى رفع سعر الفائدة القياسي في البلاد من 8.5 بالمئة إلى 45 بالمئة، وهو عكس السياسة غير التقليدية المتمثلة في إبقاء تكاليف الاقتراض منخفضة والتي كان يفضلها الرئيس التركي في السابق".
لكن السنوات الأخيرة من التضخم المرتفع كانت في جزء كبير منها نتيجة للسياسة النقدية الفضفاضة العنيدة التي تنتهجها حكومة أنقرة، إذ انخفضت الليرة بنسبة 38 بالمئة مقابل الدولار منذ بداية عام 2023 وفقدت أكثر من 80 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار خلال السنوات الخمس الماضية، بحسب عزام.
التضخم خارج سيطرة المركزي
ويشرح محلل أول لأسواق المال في مجموعة إكويتي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أن التضخم في تركيا على ما يبدو خارج سيطرة البنك وأن نهج تشديد السياسة النقدية لم يجد نفعاً بسبب أن عملة البلاد الليرة منخفضة للغاية، حيث تستمر بتسجيل مستويات متدنية جديدة قياسية، لتتجاوز 30 ليرة مقابل الدولار لأول مرة في وقت سابق من يناير.
ويشير إلى أن انخفاض سعر العملة المحلية عادةً ما يكون دافعاً أساسياً لاشتعال التضخم في البلاد، وأن صناع السياسات يدركون الحاجة إلى إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة طويلة إذا أرادوا النجاح في إعادة التضخم إلى خانة الآحاد، حيث أن توقعات التضخم لا تزال مرتفعة وهي ما يعيق بنك تركيا المركزي بالتفكير حتى بالبدء بتغيير نهج السياسة النقدية في المستقبل القريب.
استمرار السياسة النقدية التشددية
إن استقالة حاكمة البنك المركزي التركي بشكل مفاجئ بعد ثمانية أشهر من تعيينها كجزء من فريق اقتصادي جديد مكلف بقيادة محور كبير في السياسة الاقتصادية، وتعيين نائبها فاتح كاراهان ليحل محلها يشير إلى استمرار التحول إلى سياسات اقتصادية تقليدية أكثر ملاءمة للمستثمرين، خاصةً في خضم الطلب المحلي والمخاطر الجيوسياسية كأسباب لبقاء التضخم مرتفعاً بشكل عنيد، كما وقد تشكل الانتخابات المحلية في نهاية شهر مارس أيضاً خطراً على توقعات الأسعار بسبب الزيادات المرتبطة بها في الإنفاق العام، طبقاً لما قاله عزام.
كما يوضح عزام أن أحد مجالات الاهتمام الرئيسية هو قطاع الخدمات، وقد بلغ النمو الشهري لأسعار التجزئة في إسطنبول، المدينة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في تركيا، 6.7 بالمئة الشهر الماضي، مدفوعاً بزيادات تزيد عن 20 بالمئة في قطاعات مثل الصحة والنقل، حيث أن بعض الخدمات - بما في ذلك الإيجار والتعليم والصحة - ستؤدي إلى استمرار التأثيرات التضخمية على المدى المتوسط.
إلى ذلك، توقع دويتشه بنك عودة المركزي التركي إلى سياسة رفع الفائدة، حيث ذكر محللو البنك في مذكرة بحثية، من بينهم كريستيان فيتوسكا، "أنه بالنظر إلى وجهة نظرنا بشأن ضغوط التضخم المستمرة على المدى القريب، وبالتزامن مع تعيين المحافظ الجديد، فإننا نرى مجالاً لرفع الفائدة بمقدار 250 نقطة أساس أخرى أو حتى 500 نقطة أساس.
وحتى في حالة عدم وجود زيادات إضافية، فإن المحللين لا يتوقعون أي تخفيضات لسعر الفائدة هذا العام بسبب ضغوط الأسعار الأساسية، في حين يتوقعون أن تسعر السوق دورة تخفيف تدريجية في عام 2025.
وبالمثل ذكرت وكالة بلومبرغ أنه من المتوقع تأجيل تخفيض أسعار الفائدة حتى نهاية هذا العام على الأقل تحت قيادة كاراهان.
من جهته، قال ليام بيتش، كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في كابيتال إيكونوميكس: "أن أرقام التضخم لشهر يناير تسلط الضوء على القوة المستمرة لتضخم الخدمات وقد تضغط على محافظ البنك المركزي الجديد لاستئناف دورة التشديد للبنك المركزي، إن حقيقة أن التضخم لم يرتفع بشكل ملحوظ أكثر من المتوقع في يناير هو أمر إيجابي بالنظر إلى عدم اليقين بشأن تأثير رفع الحد الأدنى للأجور، لكن الأرقام تمثل انتكاسة صغيرة لعملية تباطؤ التضخم وتسلط الضوء على استمرار قوة تضخم الخدمات، في الوقت الحالي، لا تزال توقعات البنك المركزي للتضخم في نهاية العام البالغة 36 بالمئة كما هي" بحسب CNBC.
ويتوقع البنك المركزي التركي أن يتراجع التضخم إلى حوالي 36 بالمئة بحلول نهاية العام مع انخفاض الأسعار بفعل التشديد.