نمو الأجور يعيق خفض الفائدة الأوروبية في وقت مبكر
15:28 - 23 يناير 2024يُمكن أن تكون مطالبة العمال في أوروبا –في عديد من القطاعات- هي التهديد الرئيس للتخفيضات المبكرة في أسعار الفائدة التي تتوقعها الأسواق؛ وذلك بعد أن بددت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، أخيراً آمال المستثمرين في خفض بالربع الأول، في تصريحات لها هذا الأسبوع في دافوس، حسب محللين.
خرج صناع السياسة في البنك المركزي الأوروبي، والذي سيكون يوم الخميس (25 يناير) أول بنك مركزي رئيسي يجتمع هذا العام بعد بنك اليابان، الأسبوع الماضي في دافوس قائلين إنهم ما زالوا قلقين بشأن ارتفاع نمو الأجور واحتمال أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع في ضغوط الأسعار.
خلال اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي في المدينة السويسرية، كانت لاغارد وجيتا جوبيناث، النائب الأول للمدير الإداري لصندوق النقد الدولي، من بين أولئك الذين عارضوا توقعات السوق بخفض أسعار الفائدة في جناح الربع الأول بسبب المخاوف بشأن زيادات الأجور، وفق تقرير نشرته صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية.
نقل التقرير الخبير الاقتصادي السابق في البنك المركزي الأوروبي والذي يعمل الآن في بنك ناتيكسيس الفرنسي، ديرك شوماخر، قوله:
- إن التعليقات الأخيرة الصادرة عن واضعي أسعار الفائدة في البنك المركزي الأوروبي تشير إلى أنهم "يستعدون لفكرة خفض سعر الفائدة خلال الصيف".
- لكنه قال إن "العقبة الرئيسية أمام حدوث تحول واضح في اللهجة" هي نمو الأجور.
زيادة الأجور
تم التأكيد على هذه المخاوف بعد أن كشفت نقابة IG BAU، الخميس الماضي، عن طلب زيادة الأجور بمقدار 500 يورو شهريًا لـ 930 ألف عامل بناء ألماني، والتي قالت إنها سترفع أجور الأغلبية الأقل أجراً من العمال بنسبة 21 بالمئة.
ووفق الخبير الاقتصادي في شركة الاستثمار تي رو برايس، توماس ويلاديك، فإنه: "حتى لو تلقى عمال البناء الألمان نصف الطلب الأولي فقط وتم توزيعه على عدة سنوات، فإن ذلك سيظل "يعزز مخاوف البنك المركزي الأوروبي من استمرار التضخم على المدى المتوسط والرغبة في خفض أبطأ مما تتوقعه الأسواق".
وبدوره، أفاد رئيس مجموعة اليورو، باسشال دونوهو، في التصريحات التي نقلتها الصحيفة، بأن:
- "المرحلة المقبلة من رحلة خفض التضخم ستكون صعبة، لكنها رحلة نحتاج إلى إكمالها".
- "إذا لم نكملها، فإننا نخاطر بأن يصبح التضخم جزءا لا يتجزأ من اقتصاداتنا".
الإنفاق الاستهلاكي
خبير الاقتصاد الدولي، محمد يسلم الفيلالي، قال في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":
- "نمو الأجور قد يصبح تهديدًا واضحًا لتخفيضات أسعار الفائدة".
- كلما ارتفعت الأجور بسرعة كلما زادت معدلات الإنفاق الاستهلاكي والطلب، مما قد يؤجج التضخم.
- "تعزيز القوة الشرائية قد يكون عائقًا لجهود البنوك المركزية في إعادة التضخم إلى الهدف".
بلغ معدل التضخم في منطقة اليورو بنسبة 2.9 بالمئة في ديسمبر، في تراجع كبير عن الذروة المسجلة أواخر 2022 والتي بلغت أرقاما عشرية، لكنه ما زال أعلى من هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2 بالمئة.
واعتبر الفيلالي أن زيادة الأجور في المرحلة الحالية تعتبر واحدة من العوامل الرئيسية التي قد تجعل الفيدرالي، على سبيل المثال، يتردد في تنفيذ تخفيضات في أسعار الفائدة خلال 2024.
ودفع تراجع التضخم والمشهد الاقتصادي القاتم، البنك المركزي الأوروبي إلى تجميد سعر الفائدة في آخر اجتماعين عقدهما، ما أثار تكهنات حيال موعد بدء المؤسسة التي تتخذ من فرانكفورت مقرا خفض المعدلات.
التضخم
في مقابلة مع بلومبرغ في دافوس، طلب من لاغارد التعليق على تلميحات صدرت عن أعضاء مجلس حكام البنك المركزي الأوروبي إلى أن خفض المعدلات قد يتم خلال الصيف.
وقالت لاغارد "أرجّح ذلك أيضا.. لكن عليّ التحفّظ إذ أننا نعتمد أيضا على المعطيات وما زالت هناك ضبابية إلى حد ما ومؤشرات غير ثابتة عند المستوى الذي نود أن تكون عليه".
تسببت تعليقات لاغارد بأن المعلومات اللازمة لتقييم قوة ضغوط الأجور لن تكون متاحة بالكامل إلا بحلول "أواخر الربيع" في عمليات بيع في أسواق السندات والأسهم قبل أيام، حيث قام المستثمرون بتعديل رهاناتهم على توقيت تخفيض أسعار الفائدة من مارس إلى أبريل.
وبالعودة لتقرير صحيفة الفاينانشال تايمز، فإنه يشير إلى انخفاض التضخم بشكل حاد في الاقتصادات الكبرى على مدى العام الماضي، مع تباطؤ نمو الأسعار إلى 3.4 بالمئة في الولايات المتحدة، و2.9 بالمئة في منطقة اليورو، و4 بالمئة. ولكن هذا لا يعني أن التهديد قد انتهى، وخاصة مع ارتفاع التضخم في قطاع الخدمات الذي يتطلب عمالة كثيفة إلى مستوى لا يبعث على الراحة.
وقال الخبير الاقتصادي في بنك باركليز، مارك كوس بابيتش:
- "ستظل الأجور مرتفعة لبعض الوقت نظراً للطبيعة المتأخرة لعملية تحديد الأجور الأوروبية".
- "تلك العقود التي لم يتم إعادة التفاوض بشأنها بعد منذ صدمة التضخم يمكن أن تستقر بمعدلات مرتفعة".
- في حين أن تلك التي تم إعادة التفاوض عليها بالفعل من قبل ستبدأ في التسوية بمعدلات أقل مع انخفاض التضخم.
دائرة مفرغة
إلى ذلك، قال عضو المجلس الاستشاري لمعهد الأوراق المالية والاستثمار البريطاني في دبي، وضاح الطه، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إنه كلما ارتفع حجم الطلب في الأسواق ينتج عنه مطالبات برفع معدلات الأجور والتي يتبعها زيادة معدلات الإنفاق وهذا ما سينتج عنه زيادة الطلب لتكون المحصلة النهائية ارتفاع معدلات التضخم من جديد.
وأضاف: تخفيض أسعار الفائدة سينتج عنه توفير سيولة أخرى في السوق ستخلق هي الأخرى ضغطًا إضافيًا بارتفاع معدل الطلب على السلع والخدمات، لذلك فإن هناك مخاوف من تخفيض معدل الفائدة مع زيادة الأجور لأن هذين العاملين سينتج عنهما تأثير قوي ومباشر على معدل التضخم برفعه وهذا ما لا يرغب فيه الفيدرالي الأميركي والبنوك المركزية حول العالم والتي تهدف سياستها في المقام الأول إلى السيطرة على معدلات التضخم.
وأكد أنه حال حدوث ارتفاع في الأجور سيتبع الفيدرالي الأميركي والبنوك المركزية الرئيسية سياسة التريث في خفض أسعار الفائدة المتوقعة.
هذا ما أكد عليه عضو مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي، مارتينش كازاكس الذي قال إن "المركزي سيبدأ في خفض الفائدة عندما يرى أننا بدأنا بشكل مستمر وكبير في تحقيق هدفنا"، مضيفا "يمكنني القول بوضوح إن التوقعات بخفض أسعار الفائدة خلال الربيع أو بداية الصيف، من وجهة نظري، هي توقعات لا تتفق حقيقة مع السيناريو الكلي الذي لدينا".
اعتقاد شائع
في سياق متصل، أوضح الرئيس التنفيذي في مركز كوروم للدراسات الاستراتيجية، طارق الرفاعي، أن هناك اعتقاداً شائعاً بأن رفع أسعار الفائدة أمرًا سلبيًا للاقتصاد ولأسواق المال، في حين أن خفضها أمر إيجابي واصفًا هذا الاعتقاد بالخاطىء.
وأضاف أن البنك الفيدرالي الأميركي والبنوك المركزية العالمية يرفعون سعر الفائدة بسبب تسارع النمو الاقتصادي والأجور، لذلك فإن رفع أسعار الفائدة يسهم في تحقيق هدف تباطىء هذا النمو.
وتابع: عام 2023 شهد قيام الفيدرالي الأمريكي برفع وتيرة أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ الثمانينات، وفي نفس الوقت وصلت أسواق المال الأميركية إلى أرقام قياسية جديدة وهذا دليل على أن رفع اسعار الفائدة أمر إيجابي وخفضها سلبي.
وواصل: "خلال أزمة كورونا خفض الفيدرالي والبنوك المركزية حول العالم سعر الفائدة وكذلك أثناء الأزمة المالية في 2008 و 2009 ، لذلك فخفض سعر الفائدة يكون مع تباطؤ النمو الاقتصادي أو الانكماش أو في حالات الأزمات، وأعتقد بأن نمو الأجور لن يصبح تهديدًا أمام خفض أسعار الفائدة".
المملكة المتحدة
وفيما يخص الوضع في بريطانيا، يشير تقرير الصحيفة البريطانية، إلى أنه:
- كانت هناك دلائل على تراجع نمو الأجور في المملكة المتحدة، مع تباطؤ النمو السنوي في الأرباح باستثناء المكافآت إلى 6.6 بالمئة في الأشهر الثلاثة حتى نوفمبر، بانخفاض من 7.3 بالمئة في الشهر السابق.
- ومع ذلك، يعتقد عديد من المحللين أن لجنة السياسة النقدية سوف ترغب في رؤية أدلة أكثر وضوحًا واستدامة على تخفيف ضغوط الأجور قبل أن تشعر بالثقة في قدرتها على البدء في خفض أسعار الفائدة من مستواها الحالي البالغ 5.25 بالمئة.
وفي الولايات المتحدة، أصبح المسؤولون أكثر قلقاً من أن سوق العمل سوف تتراجع بدلاً من أن ترتفع درجة حرارتها.
وقد لاحظ واضعو أسعار الفائدة أن نمو الوظائف أظهر علامات التباطؤ في الأشهر الأخيرة، حيث اقترح البعض أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يجب أن يحول تركيزه قريباً بعيداً عن التضخم ونحو الجزء من تفويضه الذي يحمي الوظائف.
ومع ذلك، يعتقد بعض واضعي الأسعار في الولايات المتحدة بأن هناك حاجة إلى زيادة نمو الأجور لإعادة رواتب العمال إلى ما يتماشى مع المستويات التي شوهدت قبل تفشي فيروس كورونا.