ما هي أبرز تأثيرات تغير المناخ على التجارة الدولية؟
15:55 - 30 نوفمبر 2023يلقي تغير المناخ بظلاله المتشعبة على مجمل النواحي الاقتصادية؛ كونه من أكبر التحديات التي تواجه العالم اليوم ومستقبلا، بعد أن أضحت حالات الجفاف والفيضانات والعواصف الاستوائية وغيرها من الظواهر المناخية المتطرفة أكثر شيوعاً، ومن بين تلك التحديات الاقتصادية التي يفرضها تغير المناخ ما يتعلق بالتجارة الدولية وحركة الملاحة العالمية.
تلعب التجارة الدولية وهي عملية تبادل السلع والخدمات والموارد بين شتى بلدان ومناطق العالم، دورا لا غنى عنه في تعزيز النمو والتكامل الاقتصادي والتنمية، ومع ذلك، فإن التجارة الدولية تتأثر بتغير المناخ، بشكل مباشر وغير مباشر؛ سواء من خلال ما يشكله من تهديدات خطيرة للبنية التحتية البحرية وطرق النقل أو التأثير على الإنتاج والاستهلاك والتوزيع والجودة والأسعار وغيرها.
وينعكس تغير المناخ بشكل كبير على التجارة العالمية بمختلف الطرق، وقد يكون له تداعيات سلبية على الاقتصادات والأعمال التجارية. وهذه بعض الطرق التي يمكن لتغير المناخ أن يؤثر بها على التجارة:
● تغيرات في الإمدادات والطلب: تغيرات المناخ قد تؤدي إلى تقلبات في إنتاج المحاصيل والموارد الطبيعية الأخرى، بما يؤثر على الإمدادات. كذلك فإن زيادة درجات الحرارة أو تغيرات في نمط الأمطار يمكن أن تؤدي إلى تقلبات في الطلب على منتجات محددة.
● تغيرات في اللوجستيات والنقل: ارتفاع مستويات البحار قد يؤدي إلى زيادة في تكاليف النقل البحري وتأثير على الإمدادات اللوجستية.
● زيادة في الحوادث الطبيعية: مثل الأعاصير أو الفيضانات، وبما يؤثر على شبكات النقل وتأخير الشحنات.
● تأثيرات على البنية التحتية: تغير المناخ يؤثر على البنية التحتية للدول، مثل الموانئ والطرق والسكك الحديدية، مما يؤدي إلى تأثير على التجارة الدولية.
● تكاليف التأمين: أي زيادة في حدوث الكوارث الطبيعية قد تؤدي إلى زيادة في تكاليف التأمين على الشحنات والبضائع.
● تأثير على الصناعات الحساسة للبيئة: بعض الصناعات تكون أكثر حساسية لتغير المناخ، مثل الزراعة والصناعات البتروكيماوية، مما قد يؤدي إلى تأثير كبير على التجارة في هذه القطاعات.
● التشريعات البيئية: قد تزيد التشريعات البيئية المتعلقة بتغير المناخ من التكاليف التي تتحملها الشركات في عمليات الإنتاج والنقل.
● تأثيرات اقتصادية عامة: يمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى تأثيرات اقتصادية عامة، مثل ارتفاع تكاليف الطاقة أو تقليل إنتاج بعض الصناعات، مما يؤثر على التجارة العالمية.
● عدم اليقين: تغير المناخ يمكن أن يعزز مستويات عدم اليقين في الأعمال التجارية ويحتمل أن يكون له تأثيرات سلبية على الاقتصادات العالمية وأنشطة التجارة.
أسوأ موجة جفاف
أحدث مثال على ذلك انخفاض المياه في قناة بنما الرابطة بين المحيطين الأطلسي والهادئ، إلى مستويات حرجة وسط عدم كفاية هطول الأمطار في بحيرة جاتون، التي تغذي القناة، في أسوأ موجة جفاف في تاريخ القناة الممتد 143 عاما.
تسبب ذلك في خفض عدد السفن التي تمر بالقناة إلى النصف (18 سفينة يوميا بحلول فبراير/شباط، مقارنة بـ 36 سفينة في الأوقات العادية)؛ لتواجه السفن ستة أيام إضافية في العبور.
ويعيق الجفاف، الذي يضرب هذا الشريان الحيوي، لعدة أشهر مقبلة حركة التجارة في القناة التي تمثل حوالي 5 بالمئة من حجم التجارة البحرية العالمية.
وبحسب ما أورده تقرير لمؤسسة ماعت، فإن خسائر الاقتصاد العالمي ربما تتجاوز عتبة الـ 33 تريليون دولار بحلول العام 2050، نظراً لتوسع تداعيات الأزمة وانعكاساتها على الاقتصادات المختلفة.
سيناريو كارثي
يرى المحلل الاقتصادي بصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، الدكتور أنور القاسم، أن غالبية الأزمات التي يعاني منها الاقتصاد العالمي الآن، في الأساس متصلة بالبيئة. سواء بالنسبة لكارثية تغير المناخ أو زيادة الحرارة والتصحر وشح المياه واستنزاف الموارد الطبيعية أو بسبب أن هذا التغير المطرد يمكن أن يمحو ما يصل إلى 18 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد العالمي بحلول العام 2050.
ويضيف القاسم، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن الانبعاثات الغازية الناتجة عن النشاط البشري في المجالات المختلفة والتي تعتمد على الطاقة أدت كذلك إلى احتباس حرارى عالمي غير مسبوق، ستكون له تداعيات سلبية على الاقتصادات العالمية بشكل كلي وفي مناحي الحياة والنشاط الاقتصادي كافة.
ويلفت إلى أن تأثير التغير المناخي يواجه كل القارات، لكن الأكثر تأثرا نتيجة الجفاف والفيضانات والعواصف ستكون كل من (إثيوبيا والصين وبنغلاديش وزيمبابوي والهند ومدغشقر وكمبوديا وفيتنام وموزمبيق)، وهذه تضم غالبية سكان العالم وأكثرها عددا للسكان واستهلاكا للموارد البشرية، إضافة إلى الخشية من انتشار الأمراض.
ويتطرق إلى تأثر المنطقة بهذه الظواهر المناخية، بقوله: "لعل كل الدول العربية ستدفع ثمن تغير المناخ اقتصاديا، لكن مجموعة دول قد تكون الأكثر تضررا، مثل لبنان والجزائر ومصر وتونس والمغرب والسودان والصومال. هذه مهددة بالجفاف وعدم الاستقرار الذي يخلق ترديا اقتصاديا وأزمات إنسانية في السنوات المقبلة، وبما يؤثر بدوره على حركة التجارة العالمية.
التغلب على التحديات
وحول السبل الممكنة للتغلب على تلك التحديات، يشدد القاسم على أن السيطرة على ارتفاع درجات الحرارة من خلال تكاتف دولي قد يكون أمراً ملحاً وعاجلاً، لمواجهة الداعيات، مثل فتح ممرات مائية في القطب الشمالي منعاً من كارثة ذوبان الثلوج، وتعزيز التجارة البحرية وعبر السماء والتحول التدريجي نحو الطاقة البديلة أو المتجددة والاستثمار بطاقة الشمس والرياح وتعزيز الزراعة بالاعتماد على التطور التكنولوجي.
ويقول الخبير الاقتصادي إنه "إذا كان العالم يختبر أفضل أداء اقتصادي في التاريخ وصل إلى 25.3 تريليون دولار قيمة التجارة العالمية العام الماضي، فإن شبح التراجع بدأ يظهر الآن من خلال الأزمات الاقتصادية التي تضرب حركة التجارة واقتصادات الدول الكبرى ومعها باقي الاقتصادات النامية وارتفاع التضخم وتراجع سلاسل الغذاء نتيجة الجفاف". ويعتبر أن هذه مقدمات لسيناريو اقتصادي مستقبلي كارثي، إذا لم يصبح مكافحة التغير المناخي شعارا دوليا، نظريا وعمليا.
تكيّف وتخفيف
ويتطلب تغير المناخ تكيفا وتخفيفا سواء من الدول أو المنظمات الدولية والقطاع الخاص والمجتمع المدني؛ للحد من الانبعاثات الغازية والتأثيرات السلبية المرتبطة به، والعمل على تعزيز التجارة الدولية الخضراء والمستدامة والمنخفضة الكربون.
ووفقا لصندوق النقد الدولي، فإن نحو 24 دولة تفرض ضرائب على انبعاثات الكربون، غير أن فكرة وضع نظام عالمي لفرض ضريبة كربون لم تلق قدرا كبيرا من الاهتمام على الإطلاق.
وتوصلت محادثات "كوب 27" التي عقدت العام الماضي في مصر، إلى الاتفاق على إنشاء صندوق مخصص لمساعدة البلدان الضعيفة على التعامل مع "الخسائر والأضرار" المناخية، ويعول على مؤتمر المناخ القادم في الإمارات في إحراز مزيد من التقدم في هذا السياق.
أضرار جسيمة
من جانبها، تشير أستاذة الاقتصاد والطاقة بالقاهرة، الدكتورة وفاء علي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن الحديث عن أخطار التغيرات المناخية على التجارة الدولية والاقتصاد العالمي عموماً، كان في الماضي نوعاً من الترف أو من باب الخيال العلمي.. وترى أن:
● كل ما كان يحذر منه العلماء خلال السنوات الماضية أصبح يتحقق بسرعة ورعب شديدين ويخلق أضراراً جسيمة تلحق بالصحة والبيئة والزراعة والمياه وحركة التجارة العالمية وسلاسل الإمداد والشحن فى البحار والمحيطات.
● لم تكن التقارير الأخيرة التي أصدرتها المنظمات الدولية المعنية بشؤون المناخ والأمم المتحدة سوى إنذار أخير وخطير، وما الحرائق والفيضانات التي يشهدها العالم مؤخراً سوى ترجمة لهذه التقارير وتلك التحذيرات السابقة عليه.
● هناك عديد من المخاطر المرتبطة بتغير المناخ والتي يتعرض لها الناس ورفاهيتهم والنظم البيئية والاقتصادية والطبيعية في مناطق العالم المختلفة.
وتبيّن الآثار المباشرة الفورية لتغير المناخ هي من خلال موجات الحرارة التي تقتل الناس بالفعل لاسيما في الجزء الشرقي من حوض المتوسط وشرق آسيا وبعض بلدان العالم الحارة، وبخاصةً أولئك الناس الذين لا يتمتعون بإمكانية الوصول إلى الحماية المناسبة وكبار السن والأطفال والمعاقين معرضين بشكل خاص.
كما تنبّه الدكتورة وفاء علي، بأن من المهم فهم التغيرات المناخية ومراقبتها ودعم الدراسات التي تسعى إلى فهم الآثار المترتبة عليها وتطوير حلول لإبطاء معدل التغير، مشيرة إلى أن هذا يشمل مصادر الطاقة البديلة، وخفض الاستهلاك، وإجراء محادثات صادقة حول العمل على اتخاذ إجراءات ليست أحادية الجانب في مواجهة التغير المناخي، ومواجهة التحديات التي يجلبها تغير المناخ بصدق، حيث من المرجح أن تأثير التغيرات المناخية القادم شديد وتنفيذ الحلول سيكلف العالم ثمنا باهظا.
تداعيات اقتصادية
وتلفت إلى أن قضية التغيرات المناخية والارتفاع غير المنضبط في معدل درجة الحرارة للعالم كله بفعل تداعيات التغير المناخي تشغل العالم بالنسبة لأثارها الاقتصادية.
وارتبط النمو الاقتصادي على مدى العقود الخمسة الماضية - كما تشير علي- بتدهور سريع في البيئة العالمية، حيث لم يكن هناك في الفكر الاقتصادي ما يتعلق بقضايا استنزاف الموارد الطبيعية، فكل الأزمات التي يعانيها الاقتصاد العالمي وحركة التجارة الدولية في الوقت الحالي يؤكده عالم الأحياء الأميركي إدوارد ويلسون بقوله إنها في الأصل متصلة بالبيئة.
وتستدل في هذا السياق، بتقديرات تشير إلى أن حجم الخسائر العالمية حتى منتصف هذا العام بلغت أكثر من 4 تريليونات دولار، أما عام 2021 فخسائره بلغت 70 مليار دولار (وفق وكالة بلومبرغ).
وتثير الانتباه إلى أن الجفاف الشديد الذى تعرضت له قناة بنما؛ نتيجة للتغير في معدل سقوط الأمطار على هذه البحيرة بسبب التغيرات المناخية، ما يهدد مسار التجارة العالمية فى هذه القناة والتى تبلغ حوالى 5 بالمئة سنويا من حجم التجارة العالمية.. وتخلص إلى أن التغيرات المناخية تهدد الاقتصاد العالمي، ولابد من إعادة توزيع الأضرار والأدوار الناتجة عن هذه الظاهرة.