إيكواس في مهب الريح.. أكبر 3 دول تنسحب ولا أفق لوساطة
11:29 - 29 يناير 2024أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، الأحد، الانسحاب الفوري من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس"، في خطوة عدها محللون "تحمل حاليا خسارة كبيرة للمنظمة ومستقبلا مضطربا لتلك الدول"، وسط انعدام أي أفق قريب للحل.
إيكواس، التي تضم 15 دولة، تلقت تلك الضربة المؤلمة، من 3 دول مهمة ومؤثرة بغرب أفريقيا، وفق خبراء ثلاثة تحدثوا مع "سكاي نيوز عربية"، ما يفتح الباب لاحتمال تصدعها، في ظل ضغوط غربية متصاعدة عليها لاسيما من فرنسا، واستمرار أنظمة الدول الثلاث في مواقفها الرافضة لأي عقوبات والمطالبة بالاعتراف بها.
الأنظمة العسكرية الحاكمة في بوركينا فاسو ومالي والنيجر أعلنت في بيانها المشترك، أنهم "يقررون بسيادة كاملة الانسحاب الفوري لبوركينا فاسو ومالي والنيجر من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا مع تحملهم كافة مسؤولياتهم أمام التاريخ واستجابة لتوقعات وتطلعات شعوبهم".
وتواجه الدول الثلاث انعداما للأمن وعنفا ترتكبه جماعات متشددة وأوضاعا اجتماعية متردية، وتوترت علاقاتها مع إيكواس منذ أن استولى الجيش على السلطة في مالي عام 2020، وفي بوركينا فاسو عام 2022، وفي النيجر عام 2023.
وتحاول إيكواس وقف موجة الانقلابات والضغط من أجل عودة المدنيين إلى السلطة في أسرع وقت، وفرضت عقوبات شديدة على مالي والنيجر، وذهبت إلى حد التهديد باستخدام القوة إزاء الانقلابين النيجريين، وعلقت مشاركة الدول الثلاث في مؤسساتها.
ووقع قادة الأنظمة العسكرية الحاكمة في النيجر ومالي وبوركينا فاسو، اتفاقا في 16 سبتمبر 2023 في باماكو، والذي بموجبه تتعهد الدول الثلاث بمساعدة بعضها البعض في حالة وقوع أي تمرد أو عدوان خارجي ضد أي منها، واعتبار أي اعتداء على سيادة وسلامة طرف أو أكثر من الأطراف الموقعة عليه، عدوانا على الأطراف الأخرى.
ووسط ضغوط فرنسية لاستعادة نفوذها الأفريقي المأزوم، وفق مراقبين، كان الحضور الروسي متواجد سريعا، عقب الاتفاق العسكري الثلاثي، مع وصول نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكوروف، باماكو والالتقاء بوزراء دفاع مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
خسارة كبيرة
صباح موسى، الخبيرة في شأن القرن الإفريقي، أكدت في حديث مع "سكاي نيوز عربية"، الخسارة الكبيرة لإيكواس للدول الثلاث "المهمة في غرب أفريقيا"، وخلصت الأزمة في نقاط:
- منذ الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وهناك تقاطعات بين المنظمة وتلك الدول مع اتهامهما لها بالتدخل بشكل سافر في شؤونها الداخلية، تحت ضغوط باريس عليها.
- الدول الثلاث مهمة للغاية في غرب إفريقيا ومؤثرة داخل المنظمة.
- كانت هناك معطيات تؤكد أن النيجر وبوركينا فاسو ومالي ستنسحب من إيكواس، مع تنامي الضغوط عليها من المنظمة، والتي كان أبرزها في النيجر تحديدا المطالبة بإطلاق سراح رئيسها المنقلب عليه وإخراجه خارج البلاد وسط رفض المجلس العسكري ذلك، والاحتفاظ به كورقة بأي مفاوضات مستقبلية.
- العلاقة بين تلك الدول والمنظمة كانت تحت وقع التهديد بعقوبات اقتصادية، وأخرى بالتدخل العسكري لاسيما من باقي دول المنظمة لاسيما السنغال وكوت ديفوار، تحت ضغط فرنسية كبيرة لاسيما بعد خسارة باريس نفوذها في تلك الدول بعد الانقلابات.
- الانسحاب الثلاثي من المنظمة كان متوقعا مع إنشاء تلك الدول تحالفا عسكريا فيما بينها، بدا وكأنه تهميد للخروج والتأثير على الإيكواس.
لا أفق لوساطة
ووفق موسى، فالمستقبل لا يحمل أي بوارد وساطة بل مزيد من الصراع، وهذا تلخصه في أن:
- الانسحاب الثلاثي بداية لصراع أكبر، مع إنشاء التحالف العسكري الثلاثي، يقابله إمكانية استمرار إيكواس في التهديد بالعقوبات الاقتصادية والتدخل العسكري.
- أي عقوبات اقتصادية جديدة على الدول الثلاثة بضغوط فرنسية تراها تلك الدول، لن تؤثر خاصة وهي مدعومة من روسيا مثلا، وفكرة التدخل العسكري لن تجدي في ظل التحالف الثلاثي.
- الانسحاب يعني مزيدا من إضعاف الإيكواس في ظل أنه لا احتمال لرجوع تلك الدول قريبا للمنظمة، إلا لو هناك إصلاحات داخلية طالتها تنفي عنها إمكانية التأثير الخارجي كما تقول الدول.
- قرار تلك الدول قد يراه البعض مزيدا من العزلة لها، لكن في ظل طبيعة التحالف الثلاثي العسكري وربما الاقتصادي بينها ما يقلل من هذا السيناريو.
- الإيكواس بفقد 3 دول مهمة في دول الساحل ستبقى الخاسر الأكبر.
- لا أعتقد أن هناك وساطات ستلوح في الأفق أو إمكانية رجوع قريب للدول للمنظمة، إلا بمزيد من الإصلاحات الداخلية للمنظمة وهذا غير متوقع حاليا.
اعتراف شائك
بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي السوداني هيثم محمود، لـ "سكاي نيوز عربية":
- الانسحابات ستعجل بمزيد من الأوضاع غير المستقرة في تلك الدول مع "قصم ظهر" إيكواس.
- ما حدث في النيجر، قصم ظهر إيكواس، وأدى لانسحاب الدول الثلاث، وسيعجل بانسحاب دول أخرى.
- خروج بيان موحد من الدول الثلاث مستندا أن الانسحابات بموافقة شعبية، يعد تكتيكا باعتبار مجالس تلك الدول مؤقتة وتريد أن تربح شعوبها التي عانت من الاستعمار الغربي، عبر الخروج من إيكواس المتهمة بتقبل الإملاءات الخارجية.
- الانسحاب سيكون له تأثير كبير جدا على إيكواس، خاصة والـ3 دول مهمين بغرب أفريقيا، ولا يمكن أن يتم العدول عنه إلا بتحقيق إصلاح داخلي للمنظمة واعتراف بمجالس تلك الدول.
- الوساطة التي قد تكون نيجيريا مؤهلة لها، بين تلك الدول والمنظمة، إن لم تنجح فستكون إيكواس في مهب الريح، بعد فقد ما يمكن اعتباره ثلث الدول المؤثرة بها*.
- الاعتراف بمجالس تلك الدول، سيكون عقبة أمام إيكواس، إذ أنه قد يفتح الباب أمام الانقلابات بدول أخرى، وعدم الاعتراف بالمجالس سيفقدها دولا كما ذكرنا ويؤدي لتصدعها.
- إصلاح إيكواس لا يزال أداة في يد الدول الغربية، وبالتالي لا تزال الأزمة مستمرة.
أوضاع "ستزداد سوءا"
على مسافة ليست بعيدة، يرى مراد كواشي البروفيسور والخبير الاقتصادي الجزائري، في حديث مع سكاي نيوز عربية أن الأوضاع "ستزداد سوءا" في تلك المنطقة لأسباب تالية:
- تمادي إيكواس في خضوعها للقوى الأجنبية مع اتهامها من البعض بأنها أصبحت دمية في يد فرنسا ودول غربية تحركها عسكريا واقتصاديا وتستغل ثروات دولها مع حرمان شعوبها من أبسط شروط التنمية الاقتصادية.
- عدم وضع خطة انتقال سلمي للسلطة وتنظيم انتخابات نزيهة من المجالس التي سيطرت على الحكم سيجعل الأزمة تتطور أكثر وتستمر وسط شعوب تعد الخاسر الأكبر في ظل معاناة سنوات ماضية بين الفقر والحروب والأمراض وضياع ثرواتها مع خضوع أنظمة سابقة للغرب وتحديدا فرنسا.
- من المستبعد أن تؤدي وساطات دول المنظمة لحل النزاعات في هذه المرحلة الحالية.
- الدول الكبرى تمتلك إمكانية الوساطة، لكن يجب أن تتدخل بحكمة وتنحي مصالحها جانبا، لأنه حان للشعوب الأفريقية أن تنعم بثرواتها.
نبذة عن إيكواس
- تأسست في عام 1975 بهدف تعزيز التنمية الاقتصادية بين أعضائها الـ15، وشهدت دولها صراعات مسلحة، سواء مع انقلابات أو ضد جماعات تمرد أو أخرى إرهابية، وتنفي المنظمة عادة خضوعها لأي ضغوط غربية.
- مقرها العاصمة النيجيرية أبوجا وتضم دول تتحدث الفرنسية، وهي: بوركينا فاسو وبنين وغينيا وساحل العاج ومالي والنيجر والسنغال وتوغو، إلى جانب أخرى ناطقة بالإنجليزية هي: غامبيا وغانا وليبيريا ونيجيريا وسيراليون، وعضوان ناطقان بالبرتغالية، هما الرأس الأخضر وغينيا بيساو.
- كانت المنظمة تضم موريتانيا لكنها انسحبت منها عام 2001.
- يبلغ مجموع سكان مجموعة إيكواس نحو 350 مليون نسمة حسب إحصاءات تعود إلى عام 2021، بينما تبلغ مساحتها الإجمالية 5 ملايين كيلومتر مربع، أي 17% من إجمالي مساحة قارة أفريقيا.