هل تشهد أسواق المال تحولات قطاعية بدعم من جني الأرباح؟
22:58 - 04 يناير 2024قدم جيم كرامر من شبكة CNBC توقعاته حول السوق المالية للعام 2024، محذراً من أن الأيام الأولى من العام قد لا تعكس بشكل كبير مستقبل الأسواق.
كما أشار إلى إمكانية حدوث "تحول قطاعي" في وول ستريت، حيث يتراجع بعض المستثمرين عن استمرار صعود أسهم الشركات التكنولوجية الكبيرة، بدلاً من ذلك يشترون أسهمًا انخفضت قيمتها بشكل كبير، مثل الشركات الغذائية أو الصيدلانية.
وفقًا لتوقعاته، قد يقوم المستثمرون بجني الأرباح من الشركات الرائدة -التي حققت مكاسب واسعة العام الماضي- والتي حددت اتجاه السوق حتى الآن، ثم يستخدمون هذه الأموال للاستثمار في شركات لم تحظ بالزخم لفترة طويلة.
كما أشار كرامر إلى أن عديداً من الأحداث على وول ستريت ستتمحور حول قرارات الاحتياطي الفيدرالي، ونصح المستثمرين بتحديد الأسهم التي تتمتع بقيادة قوية وتكون مقيمة بشكل معقول، بدلاً من التنبؤ بحركات الفيدرالي. وختم بتوجيه نصيحة للمستثمرين بالانتظار بصبر لحدوث تراجع متوقع في الأسواق، ثم الشراء في هذه الفترة.
هذا "التحول القطاعي" الذي يتحدث عنه كرامي في تصريحاته، يأتي انطلاقاً من عمليات "جني أرباح" معتادة قد تشهدها عديد من الأسواق في العام الجديد، بعد مستويات إيجابية العامة الماضي حققتها بعض القطاعات التي حظت برهانات واسعة من جانب المستثمرين.
يتوقف حجم ومدة هذا التحول واتجاه جني الأرباح في تلك القطاعات على عديد من العوامل الأساسية من بينها اتجاهات السياسة النقدية وتأثيراتها المنتظرة على أسواق المال في العام المقبل، مع إشارة الفيدرالي إلى ثلاثة تخيفضات قد تبدأ في مارس المقبل.
ويعول المستثمرون بأسواق الأسهم على مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي خلال العام الجديد 2024، واتخاذه خطوات نحو خفض أسعار الفائدة، وإنهاء تشديد السياسة النقدية على خلفية معدلات التضخم غير المسبوقة، ليمثل هذا العام عامًا لـ "جني الأرباح" بالنسبة لبعض الأسهم الرائدة بعد الأداء الجيد نسبيا لمعظم الأسواق في نهاية العام المنصرم.
- تسمح عملية جني الأرباح للمستثمر بإغلاق صفقاته تلقائيًا على مستوى أسعار محددة مسبقًا لتكون الصفقة رابحة.
- عادة ما يلجأ لها المستثمرون للحصول على الأرباح الناتجة عن استثماراتهم، كالفرق بين سعر الشراء وسعر البيع، لذا من المهم معرفة وقت وكيفية جني الأرباح من الصفقة، في ظل ما تشهده الأسواق من تقلبات، فالخروج في الوقت غير المناسب من الصفقة يعرض المستثمر إلى الخسارة بدلًا من الربح.
وشهد العام 2023 تقلبات عديدة منها أزمة مصرفية أميركية في مارس، وقفزة في أسهم الذكاء الاصطناعي وشركات التكنولوجيا، واضطرابات محيطة بإمدادات النفط من الشرق الأوسط بسبب حرب إسرائيل وحركة حماس، ومخاوف من أن سياسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي المتشددة ربما تلقي بالاقتصاد الأميركي في هوة الركود.
وساعد تراجع أسعار الفائدة في تحقيق سلسلة مكاسب ملحوظة في نهاية العام تسارعت في ديسمبر حينما ترك المركزي الأميركي المجال مفتوحا أمام خفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة في 2024 بعد حملة تشديد نقدي ساعدت في كبح التضخم نحو مستهدفه السنوي عند اثنين بالمئة.
ومع بداية عام جديد في ظل المؤشرات الإيجابية للأسواق، يصبح السؤال عن ما إذا كان هذا العام ملائمًا لجني الأرباح لمن حققوا مكاسب في سوق الأسهم، وهل سيكون مناسبًا لتوجيه العوائد لاستثمارات أخرى.
رهان على خفض أسعار الفائدة
في هذا الصدد قال مدير قسم البحوث في شركة المروة لتداول الأوراق المالية، مينا رفيق، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن الأسواق العالمية شهدت خلال العام 2023 المنصرم حالة من الضبابية والتذبذب بشأن التوجهات وحركة الأسواق وما ستؤول إليه، مشيرًا إلى أن أغلب التوقعات للمؤسسات العالمية كانت تتجه إلى أن الأسواق ستشهد حالة ركود، وكذلك تخفيض لأسعار الفائدة من قبل الفيدرالي الأميركي وهو ما لم يحدث.
وأوضح أن الاقتصاد العالمي منذ جائحة كورونا وهو يتخذ شكلًا جديدًا، اتسم بالضبابية التي تصعب من التكهن بأي توقعات؛ فعلى سبيل المثال ارتفعت وتيرة طباعة الدولار في الولايات المتحدة الأميركية بهدف تمويل الاقتصاد في ظل أزمة ارتفاع التضخم وعدم استقرار الوضع الاقتصادي، كما قام الفيدرالي الأميركي برفع سعر الفائدة، لكن على الرغم من ذلك لم تتم السيطرة على التضخم وفقًا للتوقعات.
وذكر مدير قسم البحوث في شركة المروة لتداول الأوراق المالية، أن جني من حققوا مكاسب في العام المنصرم الأرباح بسوق الأسهم، يرتبط بالمشهد الاقتصادي العالمي، كما أنه مرهون بخفض أسعار الفائدة من قبل الفيدرالي الأميركي وخفض معدلات التضخم لتستفيد الأسواق العالمية من ذلك، لكن هناك عوامل تجعل الرؤية غير واضحة، منها:
- استمرار التوترات والضبابية بشأن موقف الفيدرالي الأميركي فيما يخص اللجوء إلى خفض سعر الفائدة، ذلك على الرغم من أن كل التوقعات تتجه للخفض خاصة بإعلان نيته أن يخفضها ثلاث مرات في العام الجديد.
- الجدل حيال أي ارتفاع محتمل لأسعار النفط، وبالتالي تأثيره على معدلات التضخم، ومن ثم إعاقة التحول في السياسة النقدية.
وأوضح أنه حال اعتماد الفيدرالي الأميركي خفض سعر الفائدة كما ألمح في اجتماع الأخير "ستشهد الأسواق ارتفاعًا بأسعار الذهب وانخفاض لقيمة الدولار، وبالتالي سيستفيد الفرد المستثمر من سوق الأسهم والذهب"، مشددًا على ضرورة قيام الأفراد بتوزيع محافظهم أو مراكزهم المالية بين الذهب أو الدولار أو الاستثمار في الشركات، ليستطيعوا تحقيق مكاسب من التداول.
وأضاف أن العكس سيحدث إذا لم تخفض الفائدة، فمن المرجح أن تحدث عمليات جني أرباح وسيكون المستثمر مُعرض إلى الخسارة، كما من الممكن أن يحدث تراجع بأسعار الذهب، بالتالي سيكون الملاذ الآمن هو أذون الخزانة.
وكان بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، أبقى أسعار الفائدة دون تغيير، في اجتماعه الأخير في ديسمبر الماضي، وذلك للمرة الثالثة على التوالي، لتظل عند مستوى يتراوح بين 5.25 و5.5 بالمئة، وهو الأعلى منذ 22 عاما.
وأشار الفيدرالي في توقعات اقتصادية جديدة إلى أن التشديد التاريخي للسياسة النقدية الأميركية بلغ نهايته وأن تكاليف الاقتراض ستنخفض في 2024، حيث توقع انخفاضا بمقدار 75 نقطة أساس خلال العام المقبل.
القطاعات الأساسية
وبشأن القطاعات التي حققت طفرات خلال العام 2023، ومن المتوقع أن يتجه لها المستثمرين الأفراد خلال العام الجديد، فعددها مدير قسم البحوث في شركة المروة لتداول الأوراق المالية، مينا رفيق، كما يلي:
- قطاع التكنولوجيا يسارع العالم خطاه نحو التحول الرقمي، لذا شهد هذا القطاع أرباحًا عالية وطفرات في العام 2023، وعلى الرغم من ذلك فالاستثمار فيه مهدد بالمخاطرة العالية، خاصة وأن أغلب شركات التكنولوجيا تتداول بمضاعفات ربحية عالية نظرا لأنه يعتمد على تقديم خدمة، فقد يحقق أرباحًا عالية، لكن لا يوجد أصل، لذا إذا تأثرت الأرباح يتأثر القطاع بالسلب.
على سبيل المثال شهدت شركة إنفيديا الأميركية، الرائدة في سوق أشباه الموصلات المستخدمة لتطوير الذكاء الاصطناعي التوليدي، نمو قيمتها أكثر من ثلاثة أضعاف في سوق الأسهم لتصل إلى 1.18 تريليون دولار، وهي سادس أكبر شركة في العالم.
وتشكل إنفيديا مع عمالقة التكنولوجيا الأميركية، غوغل وأمازون وفيسبوك وآبل ومايكروسوفت، بالإضافة إلى تسلا، ما يُطلق عليها اسم "العظماء السبعة" ذات رؤوس الأموال الضخمة والمسؤولة إلى حد كبير عن الارتفاع في أسواق الأسهم في عام 2023.
- التعدين أو الموارد الأساسية: هو قطاع ذو مخاطر أقل، ومع معدلات التضخم العالية يستفيد هذا القطاع بشكل جيد.
- قطاعات الأغذية والأدوية: وهي تسمى بالقطاعات الدفاعية، حيث لا يتأثر بركود وآمن.
نصائح التعامل مع موجة جني الأرباح
وإلى ذلك، أوضح مدير التداول بشركة يونيفرسال لتداول الأوراق المالية، محمد عطا، في تصريحات خاص لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن الأسواق العالمية شهدت خلال العام 2023 تحسنًا نسبيًا، لكن الأداء كان مقيدًا نتيجة للسياسات التشددية التي اتبعتها البنوك المركزية العالمية في مقدمتها الفيدرالي الأميركي، لافتًا إلى أن البيانات الاقتصادية كانت غير مطمئنة وعلى الرغم من ذلك الأسواق سواء في أوروبا أو أميركا أو حتى الأسواق العربية كانت مُتماسكة.
وأضاف أنه مع حلول هذا العام الجديد هناك إشارات إيجابية للنمو الاقتصادي، خاصة مع آخر اجتماع لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في نهاية العام المنصرم بالإشارة إلى عزمه خفض الفائدة، كما أن السياسة التشددية سيخفف حدتها نسبيًا، متوقعًا أن يتم خفض الفائدة في بداية الربع الثاني من العام الجاري، وهو ما سيؤدي إلى تحسن واضح بالأسواق المالية العالمية.
وذكر أن حالة عدم اليقين التي سيطرت على الأسواق عالميًا، جعلت المستثمرين الأفراد يتجهون إلى الذهب كأداة للتحوط في مواجهة التضخم، لكن طالما هناك رؤية تقول إن هناك استمرارية للصعود بأخبار ايجابية، فتوقع أن مرحلة جني الأرباح يمكن أن تؤجل إلى النصف الثاني من العام الجاري.
ونصح مدير التداول بشركة يونيفرسال لتداول الأوراق المالية، محمد عطا، الأفراد المستثمرين أن يوجهوا أموالهم بعد جني الأرباح إلى الذهب، خاصة وأن جميع التوقعات تشير إلى أنه سيصعد خلال هذا العام، موجهًا عدة نصائح إلى المستثمرين الأفراد لكيفية التعامل مع موجة جني الأرباح، وهي:
- بيع الأسهم عند ذروة الصعود العنيف ليبدأ بعد ذلك جني الأرباح، واستغلال فترة التراجعات في شرائها.
- الدخول بحذر بعد الربع الثاني أو مع ظهور الأخبار الإيجابية، خاصة وأن دائما الأسواق العالمية تسبق الخبر وفي وقت تحقيق الخبر يبدأ جني الأرباح.
- إذا كان المستثمر يقوم بشراء الأسهم على المدى الطويل عليه أن يبدأ من الوقت الحالي، ليبيع مع ظهور الأخبار الإيجابية أو مع تحقيقها.