"الفرصة الذهبية".. هل اقتربنا من الاعتراف بدولة فلسطين؟
16:57 - 01 فبراير 2024طرحت الحرب الراهنة في غزة بين إسرائيل وحركة حماس، والتي تدنو من يومها الـ 120، تساؤلات عن مستقبل عملية السلام ومسار حل الدولتين، بما في ذلك الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية عقب انتهاء الحرب، في الوقت الذي تتشدد الحكومة الإسرائيلية إزاء تلك الخيارات.
آخر تلك المساعي ما أشار إليه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، بأن إدارة الرئيس جو بايدن تسعى عن كثب لإقامة دولة فلسطينية مستقلة مع ضمانات أمنية لإسرائيل واستكشاف خيارات مع شركاء في المنطقة، باعتبار ذلك "أفضل طريقة لتحقيق سلام وأمن دائمين لإسرائيل والفلسطينيين والمنطقة".
ورغم ذلك، يصف دبلوماسيون ومراقبون في حديثهم لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن التحركات الأميركية والإقليمية الراهنة لإقامة دولة فلسطينية "فرصة ذهبية" نحو تحقيق حلم الفلسطينيين، لكنها ستواجه بالعديد من التعقيدات على رأسها وجود حكومة إسرائيلية متشددة، واستمرار المخاوف من اتساع رقعة الصراع وتصاعد المواجهات بين الجيش الإسرائيلي وحماس.
تحرك "أميركي - بريطاني"
لفت متحدث الخارجية الأميركية إلى أن هناك عدد من الطرق التي يمكنك اتباعها لتحقيق إقامة دولة فلسطينية مستقلة، موضحا أن "هناك عدد من تسلسل الأحداث التي يمكنك تنفيذها لتحقيق هذا الهدف، حيث نبحث مجموعة واسعة من الخيارات ونناقشها مع الشركاء في المنطقة وكذلك شركاء آخرين داخل الإدارة الأميركية".
وبالتزامن مع تلك التصريحات، كشف موقع "أكسيوس"، أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن طلب من المسؤولين في وزارته إجراء مراجعة وتقديم خيارات سياسية بشأن اعتراف أميركي ودولي محتمل بالدولة الفلسطينية بعد نهاية الحرب في غزة.
بينما يقول المسؤولون الأميركيون إنه لم يحدث أي تغيير في السياسة الخارجية، اعتبر الموقع أن دراسة وزارة الخارجية مثل هذه الخيارات تشير إلى تحول في التفكير داخل إدارة بايدن بشأن الاعتراف المحتمل بالدولة الفلسطينية، وهو أمر حساس للغاية على الصعيدين الدولي والمحلي.
وعلى مدى عقود ، كانت سياسة الولايات المتحدة وغيرها من دول غربية، هي معارضة الاعتراف بفلسطين كدولة على المستوى الثنائي وفي مؤسسات الأمم المتحدة والتأكيد على أن الدولة الفلسطينية يجب أن تتحقق فقط من خلال المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
إلى جانب ذلك، ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية، أن وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون أبلغ مجموعة من النواب في بلاده بأن الحكومة وحلفائها "سينظرون في مسألة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بما في ذلك في الأمم المتحدة".
وتربط الإدارة الأميركية، بين إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، والجهود الرامية لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، في حين سبق لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن قال، في مقابلة مع شبكة "سي إن إن"، إنه لا يمكن تطبيع العلاقات مع إسرائيل دون حل للقضية الفلسطينية.
وتُقابل تلك الجهود الأميركية بمعارضة قوية من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي رفض مرارا الحديث عن إنشاء دولة فلسطينية مستقلة، حيث قال هذا الأسبوع إنه لن يتنازل عن "السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على جميع الأراضي الواقعة غربي نهر الأردن".
وقال مسؤول أميركي كبير لـ"أكسيوس"، إن البعض داخل إدارة بايدن يعتقدون الآن أن الاعتراف بدولة فلسطينية ربما يكون الخطوة الأولى في المفاوضات لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بدلا من كونها الخطوة الأخيرة، وهناك عدة خيارات لاتخاذ إجراءات أميركية بشأن هذه القضية، بما في ذلك:
أولا: الاعتراف الثنائي بدولة فلسطين.
ثانيا: عدم استخدام حق النقض (الفيتو) لمنع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من الاعتراف بفلسطين كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة.
ثالثا: تشجيع الدول الأخرى على الاعتراف بفلسطين.
دولة منزوعة السلاح
ويبرز خيار الدولة الفلسطينية "منزوعة السلاح" على مقدمة الأفكار الأميركية والإقليمية، إذ سبق وأن أشار إليه عدد من قادة الدول المنخرطة في تلك القضية، في حين أوضح مسؤولان أميركيان أن بلينكن طلب من موظفي وزارته أيضا مراجعة ما ستبدو عليه الدولة الفلسطينية المنزوعة السلاح استنادا إلى نماذج أخرى من جميع أنحاء العالم.
وسبق أن اقترح نتنياهو فكرة قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح عدة مرات بين عامي 2009 و2015، لكنه لم يشر إليها في السنوات الأخيرة، بل زادت معارضته للمبدأ بصفته العامة خاصة بعد هجمات السابع من أكتوبر.
وتضم حكومة نتنياهو قوميين متطرفين يعارضون حتى أي تحرك تجاه الدولة الفلسطينية، وسبق أن اعترف مسؤولون أمريكيون بأنه من المستبعد أن يوافقوا على مسار نحو إقامة دولة فلسطينية في المستقبل.
وقبلت الجمعية العامة للأمم المتحدة فلسطين كدولة مراقبة في عام 2012 لكنها لم تمنحها العضوية الكاملة.
مسار تاريخي
- تعود قضية إقامة دولة فلسطينية مستقلة ضمن مسار "حل الدولتين" على الحدود التي رُسمت في أعقاب حرب 1967، حيث تم رسم الخط الأخضر الذي يحدد الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية التي يطالب الفلسطينيون بها عاصمة لدولتهم.
- منذ 1947، تبنت الأمم المتحدة قرارا بتقسيم فلسطين مذيلا بخرائط تحدد حدود الدولتين، فيما شكلت القدس كيانا ثالثا تحت إشراف دولي، لكن القادة العرب رفضوا هذا المقترح في حينه.
- في العام 1988، أصدر الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات إعلان الاستقلال الذي تحدث لأول مرة عن "دولتين لشعبين"، معترفاً بذلك بدولة إسرائيل وبسيادتها على 78 بالمئة من فلسطين التاريخية.
- كما كان حل الدولتين حجر الأساس لعملية السلام المدعومة من الولايات المتحدة والتي بدأت في اتفاقيات أوسلو عام 1993، التي وقعها ياسر عرفات من منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين.
- ونصت اتفاقيات أوسلو الموقعة عام 1993 على قيام دولة فلسطينية بحلول 1999 لكن ذلك لم يتحقق.
- في عام 2000، اجتمع الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون مع عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك في كامب ديفيد للتوصل إلى اتفاق، لكن الجهود باءت بالفشل، حيث كان مصير القدس، التي تعتبرها إسرائيل عاصمتها "الأبدية وغير القابلة للتجزئة"، وتنظر إليها فلسطين بأنها "قطعة غالية من أراضيها"، العقبة الرئيسية في تلك المحادثات.
- وفي منتصف 2003، عرضت اللجنة الرباعية للشرق الأوسط والتي تضم الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، خارطة طريق تنص على إقامة دولة فلسطينية بحلول 2005، في مقابل إنهاء الانتفاضة وتجميد الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، ولم يتحقق ذلك أيضا.
- نمت العقبات أمام إقامة الدولة الفلسطينية مع مرور الوقت، فبينما سحبت إسرائيل المستوطنين والجنود من غزة في عام 2005، توسعت المستوطنات اليهودية في أماكن أخرى، ويقول الفلسطينيون إن هذا يقوض احتمالات قيام دولة قابلة للحياة، وفق "رويترز".
خطوة متأخرة.. لكنها مهمة
وينظر مساعد وزير الخارجية الفلسطيني للأمم المتحدة، السفير عمر عوض الله، في حديث خاص لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى التحرك الأميركي والبريطاني الراهن لدعم الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على أنها "خطوة متأخرة، لكنها مهمة للغاية في سبيل حصول الشعب الفلسطيني على حقه المشروع".
وقال عوض الله إن "تلك الخطوات الغربية تُشير إلى أنه أصبح هناك نضوجا واضحا بضرورة إقامة الدولة الفلسطينية واستقلالها وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، من أجل الوصول إلى حل جذري للمشاكل التي تحدث في المنطقة، وكذلك للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بكل تبعاته، وبالتالي فالحديث الأميركي البريطاني عن الاعتراف بدولة فلسطين من المهم أن يربط بشكل مباشر بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي من أجل تحقيق حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وتجسيد استقلال دولة فلسطين على الأرض".
وشدد على أن "الأهم من تلك التصريحات، هو كيف يمكن المضي قدما للوصول إلى هذه الخطوة إن كان هناك تحركا جديا، وبالتالي يجب الاعتراف الفوري بدولة فلسطين ووضع الآليات الملائمة لذلك".
وأضاف مساعد وزير الخارجية الفلسطيني أن "الدولة الفلسطينية مقامة بشعبها وحقه في تقرير مصيره، وهناك قيادة شرعية لهذا الشعب، والخلل كان في الدول التي لا تعترف بدولة فلسطين خلال العقود الماضية، وبالتالي من المهم المضي قدمًا في بلورة تلك التصريحات إلى تحركات جادة على الأرض، وانسحاب الاحتلال خلف خطوط الرابع من يونيو 1967، تنفيذا لقرارات الأمم المتحدة والمنظومة الأممية، لأن هذا هو الشيء المنقوص في تلك المعادلة".
مسعى لتجنب صراع كبير
بدوره، اعتبر الخبير الأميركي المتخصص في الشؤون الأمنية والإستراتيجية، سكوت مورغان، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن تلك المساعي الأميركية تأتي لتجنب أن تتحول الحرب الراهنة إلى صراع كبير في المنطقة، ضمن خطتها لإحلال السلام وتجنب تفاقم الأزمات المُسلّحة.
لكن مورغان يشير إلى أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيواجه بمعارضة داخلية إسرائيلية من حكومة نتنياهو التي رفضت الحديث عن ذلك في أكثر من مرة، ويبدو أنه سيكون هناك ضغطًا من الإدارة الأميركية لتحقيق هذا الأمر.