أزمتان تجبران السفن على طرق تجارية تعود للقرن الثامن عشر
10:05 - 22 ديسمبر 2023العام 2023 الذي بدأ بإبحار سلس للاقتصاد العالمي - مع اختفاء أزمات سلاسل الإمداد وتباطؤ التضخم وتبدد هواجس وباء كورونا - يبدو أنه ينتهي بعاصفة متجمعة أخرى حيث تواجه صناعة النقل البحري وتجار التجزئة الذين يعتمدون عليها أزمات في أكبر قناتين للمحيطات في العالم.
ورغم إن مصادر وأسباب الأزمتين مختلفة للغاية، لكن التداعيات تبقى كبيرة ومؤثرة بنفس القدر.
يهاجم المسلحون الحوثيون، لدعم حماس في حربها مع إسرائيل، السفن التجارية أثناء إبحارها عبر اليمن في طريقها إلى أو من قناة السويس المصرية.
على بعد حوالي 7200 ميل إلى الغرب، يتعرض الممر المائي الرئيسي الآخر في العالم في بنما للتعطيل بسبب الجفاف.
ومع وصول هذه المشكلات إلى الطرق التي تتعامل مع ما يقرب من 20 بالمئة من التجارة العالمية، فإنها تفرض تحولات واسعة النطاق على الشحن التجاري العالمي، مما يؤدي إلى ارتفاع فواتير الشحن، وتعزيز أسهم شركات الشحن.
وقد أجبرت حوالي 180 سفينة حاويات لتحويل مسارها حول إفريقيا أو تم إيقافها في انتظار التعليمات لتجنب الهجمات في البحر الأحمر، وفقًا لبيانات صدرت في وقت متأخر من الأربعاء من شركة Flexport Inc، وهي منصة شحن رقمية مقرها سان فرانسيسكو.
ومن شبه المؤكد أن ينضم مئات آخرون إليهم، ما لم تطمئن القوى الغربية صناعة الشحن بإمكانية قمع الحوثيين والسيطرة عليهم، الذين تعهدوا بمواصلة هجماتهم. وبالمثل، استمرت تحويلات مسار السفن في بنما لأسابيع حيث تحد مستويات المياه المنخفضة من عدد الرحلات.
عملية إعادة تحول سفن الشحن واسعة النطاق من (قناة السويس وقناة بنما) والتي تنقل كل شيء بدءًا من الألعاب وقطع غيار السيارات إلى الغاز والوقود والنفط الخام، سيؤدي ذلك على المدى القصير إلى رفع التكاليف، وسيتسبب في أسابيع من التأخير، وقد يؤدي إلى ارتفاع أسعار بعض السلع. كما أنه سيعرقل الخدمات اللوجستية للشركات البرية التي تعتمد على جداول النقل البحري المتوقعة.
الآثار المباشرة:
- ارتفاع تكلفة نقل الحاويات: قفزت تكلفة نقل البضائع في حاوية بطول 40 قدمًا من آسيا إلى شمال أوروبا بنسبة 16 بالمئة خلال الأسبوع الماضي وارتفعت بنسبة 41 بالمئة هذا الشهر وفقًا لمؤشر Drewry العالمي للحاويات الصادر الخميس.
- ارتفاع أسعار شحن الوقود: ترتفع كذلك فواتير شحن الوقود، حيث تعلن بعض شركات النفط الكبرى مثل بريتش بتروليوم وشركات صهاريج النفط أنها ستتجنب جنوب البحر الأحمر (باب المندب).
التداعيات الاقتصادية المحتملة التي تضرب التجارة العالمية اليوم كالصاعقة، تُلفت الانتباه إلى هشاشة التجارة العالمية أمام اختلالات كتلك الناتجة عن تفشي وبائي مميت أو حادثة عشوائية مثل جنوح سفينة إيفرغيفن وإعاقتها لطريقٍ تجاريٍ مهمٍ لأيامٍ عديدة (في قناة السويس في عام 2021).
لكن هذه المرة السبب وراء أزمة سلاسل التوريد هو قلة هطول الأمطار في أميركا الوسطى، وحربين إقليميتين، وحقيقة مفادها أن الصواريخ والطائرات بدون طيار التي يطلقها الحوثيون على البحر يمكن أن تعطل عمل بعض أكبر الآلات في العالم.
تحالف لتخليص البحر الأحمر من الحوثيين.. ومساعدات تصل غزة
أزمة في توقيت شبه مثالي
بالنسبة لصناعة الخدمات اللوجستية، فإن توقيت إعادة توجيه السفن بعيدا عن مسارتها الطبيعية ليس بالتوقيت المناسب على الإطلاق. فجميع السفن التي تم تحويلها من قناة السويس - وكذلك أي السفن التي تنتظر - سوف تتأخر لمدة أسبوع أو أسبوعين على الأقل عن الوصول إلى وجهتها.
يحدث ذلك خلال واحدة من أكثر الأوقات ازدحامًا في العام بالنسبة للصادرات من الصين لإعادة التخزين التي يقوم بها تجار التجزئة بعد العطلات وقبل إغلاق المصانع الصينية لقضاء عطلة السنة القمرية الجديدة في فبراير.
بالنسبة للاقتصاد العالمي الذي يمر بمفترق طرق، فإن هذه سحابة أخرى تخيم على التوقعات وتحجب الرؤية، في الوقت الذي يدرس فيه صانعو السياسة في البنوك المركزية كيفية إنهاء معاركهم ضد التضخم من خلال رفع أسعار الفائدة.
ولم تتمكن العديد من الشركات في الولايات المتحدة وأوروبا إلا في الآونة الأخيرة من ضبط المخزونات وإعادتها إلى مستوياتها الطبيعية، وتكافح من أجل التخطيط للطلب في عام 2024 في ظل الوضع الجيوسياسي غير المستقر.
وقالت تريين نيلسن، المدير الأول ورئيس قسم الشحن البحري الأوروبي لدى شركة فليكسبورت، في مؤتمر عبر الهاتف هذا الأسبوع: "ليس هذا هو الوقت الأسهل لممارسة الأعمال التجارية هذه الأيام"، مضيفة "من الواضح أن احتمال نفاد المخزون هو أحد الأشياء التي نشجع الجميع على النظر فيها - بسبب تأخير عمليات الشحن - ولأن تكلفة نفاد المخزون قد تكون أعلى من تكلفة خدمات الشحن السريع."
خيارات الشحن الجوي
شركات الشحن، في خضم تقييم خياراتها، تعود إلى رحلات نصف الكرة الجنوبي والتي كانت شائعة في القرون التي سبقت بناء طريقين مختصرين بين القوى التصديرية في آسيا والمحركات الصناعية المتقدمة في أميركا الشمالية وأوروبا.
وقال مسؤول تنفيذي في شركة لوجستية كبرى، رفض الكشف عن هويته نقلاً عن مداولات داخلية، إنه يتم حث أصحاب البضائع على النظر في جميع البدائل لتجنب كلتا القناتين، بما في ذلك الشحن الجوي على الرغم من ارتفاع أسعاره مؤخرًا أيضًا، بحسب بلومبرغ.
تخطط شركة أبركرومبي آند فيتش للتحول إلى الشحن الجوي لتجنب الاضطرابات، وفقًا لبريد إلكتروني أرسلته للموردين.
وأوضحت شركة بيع الملابس بالتجزئة أن خطوط الشحن في البحر الأحمر مهمة لعملياتها لأن جميع شحناتها من الهند وسريلانكا وبنغلاديش تمر عبر هذا الطريق للوصول إلى الولايات المتحدة.
كما حذرت شركة الأثاث السويدية العملاقة "إيكيا" من نقص محتمل في بعض المنتجات.
يتوقع مصنع Button & Sprung البريطاني للمفروشات والمرتبات بعض التأخير والانقطاع في سلاسل التوريد بسبب أنها تحصل على الأقمشة للتنجيد من الصين والهند.
يقول آدم بلاك، الشريك المؤسس في Button & Sprung: "أدرك جيدًا أنه قد يحدث انقطاع في سلسلة التوريد، وفترات انتظار زمنية أطول، وارتفاع في الأسعار إذا كان علينا نقل الأقمشة حول رأس الرجاء الصالح"، وأضاف أن معظم مصادر شركته تأتي من المملكة المتحدة وأوروبا.
القطاعات المتأثرة بشكل خاص:
- تجار التجزئة في قطاع الأزياء: قد تتأثر بشكل خاص بسبب أهمية خطوط الشحن في البحر الأحمر لعملياتهم.
- شركات نقل السلع الضخمة منخفضة القيمة: قد تعاني من زيادة تكاليف الشحن والاضطراب في سلاسل التوريد.
سعة تخزين أقل
تحاول الشركات التي تقوم بالكثير من الأعمال مع شركات النقل البحري نيابة عن عملائها تحديد أوقات وصول جديدة للبضائع. قدرت شركة الخدمات اللوجستية الدنماركية DSV أن فترات العبور الأطول وتقييد السفن لفترات أطول ستؤدي إلى تقليل سعة التخزين بنسبة تصل إلى 20 بالمئة.
ويقدر إريك مارتن نوفيل، نائب الرئيس التنفيذي للشحن في شركة Geodis، وهي شركة لوجستية أخرى، أن السفن التي يتعين عليها الآن السفر حول رأس الرجاء الصالح ستقضي حوالي 60 يومًا في السفر من الصين إلى أوروبا مقارنة بـ 40 يومًا عبر قناة السويس.
وقال إن التكاليف قد تصل إلى أربعة إلى خمسة أضعاف، مضيفا أن هذه التقديرات تنطبق أيضًا تقريبًا على شركات الشحن من آسيا إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة.
يستغرق الشحن الجوي من الصين إلى أوروبا حوالي 48 ساعة، لكنه مكلف للغاية بالنسبة للعديد من الشركات، خاصة تلك التي تنقل سلعًا أثقل وأقل قيمة.
عادة، كان من الممكن أن تكون السكك الحديدية خيارا، حيث تعبر من الصين عبر روسيا إلى أوروبا خلال رحلة تستغرق أسبوعين تقريبا. لكن مارتن نوفيل قال إن الحرب الروسية في أوكرانيا قد تسبب في أغلق معظم هذه الطرق.
حلول بطيئة
لا يبدو من المتوقع التوصل إلى حل لأزمة قناة السويس أو بنما في غضون أيام.
تعهد الحوثيون في اليمن بمواصلة استهداف السفن على الرغم من التحرك الأميركي لتشكيل قوة بحرية دولية لحماية التجارة عبر البحر الأحمر. ومن المرجح أن يكون النهج الرئيسي للقوات المتحالفة هو النهج الدفاعي، مما يعني أن مالكي السفن قد يرغبون في رؤية ومعرفة مدى نجاح التحالف قبل العودة إلى البحر الأحمر.
أزمة بنما المنسوبة إلى الأحوال الجوية وظروف المناخ من المؤكد أنها ستستمر حتى فبراير على الأقل.
مع تفاقم الأزمة هذا الأسبوع، ارتفع سعر النفط الخام، بالرغم من أنه يستعد لتسجيل أول تراجع سنوي له منذ عام 2020. وقالت شركتا النفط والغاز العملاقتان "بي.بي" وإكوينور إنهما ستبتعدان عن الإبحار في البحر الأحمر، في وقت يشعر بعض أصحاب الناقلات بالقلق أيضًا.
تشهد أسعار شحن البضائع لأكبر الناقلات التي يمكنها الإبحار عبر قناة السويس بكامل حمولتها ارتفاعًا حادًا أيضًا. فقد قفزت أسعار سفن فئة Suezmax، والتي سميت بهذا الاسم لأنها أقصى حجم يمكنه عبور القناة ممتلئًا، إلى 90 نقطة على مقياس Worldscale القياسي في الصناعة، ارتفاعًا من 75 نقطة تقريبًا قبل أسبوع، وفقًا لبيانات من بورصة البلطيق في لندن.
أزمة دائمة
يتوقع راهول كابو، رئيس تحليلات وأبحاث الشحن في إس آند بي غلوبال للسلع، أن تستمر التكاليف الاقتصادية في التصاعد حتى يتم استعادة الممر الآمن للسفن، ومع ذلك، من المرجح أن يحد ضعف الطلب الاستهلاكي من الزيادة الكبيرة في أسعار الشحن.
وقال في مقابلة مع وكالة بلومبرغ العالمية: "على مدى السنوات القليلة الماضية، شهدنا أن التوترات والصراعات الجيوسياسية أصبحت تشكل تهديدًا متزايدًا للتجارة العالمية".
يرى تحليل من Bloomberg Economics أن التأثير على الاقتصاد العالمي سيكون محدودًا حيث تقوم صناعة الشحن بإعادة توازن طاقتها، ربما في غضون أسابيع.
تقول مايفا كوزين، كبيرة الاقتصاديين منطقة اليورو في بلومبرغ، إن أسعار الشحن تمثل جزءًا صغيرًا من أسعار المستهلكين (التضخم) بشكل عام، لذلك يجب احتواء التأثير ما لم تتسع تهديدات التجارة وتستمر لعدة أشهر.
تحديات إضافية بالإبحار حول رأس الرجاء الصالح:
تغيير المسار والتخطيط للتأخير ليسا العاملين الوحيدين عند تقييم المخاطر المحتملة. فالمرور حول إفريقيا يأتي بتحدياته الخاصة، بما في ذلك الطقس غير المتوقع مما يؤدي إلى اضطراب منطقة المياه المعروفة بصعوبة الإبحار فيها.
يقول لارس جنسن، الرئيس التنفيذي لشركة Vespucci Maritime، خلال ندوة Flexport هذا الأسبوع: "بينما من السهل النظر إلى جدول بيانات والقول، حسنًا، إنها بضعة آلاف إضافية من الأميال البحرية ويمكننا الإبحار بشكل أسرع قليلاً... الأمور ليست بهذه السلاسة عند الإبحار جنوب إفريقيا. نعم، يمكنك الإبحار بشكل أسرع، لكن يجب أيضًا توقع تأخيرات متعلقة بالطقس بمجرد عبور تلك المساحة المائية."