التجارة بين الشرق والغرب تتباعد بسبب هجمات البحر الأحمر
15:37 - 18 ديسمبر 2023يأبى العام 2023 أن يمر دون إثارة توترات جديدة تثير مزيداً من المخاوف بشأن سلاسل التوريد وحركة التجارة الدولية.. تأتي التوترات هذه المرّة في واحد من أهم الممرات الملاحية على مستوى العالم، وهو البحر الأحمر، حيث تتفاقم المخاطر الأمنية جراء الهجمات التي يشنها الحوثيون على السفن التجارية، والتي يقولون إنها تأتي في إطار الرد على الحرب في غزة.
تشكل تلك الهجمات تهديداً مباشراً لحركة التجارة، وبما قد يسفر عن تفاقم الضغوط التضخمية بشكل أسرع مع اضطراب سلاسل التوريد، نظراً لتزايد كلفة الشحن، مع اضطرار السفن إلى سلك طرق أخرى (أطول وأكثر تكلفة)، في الوقت الذي أعلنت فيه شركات شحن عالمية عملاقة عن توقف سفنها عن المرور في المنطقة مع تزايد المخاطر بشكل كبير، وارتفاع علاوة المخاطر هناك والتأمين على السفن.
المشهد في البحر الأحمر يجدد كثيرا من المخاوف بشأن هذا الممر المُهم في العالم، ويلقي بتأثيرات وخيمة ممتدة، بما في ذلك على الدول المُطلة عليه والمستفيدة من حركة مرور السفن، ومع اضطرار شركات إلى اللجوء لطرق أطول حول إفريقيا.
- يعد البحر الأحمر ممراً ملاحياً مهماً لحركة التجارة العالمية، وقد تصدر المشهد بشكل لافت مع تزايد هجمات الحوثيين على السفن التجارية التي تمر منه قبالة سواحل اليمن.
- يمثل البحر الأحمر حلقة الوصل البحري الأسرع والأقصر بين آسيا وأوربا.
- يعد شرياناً حيوياً يمر من خلاله حوالي 10 بالمئة من إمدادات النفط المنقولة بحراً حول العالم (أي ما يعادل من ستة إلى سبعة ملايين برميل نفط يومياً)، و12 بالمئة من إجمالي التجارة العالمية، وفق إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
- يضاف إلى ذلك أنه منفذ بحري جنوبي مهم لإسرائيل عبر معبر إيلات الذي توقفت فيه حركة السفن بشكل كبير، وفق موقع آسيوس، وبالتالي فهو صاحب مكانة كبيرة في الجغرافيا السياسية.
- مع تزايد خطر الحوثي على سفن الشحن سيكون هناك تأثير واضح على سلاسل التوريد، وبما يهدد برفع نسب التضخم.
- ظهرت معالم ذلك بوضح في قيام بعض شركات التأمين برفع تكاليف الشحن الأسبوع الماضي، بنسبة تصل إلى 200%.. نتيجة لذلك تتخذ بعض السفن مسارات بديلة، كما أعلنت عدد من شركات الشحن.
عمالقة الشحن يتخذون القرار الأصعب
من جانبه، يشير مستشار البنك الدولي، محمود عنبر، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن إلغاء شركات شحن كبرى مرور شحناتها من البحر الأحمر -على أثر التوترات الحالية التي تشهدها المنطقة- من شأنه أن يهدد باضطرابات في سلاسل التوريد وحركة التجارة العالمي.
يأتي ذلك لما يمثله البحر الأحمر ومضيق باب المندب من شريان تجارة عالمي رئيسي، وبالتالي فإن أي تهديدات هناك أو تحوّلات أمنية من شأنها أن تنعكس مباشرة على سلاسل التوريد.
وأعلن عديد من عمالقة الشحن عن تعليق رحلاتهم عبر البحر الأحمر، عقب تعرض السفن لهجمات هناك، وفي ضوء التوترات الأمنية المتصاعدة في المنطقة، والتي ترفع علاوة المخاطر، من بين تلك الشركات:
- شركة الشحن الدنماركية إيه.بي مولر ميرسك، وهي واحدة من كبريات شركات الشحن في العالم، وتخدم 374 مكتباً في 116 دولة وتوظف أكثر من 30 ألف موظف، وتبلغ طاقتها نحو 4.1 مليون حاوية، عبر 786 سفينة. الشركة أعلنت عن أنها سوف تسلك مساراً أطول حول القارة الأفريقية، بعد وقف عمليات الشحن في البحر الأحمر.
- من الشركات أيضاً، شركة هاباج لويد الألمانية الشهيرة، والتي قررت التوقف مؤقتاً عن المرور بالبحر الأحمر تحت وطأة تلك التهديدات الواسعة هناك.
- كذلك أعلنت الشركة الفرنسية CMA CGM مطلع الأسبوع عن إيقاف جميع شحناتها عبر البحر الأحمر. وقالت الشركة في بيان: "الوضع يتدهور أكثر والمخاوف بشأن السلامة تتزايد".
- أعلنت شركة النفط البريطانية العملاقة "بريتيش بتروليوم" الاثنين تعليق عبور جميع سفنها في البحر الأحمر، على غرار العديد من كبرى شركات النقل البحري في العالم، بعد الهجمات التي نفذها الحوثيون في اليمن.
تفاقم الضغوط التضخمية
ويضيف عنبر في معرض حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "تفاقم هذه الأزمة من شأنه أن يعرض إلى مزيد من تفاقم معدلات التضخم، ذلك أن تعطل الشحنات يدفع إلى نقص المعروض على المستوى العالمي، ومع ارتفاع تكلفة الشحن واضطرار السفن وشركات الشحن المختلفة إلى استخدام طرق أخرى بديلة، عادة ما تكون أكثر تكلفة وتستغرق وقتاً، وهذه التكلفة الإضافية بطبيعة الحال لن يتحملها المُنتج، وسوف يتم تصديرها إلى المستهلك، وبالتالي ارتفاع في معدلات التضخم".
وينظر عنبر إلى مثل تلك التطورات المفصلية باعتبارها حلقة من حلقات الصراع الأوسع في تقديره، ما بين معسكرين شرقي وغربي، وفي ضوء تغيرات على الخارطة الاقتصادية التي يعاد تشكيلها، والتي تعبر عنها العوامل الجيوسياسية الأخيرة، لا سيما الحرب في أوكرانيا، مشيراً كذلك إلى الحرب في غزة وأثرها على تطور الصراع.
وفي مصر، أعلن رئيس هيئة قناة السويس متابعة التوترات عن كثب، مشيراً إلى تحوّل 55 سفينةً للعبور عبر مسار رأس الرجاء الصالح منذ 19 نوفمبر الماضي.
وكان البيت الأبيض قد أفاد، الجمعة، بأن عبور السفن التجارية في منطقة البحر الأحمر قد صار "أكثر خطورة" على وقع الهجمات التي تقع حالياً.
فيما رهن متحدث باسم الحوثيين وقف الهجمات بحدوث تحول إيجابي لجهة فك الحصار عن غزة، مهدداً بمزيد من الهجمات حال استمرار الحرب في غزة.
كما تتوال ردود الأفعال الغربية الغاضبة إزاء تلك الهجمات وتداعياتها الخطيرة، وبما ينذر بتصعيد واسع خلال المرحلة المقبلة، وهو ما دعت إليه فرنسا على لسان وزير خارجيتها، كاترين كولونا، والتي حذرت من أن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر لا يُمكنها أن تبقى دون رد.
السيناريوهات "الأسوأ".. وأسعار النفط
من لندن، يرصد خبير اقتصادات الطاقة، نهاد إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" السيناريوهات الأكثر خطورة، على النحو التالي:
- في الأسبوع الأخير تجاهلت أسواق النفط استهداف الحوثيين للسفن التجارية في البحر الأحمر.. لكن في حالة توجيه ضربات عسكرية من قبل الولايات المتحدة ودول أخرى مثل بريطانيا على أهداف حوثية قد نشهد تصعيداً يؤدي إلى إغلاق باب المندب.
- إذا حدث هذا فعلاً سترتفع علاوة المخاطر وقد تضيف 10 إلى 15 دولاراً للبرميل وسترتفع تكلفة الشحن والتأمين، مع خسارة الأسواق 6 ملايين برميل يومياً من التصدير النفطي الذي يعبر باب المندب متجها إلى قناة السويس، وهذا يخلق عجزاً في الإمدادات العالمية بنسبة 6 بالمئة من الإنتاج العالمي.
- السيناريو الأشد خطورة هو أن تحاول إيران التدخل لمساعدة حليفها الحوثي وتحاول عرقلة الملاحة من خلال مضيق هرمز، وهو ممر هام جداً للنفط والغاز الطبيعي المسال.
- التوقعات إذا حدث ذلك أن تصعد الأسعار إلى 150 دولاراً للبرميل.. وسعر بهذا المستوى يهدد الاقتصاد العالمي، وقد ندخل في مرحلة ركود اقتصادي.
ويضيف: "يجب القول حتى لو توقفت الحرب غداً وعاد الهدوء والاستقرار للمنطقة ستتجه الأسعار نحو 90 إلى 95 دولاراً للبرميل بسبب توقعات أوبك ووكالة الطاقة الدولية بارتفاع الطلب على النفط الخام خلال العام المقبل 2024 وتخفيضات أوبك وحلفائها".
ويرى أن "الامر الذي سيكبح ارتفاع الأسعار هو ارتفاع الإنتاج من دول خارج أوبك+ مثل الولايات المتحدة حيث وصل الإنتاج في نوفمبر 12.93 مليون برميل يومياً وسيرتفع إلى أكثر من 13 مليون برميل وفق بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.. وكذلك إنتاج البرازيل المتزايد".